[يمامة الوادي]

أنين ونعيم ::



من سكنى القصور والأنهار والحدائق الغناء..
إلى قيظ الشمس.. ووهج لهيب الصحراء..
من مُلكٍ ذات اليمين ونعيم ذات الشمال..
لأوجاعٍ تحت حراب الموت ، وأنين عذابٍ فوق الأوتاد ..
من أرض بجوار مَلَكٍ قال أنا ربكم الأعلى.. إلى بيت بجوار الله في الملكوت الأعلى..
تلك هي من كَمُل وصفُها.. وخلدت آي القرآن العظيم ذكرَها.. وتعبدت الآنام بنبأها ، قال تعالى: { وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(التحريم/11)

هي آسية بنت مزاحم بن عبيد الديان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف- عليه السلام- وقيل إنها كانت من بني إسرائيل من سبط موسى- عليه السلام-..

كانت تعيش في أعظم القصور وأفخمها ،
كان القصر محتشداً بصنوف الجواري وألوان العبيد ،
كانت تتنعّم بالديباج والذهب والفضّة والرياش ،
كانت لا تتمنى شيئاً إلا نالته ، ولا تحلم بشئ إلا ملكته ،
ولا ترجو أمراً إلا أدركته ، ولكن لم يثنها كل هذا عن التفكر ،
ولم يحجبها كل ذلك عن قبس نور الإيمان ،
ولم يرهبها في كل ذلك
-عن إعلان إيمانها-
ما رأته مما ينال المؤمنين من صنوف العذاب ،
وصور التنكيل تحت سمعها وبصرها حتى الموت..

احتضنت نبينا موسى-عليه السلام-وكان قرة عينٍ لها ، وانفتح قلبها لدعوته وآمنت برسالته ، ثم جهرت بقولها ربي الله..

بينما كانت الماشطة امرأة حزقيل تمشط ابنة فرعون إذ سقط المشط من يدها فقالت: بسم الله. فقالت ابنة فرعون: أبي ، فقالت الماشطة: بل ربي ورب أبيك ورب العالمين. فغضبت ابنة فرعون ، وأخبرت فرعون أباها بذلك ؛ فأحضر الماشطة فسألها؟ وقالت : نعم إننى مؤمنة بإله موسى. فأمر بها فرعون فمدت على أربعة أوتاد ، وما زالت تعذب حتى ماتت.

وكانت آسية متطلعة من نافذة في قصر فرعون تنظر إلى الماشطة امرأة حزقيل كيف تعذب وتقتل ، وكانت آسية تعتصر ألماً وحزناً على الماشطة فلما قتلت الماشطة عاينت آسية الملائكة وقد عرجت بروحها لما أراد الله تعالى من كراماتها ، وما أراد لأسيا من الخير ، فازدادت يقيناً بالله ، وتصديقاً.

وبينما هي كذلك إذ دخل عليها فرعون وجعل يخبرها بخبر الماشطة امرأة حزقيل وما صنع بها. فاستشاطت آسية غضباً وقالت: الويل لك يا فرعون ما أجرأك على الله تعالى. فقال لها: لعلك قد اعتراك الجنون الذي اعترى صاحبتك ؟ فقالت: ما اعتراني جنون ، ولكنى آمنت بالله ربى وربك ورب العالمين ، وجن جنون الفرعون لسماعه هذا الأمر المروع بالنسبة له ، وحاول عبثاً ردها عن إيمانها وأن تعود كما كانت في السابق ، فتارة يحاول إقناعها بعدم مصداقية ما يدعو له موسى- عليه السلام- وتارة يرهبها بما قد يحل بها من جراء إتباعها لموسى- عليه السلام- ووقفت آسـية على مُفـترق طريق : فهذا يؤدِّي إلى الجحيم ، وهذا يؤدِّي إلى النعيم ولكنها لم تتردّد في الاختيار ، آثرت جنّة الله الخالدة على جنّة فرعون البائدة .
وثبتت على الحق ولم يزحزحها فرعون في دينها وإيمانها مقدار ذرة.

سأل فرعون حاشيته عن رأيهم في مولاتهم "آسية بنت مزاحم" فأثنوا عليها كثيراً ، وقالوا أن لا مثيل لها في هذا العالم الواسع ، وما أن أخبرهم بأنها اتبعت دين موسى- عليه السلام- حتى طلبوا منه بأن يقتلها فما كان عقابها من الفرعون إلا أن ربط يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس الحارقة ، ووضعوا صخرة كبيرة على ظهرها ، وبدأوا يذيقونها صنوف العذاب.

سليلة الأمراء وربيبة القصور وملكة البلاد ، تقبع فوق أوتاد العذاب ، تحت حراب الموت ، في قيظ لهيب الشمس ،
لا يثنيها ألمها عن إيمانها ولا عذابها عن يقينها ولا أوجاعها عن فيض محبتها فتناجي ربها ، وهي تحت حراب الموت وتسأله الجوار ببيت في الجنة
{ ..إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}

وبينما كانت تتألم ، وبينما كان الزبانية يتفنون في إذاقتها صنوف العذاب ، إذا بالملائكة تتنزل عليها وتكشف لها عن منزلتها ومكانتها ومشهد بيتها في الجنة ،
فكلما ازداد العذاب ازدادت ابتسامتها وفرحتها بما تراه من منظر في الجنة ،
فكان الحرّاس يستغربون من الأمر فيسألونها ما بك تضحكين وتفرحين ؛
فإذا بها تقول إني أرى منزلتي ومكانتي في الجنة ،
واختارت جوار الله فاختارها الله إلى جواره ، لتكون هي واحدة من أربع نساء في العالمين كملت صفاتهن ، وخلد ذكرهن ، واستقام نور الإيمان في قلوبهن.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهنّ : «كَمُل من الرجال كثـير ولم يكمل من النِّساء إلاّ أربع : آسية بنت مزاحم ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد»

هذه سيرة امرأة مؤمنة صالحة ثبتت على الحق ، واستشهدت في سبيله ،
فهل تتمنَّين أن تكوني مثلها صبراً وجلداً وتحدّياً وصلابةً في الحقّ ؟
هل تركلين النعيم الزائل الزائف إذا اصطدم بإيمانك ومبادئك ورسالتك ؟
وهل تؤثرين جنّات عدن خالدة فيها أبداً ؟
هل تتردّدين في الخيار بين رضوان الله الأكبر وبين رضا الطاغوت الدنيوي الأصغر؟! وهل لك في العروج مع آسيا إلى مدارج الكمال أيتها المسلمة!!؟؟
من اطلاعاتي