[يمامة الوادي]

وكانت النتيجة ... البكاء

كانت الساعة الواحدة ظهراً أو لعلها كانت بعد ذلك بقليل ، ليس هذا هو المهم فالتوقيت لم يكن القضية
المهمة ، بل الأهم كان ذلك الشاب الذي تجاوز عمره الثلاثين بقليل كانت كل تعابير وجهه
تحكي أن وراءه قصة مأساوية ، وعيناه الحمراوان تؤكدان أنه لم يذق طعم النوم منذ فترة .

كان جالساً علي الكرسي الذي أمامي في الوقت الذي أجلس فيه علي مكتب الطبيب في غرفة الطوارئ
بمستشفي الطب النفسي ، نظر إلي وقال :
- لست أدري من أين أبدأ ؟
- قلت : لا عليك ابدأ من حيث شئت ، وثق بأننا معتادون علي أن نستخرج المعلومات
التي نريدها كاملة دون أن نهتم إن كانت القصة قد بدأت من البداية أم من المنتصف .
- قال : فإذاً أبدأ من حيث أتذكر .
- قلت : تفضل .. ولا عليك .
- كانت مشكلتي البارحة ليلاً هي أين أذهب بأولادي فهم ثلاثة ،
وتعبي الذهني والجسدي والنفسي لا يعطيني المقدرة علي أن أرعي هؤلاء الأطفال ،
وأمهم قد تركت المنزل وذهبت إلي بيت أهلها ..
تركتني في أشد لحظات حاجتي إليها وأطفالي قد تربوا علي الدلال ،
وهم لا يقدرون علي هذه ( البهدلة ) .

- لعل لي الحق أن أسأل ولماذا تركت زوجتك البيت ؟ !

- دكتور .. لقد تزوجنا منذ عشر سنوات ، وفي هذه السنوات العشر عملت في تجارتي
بكل جد حتي غدا المبلغ الذي أعطاني إياه أبي عند الزواج أضعاف ما كان عليه ،
فكانت حياتنا رغيدة هانئة سعيدة بل ومترفة .

لم أحرم نفسي ولا زوجتي وقطعاً ولا أولادي من أية متعة دنيوية مباحة حتي لو بدا ذلك فيه شيئاً من الترف
الزائد ، وكنت لا أهتم وأقول ما فائدة المال إذا لم يسعدني ، ولكن منذ حوالي السنتين مررت بضائقة
مالية شديدة أكلت القدر الأكبر من مدخراتي ، وما بقي منها إلا الذي يسير حياتي بالقدر المقبول ،
وحاولت أن لا تشعر زوجتي بأي شيء ولا ينتبه الأولاد لأي تغيير .

وهكذا استمر الأولاد في مدارسهم الخاصة وتأتي زوجتي بكل ما تريد من ملابس ومواد زينة
ولا أنسي الصيف الماضي عندما اضطررت إلي بيع شققي في الخارج حتي ألبي رغبتها بالسفر ،
وفي الخارج سألتني زوجتي عن مصير تلك الشقق وأذكر حينها أنني تحججت لها بأي شيء ،
كل ذلك حتي لا تشعر بالتغيير الذي أصابني في مدخراتي ..

ولكنها منذ أسبوع طلبت مني أن أشتري لها سيارة جديدة فرفضت ،
ولأنها لم تعتد مني الرفض ، فقد عاودت السؤال ثانية وعاودت الرفض ، فاستغربت الأمر ..
ومنذ ثلاثة أيام صارحتها بأن وضعي المادي لا يسمح لي بأن اشتري لها السيارة الجديدة التي تريد ،
بل وربما لن نستطيع أن نسافر هذا الصيف ، وأن هذا الأمر مؤقت وإني سأكون قادراً
علي الخروج من هذه الضائقة قريباً ..
ولكن بالأمس فوجئت بها وقد تركت لي المنزل والأولاد وذهبت إلي بيت أهلها ..
تصور يا دكتور لم تقبل أن تصبر معي .. ( ثم أجهش بالبكاء ) .

لا ليس خطؤها
الحقيقة ( همست في نفسي بأنه المخطئ ) إذ لم أجد شيئاً غريباً علي الإطلاق في تصرفها ،
بل تصرفها جاء ردة فعل طبيعية جداً، فالمعركة لم تكن معركتها علي أية حال ،
ثلاث سنوات وقد أخفي عنها كل شيء ، لا تعرف عن همومه ومشاكله ولا ضائقته المالية البته ،
لم يصارحها حتي عندما بدأ في بيع ممتلكاته،
واليوم وفجأة يطالبها بأن تدخل معه هذه المعركة دون أن يكون عندها أدني فكرة أو علم .

- لا ، ليس خطؤها ...
- ماذا تقول يا دكتور .. كيف لا يكون خطأ منها ألا تقف بجانبي ؟!
- لأنك أفهمتها دون أن تدري أنت أنها لا تصلح أن تقف بجانبك وخاصة عندما لم تصارحها
بوضعك وأحوالك ، بل عاملتها وكأنها دمية وصاحبتها تلبسها ، ملابس جديدة وتغير فيها من شكلها ،
ولكنها في الأخير دمية لا تعي ولا تفهم ولا تشارك ، وليس لها أن تشارك في حل مشاكل صاحبتها .

وكل ما فعلته هذه الدمية .. عفواً أقصد زوجتك أنها عادت إلي المتجر أقصد بيت والدها عندما
وجدت أن صاحبها لن يقدر أن يبدل ثيابها ويمشط لها شعرها .
ألم يكن من الأولي والأجدر بك أن تصارحها وتشاركها بدل أن تذرف الدموع اليوم عليها !!!
الفرحة