[يمامة الوادي]

خمول
د. ياسر بكار

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا.

بدايةً: أودُّ أن يجيبَ عن سؤالي الدكتور/ ياسر بكار - وفَّقه الله.

المشكلة هي: أنني منذ فترةٍ أشْعُر بخُمُول شديدٍ، ونزوع إلى الراحة، وترْك بعض الأعمال، حتى لَم أعدْ أنشَط للقراءة ولا لغَيْرها منَ الأعمال المهمة، وترك التنسيق والإعداد لبعض الرحلات؛ لأنِّي لَم أجدْ في نفسي نشاطًا لذلك؛ هل هذه عوارض نفسيَّة طبيعيَّة؟ وما سببها؟ أرجو أن يكون الحديث عنها بإسهاب؛ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

في البداية، أودُّ أن أطمئنك أن ما ذكرته من أعراض - كالشعور بالخمول، وقلة النَّشاط - منَ العوارض الطبيعية التي يُصاب بها أيُّ إنسان، ونحن نعلَم أنَّ هذه كانتْ إحدى الشكاوى التي وصلتْ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما حدَّثه أحدُ الصحابة عن خموله، أو تراجع نشاطه، الذي يشعر به عندما يكون لديه - صلى الله عليه وسلم.

فهذه منَ الأُمُور المعتادَة والمعروفة التي يُمكن قَبولُها بشكْل طبيعيٍّ، إذا لَم يَمْتدَّ هذا النزوع إلى الراحة لفترة طويلة، أو يصاحبه كسلٌ شديدٌ.

أودُّ منك أن تُتابع معي النِّقاط التَّالية، التي قد تفسِّر مُسببات هذه الحالة؛ حتَّى نسعى لعلاجها:
أولاً: من أهم أسباب الخمول: انخراط الشخص في أنشطة لا تُناسب قدراته أو ميوله الشخصية، ففي بعض الأحيان قد ينخرط الفرد في أعمال؛ مجاراة لصديق، أو بسبب رغبته في المشاركة في المصلحة العامة.

يجب أن نتذكر أنه كما خَلَقَنا الله - سبحانه وتعالى - مختلفِين في الأشكال والألوان، خلقنا مُختلفين في الميول والقدرات والأشياء التي نستمتع بها، فهناك مثلاً مَن يستمتع بتنظيم الرحلات، في حين أن غيره يجد هذا النشاط غير ممتعٍ على الإطلاق... وهكذا.

لذلك؛ لا بد أن نبحث في ذاتنا، ونحاول أن نستكشف الأمور التي تُثير الحماس لدينا، وتتناسَب مع ميولنا وقدراتنا الشخصية، لا بد أن ننخرطَ في الأعمال التي نستمتِع بها، وليس تلك الأعمال التي تقَرِّبنا من شخص ما، أو تلامس هموم الأمة، فعندما ننخرط في أنشطة لا تتلاءَم مع شخصيَّاتنا، سنجد أننا في فترة ما نتوقف فجأة، ويُراودنا شعور بالخمول والنزوع إلى الراحة.

ثانيًا: بعض مَن يُعانون من الخمول الشديد، أو النزوع إلى الراحة - في الواقع - يعانون من (الاكتئاب)، وهناك أعراض أخرى مهمة لا بدَّ من وجودها للتأكُّد من وجود الاكتئاب من عدمه، أهمها:
- ضيق الصدر والحزن دون سبب واضح.

- اضطراب النوم، وضعف الشهية للطعام.

- التعب الشديد من أيِّ مجهود.

- الكسل السريع.

- عدم الرغبة في القيام بالأشياء التي كانت محببة فيما سبق.

- عدم التركيز، أو ضعف الذاكرة.

هذه هي أهم الأعراض التي تدل على الاكتئاب، وفي حال وجودها يُرجى مُراجعة الطبيب النفسي؛ للتأكُّد من التشخيص، والعمل على علاجه.

ثالثًا: بالنسبة لابتعادك عن القراءة: أرى أن سببه قد يكون عدم وجود هدَف واضح للقراءة، وأنا أعتقد أن القراءة نشاطٌ غير مُمتع في حدِّ ذاته، ويتحَوَّل إلى نشاط ممتع إذا كانتْ وسيلةً نصل من خلالها إلى غايةٍ مُعينة، كالنجاح في اختبار، أو تقديم دورة، أو كتابة مقال، أمَّا القراءة مِن أجْل الثقافة العامة، فعادة ما تصيب الفرد بالخمول.

عندما يشكو شخصٌ ما مِن كسل في القراءة، أسأله: لماذا تقرأ؟ فعندما يتَّضح لديه الهدف، ويرسمه بصورة واضحة، تُصبح القراءةُ عملاً مُمتعًا، خاصة إذا لامستْ ميول وقُدرات ذلك الشخْص.

وختامًا: أودُّ منك أن تستفيدَ من فترة الخمول هذه؛ فقد تكون فرصة لأن تراجع مسارك، وتُعيد ترتيب حياتك.

أرجو لك حياةً هانئةً،