[ساره]

أصالة الشعب النيجري المسلم سمة واضحة تطالعك أينما كنت، يرتدون زي "البابو"، يعيشون على الفطرة بين السهول والرعي في حياة بدوية أشبه بحياة العرب ، يسوقون أمامهم قطعاناً من الأغنام والأبقار ذات القرون المعقوفة، ومما يزيد من الإبهار بهذا الشعب المسلم مشاهدة أفراده أيام الجمعة يرتدون ثياباً خاصة لأداء الصلاة .
والنيجر دوله مسلمة وعضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، وتقع في وسط أفريقيا، يحدها من الشمال الجزاشئر وشليبيا، ومن الشرق تشاد ومن الجنوب نيجيريا وبنين، ومن الغرب مالي وبوركينا فاسو .
والنيجر هي ثاني أفقر بلدان العالم على الإطلاق بعد بنغلاديش ، فهي تأخذ الترتيب 143 ضمن أفقر 144 دولة على مستوى العالم ، ويصل تعداد المسلمين في هذا البلد إلى عشرة ملايين ونصف المليون تقريبا حيث يشكلون نسبة تفوق الـ 95% من سكان النيجر البالغ عددهم ما يقرب من أحد عشر مليون نسمة .

مأساة حقيقية

يعاني النيجر المسلم في هذا الفترة من أزمة غذائية حادة توشك أن تتحول إلى مجاعة حقيقية إذا لم تتحسن الأوضاع, فحسب الإحصائيات الرسمية، هناك (2988) قرية - يسكنها أكثر من ربع سكان الدولة- مهددة بالمجاعة ، وقد ارتفعت أسعار الحبوب ارتفاعا لم تشهده من قبل في ظل نقص شديد للإنتاج الزراعي .
وتعد الأزمة الحالية من أسوأ المجاعات التي تواجه شعب النيجر منذ عام 1984 ، عندما واجهت البلاد أسوأ حالة نقص في الغذاء .
وقد حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من تفاقم الأوضاع الغذائية في النيجر بسبب الجفاف الحاد وهجوم الجراد مما يعرض أكثر من مليون شخص لخطر الموت جوعا أي حوالي ثلاثة أضعاف العدد المتوقع في بداية العام.
ولعل ما يزيد من خطورة الموقف اعتماد سكان النيجر بشكل أساسي على الأمطار في الزراعة التي تتم على ضفاف نهر النيجر ، وبالتالي فإن قلة الأمطار تؤدي إلى انقطاع المصدر الرئيسي للحبوب وقد بدأت المأساة بالانقطاع المفاجئ للأمطار خلال شهر أغسطس 2004 مما أثر سلبا على المحاصيل الزراعية .
ومما زاد من تفاقم هذه الحالة موجات الجراد التي أدت إلى إتلاف مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة بنسبة 100% في كثير من المناطق .
كما عرفت بعض المناطق رياحا رملية قوية أدت إلى تغطية مساحات كبيرة من الحقول الزراعية .
والجدير بالذكر أن الحكومة النيجرية أكدت أن البلاد تواجه أخطر كارثة في التاريخ، وأن خطر المجاعة من جراء الجفاف والتهام الحشرات والطيور للمحاصيل الزراعية صار أمراً مخيفا ولم تستطع الحكومة السيطرة عليه، معطية الإذن للمنظمات الإغاثية بتنفيذ أي مساعدات وتوزيعها على المتضررين مباشرة.

غياب إسلامي .. لماذا ؟!

ولعل الغياب العربي والإسلامي عن ساحة النيجر، التي هي في أمسّ الحاجة لحفنة من الدقيق، يعد أمرا محزنا بحق ، فلم يقدم للنيجر سوى القليل من المساعدات التي قدمتها هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التابعة لرابطة العالم الإسلامي إضافة لجهود مغربية معتبرة في هذا المجال ،ولعل ذلك يحمل الكثير من المعاني- وإن كانت غير ظاهرة - حيث تعاني وكالات الإغاثة الإسلامية من ضغوط أمريكية شديدة تحت مزاعم لا أساس لها من الصحة بدعم "الإرهاب" في إشارة إلى أن كل إسلامي إرهابي وكل ما يتصل بالإسلام فحتما له صلة بالإرهاب !
وتعاني منظمات الإغاثة الإسلامية تحديدا من صعوبات جمة هذه الفترة نظرا لما أسمته أمريكا الحرب على الإرهاب وما ترتب من تداعيات وتشديد للخناق على الأعمال الإسلامية المختلفة بحجة مواجهة الإرهاب وتمويله .

تجفيف منابع الخير !

"تجفيف منابع الخير" جملة يمكن أن تكون شعار للحملة الأمريكية على المسلمين التي بدت واضحة عقب أحداث 11 سبتمبر فقد اتهمت المؤسسات الإسلامية بأنها "إرهابية" تمول "الإرهابيين" على حسب مزاعمهم، وفجأة أيضا وبدون سابق إنذار فوجئت كافة البنوك بقائمة تجميد حسابات مئات الأشخاص والمنظمات بطلب من السلطات الأمريكية، تحت نفس المزاعم .
وفي ظل تلك الحملة المزعومة تتوجه أصابع الاتهام إلى الجمعيات الخيرية في العالم العربي خاصة والمسلمين عامة، وقد أوعزت الإدارة الأمريكية إلى الحكومات العربية بتشديد قبضتها على الجمعيات الخيرية، تحت زعم تمويلها لما تصفه بـ"الجماعات الإرهابية" ضمن خطة أمريكية أوربية لتجفيف مصادر تمويل الجماعات الإسلامية.
وكثيرون من القائمين على العمل الخيري في العالم العربي يتحدثون عن عمليات "تجفيف منابع العمل الخيري" التي تمارسها الإدارة الأمريكية على الحكومات العربية، حتى إن معظمهم لا يستبعد طلب الإدارة الأمريكية مدها بقائمة المشاريع الخيرية التي تعتزم الجمعيات بل والحكومات العربية القيام بها في دولة إسلامية فقيرة، أي أنه في المستقبل ربما يتعين الحصول على موافقة الأمريكيين لحفر بئر ، أو بناء مستوصف طبي ، أو تقديم مساعدة غذائية للمحتاجين ، في أي منطقة من مناطق العالم !
فهل نحن قادرون على رفع التحدي ، والقيام بواجبنا الإنساني ورسالتنا الحضارية !؟
[IMG]http://www.islamway.com/Basateen/niger/resources/gallery/8.jpg[/IMG