[حوراء]

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





من القيم الجامعة في الإسلام قيمة " البر "والمعني الذي يتبادر إلي الذهن في معظم الأحيان عند ذكر هذا المفهوم هو الصلة والإحسان إلي الفقراء والمساكين بصفة عامة أو البر بالوالدين بصفة خاصة بمعني الإحسان إليهما جزاء ما قدماه لأولادهما وهذا المعني يأتي مقابل العقوق للوالدين بمعني الإساءة إليهما والولد العاق هو الذي يتنكر لجميل والديه .


وتأكيدا علي أهمية البر بالوالدين والإحسان إليهما جاء في القرآن الكريم مقترنا بالأمر بعبادة الله : (وأعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ) سورة النساء 36 كما
جاء التأكيد علي ذلك في أقوال النبي صلي الله عليه وسلم ومنها " بروا أباءكم تبركم أولادكم " أخرجه الهيثمي وأبو نعيم والطبراني فجزاء الإحسان إلي الوالدين يكون إحسانا من الأحفاد لأبنائهم والإساءة إلي الوالدين يجنيها الأبناء عقوقا من أبناءهم فالجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان وفضلا عن ذلك فإن مشتقات البر تطلق علي الله سبحانه وتعالي كما تطلق علي الإنسان أيضا فالله هو " البر الرحيم " وهذا يعني أنه يمنح عباده الثواب والرضا والمحبة الإلهية أما إطلاق مفهوم البر متعلقا بالإنسان فإنه يعني مفهوما شاملا لكل المعاني النفسية
والأخلاق الفاضلة وما يترتب عليهما وينتج عنهما من أعمال صالحة تقرب الإنسان من الله وتوثق صلته به فالمعني المقصود إذن شامل لكل معاني الخير دينيا ودنيويا وأخرويا .وياتي البر كذلك في الحديث النبوي الشريف تعبيرا عن الضمير وهذا ما نجده في
إجابة النبي عليه الصلاة والسلام عندما سئل
عن البر فقال " استفت قلبك . البر ما اطمأنت
إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك
في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس
و أفتوك " رواه الإمام أحمد والدرامي .


وفي أطول آية عن البر في القرآن الكريم نجدها تبدأ بالتنبيه إلي أن البر ليس مرتبطا بالمظاهر والأشكال وإنما يرتبط أرتباطا وثيقا بالجوهر وحقائق الأمور وهذا ما نقرؤه في الآية المشار إليها ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من
آمن بالله واليوم الآخر ) البقرة 177 ثم تستمر الآية في تفصيل المراد بالبر والذي يتلخص كما يقول بعض المفسرين أيضا في ثلاثة أنواع جامعة لكل صور الخير


1- البر في العقيدة : فهو الصدق فيها ويشمل الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبين

2- البر في العمل : فيشمل أيضا صورا عديدة من صور الخير ترجع إلي إنفاق المال علي رغم حب الإنسان له - صلة لذوي القربي واليتامي والمساكين وغيرهم من أصحاب الحاجات كما يشمل البر في العمل أيضا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإشارة في الآية مرة أخري إلي الزكاة مع سبق الإشارة إلي إنفاق المال يدل علي أنهما أمران مختلفان لا يغني أي منهما عن الآخر .


3- البر في الخلق : فإنه عام يشمل كل الفضائل الخلقية وفي هذا المعني ورد الحديث النبوي الشريف" البر حسن الخلق " رواه مسلم


وهكذا نجد أن التعمق في فهم معني البر كما جاء في القرآن الكريم يطلعنا علي جوانب عديدة تشمل جميع جوانب الحياة ومن هنا فعندما يحثنا القرآن الكريم علي التعاون علي البر في قوله تعالي ( وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان ) سورة المائدة 2 فإنه يعني كل هذه المعاني المشار إليهاومن ذلك يتضح لنا أن المفاهيم والقيم الإسلامية لا تؤخذ بظاهرها وإنما تنطوي عليه من أسرار بالغة الأهمية تعبر عما تشتمل عليه من دور باهرة تجلب الخير للإنسان.