[لولو درة فلسطين]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم..... أما بعد:


فاتقوا الله عباد الله وأعلموا بأن أعظم نعم الله على عباده في هذه الدار نعمة الهداية والثبات على طريق الاستقامة على نهج الكتاب والسنة فمن تحققت له هذه النعمة فإنه يحيى حياة طيبة ملؤها السعادة والطمأنينة ويجد حلاوتها في قلبه إلى أن يلقى الله (( من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )) وقال سبحانه (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفر حوا هو خير مما يجمعون ))


هذا في الدنيا فما بالك ياعبدالله فيما أعده الله في الجنة؟ ففي صحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عز وجل (( أعددت لعبادي الصالحين مالاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر مصداق ذلك في كتاب الله (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ))


فكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده وجعلها مقراً لأحبابه وملأها من رحمته وكرمه ورضوانه ووصف نعيمها بالفوز العظيم وملكها بالملك الكبير وأودعها جميع الخير بحذافيره فإن سألت عن أرضها وتربيتها فهي المسك والزعفران وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن


وإن سألت عن بلاطها فهو المسك والاذخر.


وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر .


وإن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة وإلاوساقاها من ذهب وفضة لا من الحطب والخشب .


وإن سالت من ورقها فأحسن مايكون من رقائق الحلل


وإن سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنها من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام .


وإن سألت عن وجوه أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر.


وإن سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون .


وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم فهن اكواعب الأتراب اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت ويضيْ البرق من ثناياها إذا ابتسمت . لو اطلعت على الدنياء لملأت مابين الأرض والسماء ريحاً ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً.


هذا وإن سألت عن يوم المزيد وزيادة العزيز الحميد ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه كما تراى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر كما نواثر ذلد من الصادق المصدوق فاستمع يوم ينادي المنادي يا أهل الجنة إن ربكم تبارك وتعالى يستزريركم فحى على زيارته فيقولون سمعاً وطاعة وينهضون إلى زيارة مبادرين حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك ثم لهم منابر من نور ومنابر من من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة وجلس أدناهم ـــــ وحاشاهم أن يكون فيهم دنيْ ـــــ على كثبان المسك ومايريدون من أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا حتى إذا استقرت بهم مجالهم واطمأنت بهم أماكنهم نادى المنادي يأهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولون ماهو ؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار ؟


فبينما هم كذلك إذا سطع لهم نور أشرقت له الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول يا أهل الجنة فيكون أول ما يسمعون منه تعالى أين عبادي الذين اطاعوني بالغيب ولم يروني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة قد رضينا فارض عنا فيقول يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي هذا يوم المزيد فسلوني فيجتمعون على كلمة واحدة أرنا وجهك ننظر إليه فيكتشف لهم الرب جل جلاله الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره مالولا أن الله تعالى قضى أن لايحترقوا لا حتراقوا ولايبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة حتى إنه ليقول يا فلان اتذكر يوم فعلت كذا وكذا ؟ يذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول يارب ألم تغفر لي؟ فيقول بلى بمغفرتي بلفت منزلتك هذه؟


فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة وياقرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة وياذلة الراجعين بالفقة الخاسرة: (( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة ))


في جنات عدن فانها منازلك الأولى وفيها المخيمُ


ولكننا سبي العدو فهل ترئ نعود إلى أوطاننا ونسلمُ



أعلم ياعبدالله وفقك الله للهداية وثبتك على طريق الاستقامة بأن الفوز برضى الرحمن والظفر بالجنان ومابينها من الحور الحسان هو بالعمل الدؤوب والجهد والمثابرة بالمحافظة على الأعمال الصالحة فاجتهد رعاك الله في البعد عما يفسد قلبك ويسمم فكرك ويضعف إيمانك (( والذين جاهدوا فينا نهديهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ))


ولتعلم صفات من فاز بالجنات وتبوأ فيها أعلى الدرجات من قال الله فيهم (( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار )) وقال سبحانة (( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون )) وقال سبحانه (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً )) إلى غير ذلك من الأيات واستمع إلى ما قاله ابن القيم رحمه الله :


يا خاطب الحور الحسان وطالباً لوصالهن بجنة الحيوان


لو كنت تدري من خطبت ومن طلبت بذلت ماتحوي من الأثمان


أسرع وحث السير جهدك إنما مسراك هذا ساعة لزمان


فاعشق وحدث بالوصال النفس وإبذل مهرها مادمت ذا إمكان


واجعل صيامك قبل لقياها ويوم الوصل يوم الفطر من رمضان


واجعل نعوت جمالها الحادي وسر تلقى المخاوف وهي ذات أمان