لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم وهاي تكمله القصه لعيونك بسمه الورد عمل في البستان في تطور مستمر00اقتلعت الشجيرات الزائدة00وشذبت الأغصان المتهدلة00وقلمت الأشواك من النخيل00 وابتكر غياث محجراً لإحراق الأوراق ومخلفات جريد النخل تشبه البركة غير العميقة00وأُجري الماء بغزارة على الساحات الجرداء00وجرت الثيران القوية بالمحاريث عليها00وزاد غياث من أشجار البستان وأسرف في زراعة العنب00و اعتنى بحجرات الخدم والعبيد،وأصلح من شأن القصر الصغير،وزرع حوله أصنافاً من الرياحين والأشجار المتعددة00وابتنى في ناحية نائية من البستان بيتاً صغيراً بفناء صغير جميل، وأعدّه للقّيم الذي سيشرف على تجارته وزراعته ويقوم على بيع الثمار في أسواق بغداد0 وفي غضون ستة أشهر من وصول غياث إلى بغداد أصبح البستان جنهً لا يملها الناظر0 وقد عمد غياث من تغيير اسم البستان من "شوكة" إلى"المغاث" نسبةً إلى اسمه ونقش ذلك على الباب0 ويدين غياث بكثير من تقدم بستانه إلى كبير عبيده"سريع" الذي كان كما وصفه سيده الأول بطيء الحركة، لكنه لا يتوقف وكان أميناً00طويل الصمت00شديد الطاعة لسيده0 وبرهن سريع لسيده منذ الأيام الأولى أنه خير مؤتمن على السر، وينفذ ما يطلب منه بدقة وبلا أسئلة0 ففي ذلك اليوم الذي اقتتل فيه سعيد و غياث، قام غياث بنقل خصمه الذي أغشي عليه إلى مزرعته وسجنه في غرفة كبيرة مهجورة في مكان معزول من البستان، وعلى تلك الحجرة سور بُني من الحصى وقد أخفت أشجار من السدر طويلة ذلك المبنى عن الأعين0وكانت تلك الحجرة تستخدم مخزناً لأعلاف الماشية فيما مضى0 وقد استيقظ سعيد ليلاً مشوش الفكر من الضربة التي أصابته ليجد نفسه مجرداً من سيفه ومسجوناً في تلك الغرفة00 ومربوطاً إلى سلسلة طويلة لا يستطيع منها فكاكاً00 وكان غياث هو أول مَنْ رآه فخاطبه في كآبة وهزيمة: -ماذا صنعت بي؟ فقال غياث في سخرية: -صنعت بك ما ترى00أسرتك وسأكرمك لأنك ضيفي كما تقول! -ألا تنوي أن تُريحني؟ -لا00لقد قلت لك أني لا أحب القتل0 -لكنك تقتلني حين تربطني بهذه السلسلة كالكلب! -إنك شرير ولو كنت آمنك لأطلقت سراحك00وستبقى في هذا الموضع حتى أنظر في أمرك0 تقبل سعيد هزيمته بنفس شجاعة فلم يستجدِ ولم يطلب الرحمة مما أثار الإعجاب في نفس غياث بتجلده وصبره00وخرج من عنده،وأوكل رعايته إلى عبده سريع،وأوصاه أن يكتم خبر السجين عن الخدم وعن أي أحد0 وأصبح سريع من ذلك اليوم يحمل الطعام والشراب والفاكهة والنبيذ إليه0 وكان يفعل ذلك بصمت، ولم يسأل عن السجين00 من هو ومن أين جاء ولماذا سجن هنا!! وكانت مطالب سريع قليلة وأكثرها من شأن البستان والعاملين فيه،ولم يطلب لنفسه شيئاً إلا مرة واحده،حين قال لغياث في تردد - إن شاء مولاي أن يكرمني بأعطية من عنده أحفظها له ما بقيت حياً00فقال غياث في سرور: - زوجتك00أعرف ذلك00 تريد أن أشتريها وأحضرها؟ - لا يا مولاي لقد ماتت زوجتي قبل عشر سنوات و إنما أطلب ابنتي عطر00 - ومن يملكها الآن؟ - سيدي الأول00السمسار الذي اشتريت البستان منه0و اشترى غياث"عطر"بعدما غالى سيدها في ثمنها00 وقد تبين لغياث فيما بعد أن عطر تفوق ثمنها عدة مرات00لقد كانت أمها رومية أُسرت في أحدى المعارك، وقد اشتراها السمسار وأنكحها عبده سريع فولدت له عطر وماتت بعد ذلك بعشر سنوات0 وقد مزجت الصبية بين دكنة أبيها وصفرة أمها، فجاء لونها نحاسياً بارقياً0 وورثت عن أبيها الطاعة والصبر على الأسياد0 وكانت مهذبة ظريفة، فملكت على غياث قلبه فاتخذها سرية وسكنت معه في القصر00 و ازداد إكرامه لوالدها، فلم يعد يندبه إلا في الأمور الهامة أو الإشراف على عمل الخدم0 واشترى غياث الأرض الجرداء المجاورة لبستانه ،وأخبر عبده أنه سيزرعها قمحاً في الموسم القريب0فعلق سريع مغتماً: - أنا لا أعرف زراعة القمح ياسيدي00 وقد أصبحت شيخاً ثقيل الحركة كما ترى0 وسكت ليستجمع أفكاره وأحنى رأسه إلى الأرض و غياث ينظر إليه باسماً ثم قال: - إن شاء مولاي أن نستأجر لزراعة القمح فلاحاً عارفاً بزراعة القمح وأكون أنا منصرفاً إلى الخدم والأسواق؟ فقال غياث: - سيكون لك أكثر مما طلبت00 فسنستأجر للقمح من يقوم على زراعته،وبعد موسم القمح سأجعل على الأسواق قيماً وسيسكن في الدار التي ابتنيتها لهذا الغرض0 وتمضي الأيام في حياة غياث بن عبد المغيث حلوة00سعيدة00 فقد احتوشته الرفاهية00واستلقى على آرائك النعيم00 وتجلى عنه ليل الممرة الكئيب00ومنحته الأيام صباحها0 أصبح لا يأكل إلا الخبز المنخول00واللحوم الفاخرة، وتجلب له الحلوى من بغداد كل يومين00ويشرب النبيذ الطيب والخمر المعتق00 ويلبس ثياباً موشاة بالحرير00 ويتنزه كل صباح وعصر في أنحاء البستان الواسع بصحبة جاريته عطر00 تطرفه وتسليه بأحاديثها00وربما أخذته النشوة أحياناً فيقفز كالأطفال ممسكاً بيدها ويصيح معبراً عن حبوره!! وأراد أن يمحو كل شيء يذكره بالماضي الكئيب00 فتناسى حنظلة فهو لا يعرفه00 ومروان ضعيف ومفقود وربما قتل00وسعيد في سجنه00 وظفر يوماً في بعض خزانات القصر بصرة ثيابه القديمة وقد وضعتها إحدى الخدم،فأخذها وقلّبها بين يديه ثم قذف بها في بئر يابسة في طرف البستان0 كان دائماً ينظر إلى نفسه في المرآة00 عيناه الحالمتين وفمه الجميل على حالهما أما كفيه فقد غسلت النعمة خشونتهما، فكانا على شيء من الليونة00 أما جسده فما زال على قوته ومتانته00وتضرج وجهه بحمرة النعيم00 وكان يقضي أكثر يومه فائق الحيوية والبشر00مسرفاً في شرب الخمر والنبيذ0 امتلك السعادة التي ينشدها00 وتحقق له النعيم الذي يطلبه00 وصدقت ظنونه حين وضعت الثروة حداً لشقائه المستديم00 وقرر في نفسه أن الحياة ابتسمت له بعد طول عبوس00 وأن بدره قد اكتمل نموه |
توقف شيخ كبير مسن على باب بستان غياث وقرأ اسم البستان "المغاث" المنحوت عليه، ثم ترجل عن بغلته الهزيلة التي يركبها00 ثم قادها بزمامها إلى الداخل وسار حتى وصل إلى القصر وربط بغلته في مربط الدواب وذهب أحد الخدم ليخبر سيده أن رجلاً يطلبه0
كان الشيخ نحيلاً و مهزولاً كالدابة التي جاء عليها00لكنه كان مهيباً وقوراً00مخضوب اللحية بالحناء00عريض الحاجبين أبيضهما00بعينين بارقتين لامعتين بالفطنة0 وخرج غياث إليه وفي يده كأس النبيذ00فأصطدمت نظراته بهيئة الشيخ، وما أن رآه حتى اعتراه الخجل ووضع الكأس جانباً00ورحب بضيفه ودعاه للجلوس على بساط كبير مفروش تحت ظلال الأشجار القريبة من القصر فجلس وقال: -لقد ذكر لي الخادم سريع أنكم في حاجة إلى من يقوم على زراعة القمح في الأشهر القادمة0 فقال غياث وهو يشير إلى أرض القمح البعيدة التي أُعدت وحرثت: -نعم نحن بحاجة إلى من يقوم بزراعة تلك الأرض00فلا يوجد عندنا أحد يقوم بذلك،وقد أمرت عبدي أن يستأجر فلاحاً لهذا الشأن: -وأين صاحب البستان حتى نحدَّثه؟ -أنا صاحب البستان! فدهش الشيخ لكون هذه الضياع الواسعة لشاب في الثامنة والعشرين وقال: -أنا اسمي شرف الدين من بغداد وأحسن العناية بالقمح،فإن شئت عملت عندك وأخذت العُشر عند الحصاد0 -لقد قلتُ لسريع أنني أريد أن أستأجر فلاحاً بالأُجرة00يأخذ أجره إذا انتهت السقيا وقطع الماء عن الزرع! -أنا أعمل يابني في مزارع الناس كل سنة وكنت أتفق معهم على جزء من الحصاد! تأمل غياث الرجل فارتاحت نفسه إليه وقال محاولاً إقناعه: -سأجزل لك الأجر فذلك خير لك00فقد يأتي الحصاد شحيحاً00 -من أجل هذا طلبت جزءاً من الحصاد فلا أريد أجراً كاملاً عن حصاد شحيح0 -لكني راضٍ وقانع بذلك! -إذاً فلم نتفق! وبلا مناقشة ودَّعه الشيخ وقام إلى بغلته ليذهب فقال غياث على الفور: وافقت00وافقت00 استقرَّ شرف الدين00 فلاح القمح00في الدار التي عدت ليسكنها القيَّم00 وشرع في العمل وأظهر دراية بالزرع وأجرى الماء وتابع السقيا، وبعد مدة بدأت وريقات القمح تشق الأرض ثم تأخذ في الارتفاع تحت شمس دافئة عجلت بإنباتها0 وزار غياث شرف الدين وتكررت زياراته له00واجتذبه سمته ووقاره و هدوؤه،وأصبح يأنس له ولا يخفي عنه مودته0وتضاعفت تلك المودة عندما طفق سريع ينقل إليه أخبار شرف الدين في بغداد ويثني على سيرته00فيعرف أنه لم يكن فلاحاً فحسب بل هو على جانب من العلم والتقى والفضل00يتكسب عيشه من العمل بالزراعة عند الناس0 وكان غياث يقول لجاريته عطر أو لسريع في صراحة تامة: -أنا أحس بالبهجة حين تقع عيني على رجل من الصالحين منذ أن كنت صبياً00لكن شرف الدين مختلفاً كثيراً،فأنا أبتهج لرؤيته وأهابه،وقد فطن إلى ذلك فأصبح ينهاني عن الخمر ويعظني و يناصحني فصرت لا أشربها في حظرته، ولا في الوقت الذي أتوقع حضوره فيه00ولا أخرج إليه إلا إذا فارقني أثرها،وليس أحدٌ يشبهني فأنا سكير منحرف، ويعمل في فلاحة أرضي طالب علم تقي!! مضت ثلاثة شهور00 وأوشك موسم القمح على الانتهاء ،وكانت سنابل القمح رفيعة متسامقة00تتمايل مع حركات الهواء00ورائحتها زكية00 تزيد السرور في نفس غياث00 وكانت الفترة الأخيرة من العمل تحتم أن يكون الماء متدفقاًً باستمرار على جذور السنابل التي ستصبح بعد مدة قصيرة صفراء ذهبَّية لتقطف بعدما تجف تماماً0 وركضت الأيام سعيدة مبهجة في حياة غياث بن عبد المغيث،وقد زادها تواجد شرف الدين ببشاشته ورحابته أنساً0 وجاء يوم اهتزت فيه قناعة غياث بواقعه00وفقد ثقته في سعادته،وفي الحياة الرغيدة السهلة المحيطة به00 تسللت إليه شمس الحقيقة ساخنة لتحسر عنه ظلال الوهم الذي كان يأوي إليه0 وكان ذلك على يد شرف الدين! ففي بعض جلساتهما كانا قد فرغا من شؤون الزرع، وكعادته كان شرف الدين يذكره بالآخرة والتقوى00ويعضه00وينبهه إلى الثغرات فيما يظنه سعادته00 وفي معرض حوارهما سأله شرف الدين: -لماذا أنت حزين يا بني؟ فقال غياث باستغراب: -أنا لستُ حزيناً00كيف رأيت أني حزين؟! -لأنك تعاقر الخمرة باستمرار00 وهذا دليل حزنك. -أنا أشرب الخمر لأني ابتليت به،مع أني أحاول جاهداً الفكاك منه0 -لا00بل أنت تهرب إليه00لأنه يذهب بك عن دنياك التي تجدها محزنة! -لكني أجد دنياي سعيدة!؟ -لو كنت سعيداً لما شربت الخمرة00لأنها دواء المحزونين! -إن الدنيا قد أحزنت الكثيرين،وأنا قد استوفيت عِدة السعادة فيها00فما الذي يدعوني إلى الحزن؟! -وما أدراك فقد يكون هذا سبب شقائك00 فإن في المال خاصية عجيبة، فقد تجد اللذة في تمنيه والحلم به00فإذا حصل شقيت به وتبين لك أنه كالسراب يسرك مظهره ومخبره الظمأ والخداع! -ما أدري هل أنت فلاح أم حكيم!؟ -لا تشغل نفسك بي00 ودعني أفيدك بشيء ربما عقلته أنا لكبر سنّي؟ -ما هو؟ -إن الناس يشتمون الفقر ولو أنصفوه لوجدوه عين الراحة والسلامة في أدواء كثيرة! -الراحة!!ومن هذا الذي يجد الراحة في الفقر؟! -يرتاح بالفقر الذي تخفف من طمع الدنيا،وشغلت عليه الآخرة قلبه0 -كثير من الناس زهدوا في الدنيا،وآثروا الآخرة لعجزهم عن الحصول على الدنيا00 -ربما يكون ذلك من حسن تدبير الله لهم ولطفه بهم00فلو تحصل لهم المال لطغوا وانحرفوا0 -حقاً ويكون الفقر بمثابة دليل لهم إلى الآخرة ونجاة لهم0 -الفقر يذمه صاحبه في الدنيا ويحمده في الآخرة0 -لكن النبي صلى الله عليه وسلم قرن الكفر بالفقر ووصف الجوع بأنه بئس الضجيع0 -لقد تيسرت للنبي صلى الله عليه وسلم سبل الغنى00فقد ملك العرب وساد الناس،وأخبر أنه لو شاء لسارت معه الأودية ذهباً وفضة00 ومع ذلك فقد كان بعض أصحابه أطيب عيشاً منه وأسهل حياة00 وهذا اختيار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم0 -إذاً فالأغنياء -على كل حال - في شقاء مستديم!؟ -في شقاء إذا استقر المال في قلوبهم00 أما إذا عمرت الآخرة قلوبهم وتحول المال إلى أيديهم، وقاموا بحق الله فيه فهم خير من الفقراء والمؤمن القوي خير من الضعيف والمال نوع من القوة0 ولسبب لا يدريه شرف الدين قال غياث بلهفة: -لكنني سعيد بما أنا فيه من الغنى الواسع! فقال شرف الدين ببديهية: -سبحان الله00هل تثق في حواسك كل الثقة00إذا استجابت لكل ما تحس به،وحكمت على ما حولك بإحساسك هلكت فالأذن تخدعك والعين تخدعك00والنفس تخدعك وتميل بك إلى ما تشتهي وإن كان ضلالاً! ألا ترى على كثير من العصاة00 أنهم يفعلون المعصية ويحسون أنهم على صواب فينخدعون ويمضون على أخطائهم! -إذاً فلن نفعل شيئاً البتة خوفاً من خديعة الحواس؟ -ولهذا أنزل الله الدين حتى يكون مناراً يُهتدى به ويُستدل به على الصواب والفلاح،حفاظاً على الإنسان ورحمة من الله به أن يتبع هواه ورغباته فيضل ويهلك0 كما أن الحلال بين والحرام بين وكل ما أمر تزنه بميزان الله يتبين لك خطأه من صوابه0 -وأين تكون السعادة إذاً؟! -أنا سأسألك00أين تكون السعادة؟ -أنا أقول إن السعادة في طاعة الله وتقواه،ولكني وجدت سعادتي في الثراء! -هل جربت سعادة الهدى والتقوى0 -لقد صليت عدة مرات وكنت مع ذلك محزوناً! -يا بني تقوى الله مراتب00 وكلما اقتربت من ربك كرهت الدنيا،وصرت تراها عبثاً ثقيلاً ومرحلة متعبة تشوقك دوماً للفكاك منها0 -ومتى أصل لهذه الحالة؟ -إذا اتهمت نفسك وشككت في حياتك التي تزعم أنك سعيد بها00وأنا الآن أدعوك للتأمل فيما مضى من عمرك،وما بقي وما سيعقب ذلك وأرجو أن تتجه إلى ربك بالعبادة التي يضيء بها القلب ويعمر بها لا تلك التي لا تعدو الجوارح0 وتناهض الشيخ للانصراف بعدما أوصى غياث أن يبدأ بالشك فيما حوله من حياةٍ وداعةٍ وسعادة مزيَّنة0 وكان هذا اللقاء نقطة البداية في حياة جديدة00قام غياث ذلك اليوم وقد اشتعلت في نفسه جذوة الحزن من جديد،وتسللت إليه كلمات وأفكار شرف الدين التي قلبت حياته رأساً على عقب! |
بسم الله الرحمن الرحيم
ذات مساء00 أوغل الليل في المسير00 وجلس غياث بن عبد المغيث في مجلسه الواقع خارج القصر00وأوقد ناراً وجعل يقلب كفيه فوقها ملتذاً بدفء،ويتأمل تراقص لهيبها00كان كل شيء ساكن والعاملون في البستان قد أووا إلى مساكنهم00ولم يعكر صفو ليلته تلك سوى أحزانه التي تجددت وفجر الشيخ شرف الدين سدودها،فقد زعزع قناعته بالهناء المحيط به وفضح كآبته السابقة ونشرها كجيفة كان التراب يواريها،فأخرجت من التراب وانتشرت رائحتها عفنة تعم الأرجاء! إذاً فهو غير سعيد!00فلوكان سعيداً حقاً فلماذا اغتمَّ لجراحه القديمة التي نكأها شرف الدين00ولماذا أصبح يساهر الليل وحيداً محزوناً!؟ وقذف في النار بعض الحطب00 لا00إنه غير سعيد00لقد كان يوهم نفسه بالسعادة! ليعترف بهذه الحقيقة التي كانت تتبدى له فيغمض عينيه عنها00حقاً إنه لم يحس بسعادة سليمة من شوائب المرارة منذ أن استولى على هذه الأموال! لقد أوجعه هذا الاكتشاف الجديد،فعاد يحاول التشبث ببقايا هنائه0وتشبث بكذب لذيذ، وآثر أن ينظر إلى الوجه الساطع في حياته،وأوهم نفسه في تلك الليلة بالبهجة ،وتكلف السرور وطرد الأحزان،فشرف الدين لا يعلم عن دواخله ولا قلبه00وحواسه لا يمكن أن تخدعه!! ولبس ثياباً جديدة على جروح قذرة00وتمدد على الفراش الوثير متكاسلاً عن الذهاب إلى حجرته00حتى أخذه النوم0 في الصباح هزته يدٌ رقيقة فاستيقظ ناعساً00 وابتسم لجاريته التي وقفت على رأسه باسمة وقالت له: -لقد جاءني والدي لأطلب منك أن تتحثث من جفاف القمح قبل أن يحصد ويدرس0 ونهض واغتسل وذهب برفقة جاريته متسكعاً ببطء كعادته بين الخمائل والنخيل و عرائش العنب،وهي تزف إليه روائحها الندية العابقة مع أنسام الصباح0 ولم يسر غير قليل حتى أدهشته عطر بسؤالها: -هل تعاني من ألم يا مولاي؟ فالتفت إليها وهو يقول: -لا00بل أحس بمزيد من العافية! -أنت مكابر00وتستعلي على أوجاعك00 إن وجهك بائن الصفرة!! لقد لاحظت ذلك بعد قدوم شرف الدين! لقد أصبحت تجلس وحدك،وتظل ساهماً وكنت أراقبك فإذا رأيتك على هذه الحالة تركتك! -أنت مخدوعة! -لا00بل لقد رأيتك يوماً تبكي وحيداً فآثرت أن أمضي دون أن تراني00 -أنا أبكي؟! -نعم00هذا ما رأيت! -لم أعلم بذلك فكيف أبكي وأنا لا أعلم؟! -أنا من يسأل هذا السؤال؟ لم يجبها بشيء سوى أن طمأنها بسلامته،وأكمل جولته ثم رجع،وأراد أن يتجول في الأنحاء، فأمر سريعاً بتجهيز الخيل وفوجئ به يقول هو الآخر: -إن شاء مولاي أن يؤخر تجواله ويستريح؟ فقال مدافعاً عن نفسه: -لكني لا أبدو متعباً؟ -أنت بادي الإرهاق يا سيدي0 وغشيته الكآبة من جديد وقد أثارته هذه الملاحظات، وتأكد له أنه يخادع نفسه ويتوهم أنه على ضفاف النهر من السعادة وهو خلاف ذلك00 لقد أصبح كمن تناول جرعة ماء ليغسل فمه فاكتشف أنه شديد العطش وهو لا يدري! ومضى راكباً فرسه تاركاً عطر ووالدها وقد حيرهم أمره00وحيرتهم تلك التغيرات الجديدة في حياته! خرج غياث ليتخفف من الكدر المطبق عليه00وأمضى يومين كاملين في غيبته لا يعلم أحد أين هو00ثم عاد محملاً بالمزيد من الكآبة00 ولم يجرؤ أحد على سؤاله أو محادثته بشيء،فمضى إلى حجرته وأغلقها على نفسه،ولم يخرج بعد ذلك! وطالت مدة الحبس الذي اختاره غياث لنفسه00وكان الخدم يطرقون عليه الباب فلا يرد ولا يقبل الطعام00وحاولت عطر اقتحام عزلته فلم تقدر!واستنجدت بأبيها فلم يَلقَ جواباً00وظنَّ الجميع أنه هلك لولا بعض الأصوات المبهمة التي كانت تصدر من جوف الحجرة بين فينة وأخرى00وتثبت لهم أن سيدهم مازال على قيد الحياة0وأخيراً خطرت لسريع فكرة00مضى إلى بيت القيَّم وطرق الباب ليستنجد بشرف الدين0 وجاء شرف الدين واجتمع ببعض الخدم فأمرهم أن يبتعدوا حتى لا يثيروا حفيظة غياث00وطرق باب حجرة غياث بهدوء فلم يرد،فطرقه ثانية بإلحاح فجاء صوت غياث من الداخل ينهر الطارق ويأمره بالابتعاد،فقال شرف الدين: -افتح ياغياث00 افتح يا بني أنا شرف الدين0وتكاثر الخدم وجاء بعضهم من الحقول لمشاهدة ما يحدث00وتراصوا في الممر المؤدي إلى الحجرة00 ثم سُمع من الداخل صوت يروح ويجيء على عجل ويحرك بعض موجودات الحجرة،ثم فتح غياث الباب محزوناً مدهوشاً ورحب بالشيخ الفلاح وبان على وجهه سرور حقيقي وقال: -لم أكن أتوقع مجيئك إلى غرفتي! فاختلق شرف الدين عذراً وقال: -لقد أردت أن أودعك قبل رحيلي،فقد انتهى القمح ويجب أن أذهب0 ودخلا إلى الغرفة وأغلق غياث الباب ثم فتحه فجأة والتفت بصرامة في وجوه الخدم والعبيد الذين كانوا قد تكدسوا في الممر وارتفع بعضهم على أطراف أصابعه لمشاهدة غياث وهتف بهم: -انصرفوا00! ولم يغلق الباب حتى رآهم ينصرفون مسرعين في شيء من الذعر! وكان غياث يرتدي ثيابه التي عاد بها من رحلته الغامضة00 وحذاؤه لم يخلعه طوال هذه المدَّة، حتى شكل عمامته لم يتغير00وكان ذابل النرات00 متعباً مكدور الملامح! ومضت ساعتان كاملتان قبل أن يخرج غياث من الحجرة يتقدمه شرف الدين ولاحظت عطر أن سيدها محمر العينين00 رطب الأجفان!! |
بسم الله الرحمن الرحيم
رحل شرف الدين إلى بغداد بعد انتهاء مهمته وأتبعه غياث بالجمال التي تحمل نصيبه من القمح0 رحل00 وبقي أثره واضحاً جلياً على غياث فقد انتهج في حياته أسلوباً جديداً فصار لا يضيع صلاته ولا يترك فروضه00وامتنع عن شرب الخمور00ولم يعد يحمل السوط إرهاباً وهو يتجول بين الحقول! وأمر عماله أن يهريقوا قدور النبيذ00 وباستقامته انزاح عنه كثير مما يثقل قلبه00وصار يجد في الصلاة ملاذاً يختبئ فيه عن أحزانه و قتامة أيامه0 ولكنه ظل متشبثاً بحب المال00 يرى أنه سيكون منقوص السعادة بدون ثروة، ولهذا تولَّد لديه صراع00واشتعلت الحيرة في نفسه تجاه هذه الأموال التي يستمتع بها،وهو يعلم أنها ليست له00وحاول إقناع نفسه بأحقيته في ذلك وبجدوى عمله0 وكأنما كان القلق والعذاب له بالمرصاد، فقد جاءه سريع وأخبره بوجود شاب أمين ونشيط من أهل بغداد على جانب كبير من العلم بالحساب وشؤون البيع00 وقال سريع: -إنه فقير00وقد عرضت عليه أن يعمل لدينا في البيع والتجارة والإشراف على غلات البستان وبيع القمح0 فسأل غياث بلا مبالاة: -وهل أخبرته بوجوب الإقامة في البستان؟ -نعم ياسيدي00 وقد وافق على الفور لأنه لا يكاد يجد أجرة المنزل الذي يسكن فيه ببغداد0 بعد أيام حضر القَّيم الجديد ليأخذ مكان شرف الدين في البيت، وليقوم بإدارة البستان والزراعة ويذهب بالغلات إلى أسواق بغداد0 مضت عشرة أيام على وصوله00 وفي عدة مرات كان سريع يأتي إلى غياث ويسأله إن كان يرغب في مقابلة الشاب الذي جاء يعمل عنده00فكان غياث يصرفه ويقول: -لا00 ليس الآن دعه يتعرف على أعمال البستان وصنوف الزرع0 وكان يسأل سريعاً دائماً عن أحوال سعيد المسجون فيخبره أنه بخير وأنه على حاله من الغضب المستديم والتهديد والشتائم فيطمئن غياث لذلك،ويوصي عبده بالمزيد من العناية به0 وطوال هذه المدة كان غياث منصرفاً إلى شؤونه الخاصة مشغولاً بهمومه المتزايدة00ومكابدة نفسه الثائرة00 ولم يكن يفارق القصر إلا حين يقوم بجولته الخارجية وكانت تصحبه عطر في جولاته وكان في ذلك تسلية يومية له00وترك التجوال في الحقول والبستان ونسيها ونسي القَّيم الجديد00ولأول مرة تمنى أن يرزق بغلام يملأ عليه وحدته وحياته بالبهجة0 وذات عصر كان جالساً تحت ظلال الأشجار الوارفة القريبة من القصر، فأقبل إليه رجلٌ يشق عرائش العنب، وما أن وصل إلى بساط غياث حتى سلم بخجل ثم قال: -أنا القَّيم الجديد على البستان ياسيدي00 هل تأذن لي بالجلوس ؟ فقال غياث: -لقد توقعت ذلك عندما أقبلت علي0 ورحب به ودعاه للجلوس0 كان الشاب كما وصفه سريع00مهذباً00بائن الحيوية00عليه شارات الجد00وكان طويلاً مضرج الخدين بالصحة00 له هيئة توحي بفقره0 وقال الشاب في بشاشة: -قيل لي إنك لا ترغب في مقابلة أحد00لكن تجرأت بالقدوم إليك00 فقاطعه غياث في وداعة: -كان يجب أن أراك ساعة قدومك00لكن حال دون ذلك أعمال أخرى0 -لقد اضطررت لاقتحام مجلسك لأن أشغال الزرع والبضاعة والسوق تتطلب ذلك0 -كيف وجدت الدار؟لقد أمرت سريعاً بتجهيزها قبل وصولك؟ -إنها خير مما كنت فيه ببغداد00وهي إلى ذلك جديدة البناء0 -لم يمض على بنائها سوى عام! و ابتسم الشاب وهو يقول: -لقد وسعتنا على كثرتنا! -وهل أعجبت أسرتك؟ -يجب أن تعجبهم فقد كانوا في أضيق منها في بغداد! -وهل زوجتك معك يا00أنا لم أعرف اسمك إلى الآن؟ -معبد بن عيسى0 -هل تزوجت يا معبد؟ -لقد أشغلني والدي بالبيع والعمل وكنت أعمد إلى تأجيل الزواج بسبب ذلك0 -إذاً كيف تركت والدك وحيداً وجئت بأسرتك إلى هنا؟ -لقد توفي والدي وترك لي هذه الأسرة الكبيرة0 وأطرق إلى الأرض محزوناً00فقال غياث يلاطفه: -يجب أن تزيد في حجرات البيت00ألا يوجد من يساعدك على طلب المعيشة؟ -هناك أخ لي في السابعة عشرة00 وقد جاء معي بالإضافة إلى أخواتي فقد علمتهن أمي صناعة السلال والحصر من جريد النخل،فإذا اجتمع لنا شيء من ذلك يذهب أخي موسى لبيعه في بغداد0 -إذاً فقد عانيت من الفقر كثيراً0 ابتسم الشاب وقال: -لا00 أنا خير ممن هم دوني00 لقد كنا نتحصل على شيء من اللحم إذا أعطاني من أعمل في دكانه أجرتي كل شهر00 أما البر فقد كنا نأكله كل أسبوع00 وسائر الأيام نكتفي بخبز الشعير00وملابسنا وباقي حوائجنا كنا نشتريها إذا باع أخي من السلال والحصر00وكان بعض من يعرفون حالنا يأتون إلينا بدراهم أو طعام لكن أمي كانت ذات جلد وصبر ،فترفض ذلك أنفة،وربما أخذت أنا المال لأدفع أجرة الدار بدون علم أمي! وأحنى غياث رأسه إلى الأرض، وقد اكتسحه شعور مفاجئ بالحقارة،فازدرى نفسه ولم يتكلم حتى نهضا لتفقد شؤون البستان والتجول في أنحائه0 وفي تجوالهم مروا على بيت القَّيم الذي كان قريباً من النخيل00فخرج الصغار لمشاهدة صاحب البستان وتوقف غياث يتأملهم00 كانوا ثلاثة صبيان أكبرهم في التاسعة،وثلاث بنات دون الثالثة عشرة00كانت شعورهم منفوشة وثيابهم قذرة وكانوا يتضاحكون ويتخاصمون في حبور على تمرٍ التقطوه من أحواض النخيل، فرحين بالأفياء الواسعة التي أنستهم أزقة بغداد الضيقة00وقد جنحوا إلى الصمت لدى وقوف سيد البستان كانوا على شيء من الملاحة والنشاط،لولا يد الفقر التي طالتهم وعبثت بنظراتهم0 والتفت غياث إلى معبد ليقول شيئاً فوجده مطرقاً على الأرض00 خجلاً من هيئة أخوته00 فلزم الصمت وآثر الانصراف رفقاً بالشاب! وقد أثبت معبد بن عيسى جدارته في العمل واستولى على إعجاب غياث بن عبد المغيث في أقل من شهر بإلمامه بالسوق ودقته في الحساب، وعلى صغر سنه فقد كانت سمعته طيبة في أسواق بغداد0 وقد فوض إليه غياث بكل شيء في شؤون الزرع والغلات والمال، وزاد في أجرته وبعد شهر آخر كان قد بعث في البستان دماء جديدة،فزاد في الزروع وأصلح الحوائط واقترح على غياث تسيير قافلة لبيع بعض الغلات في القرى القريبة من بغداد، ونفذ هذا الاقتراح بقافلة صغيرة أرسلها مع أخيه موسى فعادت بربح طيب0 وزال كثير من الكلفة بين غياث ومعبد، وأصبح الحديث بينهما يتعدى شؤون التجارة،وما زاد من ثقة غياث بمعبد كفاحه وقيامه على تربية أخوانه الصغار والمثابرة على تعليمهم القراءة والكتابة وتدريبهم على الأخلاق الحميدة0 |
بسم الله الرحمن الرحيم
ومن جانبه أعجب معبد بهدوء غياث ورزانته وتجنبه الثرثرة00ولم يضجره سوى عزلته الصارمة ووحدته القاسية التي لم يشهد لها مثيلاً00فهو لا يتعدى بستانه وقصره ولا يهتم بغير خيوله وتدليلها أو التجوال مع جاريته هنا وهناك00وأضجره تحفظه عن الكلام عن نفسه00فهو لا يعرف عنه إلا اسمه،وأنه مالك هذه الضياع وحاول الحصول على شيء من سيرته من العبيد الخدم ومن التجار في بغداد،فلم يجد عندهم أكثر مما عنده! فاقتنع أن صاحبه يطوي نفسه على كثير من الأحزان والغموض00فترك الإلحاح لمعرفة ذلك،وتتبع سيرة غياث خصوصاً عندما نهره ذات يوم بعنف وخشونة وعلى غير عادته وقد رآه يقترب من البيت الصغير المهجور المحاط بسور من الحصى0 وبطبيعة متسامحة نسي معبد هذا الجفاء من غياث ولم تتأثر علاقته به00إلى أن حدث ما عصف بهذه الألفة بينهما عصفاً وأضاف إلى أحزان غياث الهادئة أحزاناً جديدة ثائرة وعنيفة0 ففي مجلسه المعتاد أخر العصر جلس غياث يتناول الفاكهة، ولم يلبث حتى جاءه معبد وفي يده دفاتر البيع وقال بأسلوبه المهذب : -أتأذن لي في الجلوس؟ فقال غياث: -نعم تفضل00ماهذا الذي بيدك؟ -دفاتر السوق00 جئت لنراجعها معاً0 فقال غياث مداعباً: ظننتها أوراق علم أو شعر! -لم يترك لي طلب المعيشة وقتاً لقول الشعر0 فقال غياث وقد تذكر موهبة الشعر التي ماتت عنده منذ سنوات: -وهل كنت تقول شعراً يا معبد؟ -أبيات قليلة تعد على الأصابع0 -ولماذا لم تواظب على قوله00فالشعر أداة ليخفف المرء عن قلبه؟ -لقد كنت أقوله في صباي، ولما بلغت العشرين من عمري تركته00 ثم قلت قصيدة صغيرة قبل سنة ولم أكتب بعدها شيئاً0 فابتسم غياث بسرور وقال: -هل تحفظ من القصيدة شيئا؟ -أذكر منها مطلعها: أسامر النجم والأقوام قد رقدوا *أبيت هماً وحولي الناس قد سعدوا بكيت من كمدٍ من هول فاجعة *سكبت فيه دموعا مالها عدد أبكي لفقد أبي من بعد رحلته *حتى أرى العين حزناً زارها الرمد -إنها جميلة إن كانت كلها كهذا المطلع! -لقد كتبتها عندما قتل والدي رحمه الله 0 -قتل00؟ لقد قلت لي أن والدك توفي فظننتها ميتةً في الفراش؟! -لا00لقد قتل غدراً00 قتله اللصوص قبل عام ونصف! -وكيف قتل؟! -قتلوه عنوةً00فقد كان مسافراً إلى فلسطين بقافلة صغيرة، ومعه أموال طائلة وحرس كثير، ففاجأه لصوص قبعوا له ولرجاله على مسافة نصف نهار من بغداد وقاتلهم لكن اللصوص استطاعوا قتل رجاله وتعقب من فر منهم حتى أجهزوا عليهم جميعاً ونهبوا المال! -وهل علم الناس بذلك00وهل عرفوا أحداً من اللصوص؟ -نعم00 فقد علمت أن أعرابياً أخبر الناس0فقد كان قريباً من موقع القتال، وقد جاء موافقة ليجد عشرات القتلى وآثار القتال،فأسرع إلى بغداد وأخبر الوالي والشرطة، لكن أحداً لم يعرف من قام بهذه الجريمة! -هل كان المال كثيراً؟ -لم يخبر والدي أحداً برحلته هذه ولا بمقدار ماله حتى الرجال الذين معه00لكنه قال لنا أنه سيبيع كل ما يملك من عقار وضياع وأنه سيحمل ماله إلى فلسطين بلادنا الأصلية0 -وأين كنتم؟ -كنا قد سبقناه قبل مقتله إلى فلسطين00 وشاء الله ألا نحمل معنا إلا القليل من المال0 واستقامت شعرات من غياث بن عبد المغيث وتصبب العرق غزيراً من جسمه واعتراه الوجوم،ولاحظ ذلك معبد وقال بأسى: -لقد أثقلت عليك وعلى نفسي يا سيدي بهذه القصة الحزينة0 فقال غياث محاولاً استدراجه للكلام: -كلا00فقد سمعت بمقتل رجل بالغ الثراء من أهل بغداد اسمه ذاهب المقدسي00وقصته شبيهة بقصة مقتل والدك غاية الشبه!! -ذلك أبي00ذاهب المقدسي هو أبي وقد تناقل أهل الأقطار قصته لغرابتها وكثرة من قتل فيها من الرجال! -لكنك ذكرت لي أن اسمك معبد بن عيسى؟! -نعم00 فقد اعتادت جماعتنا أن ينسب الرجل إلى جده خصوصاً عندما يكون ذائع الصيت00 وبهذا يكون اسمي معبد بن ذاهب بن عيسى المقدسي0 فقال غياث مناوراً لمعرفة كامل القصة: -لقد ظننت والدك من أهل بغداد00 فكيف جاء إليها؟ -لقد قدم والدي إلى بغداد تاجراً قبل ستة عشر عاماً00وكنت صغيراً حينها00وعمل بجد في تجارات كثيرة منها القماش00 وصارت له قوافل تروح وتجيء ببضائعه من فارس والشام وغيرها00 وقادته التجارة إلى أكابر الناس وتوصل إلى الخليفة وصار من جلسائه00 وكان مقبولاً حسن الحديث فقربه الخليفة وأدناه ،وصرت أجلس في دكانه عندما يكون غائباً وتعلمت الحساب والبيع00وأحببت بغداد حباً فاق حبي لبلادي فلسطين0وصار الخليفة يستعمل والدي في بعض شؤونه،ويغدق عليه المكافآت فأثرى،وتحصلت له عنده بعض الضياع والدور والعقار0ولكن بعض جلساء الخليفة حسدوا والدي على حظوته ومكانه من الخليفة وظنوا أنه سيجعله والياً على بعض المدن مما يطمحون هم إليه، فسعوا بالوشاية والمكيدة بينه وبين الخليفة حتى جفاه وأغلظ له القول وطرده من مجلسه، فتأثر والدي لذلك غاية التأثر، وعاف بغداد والعراق كله وعزم على الانتقال إلى فلسطين بأمواله وأسرته00 ولقد حزنت لذلك كثيراً0 وحَمَلنا مع بعض المتاع والمال إلى فلسطين وطفق يبيع ضياعه وعقاره00ووصلنا إلى فلسطين و اكترينا بيتاً قريباً من أخوالي ومكثنا بضعة أشهر،وجاءنا رسول من والدي برقعة مختومة أخبرنا فيها أنه باع ضياعه وكل عقاره و بضاعاته واشترى بها ذهباً وأنه سيحمله على بعض الجمال وسيحرسهم فرسان استأجرهم لذلك، وأنه سيخرج متخفياً وسيصل إلينا في أقل من شهر،وأخبرنا ألا نعلم أحداً بمسيره0ومكثنا بعد ذلك شهرين، وساورنا القلق وطفقت أتلقى كل قادم من بغداد فلم أسمع عن والدي شيئاً، حتى جاء ذلك اليوم الذي قدم فيه أحد أقربائنا من بغداد ليخبرنا بمقتل والدي وسرقة أمواله، وقتل عبيده وكل رجاله على يد جماعة من الفتاك، وقال لنا أنه تولى بنفسه غسل والدي ودفنه0
ولست في حاجة إلى أن أخبرك أي حزن وأسى حل بنا وكيف انقلبنا في شهر واحد من الغنى الواسع والثراء الطائل إلى حال من الفقر والمسكنة؟ورجعت أنا إلى بغداد مع أهلي الذين ما وسعهم إلا الإتيان معي فلا عائل لهم غيري0واستفدت من معرفتي بأمور البيع فعملت عند صاحب أقمشة0 -وهل تعرف أحداً ممن قتل والدك أو سرقه؟ -لو كنت أعرف منهم أحداً لقتلته قتلاً! قالها بحماس ظاهر00مما دعا غياث إلى أن يسأل بمكر: -وهل تجيد القتال؟ -لقد تدربت على المبارزة0 -وكيف علم اللصوص بخروج والدك وأنه يحمل ذهباً؟! -هذا ما يحيرني!!وإن كنت أشك في صاحب لوالدي! -وما الذي يحملك على الشك فيه؟ -لأنه كان مقرباً من والدي00 ولم يكن يخفي عنه شيئاً من أسراره00وكنت أنا أراه شريراً00وكلما حذرت أبي منه سخر مني،وحذرني بدوره من سوء الظن! -ولماذا كنت تراه شريراً؟ -لأن والدي عرفه في مجلس الخليفة00 وحصلت بينهما المزاورة بعد ذلك00 وقد سمعته أكثر من مرة يذكر والدي وما فيه من النعيم على سبيل الاستكثار والحسد0وقد استنقص والدي بحضرة الخليفة وهو غائب، وكادت الفرقة تحل بينهما لولا تسامح والدي وحسن ظنه0 -وسكت قليلاً ثم قال: ومما زادني شكاً فيه أنه قبل رحيلنا بأسبوع كنت عائداً من الدكان فرأيته في درب ضيق قذر مشهور بكثرة الفتاك واللصوص،يخاطب ثلاثة رجال كريهي المنظر، وسمعته يذكر اسم والدي ويتحدث بصوت لم أسمعه لكني التقطت منه كلمات مثل:الذهب00الجمال00السيوف00واختبأت لعلي أسمع المزيد ولكن الرجال تفرقوا! -وهل أخبرت والدك بذلك؟ -نعم00فلم يزد على أن أمرني بالذهاب إلى النوم! وسأل غياث سؤالاً يعرف جوابه: -وما اسم هذا الرجل؟ -اسمه كريه كصاحبه!!اسمه حنظلة0 -ألم تحاول تتبعه بعد مقتل والدك وعودتك من فلسطين؟ -فعلت00وسألت عنه وقيل لي إنه في السجن0 فسأل غياث بلهفة: -ولماذا سجن؟؟ -لا أدري! وطال الصمت بينهما، ورأى معبد بن ذاهب جبين غياث راشحاً بالعرق فقال: -لنترك مامضى00 ولننظر إلى دفاترنا0 فقال غياث بصوت كالحشرجة: -لا00 ليس اليوم يا معبد بن ذاهب00 أحس بالتعب0 وقام معبد مستأذناً بالانصراف ومضى تاركاً غياث يكاد يخترق الأرض بنظراته وبعد مدة طويلة خلع عمامته عن رأسه متخففاً ومسح شعره إلى الوراء00 ورغم اعتدال الهواء وبرودته إلا أن العرق عاد يتدفق على ظهره ويبل ثيابه، فقد استعاد هذه القصة التي تثقل قلبه بالوجع00 واعتراه شعور غريب00 شعور بالخوف00من شيء قادم00 لم يكن خائفاً من حنظلة00 ولا من معبد00 ولا من أي من البشر00كان خائفاً من شيء هائل يتململ بداخله |
تسلمي وديعه
واصلي القصة اكثر من رائعه موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
|
بسم الله الرحمن الرحيم
عابساً00وكم استعذب تلك الصورة،فقام و توضأ من حوض شجرة قريبة وصلى صلاة المغرب شاعراً بالتناقض الصارخ بين ذلك وبين أحقاده وشروره المستفيضة، ثم جلس إلى أريكته ثانية وقد امتصت الصلاة الخاشعة شيئاً من عنف أفكاره0 وقام ليذهب إلى القصر00 لكن فاجأه من الخلف جسد قوي انطرح عليه!!وأحس بشيء بارد حاد يوضع على عنقه وخاطبه صوت من فوقه: -إذا صرخت أو تحركت قطعتُ عنقك بهذا الخنجر! وقيَّد المتكلم يديه من خلف ظهره، وأحكم ربطهما وأمره بالوقوف ثم خاطبه بخشونة: -سر أمامي00وإذا تكلمت أو حاولت الهروب فستعلم ما يحل بك! وسار غياث كما طلب منه00 ودفعه الرجل أمامه في ظلام الليل، وظلا يسيران بصمت حتى وصلاإلى النهر وهناك توقف الرجل، ثم أمسك بثوب غياث من جهة كتفه وأداره إليه بعنف ليواجهه00كان سعيدا00 وكان محنقاً00في عينيه يبدو زهو الانتصار واضحاً جلياً00 يكاد يشج وجه غياث بنظراته التي تغلي حقداً! وكان غياث أول المتكلمين: -إذاً فقداستطعت الهروب00؟! لم يعلق سعيد00 بل سأل في حنق: -هل استخرجت الذهب من النهر؟ فقال غياث متجاهلاً سؤاله: -ليتني أعرف كيف حصلت على المنشار؟! رفع سعيد قبضة يده في الهواء ولكم غياث على وجهه لكمة ًأطاحت به في أوحال النهر، ثم جذبه بعنف ليقف ثانية وصرخ في وجهه: -إذا سألتك فأجب00 هل استخرجت الذهب من النهر؟ فقال غياث وهو يبصق دماً: -لو كانت يداي طليقتين لعرفت كيف أرد عليك أيها الوقح! استشاط سعيد غضباً ولكمه ثانية ، فلما تهاوى ليسقط أمسكه من صدره وصاحبه: -هل استخرجت الذهب من النهر؟ فأجاب غياث بصراحة تبعث على التصديق: -لا00 إنه مازال في القاع00 فعلق سعيد: -كما توقعت فلم تحتج إليه حتى الآن0 ثم كبَّه على وجهه في قارب صغير به مجدافان ودفع القارب إلى عرض النهروصعد إليه،وبدأ يجدف باتجاه الجنوب وجلس غياث منتصباً في مقدمة القارب الذي كانت الرياح المواتية تزيد من سرعته0لم يشك غياث في أن سعيداً عاد إلى مطلبه الأول00الحصول على بقية الذهب الذي يقبع منذ سنة ونصف في قاع النهر00وتساءل غياث هل سيقتله بعد الحصول على ما يريد أم لا؟ إنه لا يدري عما يدور في خلده،فقد مضت ساعتان دون أن ينطق أحدهما بكلمة00ولم يكن يقطع الصمت سوى صوت المجاديف وهي تضرب صفحةالمياه المعتمة بحنق00 وبدا لغياث أن سعيداً لا يتعب أبداً، فهو لم يفلت المجدافين لإراحة يديه والنفخ في كفيه00بل ظل يجدف بعبوس وبطريقة عنيفة كأنه يريد تكسيرالمجدافين لا الوصول إلى مكان معين!! حرك غياث يديه اللتين أوجعهما الحبل الغليظ وعدل من جلسته غير المريحة عدة مرات وأضجره الليل والصمت فقال وقد لوى شفتيه نكداً وعبوساً: -أين ستذهب بي؟فلم يجبه سعيد بغير نظرة تفيض بالاحتقار والحقد،فقال غياث: -كان الأولى بك أن تواجهني كالرجال00لكنك آثرت الغدر فأخذتني وأنا لا سلاح معي! ولم يزد سعيد على الصمت فقال غياث محاولاً استثارته: -لقد ساعدتك الشياطين!!وإلا كيف قطعت تلك السلسلة؟! وكيف تخلصت من ذلك القيد على قوته؟!! ولما لم يجبه سعيد بشيء انفجر غاضباً وصرخ: -أأصم أنت؟!تكلم قطع الله لسانك! وجاءت النتيجة على غير ما أراد غياث، فقد ترك سعيد أحد المجاديف00 وقذف غياث بدلو ثقيل من النحاس فلم يخطئ رأسه وسال خط دقيق من الدماء من جبينه وتوقف على أرنبة أنفه فهدأت ثائرته وقال بهدوء وحزن: -أهكذا فعلت بك أيها الشرير؟ كان عبدي يحمل لك الطعام وأنت في القيد،وكان يكنس المكان الذي أنت فيه00 ولم أكن آكل شيئاً من الفاكهة والعنب إلا وأبعث لك بمثله! تكلم سعيد أخيراً وقال وهو يصرُّعلى أسنانه محنقاً: -تمتن ُّ علي َّ بطعام لا يكلفك نصف درهم وأنت قد استوليت على أموال لا تحصى!! وتحتبسني عاماً ونصف العام كالكلب ثم تدعي أنك صاحب فضلٍ علي؟! -لقد كنت في حوزتي ولو شئت لقتلتك! -ومن زعم أنك لم تقتلني00 لقد كنت تقتلني كل يوم! -لقد تركت حياً شفقة بك00 وكان السجن خير مكان لك0 -ليتك قتلتني وأرحتني! -لقد قلت لك إني لا أحب القتل0 -أما أنا فأحب القتل! قالها بنظرات مرعبة كادت تهز فؤاد غياث الذي قال متجلداً: -أنا لاأخاف منك00 ولكن أريد أن أعرف أين ستذهب بي؟وعاد سعيد إلى صمته00 وإلى دفع القارب بنشاط وعبوس ومد غياث رجليه وألقى برأسه على حافة القارب باسترخاء00 يتأمل النجوم الزاهرة00 واجتذبه بهاء القمر وجمال السماء وأنسته القبة الزرقاء ومصابيحهاالهائلة أي خطر هو فيه وأغمض عينيه مستسلماً للنوم0لا يدري متى نام00 ولكنه استيقظ والضياء يملأ المكان00 و أنسام لذيذة تنعش الروح كانت تهب بين الفينة والأخرى ورأى سعيداً وقد نام في مكانه والقارب عالق بضفة النهر00وتلفت حوله فعرف المكان00فهذه هي الحجرات الطينية، وقد أتت النار على سقوفها،وهذا هو النخيل اليابس لم يتغيرفيه شيء00كان هذا هو المكان الذي شهد اللقاء الأول بينه وبين اللصوص0وتأمل سعيداً00 إنه نائم00فلماذا لا يهرب؟00وحرك جسمه محاولاً النهوض ففوجئ بنفسه مثبتاً بإحكام إلى أحد ألواح القارب،واستيقظ سعيد وشرع حالاً في العمل00 وخاطب غياث بخشونة: -ستنزل الآن إلى الماء00 وعليك أن تخرج الذهب الذي قذفت به هنا عندماكنت مع مروان0 -أنت مجنون!الوقت بارد وإذا نزلت إلى الماء فربما هلكت من البرد!؟ -لا يهمني ذلك! وجعل سعيد يعمل بحماس فقطع الحبل الذي يربط غياث بالقارب وهم بأن يقول شيئاً فسبقه غياث بقوله: -أريد أن أصلي الفجر0 فرد سعيد بسخرية من غير أن ينظر إليه: -منذ متى بدأت تصلي؟! -لا شأن لك0وبدون أن يبالي به قفز خارج القارب،ووقف على اليابسة وقال بلغة آمره: حل وثاقي 00أريد أن أتوضأ0 -حسناً00قالها سعيد وهو يتقدم إليه،وبدلاً من أن يحِلُ وثاقه قطعه بالخنجر فحرر غياث يديه،وجعل يحركهما ويزيل تصلبهما00 ولكن سعيداً ألصق رأس خنجره الطويل في ظهره وقال: -اصعد00وجدف00 عليك أولاً أن تجد الموقع الذي فيه الخرج،ثم تنزل إلى القاع للبحث عنه 0وأمام وخز الخنجر صعد غياث القارب وهويقول: -لابد أن النهر جرفه وغير موقعه0! -لو جرفه النهر فلن يبتعدكثيراً0وجلس غياث إلى موقع المجاديف، وجعل يسير بالقارب يميناً وشمالاً ويتأمل الضفة الشرقية والغربية محاولاً تذكر الموضع،الذي كاد يغرق فيه مع مروان0 ثم توقف في منتصف النهر وقال: -أظنه هنا00فَبانَ البشر على ملامح سعيد وتناول حبلاً متيناً0وأمر غياث أن يلفه حول وسطه00فوقف غياث وربط الحبل على بطنه،ولما فرغ ركله سعيد برجله ليسقط على صفحة المياه الهادئة 00صارخاً من شدَّة لسع الماء البارد وأمسك سعيد بطرف الحبل وقال: -هيا00انزل إلى القاع وابحث عن الخرج00وبعد تردد قصير فعل غياث ما طلبه سعيد،فأخذ نفساً كافياً ونزل إلى القاع المظلم يتلمس أرض النهر وصخوره ولدقائق،ثم يخرج ليلتقط أنفاسه ويعود البحث من جديد00وتكررت المحاولات و غياث يقاوم جريان النهر وبرودة الماء00 ويبحث جاداً عن خرج الذهب لكنه لم يظفر بشيء00وأخبر سعيد أنه لم يجد الذهب فاستشاط هذا غضباً وصاح: -يجب أن تجده00 إن حياتك مرهونة به! ثم جذب الحبل المربوط في وسط غياث بعنف حتى التصق بالقارب وقال له وهو يضغط أضراسه،ويتحسس بخنجره عنق غياث المتين: -إذا لم تجدالذهب00فإنها نهايتك0! |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين فسبح غياث إلى موضع آخر00وجدف سعيد خلفه وهو ممسكٌ بالحبل حتى لا يهرب غريمه00 وبدأ البحث من جديد00 ومضت مدة و غياث يغوص إلى القاع ويمسحه بيديه ورجليه،مثيراً سحاباً من الطين الراكد يزيد من ظلمة القاع وقتامته00ثم يصعد ليلتقط أنفاسه،واعتاد جسمه برودة الماء مع أن أسنانه كانت تصطك تحت وطأة البرد والتحفز00 ثم انتقلوا إلى موضع أخر دون أن يجدوا شيئاً00 ثم أصبحوا ينتقلون إلى مواضع عديدة من النهر00 وكانت اللهفة بادية على ملامح الاثنين00وبَانَ الإعياءُ على غياث00وبارتفاع الشمس بدأ يجد بعض الصناديق والشِباك والحبال التي قذف بها عندماكان برفقة مروان،فأشرق الأمل في نفسه وعلم أنه أصبح قريباً من بغيته00 وأخيراً لمست يداه شيئاً صلباً،فتحسسه وعرف فيه خرج الذهب00وكان الطين يكاد يطمره00فحاول رفعه فلم يستطع بسبب المياه00فصعد إلى السطح وهتف لسعيد متصاعد الأنفاس: -لقدوجدته00ولكنني عجزت عن رفعه لأنه ثقيل والمياه ترفعني! فقال سعيد بصبر فارغ: -حل الحبل من وسطك واربطه في الخرج0وشرع غياث في ذلك لكن سعيداً صاح به وقد أدركه الحذر: -كلا00انتظر00اربط هذا الحبل0وقذف إليه بحبل آخر ربط طرفه في القارب00بينما تناول غياث الطرف الثاني منه،وغاص به،وربطه في صرة الذهب الثقيلة ثم صعد إلى السطح وتعمد هذه المرة أن يكون قريباً من القارب، ولم يلحظ سعيد ذلك بسبب نشوته وهو يجذب الذهب من أسفل النهر0لقد اعتزم غياث أن يهز القارب لعل سعيدا ًيسقط أو يقبل إليه فيجره إليه ثم يقتتلان في الماء00كانت تلك محاولة أخيرة للنجاة00استخرج سعيد الأموال الغارقة بفرحة طاغية وركع فوقها يزيل عنها بعض الطحالب العالقة،ويحاول فتحها مذهولاً عن خصمه الذي غاص وتسلل تحت الماء حتى صارإلى الجهة الثانية من القارب بحيث لا يراه سعيد وبحذر أمسك حافة القارب بيديه وثبت رجليه على جانبه ثم هزَّه فجأة وبعنف فاستقام سعيد واقفاً و غياث لا يكف عن التأرجح بالقارب وتماسك سعيد حتى لا يقع00وكما توقع غياث فقد أقبل عليه سعيد وقبل أن تصل يده إلى جراب خنجره التقط غياث طرف ثوبه وجرَّه بشدة إلى الماء تمهيداً للعراك00صرخ سعيد صرخة وحشية أفزعت غياث00وجعل يتخبط في المياه بعنف وعشوائية00وبخفة تعلق غياث بالقارب وصعد إليه00كانت نتيجة محاولته تلك ناجحة أكثر مما توقع!! فتمتم متعجباً: -إنه لا يجيد السباحة!! وأعمل يديه في حل الحبل الغليظ المربوط حول وسطه،أما عينيه فكانتا مثبتتين على سعيد الذي كان يطفوا و يغوص ويصرخ مستغيثاً00منادياً غياث بأنه لا يعرف كيف يسبح!! ثم كلت يداه وتحول صراخه المستغيث إلى غرغرة خافته حتى اجتذبته الأعماق القاتمة بلا رحمة!! فكر غياث سريعاً00 وبعدتردد قصير قذف بنفسه إلى الماء قابضاً طرف الحبل00وتحت الماء جعل يعوم باحثاً عن سعيد كما كان يبحث عن الخرج ولم تطل المدة حتى وجده مستلقياً على قاع النهر مثل النائم فربط الحبل حوله00 ثم صعد إلى القارب واجتذبه إلى الأعلى، ورفعه إلى القارب وتفقده قليلاً ثم قال متمتماً: -لقد وصلت إليه متأخراً! وجعل يتأمله في نكدعظيم00 وجدف إلى الشاطيء00ثم سحب الجثة إلى الرمال الدافئة وهو يقول بخفوت: -سيأتي إليه من يدفنه0ثم صعد إلى القارب وجعل يجدف ناحيةبغداد00ساهماً00 ينظر في البعيد00حيث الأفق الصافي00مهموماً00يتأمل الطيور الطافحةفي السماء ويحسدها على الحرية! لقد أحس في هذه اللحظة أنه مسجون00مقيد00مربوط إلى رغباته وشهواته كالبهيمة التي تعد للذبح!! ظل يجدف ولم يُلقِ نظرة واحدة إلى الأموال التي تقبع تحت قدميه00لقد أحب الدين والاستقامة ووجد سلوته في الصلاة00لكنه يشتهي المال والمجد00واليوم أسمعه موت سعيد نداء العالم الأخر الذي سينتقل إليه يوماً ما00وذكره بالحقيقة التي عجز عن الفرار منها00حاول استرداد عقله الشارد00 لكن بصره ظل عالقاً بالأفق البعيد00وذهنه سجين المشهد المفزع00غرق سعيد00وهو يتشبث ببقايا الحياة00كيف تدفقت المياه بسهولة إلى جوف ذلك الوحش الكاسر00وكيف دوى صراخه المتغرر بالماء وهو يكافح من أجل نسمة هواء00لم يكن ذلك أول مصرع يراه00 لقد رأى القتال العنيف في بيت الطين وساهم فيه بنصيب كبير00لكن موت سعيد كان موقوتاً00 جاء وقد تغلب عليه هاجس الموت والرحيل إلى الدار الآخرة! فرأى عياناً هوان الدنيا واحتقارها00ورأى سطوة المنون كيف أنهت جبروتاً عريضاً في لحظات00وخاف00 و ازداد خوفه من هبوط الليل00وتمنى لو كان شرف الدين بجانبه يقرأ عليه من القرآن ويعظه ويذكره بالآخرة00شرف الدين ربان سفينته التي انتشلها من قبضةالأمواج00 والذي كان ينهاه عن الدنيا والفساد والخمر ويذكره بأهوال الآخرة00لو يراه الآن وقد اكتسحت ذكرى الموت والرحيل تفكيره00وضجت بها نفسه المكلومة! كم يحس الآن بظمأ شديد إلى الموعظة والآيات والصلاة0وجعلته هذه الخواطر يجدف بسرعة في لهفةإلى الوصول! عندما وصل إلى مزرعته الكبيرة كان الليل قد أوغل في المسير00فألقى أول نظرة له على الذهب ثم حمله وقفز من القارب00كان مبتلاً00مصك الأسنان00منتفض الجسد من شدة البرد00كان البستان في سكون تام00 والجميع قد أووا إلى مساكنهم00واجتاز الباحة المؤدية إلى القصر يكاد يسقط من الإعياء وقبل أن يدخل إلى القصر توقف والتفت إلى بيت أولاد المقدسي00 كان المسكن الصغير مضاء ورغم بعدالمسافة إلا أنه أحس أنه يقف على عتبته00 وتدلت شفته السفلة لذلك وفاضت عيناه بالدموع 00وذلك آخر ما يذكره! ووجده بعض الخدم ملقى عند الباب فحملوه إلى فراشه ليمكث يومين كاملين شوته الحمى فيهما شيَّاً00لم يكن يشعر بما حوله،فقد تضافرت المياه والبرد وفترة التحول والتغّير التي يمر بها على إنزال الحمى به، وهب سكان القصر والبستان وعلى رأسهم سريع ومعبد وعطر على العناية بسيدهم والإحاطة به00لم يقف00بل كان يهذي بالكثير مما تضج به نفسه00 وكانت تفلت منه كلمات لم يفهم المحيطون به منها شيئاً00كان يذكر اسم سعيد وبيت الطين00وخرج الذهب00 وقاع النهر!! وأشد ماأثار استغراب معبد أنه تلفظ باسمه واسم حنظلة! كان يطلب الدفء والأغطية، ورغم كثرةما وضع فوقه إلا أنه ظل يرتعش وبعد غروب شمس اليوم الثاني استيقظ وقد زاولته الحمى00 ولم يكن بالحجرة أحد و كانت العتمة تمنعه من رؤية الأشياء00 ولما ألفت عيناه الظلام،كان خرج الذهب أول شيء رآه00لم يفتح ولم يتغير فيه شيء00ورغم بياض حاضره إلاأن بقايا من قتامة الماضي أوهمته أنه مازال يعشق الثراء، ويحفل بالدنيا،فأخذ الخرج ودسَّه معه في الفراش بلهفة،وعاد إلى النوم من جديد! نام إلى منتصف الليل00ثم استيقظ من فراشه مثخناً بالحزن00مشوش التفكير00كانت هموم الأيام الماضية تعصفبه00وقد تفجرت فيه العاطفة المكبوتة وفطرة الخير الأصيلة التي حاول رفسها والإجهازعليها تحت وطأة الثراء!! وترجحت عنده كفة التوبة وطلب الآخرة، واجتمعت تلك الأشياءلتواجهه في عنف وتلطمه بالحقيقة00 إنه سارق ومجرم،ويجب أن يرد الحق إلى أهله ويتجرع مرارة الفقر القديم على أن ينعم بسعادة التقوى0و التهمه سؤالٌ محرق00هل هو شريرفيواصل طريقه الأسود00أم طيب متدين فيقف ويرجع؟! ولكي يحصل على جواب استرجع ماحدث له00 لقد أنقذ مروان وقذف بنفسه في المياه لإنقاذ سعيد وأكرمه عندما كان فيأسره ولم يعمد إلى قتله00وواظب على الفرائض وترك الخمر00فهو في الأصل صالح وطيب السريرة00بل خبيث وشرير00فقد عق أبويه ، وسلب الصياد صاحب الحمار واستولى على أموال ورثة المقدسي00وتسبب في إفقارهم! وأعياه الجواب00وتداركه الخور00 وتعثر في حطام الضلالة المتبقي00وذكرى الفاقة السوداء00فأخفى الخرج تحت فراشه، وظن أن ما يجول بنفسه خواطر عابرة، أوحاها ضعف مؤقت00فقرر القضاء على كل من تآمر ضد سعادته،وصمَّم على طرد معبد وأسرته،لأن وجودهم سبب ما يعتريه هذه الأيام00وتخيل أنه جبار00فحمل السوط مهتاجاً وخرج إلى بيت آل المقدسي ليطردهم00خرج نصف عاقل00متخففاً من الثياب00مزبداً كالجمل الهائج00 ولم يعترض طريقه سوى هواء الليل البارد الذي كان يلسع صدره العاري ويرفرف بسراويله الواسعة00وشدد قبضته على السوط تأكيداً لماسيفعل00 وعندما اقترب من البيت ألفاه مضاءً في دجى الليل00 وأصوات ساكنيه من الداخل تضحك في حبور00 وصوت سيدة المنزل تداعب أحد أطفالها في مرح00فخمد بركانه فجأة كماثار فجأة!! وخارت عزيمته00 وقهرت ثورته تلك الأصوات البريئة السعيدة التي لا تعلم عن عاصفته شيئاً!! وأدركه تعب ثائر فسقط السوط من يده00واستند إلى جذع نخلة قريبة00وهناك وجد الجواب للسؤال الذي أحرقه00ولفت بقايا الظلام في داخله آخرأنفاسها00ظل مستنداً على جذع النخلة حتى انهدَّ مكانه في الحوض،كالجدار المهدوم وتكوم كالأنقاض00 شاعراَ بمزيج من الحزن اللذيذ00وأنه قد هرب من سجنه الذي أرهقه طويلاً، وآل إلى أفياء واسعة!وأمتعته الوحدة والليل00و زالت عن قلبه الأثقال00و أحس بجدول القناعة يتدفق لطيفاً، ويروي في فؤاده جذور سعادة جديدة00حقيقة00واحتبست فيعينيه دموع غزيرة! وطالت جلسته في الحوض، ولم يعده إلى واقعه سوى أصابع صغيرة00باردة وناعمة00لامست كتفه من الخلف كان ذلك أكبر أطفال ذاهب المقدسي! وفوجئ غياث به يقف خلفه ويثرثر في حبور: -أنت الشيخ غياث!؟ لقد رأيتك في شق الباب وكان الباب مغلقاً00أمي لا تدعنا نخرج في الليل00لكني قفزت من فوق الجدار! ثم سكت وبدون أن ينتظر تعليقاً من غياث قال: -أمي ومعبد وموسى يحبونك ويقولون أنك رجل تقي وكريم وتعطينا من الثمار والطعام00 لقد كان عندنا مزرعة مثل هذه ولكن أبي باعها0وقال غياث: -ما اسمك؟ -ميمون00 -لماذا خرجت يا ميمون في هذاالليل00؟ألا تخاف من البرد؟! -خرجت عندما رأيتك00لم يرك إلا أنا! ابتسم غياث ابتسامة حزينة،وقبض على الصبي وضم جسمه المهزول إلى صدره العاري وقال له: -سارع إلى البيت وإلا أمرضك البرد0ومضى الصبي متسلقاً الجدار الذي هبط منه سعيدٌ مغتبطاً بهذا اللقاء القصير مع السيد العظيم مالك هذه البساتين0وتمتم غياث: -ليتني أموت!! ثم قفل راجعاً وقد أطلق العنان لدموعه المحبوســـة تنهمر كـ المطر |
بسم الله الرحمن الرحيم
كانت الأيام التي تبعت تلك الليلة المحمومة التي اعتبرها غياث نقطة البداية في فجر حياته الجديدة00 حافلة بالأحداث فبعد خمسة أيام قضاها غياث بن عبد المغيث في كثير من الصمت والتفكير الهادئ في مستقبل حياته الجديدة،توصل إلى أنه لاحق له فيما ينعم به من المال وأن هذه الأملاك الواسعة والعبيد و الزروع وحتى جاريته الأثيرة على قلبه عطر،كلها ملك ورثة ذاهب المقدسي0 وأن عليه أن يسلم لهم كل شيء00بما في ذلك النصف المتبقي من الذهب في الخرج0لقد أمضى الأيام الأخيرة متأملاً في نفسه، وفي الشيء الذي يتدفق على قلبه في كسبه الطمأنينة التي لم يعهدها في أيام فقره أو أيام ثروته! لقد عزم أن يصارح معبد بن ذاهب في كل شيء،ثم يمضي وحيداً خالياً00كما جاء وحيداً00 وكره بغداد وجوارها وآثر أن يذهب للقاء والديه،و ينطرح تحت أقدامهما ويسألهما الصفح،ثم يذهب إلى الثغور للجهاد في سبيل الله، فلم يعد شيء يهُّمه غير لقاء الله والرحيل عن الدنيا التي اكتشف مؤخراً أنها نواة الشقاء في حياته الماضية00واعتزم أن يصلح ما بينه وبينربه00واستولى عليه هم الآخرة00 وبذل دموعه بسخاء أسفاً على أيامه الخالية0وماكاد يصل إلى هذا الحد من التخطيط لمستقبله حتى أحدقت به الأخطار من جديد!! فقدمضى في إحدى الصباحات الباكرة إلى البئر اليابسة التي قذف فيها بثيابه القديمة،وتدلى بحبل ونزل إلى القاع اليابس وبحث في التراب حتى وجد صرة ثيابه فاستخرجها وغسلها على شاطئ النهر00كأنه شاعرٌ أنه يغسل ماضيه0وجلس ينتظرها لتجف،ثم جمعهاوأراد الذهاب،لولا أن استوقفه وجه مألوف لديه فهتف في دهشة: -مروان؟!! و آسفه أن خنجره ليست معه00وقذف الصرة من يده وباعد بين رجليه استعداداً للعراك00 لكن مروان خاطبه بصوت يفيض بالحزن لا بالشر: -نعم مروان00صاحبك في تلك الحجرة! -إذاً فقد نجوت!؟ -نعم00 لقد وصلت إلى بغداد وعالج الطبيب جرحي00 وقد صدقت يا غياث فالجرح قد اخترق البطن ولم يمس الأحشاء00 هل تذكر عندما قلت لي ذلك؟! وتأمله غياث فوجده كما تفارقا تلك الليلة إلا أنه أصبح مشموط اللحية بالبياض0 وقال مروان: -لقد قضينا معاً ساعات عصيبة00وكتبت لنا النجاة من بين الآخرين أليس كذلك؟ فرد غياث وقد زاولته الريبة لكنه لم يكن راغباً في مواصلةاللقاء: -لقد مضت تلك الأيام بخيرها وشرها0 -لولا جهودك يا غياث لما كنت أنامن الأحياء! -لست في حاجة إلى إطرائك يامروان00بقدر ما أود معرفة سبب مجيئك؟! -جئت للقائك00 وهذا كل ما في الأمر! لم يكن بيني وبينك علائق ومودة00وقد مضيت أنا إلى سبيلي ومضيت أنت إلى سبيلك0 -قد لا تصدقني 00ولكن لاتسيء بي الظن فتقف وقفتك هذه00 وتحسب أني جئت لقتالك من أجل ذلك الذهب المأفون!! وسكت قليلاً ثم قال بنبرة صادقة امتصت كثيراً من توتر غياث وتجهَّمه0 -يا غياث 00أنت فتى شجاع وقوي، والذي سيقاتلك سيكون الخاسر في النهاية! -قلت أني لست في حاجة إلى إطرائك00؟ -لست في حاجة إلى إطرائي00ولكنك في حاجة إلى نصيحتي! -وبماذا تريد أن تنصحني؟! -أريد أن أحذرك من حنظلة00 هذا ما جئت من أجله0 -حنظلة!! وأين هو حنظلة؟ -حنظلة في بغداد00ولم يتبقَ من أعدائك أحدٌ سواه0 -وأنت؟! -أنا لست من أعدائك ياغياث00أنا أحس بالولاء لك منذ كنافي بيت الطين، ولولا حنظلة ما رأيت صفحة وجهي! -وكيف عرفني حنظلة وهو لم يرني ولم يعرف اسمي؟أحنى مروان رأسه إلى الأرض وقال متلعثماً: -لقد اضطررت إلى إخباره باسمك ومكان بستانك00تخبره عني وعن مكاني،ثم تدعي أنك صاحبي وأنك تودني؟!! -أقسم لك بالله أني ما كنت لأفعل لولا أن هاجمني ليلاً في بيتي بالبصرة00ووضع خنجره على عنق أحد أولادي وهددني بذبحه مثل الشاة إذا لم أخبره عنمكان الذهب والأموال00ولم أصدق أنه ينوي قتل الصبي حتى رأيته يجرح عنقه بحد السكين جرحاً صغيراً ليؤكد لي أنه عازم على تنفيذ تهديده! -ومتى كان ذلك؟ -قبل شهر0 -وكيف عرفت أنت مكاني واسمي؟ -اسمك عرفته عندما سمعتك تنطق به وأنت تقتتل مع سعيد00 ومكانك عرفته عندما رأيتك في بغداد موافقةً بعد أسابيع من ليلتنا تلك،وتتبعتك إلى البستان وسألت أحد مواليك فخبرني باسمك كاملاً،ولكنني كنت قد عزمت على أن أدعك وشأنك إكراماً لك على ما بذلت في سبيلي0 -ولكني لم أصنع شيئاً يستحق كل هذه التضحية منك؟! -لا يهمني أن تشعر بمعروفك أو لا تشعر00 يكفيني أنني أعتقد هذا00ربما أكون لصاً وأحمقاً غبياً يا غياث ولكني لست وقحاً ولا جاحداً! وفي خليط من المصانعة والتصديق قال غياث: -أنت رجل طيب يامروان00سأعمل بنصيحتك00لكن قل لي لماذا لم يبحث عني حنظلة طوال تلك الأيام؟ -لأنه لايعرفك00ولأنه منذ ذلك الحين إلى أن هاجمني في البصرة وهو في السجن0 -لماذا سجن؟ -لقد لحقني عندما هربت بالفرس إلى بغداد،وشاء الله ألا يدركني إلا في بغداد، وحاول قتلي فصرخت واجتمع الناس عليه ليجدوني مشقوق البطن وهو ممسك بسيفه00فعلموا أنه يريد قتلي00 وزعمت أنه هو الذي طعنني فحملنا الناس إلى الوالي00وشهدوا عليه بما رأوا وحكم عليه أن يحبس عاماً كاملاً،وكرهه الخليفة وقد كان من مجالسيه فزاد في مدته بضعة أشهر0 -ولماذا لم يقتلك في البصرة وقد ظفر بك؟ -لو قتلني لعلم الناس بذلك،ولأخذوه لأنهم يعلمونما بيني وبينه من العداوة 00 ويعلمون أنه قد حاول قتلي في بغداد0وفي مخادعة قال غياث: -وأين كان أخوك سعيد؟ -سعيد هو سبب شقائي00لقد بكيت عليه كثيراً وبكيت منه00إنه اليوم شرير ومسكين بائس!! وقد افتقدته منذ ذلك اليوم الذي هربت فيه بالفرس00وظننت أنه قتل في الحجرة00فذهبت بعدما شفيت لأبحث عنه حياً أو رميماً00فماوجدت هناك سوى بقايا الحريق،وبحثت في الأنقاض فلم أجد شيئاً00فرجعت وسألت عنه في بغداد فلم يعرفه أحد،إلا شخص قال أنه رآه في السوق مرً ولم يره بعد ذلك!! ومسح عبرة فرت من عينه ثم قال: -وذهبت إلى البصرة أتلمس أخباره،فما ظفرت بأكثر مماظفرت به في بغداد00 ويئست وانكفأت على نفسي حتى جاءني من أخبرني أنهم وجدوه على شاطئ دجلة ميتاً متعفناً بالقرب من بيت الطين00وقد أخرجوا من جوفه ماءًكثيراً00فعلمت أنه مات غريقاً فهو لا يعرف السباحة00 وقد نجا من الغرق مراراً لكن تلك كانت الأخيرة0 -ولماذا دخل النهر وهو لا يعرف كيف يسبح؟ -ربما ذهب لاستخراج الذهب الذي قذفت به في قاع النهر! ثم مسح دموعه ثانية، وأسهب في الكلام عن سير شقيقه وقد وجد في ذلك عزاء له: -لقد مات أبي وأنا في العشرين من عمري،أماهو فكان في سن الخامسة00 ولم يكن له عائل إلا أنا00وطفقت أعمل لأعيشه وأعيش أهلي ووالدتي ثم أولادي فيما بعد00 وعندما كبر حاولت مراراً أن أشركه معي في أعمالي00لكنه بدأ يصاحب اللصوص والمنحرفين،وحاولت ثنيه عما فيه00وبدلاً من أن أرده إلى جادة الصواب استجرني هو،وبدأت أشاركه طريقته وسرقاته! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
إلى كل سجين.. لذ بالفرار | يمامة الوادي | المنتدى الإسلامي | 10 | 2009-09-02 12:48 PM |
خيل يهرب !! | سارة فيصل | ⚪️ منتدى الرؤى المفسرة لغيرالداعـمين،أو المفسرة في المنتدى ∞ | 10 | 2009-06-23 11:55 PM |
قصة سجين | back2allah | منتدى الصوتيات والمرئيات | 2 | 2007-12-13 10:25 PM |
حتى يهرب الخوف | يمامة الوادي | منتدى الإرشاد الأسري والنفسي | 0 | 2007-06-24 6:51 PM |
قصة سجين | يمامة الوادي | منتدى الصوتيات والمرئيات | 4 | 2007-06-06 3:16 AM |