[يمامة الوادي]

عبث يسكن في الفؤاد فمتى يهدأ ؟!
بقلم الأخت : خلود

تمر على الإنسان أيام ولحظات, يشعر أنه الوحيد إلا من الله سبحانه وتعالى , قد يغترب القلب و يتوشح سماءه خفق لا يضيء شمعة يلمع نورها ويضيء بالقلب أملها, يلفح القلب شيئاً من زمهرير الألم, يذوب النور مع أدراج الرياح, ولا تسأل عن حالك بعد هذا .. يا لألم ذلك القلب الذي بين جنبيك..!
ثم تأخذ بك الأيام يمنة ويسرة, تموج بك مع الأحداث قد لا تنسيك أن قلبك خلى من النور لكنها تلهيك وتغريك وتقول لم يحن الوقت بعد ! فيجتذبك داعي الحق, ويستيقظ فيك العقل ليقول لك فمتى إذاً ؟! والعمر قصير, والزاد قليل, والسفر طويل, والآخرة خير وأبقى {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } فتنمو في القلب بذرة صدق, وتفاؤل وأمل بالله جل جلاله. لتسلم النفس بعد أن تتوكل على الرب جل في علاه وتعقد العزم للعقل, وتعيش مع النفس وقفات تراجع فيها أحوالك, وتحاسب فيها ذاتك, وتصحح من أخطاءك, وتعود أدراجك, بعد أن كاد الشيطان يغريك, ويلبس عليك الحق بالباطل. ترمق السماء بنظرة تملؤها العظمة, تمسحها بكلا ناظريك في ذلة وهوان للرحيم الرحمن, وحب وإنابة وإخبات, يسمو القلب بروح الإيمان, تتجلى في النفس كلمة صدق, كلمة حب, كلمة خفقا الإيمان, ونبضها السكينة والاطمئنان... " ربي مالي سواك " فهل عرفنا أننا لا شيء من دون الله عز وجل ؟! هل وعينا أن الحياة بدونه لا تطاق, وأن العيش مع غيره ذلة وهوان, وضياع للقلب وخسران !
أليس بين جنبيك نفس أبية, لا ترضى بالدنية, و تأبى حياة الذل والهوان؟ أي حياة تلك التي تتنفس هواها, وأنت تعيش بعيدا عن الرب سبحانه وتعالى ؟! مهما صفى لك خليل, وقرب منك حبيب, فقربك من الله سبحانه لا يعدله قرب .. وتأتي عليك بعض الليالي, ويأبى الألم إلا أن يبيت في قلبك, وينشب الحزن أظفاره في أحشاءك, وتساورك نفسك الجهولة, على تجاوز حدود الحق, وتغريك بالباطل, فتعدل عن الحق, وتحيد عنه, وتترك الطاعات, وتركن إلى المعاصي, وتستولي عليك فكرة لاشك مخطئة, فتطلب من البشر نصرتك, ولم تبقي أحدا حتى شكوت له, وأنّى لهم السبيل في إسعادك, وهم ضعفاء مثلك. إن الكروب والشدائد, هي التي تعلم أصحابها الدروس, ولقد تعلمت درساً عظيما سأبقيه بإذن الله تعالى محفوظاً في قاموس حياتي مادمت على وجه الأرض, وأن حادينا عنه يوما ما ؛ فإنما الكمال للرب سبحانه. لقد تعلمت عدم تعلق القلب بالخلق, أو الركون إليهم, مع إنقطاع الرجاء منهم, لأن من تعلق بشيء وُكل إليه, مع تمام التعلق بالله سبحانه وتعالى, واللجؤ إليه, وطلب الفرج والنصر منه {إِنَّمَا أَشْكُو بَثّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ }
تماسكت صبراً وإحتسابا فإنني == أرى الصبر سيفاً ليس فيه فلول
عذابي أنني أشكوا إلى الناس أني == عليل ومن أشكوا إليه عليل
وليس أصدق من دموع العبد بين يدي الرب جل جلاله, في حب وصدق وإخلاص وذلة ومسكنة وحسن ظن به سبحانه وتعالى. وكلما عظم هدفك, وسمت غايتك, هان عليك ما تلاقيه من فتن وبلاء والآلام وأحزان وهموم وكروب, بل إذا سمت أهدافك وغاياتك لم يعد السبيل فيها أن تطلب من المخلوق شيء, ولا تقصد إلا مالك الأرض والسموات.. فهل هناك أرقى وأسمى من هذا ؟! وأخيرا : كم عشنا في شتات, وغمرت قلوبنا الغفلة, ولقد سبقنا إلى الله سبحانه الكثير, فما موقفنا يوم نلقاه, وقد تفاوتت الدرجات, وتباينت المنازل, فمنهم آخذ بيمينه - نسأل الله أن نكون منهم - ومنهم آخذ بشماله - نعوذ بالله أن نكون منهم - وشتان مابين الفريقين شتان! بل حتى أصحاب الجنة تتفاوت منازلهم, وغاية الصادقين وجل هم السابقين الذين تعلقت كل ذرة من خفقات قلوبهم, ونبض عروقهم بالله عز وجل والفردوس الأعلى .. فأين نحن منهم ؟!
لقد آن الأوان أن تقف النفس وقفات, وتخلوا بها سويعات, تنقطع بها عن كل أحد إلا من الله, تسأله أن يعينك على نفسك والشيطان.
أسأله سبحانه أن يجعل أقوالنا وأعمالنا خالصة لوجهه الكريم, وأن يوفقنا لكل خير, ويهدينا الصراط المستقيم .