لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
صفاتُ عباد الرحمن
1). التواضع . 2). عفة اللسان . ما أجمل أن يعيش المؤمن لحظات مع آي القرآن ، يعرض عليها نفسه وعمله ، ما أروع أن يلجأ المؤمن إلى هذا النمير الصافي والري الكافي ؛ القرآن ، يستروح من نسيم الجِنان ، ويصلح فساد الجَنان ، ويشغل فكره بما هو نافع ، ويقطف من ثماره كل يانع . إن بين أيدينا موردٌ لا ينضب ، وعطاءٌ متواصل لا يتوقف ، فأين نحن عنه في زمن خف فيه ميزان القيم ، وفترت فيه الهمم ، وأطلَّت المادة برأسها ، وضربت الأثَرَة بفأسها ، في مثل هذا الزمن يحتاج المؤمن إلى عودة صادقة لمصادر القيم ، وقسرٍِ للنفس على مكارم الأخلاق ولكنه أحياناً يبحث عن مكان وجودها ، ومصدر ورودها . وها نحن نقف مع سورة الفرقان ، لنعيش بعض توجيهات الفرقان . كما قال سبحانه في مطلعها : ﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ [ الفرقان : 1 ] ؛ هذه السورة التي تحدثت عن الخالق العظيم سبحانه ، وعن كتابه الكريم ، وعن رسوله النبي الأمي محمد بن عبد الله - عليه وعلى آله أفضل صلاةٍ وأتم تسليم - ، وتحدثت عن الموعدين ممن آمن أو كفر ، ثم ختم الله هذه السورة بالنموذج الذي ينبغي أن يُحتذى ، وبطريقه يُهتدى ، إنهم عباد الرحمن .. إنهم القدوة التي يبحث عنها أهل القيم ، إنهم النموذج الذي أثنى الله عليه ونعت لنا صفاته ، وحدد سمات عباد الرحمن ؛ فلهم خلالٌ يتميزون بها ، وخصالٌ يوفون بها .. فأين الباحثون عن القيم ؟ أين المتشوقون لمكارم الأخلاق ؟ أين المتلهفون لأسمى الفضائل ؟ دونكم أيها الكرام هذه الصفات ؛ اقرؤوها و تأملوها ثم تمثلوها ، فوالله ما قصَّها الله علينا عبثاً ، ولا عددها إلا لنعمل بها ونقف عندها ، قال تعالى : ﴿ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ الآيات .. - أيها القارئ الكريم .. سنقف مع هذه الصفات واحدة تلو الأخرى - بإذن الله تعالى - ، لعلنا أن نفهم مراد الله منها ، ثم نعرض أخلاقنا عليها ، ونوازن أين موقعنا من هذه القيم ، ونتساءل ألسنا مخاطبين بها ؟ ألسنا معنيين بها ؟ ﴿ وعباد الرحمن ﴾ : من هذا المقطع يبدأ الموضوع المتعلق بالمدعوين من المؤمنين الذين استجابوا لدعوة الرسل ؛ والمقصود هنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ﴿ عباد الرحمن ﴾ هكذا عرّفهم الله ، وهكذا قدمهم للعالمين . وربما يتساءل الإنسان ، لماذا أضافهم الله سبحانه إلى اسمه الرحمن دون لفظ الجلالة [ الله ] ، فلم يقل ( وعباد الله ) ؟! - إن المتأمل لسياق هذه الآيات من خلال سورة الفرقان ؛ يجد أن هذا المقطع الذي يجمع صفات عباد الرحمن يبرز هذه الفئة على أنها خلاصة البشرية التي دُعيت وأنار الله طريقها ، وعرفت سبيلها .. إنهم ثمرةٌ لجهادٍ شاقٍ طويلٍ تمثل في دعوة نبينا الكريم محمد بن عبد الله - عليه وعلى آله أفضل صلاة وأتم تسليم - ، فكانت هذه المجموعة المتميزة بهذه الصفات بمثابة العزاء المرئي لحملة الهدي ، ورجال الدعوة ، إنهم الفئة التي رحمها الله فأنار قلوبها وسدد مسارها ، كما أن هذه السورة [ الفرقان ] نصت على استنكار المشركين لاسم الرحمن وتظاهرهم بتجاهله ، كما قال سبحانه ﴿ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً ﴾ [ الفرقان : 60 ] . فإذا كان المشركون يستنكرون هذا الاسم الشريف الرحمن فالمؤمنون أحق بالانتساب إليه ، وهم أهلٌ لأن يكونوا عباده ، فشرفهم ربهم بتلك الإضافة التي أعلنت مكانتهم ، ورفعت مقدارهم ، إنهم الفئة التي يعبأ الله بها ، لأنهم يدعونه ويوفونه ويعبدونه ، قال تعالى : ﴿ قل ما يعبأ بكم ربي لو دعاؤكم ﴾ [ الفرقان : 77 ] . أيها الحبيب : إنها اثنتا عشرة خصلة وصف الله بها عبادة المؤمنين ؛ شملت حياتهم ونوع علاقتهم ، ورسمت لنا سماتهم الظاهرة و الباطنة ، وأوضحت لنا أحوالهم مع الخلق وعلاقتهم بربهم ، إنها سمات رائعة شاملة تُعد أسساً نقيس بها المؤمن ؛ أخلاقه وإيمانه . ﴿ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ [ الفرقان :63 ] : هاتان صفتان بينهما تلازم وعلاقة ، فالأولى : في حركة الرِجلْ ، والأخرى : في حركة اللسان ، ومعلوم أن العثرة عثرتان : عثرة الرجل وعثرة اللسان ، لذا جاءت إحداهما قرينةً للأخرى فعثرة اللسان توضح خللاً في كلام الإنسان وبيانه ، وغالب الحكم على الإنسان من هيئة جسده ، ومن منثور منطقه .. يقول ابن القيم رحمه الله : [ وتأمل كيف جمعت الآية وصفهم في حركتي الأرجل والألسن بأحسنها وألطفها وأحكمها وأوقرها ، فقال تعالى : ﴿ الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ﴾ أي : سكينة ووقار ، ونطقهم نطق حِلم ووقار فلهذا جمع بين المشي والنطق في الآية ] أ.هـ ( البدائع : 2/158-159 ) . أيها الفاضل : إن ديننا العظيم نظم كل جوانب حياتنا ، حتى هيئة المشية التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن لها سماتٌ لابد من التنبه لها ، لأننا في عصر تخلى فيه الشباب - خصوصاً - عن كثيرٍ من هذه السمات في اللباس والهيئة والمشية والكلام ، حتى أصبحوا مسخاً لا يمثلون دينهم ولا قيمهم ولا مجتمعهم ، ولو أن الناس أخذوا هذه القيم لرأينا أمراً آخراً . يا أيها المؤمن بربه ؛ تأمل في مشية بعض الناس كيف يشمخ فيها بأنفه ، وآخر يمشي يصعر فيها خده ، وآخر يمشي متماوتاً مترهلاً متأنثاً ! عباد الرحمن يمشون على الأرض هوناً مشية فيها توسط واعتدال ، بين السعي الشديد والتبختر والكبر ، وبين التهاون والضعف ، المؤمن إذا مشى على أرض الله لحاجته فهو لا يجهد ولا يركض لهذه الدنيا ؛ كما يفعل بعض المفتونين بالمال يلهثون ليلهم مع نهارهم فإذا جاء زرع الآخرة فهم الكسالى النائمون مع أن السعي والجهد مطلوب بالأعمال الأخرى ؛ يقول تعالى : ﴿ وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنة ﴾ [ آل عمران : 133 ] . أما السمة الثانية فهي : عفة اللسان عن فاحش القول قال تعالى : ﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ ، عباد الله ، إذا كان بعضنا قد سلم من صفة الكبر وضرب الأرض أشراً وبطراً ؛ فلربما يكون ضعيف القياد للسانه ، لأن قيادة الجسد أهون من قيادة اللسان ، لكن هذا هو سبيل عباد الرحمن لا يلقون الكلام عن عواهنه ، حتى في مواطن المجادلة والمخاصمة والمخاطبة مع الذين لا يقدرون الأمور ، مع الجاهلين الذين لا يردعهم رادعٌ عن إطلاق السباب والشتائم على من يخاطبون . معاشر المؤمنين ، ما هو شأننا لو تحدث معنا جاهل طائش ؟ وتطاول في الكلام وتعدى حدوده ؟ أنرد عليه بالمثل معتذرين لأنفسنا بألوان الأعذار أم نعمل بمقتضى صفات عباد الرحمن ؟!! يقول الحق – تبارك وتعالى - : ﴿ إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ ، أي : كلاماً سالماً من الفحش والإيذاء ، إذاً لا مانع من الرد لكن بما لا خدش فيه ولا إيذاء ولا فُحش ؛ إنه الحلم .. إنه العقل : أن يملك الإنسان زمام لسانه ، وهذا المنهج الرباني العالي يناقض تماماً ذلك المنهج الجاهلي البغيض الذي يؤجج العداوة ويذكي نارها ؛ كما قال شاعرهم : ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا يا للروعة في تعاليم هذا الدين العظيم ! فأين نحن من هذا يوم نتجادل ونتخاصم ؟! لمَ لا نتخلق بهذه الأخلاق العالية ؟! التي تجعل السلم دوماً في مقام القمة ، فالمؤمن الحق لا تستثيره كلمات الجاهلين ، ولا ينشغل بفقاعاتهم ولا بحماقاتهم ، إنه يسمو عن ذلك كله .. ولا يعني قوله تعالى : ﴿ سلاماً ﴾ ؛ أن يُسلم عليهم إذا جهلوا عليه فذلك فيه خنوع وخضوع ولو كان كذلك تعالى سبحانه قالوا [ سلامٌ ] بالرفع ، لأنه ليس في السلام على الجاهل بذيء الكلام لحظة المخاطبة مدحٌ ولا ثناءٌ ، وإنما الثناء أن يقابل السوء بالقول الحسن ، ولهذا فقد انتصر ابن القيم - رحمه الله - لهذا القول . يالله ما أعظم الخلق ! إنه تجسيدٌ كاملٌ لهذا الخلق الذي تدعو إليه الآية الكريمة ، ما أحوجنا إلى التخلق به ، والسعي إلى تحقيقه . الشيخ / د.عويض بن حمود العطوي
التعديل الأخير تم بواسطة يمامة الوادي ; 2008-01-13 الساعة 4:49 PM.
|
|
صفات عباد الرحمن
3 ) قيام الليل 4 ) وخوف النار ما زلنا مع هدي الفرقان في سورة الفرقان ، ما زلنا مع صفات أهل الرضوان من عباد الرحمن ، ما زلنا مع الأخلاق الزاكية ، والخلال العالية ، عرفنا منها فيما سبق صفتي : التواضع فهم يمشون هونا ، والحِلم فهم يجيبون الجاهل عليهم بكلامٍ سالمٍ من العيوب والبذاءة : ﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ [ الفرقان : 63 ] . إنها أخلاقٌ تظهر في هيئاتهم وبيانهم ، في حركة أرجلهم وبنات شفاههم ، هذا شأنهم إذا خالطوا الناس في النهار وقت السعي والعمل ، وقت التعامل مع الناس وأصناف البشر ، أما إذا جن عليهم الليل وخلوا بربهم ؛ فهم العباد الوجلون ﴿ والذي يبيتون لربهم سجداً وقياماً ﴾ [ الفرقان : 64 ] . كان الحسن البصري رحمه الله إذا قرأ قوله تعالى : ﴿ والذي يمشون على الأرض هوناً ﴾ قال : هذا وصف نهارهم ، وإذا قرأ : ﴿ والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً ﴾ ، قال : هذا وصفهم ليلهم . مع الناس في النهار تواضعٌ وحلم ، وفي الليل عبادةٌ وخشية ، توازنٌ رائع يحتاجه كل مسلم ، حتى لا تزل قدمه أو يعوج مساره ، هذه الخلوة الإيمانية تصفو فيها النفس ويرق فيها الفؤاد ، إنها علاج لو يعلم الناس . أما قال الله - تعالى - لنبيه الخائف - صلى الله عليه وسلم - الذي قال " زملوني زملوني " : ﴿ يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا ﴾ [ المزمل :1 ] ؛ قم يا محمد للزاد الذي تواجه به الجهد والنصب ، قم الليل .. لماذا ؟! يقول تعالى : ﴿ إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ﴾ [ المزمل : 5 ] إنها أعباء عظيمة وأنت تهيأ لها يـا محمد ؛ ﴿ إن ناشئة الليل ﴾ [ المزمل : 6 ] أي : ما ينشأ بعد العشاء ، ﴿ هي أشد وطئاً ﴾ أي : أجهد للبدن ؛ ﴿ وأقوم قيلا ﴾ أي : أثبت للخير . إنه الإعداد لتحمل مسؤوليات كبرى ، إنه تدريبٌ للانتصار على شهوات النفس الغريبة ؛ النوم ولذة الفراش . يا أيها المؤمن بربه : إن قيام الليل والناس نيام ، والانقطاع عن نبش الحياة وضجيجها ، والاتصال بالله والأنس به والخلوة إليه ، وترتيل القرآن والكون ساكن ، إن هذا كله هو الزاد ، لاحتمال القول الثقيل ، والدعوة المجهدة ، وتحقيق الهدف المنشود ، ناشئة الليل أجهد للبدن وأثبت للخير إنها خلوةٌ لا بد منها لصاحب الهم والمسؤولية ، صاحب الرسالة .. أما من ألهته السفاسف ، ورضي بالدون فليس مخاطباً بهذا .. إن مغالبة هاتف النوم وجاذبية الفراش بعد كدِّ النهار ، أجهد للبدن ، لكنها إعلانٌ واضح لسيطرة الروح واستجابةٌ لدعوة الله وإيثار الأنس به ، لذا فهي أقوم قيلا لأن للذكر فيها حلاوة ، وللصلاة فيها طلاوة ، وللمناجاة فيها لذة ، تُكسب القلب راحةً وشفافيةً ونوراً . عباد الله ألسنا بحاجة إلى كل ذلك ؟ ألسنا بحاجةٍ إلى هذه الصفة من صفات عباد الرحمن ﴿ والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً ﴾ [ الفرقان : 64 ] . إنها الصفة الثالثة من صفات عباد الرحمن ينعتهم ربهم بشغل الليالي بالذكر والعبادة ؛ فيقول عنهم : ﴿ والذين يبيتون ﴾ وما قال : يصلون بالليل ؛ لأن بات تدل على الدخول في الليل واستمرار العمل فيه ، كما تدل ( ظل ) على ذلك ؛ لكن في النهار ، فهم من أول ليلهم في عبادة وحركة ، في حين يسكن الناس ويميلون إلى الدعة والراحة ، أو يغطون في نومٍ عميقٍ وهم في ذلك لا يملون بل هم دائبون عاملون ، مهما تطاول الزمن كما يدل على ذلك المضارع ﴿ يبيتون ﴾ من التجدد والتكرار .. وهذا الكد وتلك الحركة هي لله وحده ، لذا قدم سبحانه قوله جلت قدرته : ﴿ لربهم ﴾ أي : له وحده ، وذكر ربوبيته هنا استحضارٌ لنعمته عليهم ، ورأفته بهم ، وحبه لهم ، وإنعامه عليهم ، فمن شكره أن يعبدوه ، وأن يستغرقوا الأعمار في طاعته ، ولقد شرفهم الله ورفع مكانتهم ؛ يوم أضافهم إليه سبحانه فقال : ﴿ لربهم ﴾ . ﴿ سجداً وقياماً ﴾ : ما قال يصلون مع أن هذا هو المراد ؛ لأن إظهار الحركة هنا مقصودٌ : سجودٌ وقيامٌ ، حركةٌ دائبة ، وعملٌ مستمر ، لذا ذكر من أعمال الصلاة ما يُشعِر بكمال هذه الحركة ، وقدم - سبحانه - السجود على القيام ، مع أن القيام في الصلاة قبل السجود لمناسبة الموقف ، فهم خاضعون لربهم ، يرجون رحمته ويخافون عذابه .. هم في موقف الاتصال بالخالق العظيم ، ومعلوم أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد كما أن أبرز مظاهر الخضوع هو السجود ، إنه التعبير المادي لكمال الخضوع لله - سبحانه وتعالى - لذا قُدم على القيام ، والقيام هو عنوان القوة والقدرة ؛ فهم ينحطون إلى الأرض ليرفعوا جباههم إلى السماء ، ويعفرون جباههم لتكون في جِبلة جبينهم شامة يوم يلقون ربهم . عجباً والله لهذه الفئة التي تنشغل عن النوم المريح ، والفراش الوفير ، بما هو ألذ وأمتع ؛ فإذا كان الناس يتطلعون في الليل إلى الفرُش ، فهؤلاء يتسامون إلى العرش ، وإذا كان الناس ينعمون بالأنغام والأوتار ، فهؤلاء يتلذذون بساعات الأسحار : ﴿ كانوا قليلاً ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون ﴾ [ الذاريات : 17- 18 ] . فلله درهم .. ما أحسن شأنهم في هذا المجال ! وما أجمل خبرهم في هذا المضمار ! يشتاقون إلى العبادة كما يشتاق غيرهم إلى الدعة والراحة .. ومن عجبٍ إني أحن إليهم وأسأل شـوقاً عنهـمُ وهُمُ مـعي وتبكيهُمُ عيني وهم في سوادها ويشكو النوى قلبي وهم بين أضلعي هكذا تُقضى الليالي ، لا كما نرى اليوم ، تضيع دقائق الليالي الغالية ، بين غرفٍ ووتر ، وألحانٍ وصور ، وعيون متسمرةٌ أمام الشاشات ، مشغولة بتقليب القنوات ، لا يزداد القلب معها إلا قسوةً وبعداً ، ولا ينال صاحبها غالباً إلا حرماناً وبؤساً .. ما هكذا والله تُغذى القلوب ، ولا تُروح النفوس ، يا قومنا ؛ ألا نشعر بالخجل من حالنا ؟! وعباد الرحمن يبيتون لربهم سجداً وقياماً ، وبعضنا يبيت عاصياً لربه ، مضيعاً لوقته ، كئيب الوجه ، أسود القلب ، قليل الخشية ! يا مؤمن ؛ مهما كان عملك ، ومهما كثرت أشغالك فلست أعظم شغلاًً ، ولا أكبر حملاً ، وإلا أخطر مسؤولية من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوم الليل حتى تنتفخ قدماه ، فيقال له : أتكلف نفسك هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " [ رواه البخاري ومسلم ] . أخي الكريم: إن رغبت في هذا الشرف فعليك بالآتي : أولاً : تقليل الطعام والخلطة . ثانياً : حفظ النظر عن المحرمات . ثالثاً : الصبر والمجاهدة . رابعاً : النوم مبكراً . خامساً : استشعار فضل القيام ، فإنه من أسباب الأنس ومحبه الله للإنسان ، والرفعة في الدنيا والآخرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاثةٌ يحبهم الله ، ويضحك إليهم ويستبشر بهم : الذي إذا انكشفت فئةٌ قاتل وراءها بنفسه لله - عز وجل - فإما أن يُقتل وإما أن ينصره الله ويكفيه ، فيقول : انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه ، والذي له امرأةٌ حسنة وفراشٌ لينٌ حسن ، فيقوم من الليل يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد ، والذي كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا ، فقام من السحر في ضراءٍ وسراءٍ " [ رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن وقال الهثيمي : رجاله ثقات ، صحيح الترغيب والترهيب (625) ] . هاهم أولاء عباد الرحمن يشتاقون إلى الجنان ، بصيام الهواجر ، وقيام الليالي مستحضرين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " في الجنة غرفةٌ يُرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها " قال أبو مالك الأشعري : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : " لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام ، وبات قائماً بالليل والناس نيام " [ صححه الألباني في الترغيب والترهيب (613) ] . ومع تلك الأعمال العظيمة ليلهم ونهارهم ، فهم على وجلٍ وخوفٍ ، إنهم رغم صبرهم على الجاهلين ، ولينهم مع المؤمنين ، وقيامهم في الليالي إلا إنهم يخافون النار ، يخافون العذاب . عباد الرحمن يدعون ربهم فيقولون ﴿ ربَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّم ﴾ وكأن جهنم معترضةً لهم تنتظرهم ، وتستعد للقاء بهم كما يلقى العدو عدوه ، يقولون : ﴿ َربَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ﴾ ؛ ولم يقُل اصرفنا عن عذاب جهنم .. إنه الاستشعارُ العظيم لهول النار وشدة جحيمها ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾ أي : شراً دائماً لازماً عياذاً بالله ، ﴿ إنها ساءت مستقراً ﴾ : مكاناً لا يرضونه أبداً ، وساءت أيضاً ﴿ مقاماً ﴾ ممن يمر عليها .. إنها موسومة بالسوء على كل حال ، هكذا ينظر لها عباد الرحمن !! فكيف ينظر لها آكلوا الربا ؟! والمغتابون وقاطعوا الرحم ؟! والداعون إلى الرذيلة .. كيف ؟! ألا يخافون لهيبها ؟ ألا يخشون عذابها ؟ أين اليقين بكلام رب العالمين ؟ أين الإيمان الحق ليحرك القلوب حتى تراقب الله في كل لمحةٍ وحركةٍ ؟! الشيخ / د. عويض بن حمود العطوي |
|
صفات عباد الرحمن
5 ) التوسط في الإنفاق عرفنا فيما سبق من صفات عباد الرحمن ، التواضع واللين ، والحلم وحسن المنطق ، وقيام الليل ، وخوف الجليل ، وإذا كانت هذه هي عبادات الأبدان والأركان ، وعبادات اللسان والجنان ، فإنهم في عبادة المال لهم شأنٌ يذكر ، وصنيعٌ يُذَاع ويُشهر ، إنهم أصحاب سياسة واضحة في معاملتهم مع المال الذي هو أحد فتن الحياة الدنيا ، يقول الله - عز وجل - عنهم : ﴿ والذين لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ﴾ [ الفرقان : 67 ] . معاشر المؤمنين : إن الله عز وجل في وصف عباد الرحمن ما قال : والذين ينفقون دون إسراف وتقتير ..! بل قال : ﴿ إذا أنفقوا ﴾ لأن تميزهم ليس في ذات الإنفاق ؛ لأن الناس كلهم ينفقون لكن تميزهم في طريقة الإنفاق ، إنهم قومٌ قاصدون معتدلون . ولا يقصد بالإنفاق هنا الإنفاق الواجب فهذا لا إسراف فيه ، ولا الإنفاق المحرم فذلك لا يُحمد صاحبه بل إنه ليعد من الإسراف ولو كان شيئاً يسيراً . أيها الكرام : التوسط هو لُبّ الفضيلة دائماً ، والتوسط هنا أن يكون هذا المال في يديك لا في قلبك ، لتبلغ به المثُل العليا ، لا أن ينحط بك إلى الدركات السفلى ، فتسخره في ملذات رخيصة ، وتبدده في حياة زائلة إن الله - عز وجل - ما رسم لنا هذا الطريق الوسط إلا لنقف مع أنفسنا في طريقة إنفاقنا ، وتعاملنا مع هذا المال ، أنحن على الجادة أم أننا قد ملنا عنها ؟! إن الجنوح عن هذه الطريقة المتزنة يُوقع في إحدى قضيتين : الإسراف أو البخل وكلا طرفي قصد الأمور ذميم . فأما الإسراف فقد قال الله عز وجل عنه : ﴿ إذا أنفقوا لم يسرفوا ) وقال سبحانه : ﴿ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ﴾ [ الأعراف :31 ] ، إنه لأمر ذميمٌ حقاً أن يبدو هذا الخير الذي أنعم الله به علينا هكذا دون مبالاة . أيها الكرام : تأملوا أبواب هذا الإنفاق من مأكلٍ ومشربٍ ، أو مسكنٍ ومركبٍِ ، كم نرى ونلمس تلك الصور المفرغة من اللعب بالأموال دون وعيٍ أو إدراك ؛ بحجة الترويح أو التسلية ، أو المجاراة والعادة ، أو المبالغة والمفاخرة ، أو اتباع النفس هواها ، واللعب في الملذات ، هذه هي أسباب الانحراف و دوافعه ! لا أيها الكرام .. المال مال الله لا يحق لنا أن نكفر هذه النعمة بإتلافها ، أو تبذيرها فذلك عمل الشيطان : ﴿ ولا تبذر تبذيراً * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ﴾ [ الإسراء : 26 – 27 ] . تعالوا إلى أيامنا هذه وانظروا إلى الزواجات كم فيها مما يتعارض مع هذه الصفة من صفات عباد الرحمن ( الاقتصاد في الإنفاق ) ، كم فيها من التبذير والإسراف ؟! انظروا إلى التباهي في استئجار صالات الأفراح ، في ليلة واحدة ! بل في ساعات تدفع عشرات الألوف ! ألا يمكن أن تقتصد في ذلك ؟! في ليلة واحدة تقدم ألوان الأطعمة ، وتنشر الموائد الممدودة ، وتعرض الأصناف المتعددة ، يؤكل قليلها ويرمى في المزابل كثيرها ، أليس هذا من الإسراف والتبذير ؟! في ليلة واحدة تلبس بعض النساء ملابس بمئات الريالات وربما بالألوف ثم لا تلبسه مرة ثانية أبداً !! ولو كان ذلك عقِبَه بليله أليس هذا إسرافاً وتبذيراً . في ليلةٍ واحدةٍ يُجلب المغنون أو الشعراء أو غيرهم بآلاف الريالات ثم ينصرفون مخلفين الإِثم والمعصية ، أليس هذا وإسرافاً وتبذيراً ؟ وقبل الزواج وبعده ولائم كثيرة ، وطقوس غريبة ، يُهدرونها في المال ويبرُز فيها الإسراف ؛ ومن ذلك : الحناء ، وأسبوع الزواج .. وغيرها الكثير ! ما هكذا والله يُشكر المُنعم ، وما هكذا تُنال بركة الزواج ، إنها تُنال بالاقتصاد فـ" أعظم النساء بركه أيسرهن مؤونة " [ رواه أحمد والنسائي ، وقال الألباني في " الضعيفة " ( 3/243 ) : ضعيف ] . يا قومنا .. تعالوا إلى مجال آخر غير الزواج ؛ ألا يوجد منا من يغير أثاث بيته كل عام ، وبدون سببٍ مقبول ؟ ألا يوجد من يجدد سيارته كل عام منفقاً آلاف الريالات دون مسوغ ؟ وقد يتحمل بسبب ذلك ديوناً كثيرة ، ويتعرض لأحوالٍ عسيرة ! يا أيها الكرام ، إذا كان التجاوز في الإنفاق في المباحات يعد إسرافاً فإن كل إنفاق في المحرمات بعد تبذيراً ولو كان قليلاً فكيف إذا كثُر ؟ معاشر المؤمنين .. ألا يوجد من يحرق ماله وجوفه بهذا القطران السام ، في صورة سيجارة دخان أو كان على شبهها ؟!! كلَّ يوم ينفق العشرات ، يُعلُ صحته ، ويؤذي نفسه وأهله ، ويبدد ماله فيما لا نفع فيه ، بل هو ضررٌ كله .. أفلا يعتبر هؤلاء الذين ما زالوا يقتطعون بعض أموالهم لشراء الدخان .. معاشر المؤمنين : هذا التبذير المذموم مُضرٌ بصاحبه ، مضرٌ بالأمة كلها ، لأن المبذر متلافٌ سفيه ، يضع في شهواته زبدة ماله ، ولا يبغي لأوجه الخير شيئاً . معاشر المؤمنين : المؤمن الحق لا يرى الدنيا دار الإقامة حتى يطيل فيها الأمل ، ويكثر في من الملذات وأصناف الحلل ، بل هي دار ممر ، ومثل هذه الدار لا يتجاوز اختبارها إلا المقتصدون المعتدلون ؛ أما أهل التُخم والشبع فيسقطون في مستنقعاتها . واعلم أيها الكريم ، يا صاحب المال أن الإنفاق في مجال الخيرات لا يعد إسرافاً ولا تبذيراً ، بل هو كرمٌ وجود ، مثلك مأمورٌ به ، تجري حسابات تعرف فيها نسبة إسهامك في أعمال البر إلى نسبة إنفاقك على ملذات الحياة وشهواتك وأنت حسيب نفسك .. والله يرعاك ويسدد خطاك . فإذا كان الإسراف مذمةً ومنقصة ، وطرفاً ممقوتاً لوسطيةٍ ممدوحةٍ هي الاعتدال فإن البخل والتقتير هو الطرف الممقوت الثاني ، وإذا كنا نجد من يبدد ماله ، ويبذر في إنفاقه ، فإننا نجد في المقابل من يعقد يده ، و يغُلها على حلته ، تأمل رعاك الله هذا الوصف الرائع لمال هذا وذاك ﴿ ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراًً ﴾ [ الإسراء : 29 ] .. ليس المطلوب أن تقبض يدك على هذه الصورة المذمومة ، فلا يخرج منها نفعٌ لنفسك أو للناس ، ولا أن تجعلها تبدد المال دون ضابط ، عليك بالقصد والاعتدال فذاك هو الطريق .. فيا أيها المؤمن بربه : ثق بما عند الله ﴿ ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ﴾ [ النحل : 96 ] .. إن الذي يجعل يديه ممراً لعطاء الله ، ليصل إلى عباد الله ، يظل مبسوط اليد بالنعمة مكفول اليوم والغد بالغدق الدائم من رحمة الله وكرمة .. لا تكن - أيها الكريم - مقداماً في تبذير المال في الملذات شحيحاً في الطاعات ، وتذكر أن العوض عند الله : ﴿ ومَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [ سبأ :39 ]. الشيخ / د. عويض بن حمود العطوي |
|
صفات عباد الرحمن
6 ) يوحِّدون الله إذا كنا قد عرفنا من صفات عباد الرحمن ، اللين والتواضع ، والحلم والأناة ، وقيام الليالي ، والخوف من يوم التغابن ، والاقتصاد في النفقة ، فإنهم ما كانوا كذلك إلا لما وحدوا ربهم ، وعرفوا قدرهم ، وعظموه حق تعظيمه : ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ [ الفرقان : 68 ] ، هذه هي قضية القضايا ، وأصل الأصول ؛ عبادة الله وحده ، إنه ما خلقنا سبحانه إلا لنعبده ﴿ َمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [ الذاريات : 56 ] ، ولا يقبل منا أن نعبده إلا أن نوحده . تأمل أيها الكريم : ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ [ الفرقان : 68 ] هذه القبائح الثلاث : الشرك ، والقتل ، والزنا : كانت فاشيةً في المشركين ، منتشرةً بينهم ، لذا كان مما يميز المؤمنين ، عباد الرحمن تخليهم عن هذه النقائص المشينة .. وقد جمعت هذه القبائح الثلاثة بعد موصول واحد ؛ للإشعار بترتيب بعضها على بعض ، و ارتباط بعضها ببعض ، ولا شك أن أشنع هذه القبائح هو الشرك الذي فيه تعدٍ واضح على حق الخالق سبحانه ، وصرفهِ إلى مخلوقٍ ضعيفٍ محتاجٍ .. إنه ذنبٌ كبير ، وجرمٌ خطير ، أن يُشرك العبد الضعيف مع الخالق العظيم المنفرد بصفات الكمال والجمال غيرَه ، كيف يُجعل المخلوق المحتاج نداً للكبير المتعال ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( قلت : يا رسول الله أي الذنب أكبر ؟ قال : " أن تدعوَ لله نداً وهو خلقك " قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خيفة أن يطعم معك " ، قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني بحليلة جارك " ) رواه مسلم . يا عبد الله ، كيف لا يكون هذا الجرم عظيماً ؟ وفيه تسوية للضعيف بالقوي سبحانه ! الخالق بالمخلوق ! الرازق بالمرزوق ! نعم .. إنه ذنبٌ كبير ، لذا كان التوحيد عنوان المؤمنين ، يعرفون لله قدره ، ويعظمون جنابه ، ولعلك تتساءل أيها الفاضل ، لماذا قال سبحانه : ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ ﴾ ؛ وما قال : ( لا يعبدون ) لماذا الدعاء مع أن العبادة هي المقصودة ؟ - الدعاء أيها الفاضل هو المسألة ، هو عنوان الحاجة فإذا احتاج العبد الضعيف ، فإلى من يلجأ ، ومن في كربته يدعو ؟ المؤمنون يدعون ربهم ، و يلجأون إلى خالقهم ، ومَن في قلبه مرض يركن إلى الضعيف فيدعو المخلوق ، ويلوذ بالمحتاج .. هذا يعقوب - عليه السلام - العارف بربه لما ضاق صدره ، واعتلاه همه ، وفقد ابنه ، وقرة عينه يوسف - عليه السلام - ماذا قال : قال ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ ﴾ [ يوسف : 86 ] .. وهذا إبراهيم الخليل يرى الشرك في عبادة قومه وأبيه للأوثان الصماء ، يرى حق الله يهدر لهذه الحجارة فيقول مبيناً الحق : ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً ﴾ [ مريم : 48 ] ويقول سبحانه عن زكريا وذريته : ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [ الأنبياء : 90 ] . يا أيها المؤمن بربه ، هذا هو سبيل المؤمنين وتلك هي صفتهم البارزة ؛ مهما لحقهم من الأذى فلا يعرفون إلا الله ولا يلجئون إلا إلى الله ، وذكر الدعاء هنا دون العبادة لأنه أبرز باب يدخل منه الشيطان يجعل العبد مشركاً بالله ، ذلك أن الإنسان يصيبه الضر ، ويقدر الله عليه النوازل ، ويصاب بالمصائب في نفسه أو ماله أو زوجه ، فَيُحسِّن له الشيطان اللجوء إلى البشر ، أو بعض الشجر والحجر ، أو يُزين له كلام كاهن أو ساحر فيزلّ عن الطريق ويقول إنما هو ( دعاء ) ! وما علم أن الدعاء هو العبادة ومن صرفه لغير الله فقد ولج باب من أبواب الشرك ؛ يا أيها المؤمن بربه إن هذه الصفة وإن تخيلت أنك من يتحلى بها ، فإن حرص الشيطان على المساس بها عظيم ، وإنه لن يهدأ حتى يدخلك في نفق الشرك المظلم . يا أيها الكريم : إننا رغم ما نسمع ونقرأ ونعرف ، إلا أنه يوجد منا من مازال يستخدم السحرة لبعض مصالحه , أو يلجأ لكاهن ليساعده ، أو يطلب البركة والولد أو المال من طرق الضلالة .. إن تلك الحاجات من فقد الولد أو عدم الإنجاب أو ضياع المال أو بنزول المصاب كل ذلك مقادير قد تحصل لكل إنسان وهنا يكون الامتحان أما انتظر زكريا الولد أكثر من مائة وعشرين عاما ماذا كان يقول فيها : ﴿ و زكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ﴾ [ الأنبياء : 89 ] لقد عرف أن المعطي هو الله فلم يدع سواه . يا أيها الكريم : إنه لمنطق غريب ، يرفضه العقل ، ويمجه المنطق ؛ أن يكون الله سبحانه هو الذي يخلق وغيره يعبد , هو الذي يرزق وغيره يشكر , هو مجيب الدعوات وغيره يُسأل ، غريب من الإنسان أن يلغي عقله فيترك باب القادر ويذهب للعاجز ، يترك القوي ويلجأ إلى الضعيف . فاعتصم بحبل الله ، واثبت على اليقين ، فالربًّ واحد ، ويجب أن يوحد في ربوبيته و ألوهيته وأسمائه وصفاته ، ومما يساعدك على ذلك ؛ استشعار أنك لست الوحيد في ذلك ، بل هذا الكون كله معك إنه يعرف ربه ويسبحه وينزهه : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [ الحج : 18 ] . تأمل يا مؤمن : الشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب ؛ كلها تسجد لله ، فلما ذكر الناس قال : وكثير من الناس أي ليس كلهم كذلك أما العجماوات ومكونات هذا الكون فكلها تسجد لله وتعبده وتوحده أفلا تتعظ بذلك ؟ ومن ثمار التوحيد : الرضا والقبول لأقدار الله : ﴿ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ﴾ [ البقرة : 156 ] وأما من ضعف يقينه بربه ، واتصاله بخالقه فنجد الاعتراض يبرز على لسانه ، و التسخط يبدو على كيانه . ومن ثمار التوحيد الطمأنينة والراحة ، فهو يعبد إلها واحداً : ﴿ يا صاحبي السجن أأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار ﴾ [ يوسف : 39 ] . تأمل يا عبد الله تلك الحيرة التي يعيشها المشرك بالله كيف يصورها الله في هذا المثل : ﴿ ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ [ الزمر : 29 ] .. فيا عبد الله خلص قلبك لخالقك لا تدع فيه لغير الله محلاً , فتلك هي الغنيمة ، وذلك هو طريق المؤمنين ومن عباد الرحمن ﴿ والذين لا يدعون مع الله إله آخر ﴾ .. الشيخ / د. عويض بن حمود العطوي |
|
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
نونية القحطاني بصوت فارس عباد | دفق الحنان | منتدى الصوتيات والمرئيات | 13 | 2009-02-16 7:14 PM |
أضحك وأداري عباد الله... | سيدة الذوق | منتدى الشعر والنثر | 4 | 2008-10-11 3:54 AM |
كارثة المصاحف الالكترونية<احذروا يا عباد الله>!!!!! | أم نور الهدى | رياض القرآن | 9 | 2008-04-06 11:30 PM |
حديث: {وكونوا عباد الله إخوانا} | الابتسام | المنتدى الإسلامي | 6 | 2007-01-21 7:10 PM |
دعواتكم للمعتمد بن عباد وزوجته واهله وموتى المسلمين | افياء | المنتدى العام | 23 | 2007-01-12 10:06 PM |