لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
مع الصديق رضي الله عنه
د. محمد إبراهيم زكريا -------------------------------------------------------------------------------- الحديث عن الصدِّيق - رضي الله عنه - ليس كأي حديث آخر، ولو لم يتكلَّم عن العظماء إلاَّ العظماء ما تكلَّم أحد، ولكنَّها بركة ذكر الأطهار الأبرار. إنَّنا هنا لسْنا بصدد الحديث عن فضائل أبي بكر وخصائصِه، وأعماله ومناقبه؛ فإنَّ ذلك يطول وتنقضي فيه أعمار قبل أن ينتهي. ولن نتحدَّث عن سخائِه وعطائه، وأنَّه - رضِي الله عنه - ما شدَّ على دينار ولا درهم، ولا كان مدَّخِرًا لمتاع زائل. ولن نتحدَّث عن صدق إيمانه، وقوَّة يقينه، ورسوخ عقيدته، وكمال معرفته، وجميل صفاته؛ لأنَّ الخلال التي لم تَجتمع لأحد من الأمَّة إلاَّ له وحده قد انفرد بِها، فاستحقَّ قول الله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 17 - 21]. لقد أجْمع أهل السنَّة من السَّلف والخلف أنَّ أفضل رجال الأمَّة مُطْلقًا بعد نبيِّها هو أبو بكْر الصدِّيق - رضي الله عنْه. ولن نتحدَّث على تلك المشاهد التي شهِدها مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل ولا المشاهِد الَّتي انفرد بها مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم. إنَّنا إذ نحاول أن نذكر بعض فضائله فقطْ، فإنَّنا نحتاج - ولا مبالغة - إلى عشرات المجلَّدات؛ بل إلى مئات المجلدات. ورغم ذلك لا بدَّ من القول بأنَّه من العشرة المبشَّرين بالجنَّة، ومن أهل بدر، ومن أهل بيعة الرضوان، وهو صاحب الرَّسول في الهجرة، بل وصاحبه بالنَّصِّ القرآني، وهو خليفة رسول الله، ولن تُقال لأحد بعده، وهو الصدِّيق، والأتقى، وهو أشْجع الصَّحابة باتِّفاق لا خلاف فيه، واختصَّ الصديق بمشاركة النَّبي - صلى الله عليه وسلَّم - في معيَّة الاختصاص في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] ولَم يشركه فيها أحد من الخلْق، ذكره ابن تيميَّة. وأنَّه - رضي الله عنه - صاحِب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حال إنزال السَّكينة والنَّصر والتأييد، وكان أكمل الصَّحابة مرافقةً للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو كما وصفه ربيعة الأسلمي - رضي الله عنه -: "هذا ذو شيبة المسلمين"، وكان أعلم الأمَّة بعد نبيِّها وأثبتَهم عند المصائب. قال الإمام القُرطبي - رحِمه الله - في تفسير قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]: "هذه الآية أدَلُّ دليل على شجاعة الصدّيق وجراءته؛ فإنَّ الشَّجاعة والجراءةَ حدُّهما ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعْظم من موْتِ النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فظهرت شجاعتُه وعلمه"[1]. اعتراف: ولا بدَّ قبلُ أن أعترِف أنَّه شرفٌ لي - وليس شرفًا للصدِّيق - أن أكتب عن أعظم شخصيَّة إسلاميَّة عرفتها البشريَّة بعد نبي الرَّحْمة المهداة، محمَّد بن عبدالله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وإنَّها لجرأة الأغْمار أن يتكلَّم أمثالي عن العُظَماء، فليغفر لنا الله تقصيرَنا في حق أبرِّ النَّاس قلوبًا وأرْحم النَّاس بالنَّاس - رضي الله عنهم أجمعين. بداية: لا شكَّ أنَّ أفضل ما يشْحذ الهمم، ويقوي العزائم بعد كتاب الله - عزَّ وجلَّ - وسيرة نبيِّنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم -: التجوال البطيء جدًّا لمطالعة سِيَر الأبطال العُظَماء من رجال الإسلام، فليس هناك أبْطال على الحقيقة في العالَم إلاَّ رجال الإسلام وفرسانُه، وليس هناك عُظماء على الحقيقة إلاَّ سلف هذه الأمَّة ومن تبعهم بإحسان. وكان أقرب هؤلاء جميعًا منِّي مجلسًا وحديثًا هو الصدِّيق - رضي الله عنْه - فكم من مرَّة قرأت موقفَه المهيب من حروب الردَّة! وكيف كان حزمه وشدَّته، ومع هذه الحروب الدَّامية والجثث والدِّماء والأشْلاء وقفت مع حديث في سنن الترمذي، باب مناقب معاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأُبيّ بن كعب، وأبي عبيدةَ بن الجرَّاح - رضي الله عنْهم أجْمعين. أخرج الترمذي عن أنس بن مالك قال: قالَ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((أرْحم أمَّتي بأمَّتي أبو بكر، وأشدُّهم في أمر الله عمر، وأصدَقُهم حياءً عُثمان، وأعلَمُهم بالحَلال والحَرام معاذ بن جبل، وأفْرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤُهم أبيّ، ولكلِّ أمَّة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح))[2]. وقد لفت انتباهي قولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أرْحم أمَّتي بأمَّتي أبو بكر))، وتراءى أمام ناظري حوار عُمَر والصَّحابة - رضي الله عنْهم - مع أبي بكر، وقولهم له ألاَّ يُحارب مانعي الزكاة، وأن يتألَّفهم حتَّى يستقرَّ الإيمان في قلوبهم، وخوفًا على الخليفة وحرم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمدينة ومَن فيها، فالواضح هاهنا أنَّ موقف عمر هو الموقِف الرَّحيم بالأمَّة الذي يُحافظ على دماء المسلمين، فكيف يُجمع بين موقف أبي بكر الحازِم وأمرِه بتجميع تلك الجيوش الهائلة لمحاربة مانعي الزَّكاة، مع قول النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه أرْحم الأمَّة بالأمَّة؟ لقد أعلن أبو بكر قائلاً: "والَّذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننتُ أنَّ السِّباع تخطفني، لأنفذتُ بعْثَ أسامة كما أمر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولو لَم يبقَ في القرى غيري لأنفذتُه". وخطبهم أبو بكر قائلاً: "إنَّ مَن حولكم من العرب قد منعوا شاتَهم وبعيرهم، ولم يكونوا في دينهم - إن رجَعوا إليه - أزْهد منهم يومهم هذا، ولم تكونوا في دينِكم أقوى منكم يومَكم هذا على ما تقدَّم من بركة نبيِّكم، وقد وكلكم إلى المولى الكافي الَّذي وجده ضالاًّ فهداه وعائلاً فأغناه؛ {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: ١٠٣]. والله لا أدَع أن أُقَاتِل على أمر الله حتَّى ينجز اللهُ وعْدَه ويوفي لنا عهده، ويقتل من قتل منَّا شهيدًا من أهل الجنَّة، ويبقى من بقي منها خليفته وذريَّته في أرضه، قضاء الله الحقّ، وقوله الَّذي لا خلف له؛ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٥٥]". فهو رضي الله عنه لم يفرِّق بين الصَّلاة والزَّكاة، وكيف يفرِّق بينهما وقد جَمع الله - عزَّ وجلَّ - في كتابِه بيْنَهما، وكذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنته؟! فعن أبي هُريْرة - رضي الله عنه - قال: لمَّا توفِّي رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وكان أبو بكر - رضي الله عنه - وكفر مَن كفر من العرب، فقال عمر - رضي الله عنه -: كيف نقاتل النَّاس وقد قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أُمِرْتُ أن أقاتل النَّاس حتَّى يقولوا: لا إله إلاَّ الله، فمَن قالها فقد عصم منِّي ماله ونفسَه إلاَّ بحقِّه، وحسابه على الله))، فقال: والله لأقاتلنَّ مَن فرَّق بين الصَّلاة والزَّكاة، فإنَّ الزَّكاة حقُّ المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدُّونَها إلى رسول الله لقاتلتُهم على منعها، وفى رواية: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله لقاتلتُهم على منعه، قال عمر: فوالله ما هو إلاَّ أن قد شرح الله صدْر أبي بكر فعرفتُ أنَّه الحق[3]. ثمَّ قال عمر بعد ذلك: "والله لقد رجح إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمَّة جميعًا في قتال أهل الردَّة". وفي رواية: قال عمر: فقلت: يا خليفة رسول الله، تألَّف النَّاس وارْفق بهم، فقال لي: "أجبَّار في الجاهليَّة خوَّار في الإسلام، قد انقطع الوحْي وتمَّ الدين، أينقُص وأنا حي[4]؟!". والَّذي يتبيَّن منه أنَّه أرْحم الأمَّة للأمَّة: هو خوضُه لتلك الحروب على ما يظهر من تناقُض بينهما؛ فقد صحَّ عن أبي هُريرة - رضِي الله عنْه - أنَّه قال: "لولا أبو بكر ما عُبِد الله". نعم، فلولا أن أيَّد الله الصدّيق فيما قام به لتفرَّقت الأمَّة وضاعت، والمسلمون يومها كالغنم المطيرة في الليلة الشَّاتية، فكانت هذه الشدَّة في الحقّ هي ذروة سنام الرَّحمة، تمامًا كالوالد حين يؤدِّب ولده لينشأ على الفضائل والأخلاق السَّامِقة، فمع حال ضرْب الوالد لولده - لا للانتِقام والتشفِّي بل للتَّأديب - لا ينسى الأبُ الرَّحيم الرَّحمة وأنَّه يؤدِّب ولده لا عدوَّه، هكذا فعل أبو بكر - رضِي الله عنه - أدَّب هؤلاء ليعودوا إلى حظيرةِ الإيمان، فعاد مَن عاد، وهلك مَن هلك؛ لتظلَّ كلِمة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - باقية: ((أرْحم أمَّتي بأمَّتي أبو بكر))، وتظلّ رحْمة أبي بكر مثلاً أعلى لتأْديب العاصين، والعوْد الحميد إلى الدين. وحين نتأمَّل موقِفَه من الأسْرى يوم بدْر، نُدْرِك أنَّ موقفه هذا يدلُّ دلالةً واضحة على مدى لينِه وتسامُحه - رضِي الله عنْه - فيقول للنَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "هم بنو العمِّ والعشيرة، استبْقِهم لعلَّ الله يتوبُ عليْهم". وأمَّا موقِفه في حروب الردَّة فقد خالف أبو بكر جَميع المسلمين، وكان منفردًا بالرَّأي دونهم، وليس في ذلك مسوغ للدكتاتوريَّة في إنفاذ بعث أسامة، لماذا؟ إنَّ أبا بكر في تلك المسألة دون غيرها لم يشذَّ عن جماعة المسلمين كما يحلو للبعض أن يخوض بغير علم، ولم يُخالف إجماع الأمَّة الَّتي أجمعت على أنَّه لا حرب. إنَّ إنفاذ بعث أسامة ليس أمر الصدّيق ولا قراره، إنَّما هو أمرٌ من رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ولا قيمةَ لإجْماع الأمَّة في مسألة فصَل فيها رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم. ولذلك قال - رضي الله عنْه -: "أنا أحبس جيشًا بعثه رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لقد اجترأت على أمر عظيم! والَّذي نفسي بيده، لأنْ تَميل عليَّ العربُ أحبُّ إليَّ من أن أحبِس جيشًا بعثه رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم". وهو الَّذي قال أيضًا: "ولا حللتُ لواءً عقده رسولُ الله". |
|
وهذا الكلام في ظاهرِه يُناقض الرَّأفة والرَّحمة، ولكن تأمَّل معي وهو يأمُر بالحرْب، والحرب دمار وخراب وقتل وتشْريد، يقول لمَّا بعث تلك الجيوش إلى الشَّام لقائد الجيوش: "ولا تعرقن - تقطعن - نَخلاً، ولا تحرقَنها، ولا تعقروا البهيمة، ولا شجرة ثمر، ولا تهدِموا بِيعة - معبد النصارى واليهود - ولا تقتلوا الوِلْدان، ولا الشُّيوخ، ولا النِّساء، وستجِدون أقوامًا حبسوا أنفُسَهم في الصَّوامع، فدعوهم وما حبسوا أنفُسَهم له، وستجِدون آخرين اتَّخذوا للشَّيطان في أوسط رؤوسِهم أفحاصًا – أي: حلقوا رؤوسهم وكان هذا شعارًا لهم - فإذا وجدتُم أولئِك فاضربوا أعناقَهم إن شاء الله".
وفي رواية الطَّبري، قال الصدّيق للجيش: "قِفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنّي، لا تخونوا، ولا تغلّوا، ولا تغْدروا، ولا تمثِّلوا، .."، والباقي مثله. وتظهر شدَّة أبي بكر في أمرٍ آخَر حين أتاه عمر - رضِي الله عنْه - مبعوثًا من قِبَل الأنصار، مقدِّمًا اقتِراحًا بتغْيير أسامة وتقديم آخرَ أسنَّ منه، بعدما رأى الصَّحابة موقفَ أبي بكر "المتشدِّد" لإنفاذ البعث، فوثب أبو بكر وكان جالسًا، آخِذًا بلِحية عمر، موبخًا إيَّاه قائلاً له: "ثكلتْك أمُّك وعدمتك يا ابن الخطَّاب، استَعْمَله رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتأْمُرني أن أنزعه!". فخرج عمر إلى النَّاس، فقالوا: ما صنعت؟ فقال: "امضوا ثكِلَتْكم أمَّهاتُكم، ما لقيت في سببِكم من خليفة رسولِ الله"، فتأمَّل شدَّة عمر وقوَّته وموقفه هذا. فكانت رحمة أبي بكر في قتال أهل الردَّة حفظًا للدين وسلامة للأعراض، وإظهارًا لقوَّة المسلمين وإثباتَ أنَّ لهم كيانًا موجودًا لا يُسْتهان به. قالت الروم في بعْث أسامة: ما بال هؤلاء يَموت صاحبهم ثمَّ أغاروا على أرضِنا؟! وقال العرب: لو لَم يكُن لهم قوَّة لما أرسلوا هذا الجيْش، فكفُّوا عن كثيرٍ ممَّا كانوا يريدون أن يفعلوا، فرضِي الله عن الصدِّيق صاحب رسول الله وخيْر الأنام بعده. وهنا تظهر بركة اتِّباع السنة، ولو خالف أبو بكر أمرَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهلكتِ الأمَّة ووقعت في الفِتْنة؛ قال الله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]. وقد فقه الصدّيق هذا المعنى وعلَّم الأمَّة جمعاء قيمة الحِفاظ على السنَّة والتمسُّك بها، وهذا يدل على أنَّ الصدّيق كان أعْلم الأمَّة. لقد كانت الردَّة حنينًا جارفًا إلى الجاهليَّة، وعشقًا لعادات الكفْر؛ لذلك كان أبو بكر - رضي الله عنه - حازمًا قاطعًا لكل طريق موصِّل إليْها، ولعلَّ هذه الرَّحمة الواردة في الحديث هي استعمال الحزم في محلِّه، والعفو عند الحاجة إليْه، فحارب المرتدِّين بقوَّة وصلابة لا هوادة فيها. فها هو يقول لخالد بن الوليدِ - رضي الله عنه -: "ولا تظفَر بأحدٍ من المُشْركين قتَلَ من المسلمين إلاَّ نكَّلت به"[5]. وهو هو - رضي الله عنه - الَّذي رفق فرفع العقوبة عن زُعماء بعض قبائل اليمن، فرفق بقيس بن يغوث المرادي، وعمرو بن معديكرب، وكانا من فرسان العرب وشجعانِهم، كما رفق بالأشْعث بن قيس، وهذا من لين جانبه وحكمتِه - رضي الله عنْه. وبنفس هذا الرِّفْق خطَب خليفةُ رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقال في أوَّل خُطْبة خطبها: "وأنَّ أقواكم عندي الضَّعيف حتى آخُذَ له بحقِّه، وأنَّ أضعفكم عندي القويّ حتَّى آخُذ منه الحقَّ". أخرج ابن سعد عن أُنَيْسة قالت: كنَّ جواري الحيّ يأتين بغنمهنَّ إلى أبي بكر الصديق - رضِي الله عنْه - فيقول لهن: أتحبُّون أن أحْلب لكنَّ حلب ابن عفران؟"، وكان يفعل ذلك وهو خليفة رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم. أخرج البزَّار عن عليٍّ - رضي الله عنْه - أنَّه قال: "أيُّها النَّاس، أخْبِروني مَن أشْجع النَّاس؟" قالوا: أنت يا أمير المؤمنين. قال: "أمَا إنِّي ما بارزت أحدًا إلاَّ انتصفتُ منه، ولكن أخبروني بأشْجع النَّاس"، قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: "أبو بكر؛ إنَّه كان يوم بدْر جعلنا لرسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عريشًا، فقُلنا: مَن يكون مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لئلاَّ يهوي إليه أحدٌ من المشركين؟ فوالله ما دنا منه أحدٌ إلاَّ أبو بكر شاهرًا بالسَّيف على رأس رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يهوِي إليْه أحد إلاَّ أهوى إليْه، فهذا أشجع النَّاس". فقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((أرْحم أمَّتي))؛ أي: أكثرهم رحمة[6]. فصدق رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورضي الله عن الصدّيق أبي بكر والصَّحابة. نهاية: إنَّ حياة أبي بكر - رضي الله عنه - صفحة مشرِقة من التَّاريخ الإسلامي، الَّذي بهر كلَّ تاريخ وفَاقَه، والذي لم تحوِ تواريخ الأمم مجتمعةً بعْض ما حوى من الشَّرف والمجد، والإخلاص والجهاد والدعوة لأجل المبادئ السامية[7]. إنَّ أبا بكر - رضي الله عنْه - من الأئمَّة الذين يرسمون للنَّاس خطَّ سيرِهم، ويتأسَّى النَّاس بأقوالهم وأفعالهم في هذه الحياة، فسِيرته من أقوى مصادر الإيمان والعاطفة الإسلاميَّة الصَّحيحة، والفهم السَّليم لهذا الدين"[8]. أسأل الله أن يُلْحِقنا بهم على خير، وأن يَجمعنا بهم في جنَّته، فما أحبَّ إلينا بعد رؤية ربِّنا ونبيِّنا محمَّد إلاَّ رؤية هؤلاء الأطْهار الأبْرار، وعلى رأسِهم سيِّدهم وسيِّدنا أبو بكر الصدّيق، كما قال عمر بن الخطَّاب، فهؤلاء هم الَّذين اختارهم الله لصُحْبَة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين. ـــــــــــــــــــــــــ [1] - الجامع لأحكام القرآن: 4/ 233 - 234. [2] - حديث صحيح، أخرجه الترمذي رقم 3799، قال الألباني في السلسلة الصحيحة: صحيح. [3] - متفق عليه. [4] - مشكاة المصابيح، كتاب المناقب رقم 6034. [5] - البداية والنهاية 2/233. [6] - تحفة الأحوذي 9/286. [7] - سيرة أبي بكر الصدّيق شخصيَّته وعصره، د: علي محمد الصلابي، ص10. [8] - السابق ص12. |
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
يوسف الصديق فسر الحلم جزيت الجنة بإذن الله .. | دانة الريم | ⚪️ منتدى الرؤى المفسرة لغيرالداعـمين،أو المفسرة في المنتدى ∞ | 20 | 2009-08-03 5:32 PM |
أبو بكر الصديق رضي الله عنه | عبدالرحمن الحربي | المنتدى الإسلامي | 18 | 2007-06-28 10:28 PM |
ما عبر به النبي صلى الله عليه وسلم و أبو بكر الصديق | patriot | أرشيف منتدى التعبير بموقع بشارة خير | 11 | 2007-03-23 8:34 PM |
قصيدة في ابو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم | الاندلسي | منتدى الصوتيات والمرئيات | 5 | 2006-04-10 1:55 AM |