[رب همة تصنع أمة]

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له

ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ..
أما بعد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما أكثر ما يفزع الأمة من أمور ومحدثات هذا الزمان ..
وما أشد ما يكيد لها أعداءها ويحيكون خططهم بهدوء وروية ..

وما بين نوايا العدو .. وغفلة الأمة .. كيف لنا ان نتصرف في مثل هذه الأمور ..
وبماذا كان عليه الصلاة والسلام يأمر الناس إذا ما فزعوا ..؟.

إنها السكينة .. الأدب العظيم .. والخلق الكريم ..
والتصرف بعقل وحكمة .. وِفق الكتاب والسنة


فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأمرنا إذا فزعنا بالجماعة والصبر .. والسكينة ..



السكينة لغة : مأخوذة من مادة ( س ك ن ) ، التي تدل على خلاف الاضطراب والحركة
يقال : سكن الشيء إذا ذهبت حركته فاستقر وثبت ..

وقد تختلف معاني هذا الاسم بحسب وروده : فقد تطلق على الوقار ، الرحمة ، التأني في السير ، النصر ، الطمأنينة و الحكمة


المعنى الاصطلاحي للسكينة :
قال الجرجاني : هي ما يجده القلب من الطمأنينة عند تنزل الغيب وهي نور في القلب يسكن إليه شاهده ويطمئن ، وقيل زوال الرعب .

وقال ابن القيم : هي الطمأنينة والوقار والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدة الخوف فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه ويوجب له زيادة الإيمان وقوة اليقين والثبات .

وردت السكينة في ستة مواضع في القرآن الكريم :

{ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248) } البقرة

{ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (26) } التوبة

{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) } التوبة

{ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) } الفتح

{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) } الفتح

{ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26) } الفتح

واختلفت معانيها في الآيات السابقة ما بين النصر والطمأنينة والتثبيت على الرضا والتسليم . وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : "وكلُّ سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلا التي في سورة البقرة ".


أما في السنة فقد وردت في مواقع عدة وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يأمر بها أصحابه رضوان الله عنهم .. وفي ذلك :

** عن البراء -رضي الله عنه- قال : كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابة ، فجعلت تدور وتدنو ، وجعل فرسه ينفر منها . فلما اصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : " تلك السكينة ، نزلت للقرآن " رواه البخاري ، والشطن هو الحبل الطويل المضطرب .


** وعنه رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التراب _وقد وارى التراب بياض بطنه- وهو يقول :
والله لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزل سكينة علينا *** وثبت الأقدام إن لاقينا
إنَّ الأُولى قد بغوا علينا *** إذا أرادوا فتنة أبينا )
رواه البخاري


** عن أب هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الفخر والخيلاء في أهل الفدَّادين ، وأهل الوبر والسكينة في أهل الغنم . والإيمان يمانٍ والحكمة يمانية " .رواه البخاري .

** عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :" لا تقوموا حتى تروني وعليكم السكينة ". رواه البخاري .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسم :" وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " رواه مسلم

** عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يسروا ولا تعسروا ، وسكنوا ولا تنفروا " رواه البخاري ومسلم واللفظ له .


** عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ، وأتوها تمشون ، عليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " رواه البخاري

وتختلف استعمالات لفظ السكينة باختلاف ورودها بين ثلاث معانٍ :

الأول : سكينة بني اسرائيل التي أعطوها في التابوت .
الثاني : السكينة التي أنزلها الله على قلب رسوله المؤمنين .
الثالث : السكينة التي تنطق على لسان المحدثين .


كيف كان يرى العلماء السكينة ..:

**عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : (السكينة مغنم وتركها مغرم ) .


ولابن القيم – رحمه الله تعالى – أقوالا كثيرة في ذلك منها :
** جاء في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة : (إنني باعث نبياً أميّاً ، ليس بفظٍّ ولا غليظ ، ولا صخَّاب في الأسواق ، ولا متزين بالفحش ، ولا قوَّال للخِوا .. أجعلُ السكينة لباسه والبرِ شعاره ) .

** ( السكينة إذا نزلت على القلب اطمأن بها ، وسكنت إليها الجوارح وخشعت واكتسبت الوقار ، وأنطقت اللسان بالصواب والحكمة وحالت بينه وبين قول الخنا والفحش واللغو والهجر وكل باطل ) .


** ( كان شيخ الإسلام رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة ، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه : لمَّا اشتد علي الأمر قلت لأقاربي ومن حولي : اقرأوا آيات السكينة قال : ثم اقلع عني ذلك الحال ، وجلست وما بي قلبة ) .

** ( جربت قراءة آيات السكينة عند اضطراب القلب بما يرد علي فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه و طمأنينته( .


** إنَّ السكينة التي تنطق على لسان المحدثين ليست شيئا يُملك ، وإنما هي شٌيء من لطائف صنع الله تعالى تُلقي على لسان المحدث الحكمة كما يلقي الملكُ الوحي على قلوب الأولياء وتُنطِق المحدثين بنكت الحقائق مع ترويح الأسرار وكشف الشبه ، وقد أشار بذلك إلى النوع الثاني من أنواع السكينة ) .

** ( وقال صاحب المنازل : وأما السكينة التي نزلت على قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقلوب المؤمنين فهي شيءٌ يجمع قوة وروحا ، يسكن إليه الخائف ويتسلى به الحزين والضجر ويسكن إليه العصي والجريء والأبي ).

** وقال رحمه الله : ( السكينة إذا نزلت على القلب اطمأن بها ، وسكنت إليها الجوارح وخشعت واكتسبت الوقار وانطقت اللسان بالصواب والحكمة ) .

منقوووول