[harun]

صديق حسن خان القنوجي



ما حكم تعلم علم النجوم، وأحاديث ذمه صحيحة أم لا؟ وينسب شيخ الإسلام ابن تيمية فخر الدين الرازي إلى الكفر؛ لأنه ألف كتاباً في عبادة النجوم، ونقل تكفيره من كتاب ((مختلف الحديث)) لابن قتيبة .




تعلم هذا العلم والعمل به حرام مثل تعلم السحر والعمل به سواء بسواء، قال في ((نيل الأوطار)): فكما أن تعلم السحر والعمل به حرام فكذا تعلم علم النجوم والكلام فيه حرام، انتهى.

وقال ابن رسلان في ((شرح السنن)): المنهي عنه ما يدّعيه أهل التنجيم من علم الحوادث والكوائن التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان، ويزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها وافتراقها، وهذا تعاطٍ لعلم استأثر الله بعلمه.

وأما علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة، وكم مضى وكم بقي فغير داخل فيما نهى عنه، ومن المنهي عنه التحدث بمجيء المطر، ووقوع الثلج، وهبوب الرياح، وتغير الأثمار، انتهى.

ولكن الحق أن تعلم هذا العلم لمعرفة أوقات الصلوات، وحساب الشهور والسنوات أيضاً بدعة، قال صاحب ((سبل السلام)): التوقيت في الأيام والشهور والسنوات بالحساب للمنازل القمرية بدعة باتفاق الأئمة، انتهى.

يتبين من القرآن الكريم وصحيح البخاري أن النجوم لثلاثة أشياء فقط:

أحدها: تزيين السماء الدنيا، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَاء ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ}([1]).

ثانيها: رجم الشياطين الذين كانوا يعرجون إلى السماء لاستراق السمع، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِينِ}([2]).

ثالثها: الاهتداء في البر والبحر، كما قال: {وَعَلامَـٰتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}([3])، ومن يستخرج غير ما ذكر في الفوائد والمنافع فهو محروم من حلاوة الإيمان، قال قتادة: فمن تأول فيها غير هذا فقد أخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا يعنيه، وما لا علم له به، وما عجز عن علمه الأنبياء والملائكة، وعن الربيع مثله، وزاد: واللهِ ما جعل الله في نجمٍ حياة أحدٍ ولا موته ولا رزقه، إنما يفترون على الله الكذب ويتعللون بالنجوم، أخرجه رزين.

وجاء في حديث ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اقتبس باباً من علم النجوم بغير ما ذكر الله، فقد اقتبس شعبة من السحر، المنجم كاهن، والكاهن ساحر، والساحر كافر)) أخرجه رزين، ومفهوم هذه القضية أن المنجم كافر. وفي رواية: ((من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)) رواه أحمد([4]) وأبو داود([5]) وابن ماجه([6])، وسكت عنه المنذري، وأبو داود، ورجال إسناده ثقات، والمعنى: ما زاد من علم النجوم كمثل ما زاد من السحر، قال في ((نيل الأوطار)): وقد علم أن السحر حرام، والازدياد منه أشد تحريماً فكذا الازياد من علم التنجيم، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عقد عقدة نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق بشيء وكّل إليه)) أخرجه النسائي([7])، وعن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)) أخرجه مسلم([8])، وفسروا العراف بالمنجم، وهذه الأحاديث كلها في الصحاح.

والرازي فقيه، متكلم، أصولي، شافعي، لا يستبعد من إحاطته بالعلوم أن يؤلف كتاباً في علم النجوم، لكن يستبعد كون الكتاب في عبادة النجوم ويتوقف على مشاهدة ذلك الكتاب، ولو اطلع عليه شيخ الإسلام، والكتاب كما ذكر، فمؤلفه بدون ريب محل الرد والقدح، وأنكر عليه كبائر المحدثين خوضه في علم الكلام والفلسفة.

كتب الشيخ عبد الحق الدهلوي في رسالة ((مرج البحرين)): أن بعض أرباب الكشف لما تشرفوا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم المعنوية سألوا عن فخر الدين الرازي، قال: ((ذلك رجل معاتب))، وقال عن ابن سينا: ((رجل أضله الله على علم))، وقال عن شهاب الدين المقتول: ((هو من متبعيه)) يعني من أتباع ابن سينا، وقال عن الغزالي: ((ذلك رجل وصل إلى مقصوده))، قالوا: إن هناك فرقًا بين وصل المقصود ووصل إلى المقصود.

وبالجملة فإن خوض أهل الإسلام وأرباب علم الكلام في الأمور الفلسفية ولو كان بقصد الرد والإبطال على أهل الزيغ ونفع أهل الحق لكن ضمناً يعود عليهم أيضاً بالضرر العظيم، ويكون موجباً للتردد في العقائد وتزلزل قواعد الدين ويتسبب لفتح باب التشكيك والترديد، كم من شخص بعد الخوض والغلو في علم الكلام لم يخرجوا من ورطة الحيرة سالمين، وفقدوا متاع اليقين، إلا من عصمه الله، وذلك نادر، فإنا لله وإنا إليه راجعون، انتهى كلامه.

وقد حكى الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير اليماني في رسائله: رجوع فخر الدين الرازي عن الاعتقاد بعلم الكلام وغيره من الأمور الفلسفية، ونقل وصيته عند موته بترك الاشتغال بهذه الفنون، والوقوف على المنطوق والمنصوص من أدلة الكتاب والسنة، ولله الحمد، وإنما الاعتبار بالخواتيم، والله أعلم.



--------------------------------------------------------------------------------

([1]) الملك:5.

([2]) أيضاً.

([3]) النحل:16.

([4]) المسند (1/227، 311).

([5]) في الطب (4/15).

([6]) في الأدب (2/1228)، أخرجه أيضاً البيهقي (8/138، 139)، والطبراني في الكبير (11/135)، قال الألباني: قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات، الصحيحة رقم (793).

([7]) في التحريم (7/112).

([8]) في السلام (4/1751)، رواه أيضاً الإمام أحمد في المسند (4/86) و(5/380).