لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
{أَلا له الخلق والأَمر تبارك اللَّه رب العالمين} خميس النقيب الله - عزَّ وجلَّ - خلق الخلق بقدرته؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]، وصنَع الكون بحكمته؛ ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29]. ودبَّر الأمر بعظمَتِه: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ [الرعد: 2] وسيَّر الدنيا بقوَّته ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 40]. ثم بعد ذلك تَجِد من يغيِّر شرع الله، ومَن يعاند منهج الله، ومن يعارض أوامر الله، ومن يصُدُّ عن سبيل الله، إنها مأساة! مأساة اليوم وكلِّ يوم يغيَّر فيه مِن شرْع الله؛ قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]. فقال الشيوعيون والمادِّيون: ليس له الخلْق أو الأمْر، وقال المشْرِكون والعلمانيون: له الخلق ولنا الأَمْر! أمَّا المؤمنون فقالوا: نعَم، له الخلْق، ولَه الأمر، الشَّرْع خط أحمر، والدِّين أصل الأمر. محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يحبُّ قِبْلة أجداده السابقين من الأنبياء والمرسَلين، وأراد الله - عزَّ وجلَّ - أن يحوِّل وجوهَهم صَوْب القدْس بعد الهجرة، لكنَّ النبِيَّ المرسَل، والرسول المؤدَّب، لم يشَأ أن يقترح حتَّى مجرَّد اقتراح، أو أنْ يَدعو حتَّى مجرَّد دعاء لتحويل القبلة، وإنما كان يقلِّب وجْهَه في السماء، في أدَبٍ جَم، وسُمُو فريد، وتواضع رفيع، مع ربِّه وخالقه ورازقه. هل يغيِّر شرع الله؟ كلاَّ! هل يَتحايل على أمْر الله؟ كلاَّ! هل يبتَدِع في دِين الله؟ كلاَّ ثم كلا! حاش لله أنْ يفعل ذلك رسولُ الله، فما بالُ الذين يغيِّرون شرْع الله في كلِّ صباح؟! قوانين وضْعية وقرارات أرضيَّة، عادات اجتماعية وسلوكيَّات فرْدية وجَماعية، أعراض تُنْتَهك وحقوق تُغتَصب وحرِّيات تمتَهن، بل دماء تُسكَب وأرواح تزهَق - باسْم قوانين وقرارات، وعادات وسلوكيات ما أنزل الله بها من سلطان! قال جابر - رضي الله عنه -: خطَبَنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم النَّحْر فقال: ((أيُّ يوم أعْظم حرُمةً؟ فقالوا: يومُنا هذا، قال: فأي شهْر أعظمُ حرْمة؟ قالوا: شهرنا، قال: أيُّ بلَدٍ أعظم حرمة؟ قالوا: بلَدُنا هذا، قال: فإنَّ دماءَكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهْركم هذا، هل بلَّغْتُ؟ قالوا: نعَم، قال: اللهم اشْهد))؛ صحيح. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن بدَّلَ دِينه فاقتلوه))؛ صحيح، البخاري. كان المسْلِمون يتَّجِهون في صلاتهم إلى بيت المقدس ستَّةَ عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقطْ يحدِّث نفْسَه أن تُحَوَّل القبلة إلى مكَّة، إلى الكعبة، إلى البيت الحرام، إلى المكان الذي بلَغ فيه مَراتع الصِّبا، وعلى أرضه درجَتْ قدَماه، ومِن سمائه استقبل وحي الله، إلى رَمْز الأمَّة، وكرامة الأمَّة، وكعْبة الأمَّة، كان النبي يقلِّب وجْهه في السماء؛ تأدُّبًا مع ربِّه، وما أجْملَ أن يتأدَّب المخلوق مع خالقه في طلبَاته وفي رغباته! في حركاته وفي سكناته! في يسره وعسره! في غناه وفقره! في صحته وسقمه! في قوته وضعفه! ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144]. كان النبي يحب ويرْغَب، لكنْ هل يَقترح؟ لا، هل يَطلب؟ لا؛ لأنَّ الدِّين لا يتغيَّر، والشرع لا يتبدَّل، وهو رسول الله ومصطفاه، وحبيبه وخليلُه، فلا يحبُّ أبدًا أن يَطلب منه تغييرًا في الشَّرع أو تبديلاً في الدِّين، لكنَّه كان يرغب أن يتحوَّل قِبَل الكعبة مثْلَما كان أيُّوب - عليه السلام - يئِنُّ من المرض، كان المرض يذْبَحه ذبْحًا كلَّ يوم، لكنَّه كان متأدِّبًا مع ربه، لا يقترح عليه حتى مجرد الشِّفاء؛ ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83] مسَّنِي الضرُّ وأنت يا ربِّ به أعْلم، والعبد عندما يرجع إلى ربه يناديه ويخشاه، فإنَّ الله يَهديه إلى مبتغاه، يلبِّي طلباته ويحقِّق رغباته، هكذا الأنبياء، وكذا سالِكُو دَرْب الأنبياء، الصَّالحون المصْلِحون، الذين يبلِّغون دَعْوة الله، ويحْفَظون الدِّين ويَحملون هَمَّ المسلمين، ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39]. لكنَّ أقوامًا اقترحوا تغْيير الدِّين وتبديل الشرع، والتحايل على أوامر الله، فأذاقَهم الله صنُوفَ العذاب في الدنيا، علاوةً على ما يَنتظرهم من عقاب في الآخرة؛ لكي تعْلَموا يا أمَّة محمد كيف أنتم من نبيِّكم ومن شرْعة ربِّكم، ومن عظَمة دينكم؟!
|
|
أقوام تعدَّوا الخطَّ الأحمر، وتَحايلوا على الدِّين: حواريُّو عيسي - عليه السلام -: قالوا لعِيسي - عليه السلام -: "ادع لنا ربك ينزل علينا مائدة من السماء، نراها بأعيننا، ونتلَقَّاها بأيدينا"، ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [المائدة: 112] لكنَّه وعَظَهم قائلاً: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 112]، لكنهم قَالُوا: ﴿ نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 113]، فدعا عيسي - عليه السلام - ربَّه في أدب عظيم: ﴿ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة: 114 - 115] لكن بشَرْط ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 115] أنزَلَ الله - تبارك وتعالى - سورةً وحْيًا على رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسُمِّيت بسورة المائدة. قال بعض المفسِّرين: إنَّ عيسى - عليه السلام - أمَرَ الحواريِّين بصيام ثلاثين يومًا، فلمَّا أتَمُّوها سألوا عِيسى - عليه السلام - إنزالَ مائدة من السماء عليهم؛ لِيَأكلوا منها وتطمئِنَّ بذلك قلوبُهم أنَّ الله - تعالى - قد قَبِل صيامَهم وتكون لهم عيدًا يفْطِرون عليها يوم فِطرهم، ولكنَّ عيسى - عليه السلام - وعَظَهم في ذلك وخاف عليهم ألاَّ يقوموا بشُكْرها، فأبَوْا عليه إلاَّ أنْ يسأل لهم ذلك. فلما ألَحُّوا عليه أخذ يتضرَّع إلى الله - تعالى - في الدعاء والسؤال أنْ يُجابوا إلى ما طَلَبوا، فاستجاب الله - عزَّ وجلَّ - دعاءه، فأنزل - سبحانه - المائدةَ من السماء والناس يَنظرون إليها تَنحدر بين غمامتين، وجعلَتْ تدنو قليلاً قَليلاً، وكلَّما دنَتْ منهم يسأل عيسى - عليه السلام - أنْ يَجعلها رحْمةً لا نقمةً، وأنْ يجعلها سلامًا وبَرَكة، فلم تزَلْ تَدْنو حتى استقرَّت بين يدي عيسى - عليه السلام - وهي مغطَّاة بمنديل. فقام عيسى - عليه السلام - يكشف عنها وهو يقول: "بسم الله خير الرازقين" فإذا عليها من الطعام - كما ذُكِر- سبعة من الحِيتان وسبْعة أرغفة، وقيل: "كان عليها خَلٌّ ورمَّان وثمار، ولها رائحة عظيمة جدًّا، ثم أمَرَهم عيسى - عليه السلام - بالأَكْل منها، أمر - عليه السلام - الفقراء والمحتاجين والمرْضَى وأصحاب العاهات - وكانوا قريبًا من الألْف وثلاثمائة - أن يأكلوا من هذه المائدة، فأكلوا منها، فبَرَأ كلُّ من به عاهة أو آفة أو مرض مزْمِن، واستغنى الفقراء وصاروا أغنياءَ، فندم النَّاس الَّذين لم يأكلوا منها لَمَّا رأَوْا من إصلاح حال أولئك الذين أكَلوا، ثم صَعدَت المائدة وهم يَنظرون إليها حتى توارت عن أعينهم. وقيل: إنَّ هذه المائدة كانت تنْزل كلَّ يوم مرَّةً، فيأكل الناس منها، فيأكل آخِرُهم كما يأكل أوَّلُهم، حتى قيل: إنَّه كان يأكل منها كلَّ يوم سبعةُ آلاف شخص. ثم أمر الله - تعالى - أن يَقصرها على الفقراء دون الأغنياء، فشقَّ ذلك على كثير من الناس، وتكلَّم مُنافِقُوهم في ذلك، فرُفِعت ومُسخ الذين تكلَّموا في ذلك من المنافقين خنازير؛ استجابةً من الله للمقْتَرَح المشروط، لكنْ ما آمن إلاَّ قليل، أمَّا الذين كذَّبوا به ونافقوا فيه فمُسِخوا إلى خنازير.
|
|
أصحاب السَّبْت: جماعة من اليهود، كانوا يَسْكنون في قرية ساحليَّة على ما يَبدو، اختلف المفسِّرون في اسْمها، ودار حولَها جدَلٌ كثير. أمَّا القرآن الكريم، فلا يَذكر الاسم، ويكتفي بِعَرض القصَّة لأَخْذ العبرة منها والعظة. كان اليهود لا يَعملون يوم السبت، وإنما يتفَرَّغون فيه لِعَبادة الله، فقد فرَضَ الله عليهم عدم الانْشغال بأمُور الدُّنيا يوم السبت بعد أن طَلبوا منه - سبحانه - أنْ يخصِّص لهم يومًا للراحة والعبادة، لا عمَل فيه سِوَى التقَرُّب إلى الله بأنواع العبادة المختلفة. وجرت سُنَّة الله في خلْقه، وحان موعِدُ الاختبار والابتلاء، اختبارٌ لِمَدى صبْرهم واتِّباعهم لشرع الله، وابتلاءٌ يَخرجون بعده أقوى عزمًا، وأشدَّ إرادة، تتربَّى نفوسُهم فيه على ترْك الجشع والطمع، والصمود أمام المغْرِيات، لكنْ هَيْهات هيهات، فهُم اليهود! قال - تعالى - في سورة الأعراف: ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [الأعراف: 163 - 166]. لقد ابتلاهم الله - عزَّ وجلَّ - بأنْ جعَلَ الحيتان تَأتي يوم السبت للسَّاحل، وتترَاءى لأهل القرية، بحيث يَسْهل صيْدها، ثم تَبتعد بقيَّة أيَّام الأسبوع، فانْهارت عزائم فرْقة من القوم، واحتالوا الحِيَل - على شيمة اليهود - وبدَؤوا بالصيد يوم السبت، لم يَصْطادوا السمك مباشرة، وإنَّما أقاموا الحواجز والحُفَر، فإذا قدِمَت الحيتان حاطوها يوم السبت، ثم اصطادوها يوم الأحد، كان هذا الاحتيال بمثابة صيْد، وهو محرَّم عليهم. فانقسم أهْل القرية لثلاث فرق، فرْقة عاصية، تَصطاد بالحيلة، وفرْقة لا تَعصي الله، وتقف موقفًا إيجابيًّا مما يَحدث، فتَأْمر بالمعروف وتنهى عن المكر، وتحذِّر المخالِفين من غضب الله، وفرقة ثالثة سلبيَّة، لا تَعصي الله، لكنَّها لا تَنهى عن المنكر. وكانت الفرقة الثالثة تتَجادل مع الفرَّقة الناهية عن المنْكَر وتقول لهم: ما فائدة نُصْحِكم لهؤلاء العُصَاة؟ إنَّهم لنْ يتوقَّفوا عن احتيالهم، وسيصيبهم مِن الله عذاب أليم بسبب أفْعالهم، فلا فائدة من تَحذيرهم بعدما كتب الله عليهم الهلاك؛ لانْتهاكهم حرماته، واعْتدوا على أمْرِه، ونقَضُوا ميثاقه: ﴿ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 154]. وبصرامة المؤْمِن الذي يعْرِف واجباته، كان النَّاهُون عن المنكر يجيبون: إنَّنا نقوم بواجبنا في الأمر بالمعروف وإنكار المنكر؛ لِنُرضِي الله - سبحانه - ولا تكُونَ علينا حجَّة يوم القيامة، وربَّما تُفِيد هذه الكلمات، فيَعُودون إلى رشْدِهم، ويتركون عصيانهم. بعدما استكبر العُصاة المُحتالون، ولم تُجْدِ كلمات المؤمنين نفعًا معهم، جاء أمْر الله، وحلَّ بالعصاة العذاب، لقد عذَّب الله العصاة وأنْجَى الآمِرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكر. أمَّا الفرقة الثالثة، التي لم تعْصِ الله، لكنَّها لم تَنْه عن المنكر، فقد سكَتَ النصُّ القرآني عنها، يقول سيِّد قطب - رحمه الله -: "ربَّما تَهْوينًا لشأنِها - وإن كانت لم تؤْخَذ بالعذاب - إذْ إنَّها قعدت عن الإنكار الإيجابي، ووقفَتْ عند حدود الإنكار السلبِي، فاستحقَّت الإهمال، وإن لم تستحِقَّ العذاب"؛ في ظلال القرآن. لقد كان العذاب شديدًا، لقد مسَخَهم الله، وحوَّلَهم إلى قردة عقابًا لهم؛ لإمْعانِهم في المعصية، وتحايُلِهم على شرْع الله، وتحديهم لقانون السماء؛ ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 65 - 66]. وتَحكي بعض الرِّوايات أنَّ الناهين أصْبحوا ذاتَ يوم في مجالسهم، ولم يَخرج من المعْتَدِين أحد، فتعَجَّبوا وذهبوا لِيَنظروا ما الأمر، فوَجدوا المعتدين وقد أصْبحوا قِرَدة، فعرَفَت القِرَدة أنسابَها من الإنْس، ولم تَعرف الإنسُ أنسابَهم من القردة; فجَعَلت القردة تأتي نسيبها من الإنس، فتشمُّ ثيابَه وتبكي، فيقول: ألَم نَنْهكم؟! فتقول برأسها: نعَم. وهذا جزاء الذين يَتحايلون على شرع الله، إنَّهم ملعونُون إلى يوم الدِّين؛ قال - تعالى - في سورة النساء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [النساء: 47].
|
|
تعنُّت بني إسرائيل مع أنبياء الله وأوامر الله: مكَث موسى في قومه يَدعوهم إلى الله، ويَبدو أنَّ نفوسهم كانت ملتويةً بشكْل لا تخْطِئه عينُ الملاحظة، ويَبدو عنادُهم فيما يُعْرَف بقصَّة البقرة؛ فإنَّ الموضوع لم يكن يَقتضي كل هذه المفاوضات بينهم وبين موسى، كما أنَّه لم يكن يَستوجب كلَّ هذا التعنت. وأصْل قصة البقرة أنَّ قتيلاً ثريًّا وُجِد يومًا في بني إسرائيل، واختَصَم أهله ولم يَعرفوا قاتِلَه، وحين أعْيَاهم الأمر لَجَؤوا إلى موسى؛ ليلجأ إلى ربِّه، ولَجأ موسى إلى ربِّه، فأمَرَه أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة. ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [البقرة: 67]، وكان المفروض هنا أن يَذبح القومُ أوَّلَ بقرة تُصَادفهم، غيرَ أنَّهم بدَؤوا مفاوضَتَهم باللَّجاجة والتعنُّت؛ اتَّهموا موسى بأنه يَسخر منهم ويتَّخِذهم هزُوًا، واستعاذ موسى بالله أن يَكونَ من الجاهلين ويسْخرَ منهم، وأفْهَمهم أنَّ حلَّ القضية يَكْمن في ذبح بقرة. إنَّ الأمر هنا أمْر معجزة، لا علاقة لها بالمأْلوف في الحياة، أو المعْتاد بين الناس، ليست هناك علاقةٌ بين ذَبْح البقرة ومعرفة القاتل في الجريمة الغامضة التي وقعَتْ، لكن متَى كانت الأسباب المنطقيَّة هي التي تَحكم حياةَ بني إسرائيل؟ إنَّ المعجزاتِ الخارقةَ هي القانون السَّائد في حياتهم، وليس استمرارُها في حادث البقرة أمْرًا يوحِي بالعجب أو يثير الدهشة. لكنَّ بني إسرائيل هم بَنُو إسرائيل اليومَ وغدًا وبعدَ غد، مجرَّد التعامل معهم عنَت، تَستوي في ذلك الأمورُ الدُّنيوية المعتادة، وشُؤون العقيدة المهمَّة، لا بدَّ أنْ يُعاني مَن يتصدَّى لأمر من أمور بني إسرائيل، وهكذا يعاني موسى من إيذائهم له واتهامه بالسخرية منهم، ثم ينبئهم أنَّه جادٌّ فيما يحدِّثهم به. ويعاود أمْرَه أن يذبحوا بقرة، وتَعُود الطبيعة المراوِغة لبني إسرائيل إلى الظُّهور، تَعود اللَّجاجة والعناد والالْتِواء، فيتساءلون: أهي بقَرة عادية كما عَهِدنا من هذا الجنْس من الحيوان؟ أو أنَّها خلْقٌ تفرَّد بِمَزيَّة، فلْيدع موسى ربَّه؛ ليبيِّن ما هي. ويدعو موسى ربَّه، فيزداد التَّشديد عليهم، وتُحَدَّد البقرة - أكثرَ مِن ذي قَبْل - بأنَّها بقرة وسَط، ليست بقرةً مسنَّة، وليست بقرة فتيَّة، بقرة متوسِّطة؛ ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ﴾ [البقرة: 68]. إلى هنا كان ينبغي أنْ ينتهي الأمر، غيرَ أنَّ المفاوضات لم تزَل مستمرَّة، ومراوغة بني إسرائيل لم تزل هي التي تَحكم مائدة المفاوضات: ما هو لون البقرة؟ لماذا يَدعو موسى ربَّه ليسأله عن لون هذا البقرة؟! لا يُرَاعون مقتضيات الأدب والوقار اللاَّزِمَين في حق الله - تعالى - وحقِّ نبيِّه الكريم، وكيف أنَّهم ينبغي أنْ يخجلوا من تكليف موسى بهذا الاتِّصال المتكرِّر حول موضوع بَسيط لا يستحِقُّ كل هذه اللَّجاجة والمراوَغة؟! ويسأل موسى ربَّه، ثم يحدِّثهم عن لون البقرة المطلوبة، فيقول: إنها بقرة صفراء، فاقِعٌ لونُها تسُرُّ الناظرين: ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ [البقرة: 69]. وهكذا حُدِّدت البقرة بأنَّها صفراء، ورغم وُضُوح الأمر، فقد عادوا إلى اللَّجاجة والمراوغة، فشدَّد الله عليهم كما شدَّدوا على نبيِّه وآذَوْه، عادُوا يسألون موسى أن يدعو الله؛ ليبيِّن ما هي، فإن البقر تشَابه عليهم، وحدَّثهم موسى عن بقرة ليست مُعَدَّة لِحَرْث ولا لِسَقْي، سلِمَت من العيوب، صفراء لا شِيَة فيها، بمعنى: خالصة الصُّفْرة. انْتهت بهم اللَّجاجة إلى التَّشديد، وبدَؤوا بَحْثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة، أخيرًا وجَدُوها عند يتيم فاشْتَرَوها وذبَحوها، وما كادوا يفعلون؛ ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 70 - 71]. وأمسك موسى جزءًا من البقرة - وقيل: لسانها - وضَرَب به القتيل، فنهض من مَوْته، سألَه موسى عن قاتِلِه، فحدَّثهم عنه - وقيل: أشار إلى القاتل فقط من غير أن يتحدَّث - ثم عاد إلى الموت؛ ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 72 - 73]. وشاهد بنو إسرائيل معجِزَةَ إحْياء الموتى أمَام أعينهم، استَمَعوا بآذانِهم إلى اسْم القاتل، انكشف غموض القضيَّة التي حيَّرَتْهم زمَنًا طال بسبب لَجاجتهم وتعَنُّتهم. وهنا يَظهر سوءُ أدَبِ القوم مع نبيِّهم وربِّهم، ولعلَّ السياق القرآني يورد ذلك عن طريق تكرارهم لكلمة "ربَّك" التي يخاطبون بها موسى، وكان الأَولى بهم أن يقولوا لموسى تأدُّبًا - لو كان لا بدَّ أن يقولوا -: ادع لنا ربَّنا، أمَّا أنْ يقولوا له: "ادْعُ لَنَا رَبَّكَ"، فكأنَّهم يقْصُرون ربوبيَّة الله - تعالى - على موسى، ويُخرِجون أنفسهم من شرَف العبوديَّة لله. انْظر إلى الآيات كيف تُوحِي بهذا كلِّه، ثم تأمَّلْ سخرية السياق منهم لمجرَّد إيراده لِقَولهم: "الآن جئْتَ بالحَق" بعد أن أرهقوا نبيَّهم ذهابًا وجيئة بينهم وبين الله - عزَّ وجلَّ - أرهقوا نبيَّهم بسؤاله عن صفة البقرة ولونِها وسنِّها وعلاماتها المميِّزة، بعد تعَنُّتِهم وتشديد الله عليهم، يقولون لنبيهم حين جاءهم بما يَنْدر وجودُه، ويَندر العثور عليه في البقر عادةً؛ ولهذا التعَنُّت أمام أوامر السماء، ولهذا العناد لِرُسل السماء، ولهذا التَّحايل على شريعة السَّماء، شدَّدوا على أنْفسِهم فشدَّد الله عليهم، ثم قسَتْ قلوبهم فأصبحت كالحجارة أو أشدَّ قسوة، ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74]. ساعتَها قالوا له: "الآن جئْتَ بالحَق"، كأنَّه كان يَلْعب قَبْلها معهم! ولم يكن ما جاء هو الحقَّ من أول كلمة لآخر كلمة! ثم انظر إلى ظِلال السِّياق وما تَشِي به مِن ظلمهم: ﴿ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 71]، ألاَ تُوحِي لك ظلال الآيات بتعنُّتِهم وتسويفهم ومُمَاراتهم ولَجَاجتهم في الحقِّ؟! هذه اللَّوْحة القرآنية الرَّائعة تَشِي بموقف بَنِي إسرائيل على موائد المفاوضات منذ القِدَم، وهي هي صورتُهم على كلِّ مائدة يتفاوضون فوقها لأيِّ أمر من الأمور؛ سواء أمور الدِّين أم الدنيا، لكنَّ القوم لا يدْرِكون ذلك، إلاَّ مَن رحم ربِّي وعصَم.
|
|
قبيلة ثمود الذين هم قوم صالح - عليه السلام -: جاؤوا يومًا إلى صالح يقولون: ادع ربَّك أنْ يُخْرِج لنا من هذا الصخر ناقة؛ إنْ أردتَ لنا أنْ نؤمن برسالتك، قال: كيف؟! فدَعا ربه، فجاءَتْهم الناقة كأفْضَلِ ما تكون، وكأعجز ما تكون، وأفضل ناقةٍ وُجِدت على سَطْح الأرض، في أكْلِها وفي شربها، وفي لَبِنها وفي حياتها وفي طبيعة خلقها.
ما الذي حدث؟ هل آمَنوا؟ كلاَّ! هل نَفَّذوا الوعد الذي قطَعوه؟ كلاَّ! هل أدَّوا العهد الذي أخَذوه؟ كلاَّ! ماذا حدث؟ جاء قوم ثَمود بعد قوم عاد، وتكرَّرت قصَّة العذاب بشكْل مختَلِف مع ثمود. كانت ثمودُ قبيلةً تَعبد الأصنام هي الأخرى، فأرسل الله سيدنا "صالحًا" إليهم، وقال صالح لقومه - كما حَكى القرآن -: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61]. ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [هود: 61] نفْس الكلمة التي يقولها كلُّ نبي، لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، كما أنَّ الحق لا يتبدَّل ولا يتغيَّر، فُوجِئ الكبار من قوم صالح بما يقوله، إنَّه يتَّهم آلهتَهم بأنَّها بلا قيمة، وهو يَنهاهم عن عبادتها ويَأمرهم بعبادة الله وحْدَه، وأحدَثَتْ دعوته هزَّةً كبيرة في المجتمع، وكان صالِحٌ معروفًا بالحكْمة والنَّقاء والخير، كان قومه يحترمونه قبل أن يُوحِي الله إليه ويرسِله بالدَّعوة إليهم، وقال قوم صالح له: ﴿ يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ [هود: 62]. تأمَّلْ وجهة نظر الكافرين من قوم صالح، إنَّهم يَدخلون عليه من باب شخصي بَحْت، لقد كان لنا رجاء فيك، كنتَ مرجُوًّا فينا لِعِلمك وعقْلك وصِدْقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤُنا فيك، إنَّه لا يتبع منطق الآباء والأجداد! ﴿ أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾؟! يا للكارثة! كل شيء يا صالح إلا هذا، ما كنَّا نتوقع منك أن تَعِيب آلهتنا التي وَجَدنا آباءنا عاكفين عليها. وهكذا يَعجب القوم مما يدعوهم إليه، ويَستنكرون ما هو واجِبٌ وحَق، ويدهشون أن يَدعوهم أخُوهم صالح إلى عبادة الله وحْدَه، لِمَاذا؟ ما كان ذلك كلُّه إلاَّ لأنَّ آباءهم كانوا يعبدون هذه الآلهة، ورغم نصَاعة دعوة صالح - عليه الصلاة والسلام - فقد بدَا واضحًا أنَّ قومه لن يصدِّقوه، كانوا يشكُّون في دعوته، واعتقدوا أنه مسحور، وطالبوه بمعجزة تُثْبِت أنه رسول من الله إليهم، وشاءت إرادة الله أن تَستجيب لطلبهم. وكان قوم ثمود يَنْحتون من الجبال بيوتًا عظيمة، كانوا يَستخدمون الصَّخْر في البناء، وكانوا أقوياءَ قد فتَح الله عليهم رِزْقهم من كلِّ شيء، جاؤوا بعدَ قوم عاد فسَكنوا الأرض التي استعمروها، قال صالح لقومه حين طالَبُوه بمعجزة ليصدِّقوه: ﴿ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴾ [هود: 64]، والآية هي المعْجِزة. ويقال: إنَّ الناقة كانت معجزة؛ لأنَّ صخْرةً بالجبل انشقَّت يومًا وخرجت منها الناقة، وُلِدت من غير الطَّريق المعروف للولادة، ويقال: إنَّها كانت معجزة؛ لأنَّها كانت تَشرب المياه الموجودة في الآبار في يومٍ فلا تَقترب بقيَّة الحيوانات من المياه في هذا اليوم، وقيل: إنَّها كانت معجزة؛ لأنها كانت تُدِرُّ لبنًا يَكفي لشرب النَّاس جميعًا في هذا اليوم الذي تَشرب فيه الماء فلا يَبقى شيءٌ للناس، معجزات تَدْعو إلى الانْقياد والتسليم، لكنَّ النُّفُوس المريضة، والقلوب التَّالفة، والعقول المنْحَرِفة قلَّما تؤثِّر فيها هذه المعجزات؛ ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، فقط هدًى للمتَّقين، أمَّا غيرهم فلا هادي لهم من شُرود، ولا عاصم لهم من ضَلال، ولا حاجز لهم من تدَنٍّ! كانت هذه الناقة معجزة، وصَفَها الله - سبحانه وتعالى - بقوله: ﴿ نَاقَةُ اللَّهِ ﴾ [الأعراف: 73] أضافها لنَفْسه - سبحانه - بمعنى أنَّها ليست ناقة عاديَّة، وإنما هي معجزة من الله، وأصْدَر الله أمْرَه إلى صالِح أنْ يَأمر قومَه بعدم المسَاس بالنَّاقة أو إيذائِها أو قتْلها، أمَرَهم أن يتركوها تأكل في أرض الله، وألاَّ يمَسُّوها بسوء، وحذَّرهم أنهم إذا مدوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب. في البداية تعاظمَتْ دهْشة ثمود حين وُلِدت الناقة من صخور الجبل، كانت ناقة مبارَكة، كان لبَنُها يكفي آلاف الرجال والنِّساء والأطفال، كان واضحًا أنَّها ليست مجرَّد ناقة عادية، وإنما هي آية من الله، وعاشت الناقة بين قوم صالح، آمَن منهم مَن آمن، وبَقِي أغلبهم على العناد والكفر؛ وذلك لأنَّ الكفَّار عندما يطْلُبون من نبيِّهم آية، ليس لأنَّهم يريدون التأكد من صدْقِه والإيمان به، وإنما لتحدِّيه وإظهار عجْزِه أمام البشر، لكن الله كان يَخْذلهم بتأييد أنبيائه بمعجزات من عنده. كان صالِحٌ - عليه الصلاة والسلام - يحدِّث قومه برِفْق وحبٍّ - أخلاق الأنبياء وسالِكي درْبِهم من الدعاة - وهو يَدعوهم إلى عبادة الله وحْدَه، وينبِّههم إلى أنَّ الله قد أخْرَج لهم معجزة هي الناقة؛ دليلاً على صدقه وبيِّنةً على دعْوته، وهو يرجو منهم أن يَتركوا الناقة تأكل في أرض الله، وكل الأرض أرض الله، وهو يحذِّرهم أن يمسوها بِسُوء؛ خشية وقوع عذاب الله عليهم، كما ذكَّرَهم بإنعام الله عليهم: بأنَّه جعلهم خلفاءَ مِن بعد قوم عاد، وأنْعَمَ عليهم بالقصور والجبال المنْحُوتة والنَّعيم والرِّزق والقوة، لكنَّ قومه تَجاوزوا كلماتِه وترَكوه، واتَّجهوا إلى الَّذين آمنوا بصالح، يَسألونهم سؤالَ استخفاف وازدراء: ﴿ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الأعراف: 75]؟! قالت الفئة الضَّعِيفة التي آمنَتْ بصالح: ﴿ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 75]، فأخَذَت الذين كفروا العزَّةُ بالإثم، ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [الأعراف: 76]، هكذا باحتقار واستعلاء وغضب. وما أكثرَ الجلسات التي تُعْقَد للإسلام وأهْلِه! وما أكثرَ المؤامرات التي تُنْسَج بِلَيلٍ في كلِّ عصْر وفي كل مصر؛ لإِزاحة الدِّين وإذْلال أهله! وما أكثرَ القرارات التي تَخرج من مطابخ الأشْرار والفاسدين لِقَهر البلاد والعباد، تحوَّلَت الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقة المباركة، وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضدَّ الناقة، كَرِه الكافرون هذه الآية العظيمة، ودبَّرُوا في أنفسهم أمرًا. وفي إحدى اللَّيالي، انْعَقدت جلسةٌ لكبار القوم، أصبح من المألوف أنْ نَرى أنَّ في قصص الأنبياء هذه التَّدابيرَ للقضَاء على النبي أو معجزاته أو دعْوته، تأتي من رُؤَساء القوم؛ فهم مَن يخافون على مصالحهم إنْ تحَوْل الناسُ للتوحيد، ومِن خشيتهم إلى خشية الله وحْدَه. أخَذ رؤساء القوم يتشاورون فيما يَجِب القيام به لإِنْهاء دعوة صالح، فأشار عليهم واحدٌ منهم بقَتْل الناقة، ومِن ثَمَّ قتْل صالح نفْسِه، وهذا هو سِلاح الظَّلَمة والكَفَرة في كلِّ زمان ومكان، يَعْمدون إلى القوَّة والسِّلاح بدل الحوار والنِّقاش بالحُجَج والبراهين؛ لأنَّهم يَعْلمون أنَّ الحق يَعْلو ولا يُعلَى عليه، ومهما امتدَّ بهم الزمان سيَظهر الحَقُّ ويُبْطِل كلَّ حُججِهم، وهم لا يريدون أن يَصِلوا إلى هذه المرحلة، وقرَّروا القضاء على الحقِّ قبلَ أنْ تَقْوى شوكتُه، إنَّهم يخافون على إهدار مصالحهم، فهم يفعلون أيَّ شيء ولو القتل؛ من أجْل أن تَبْقى مصالحهم! لكنَّ أحدَهم قال: حذَّرَنا صالح من المسَاس بالنَّاقة، وهدَّدَنا بالعذاب القريب، فقال أحدهم سريعًا قبْل أن يؤثِّر كلامُ مَن سبَقه على عقول القوم: أعْرِف مَن يَجرؤ على قتْل الناقة، ووقع الاختيار على تِسْعة مِن جبَابِرَة القوم، وكانوا رجالاً يَعِيثون الفسادَ في الأرض، الويل لمن يعترضهم. هؤلاء هم أداة الجريمة: ذكَر ابنُ جَرِير وغيره من علماء المفسِّرين: أنَّ امْرأتين من ثمود، اسْم إِحْداهما: صدوق ابنةُ المحيا بنِ زُهَير بنِ المختار، وكانت ذاتَ حسَبٍ ومال، وكانت تحت رجل مِمَّن أسْلَم، ففارقته، فدَعَت ابنَ عمٍّ لها - يُقال له: مصرع بنُ مهرج بنِ المحيا - وعرَضَت عليه نفْسَها إنْ هو عقَرَ الناقة، واسم الأخرى: عنيزة بنتُ غنيم بنِ مجلز، وتكْنَى أمَّ عثمان، وكانت عجوزًا كافرة، لها بنات من زوجها ذُؤَاب بن عمرو، أحَدِ الرُّؤساء، فعرَضَت بناتِها الأربع على قدار بن سالف؛ إنْ هو عقَرَ الناقة فلَه أيّ بناتها شاء. فانتُدِب هذان الشابَّان لِعَقْرها، وسَعَوا في قومهم بذلك، فاستجاب لهم سبعةٌ آخرون، فصاروا تسْعة، وهم المَذْكورون في قوله - تعالى -: ﴿ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [النمل: 48]. واتَّفق المُجْرِمون على موعد الجريمة ومكان التَّنْفيذ، وفي اللَّيلة المحدَّدة، وبينما كانت النَّاقة المبارَكة تنام في سَلام، انتهى المجْرِمون التِّسْعة من إعْداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهم، لاِرْتكاب الجريمة، هجَمَ الرجال على الناقة، فنهَضَت الناقة مفزوعة ﴿ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾ [الشمس: 12]، امتدت الأيدي الآثِمة القاتلة إليها، وسالت دماؤها. المصير المحتوم: علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبًا على قومه، قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟ قالوا: قتلناها، فَائْتِنا بالعذاب واستعجِلْه، ألَم تقُلْ: إنَّك من المرسَلِين؟ قال صالح لقومه: ﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [هود: 65]. بعدها غادَر صالِحٌ قومه، ترَكَهم ومضى، انتهى الأمر ووَعَده الله بهلاكهم بعد ثلاثة أيام، ومرَّتْ ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالِح وهم يَهْزؤون من العذاب ويَنتظرون، وفي فجْرِ اليوم الرَّابع: انشَقَّت السماء عن صيْحة جبَّارة واحدة، انقَضَّت الصيحة على الجبال، فهَلَك فيها كلُّ شيء حي. هي صرخة واحدة، لم يَكَد أوَّلَها يَبدأ وآخِرُها يَجِيء حتَّى كان كفَّار قوم صالح قد صُعِقوا جميعًا صعقة واحدة؛ الذي ذَبَح بيده، والذي أمَر بلسانه، والذي شاهَد بعَيْنه، هلَكوا جميعًا قبْل أن يدْرِكوا ما حدث، ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا ﴾ [الشمس: 14]، تابع عليهم ربُّهم بالعذاب، أطْبَق عليهم فلم يُفْلِت منهم أحد، أصبحوا كهَشِيم المحتظر، لم يَعُد لهم أثر، لم يعد لهم جَماد، لم يعد لهم إنسان، لم يعُد لهم حيوان، لم يعد لهم منْزل، ﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا ﴾ [الشمس: 14] سوَّى بهم الأرض؛ ذلك بذنبهم وبِمَكرهم، وبما جنَتْ أيديهم، أمَّا الذين آمنوا بسيدنا صالح، فكانوا قد غادروا المكان مع نبيِّهم ونَجَوا.
|
|
توابع الزلزال والعقاب: وقوله - تعالى -: ﴿ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 79] إخْبار عن صالح - عليه السلام - أنَّه خاطَبَ قومه بعد هلاكهم، وقد أخَذ في الذهاب عن مَحلَّتِهم إلى غيرها قائلاً لهم: ﴿ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ﴾ اجتهدتُ في هدايتكم بكل ما أمْكَنني، وحرصتُ على ذلك بقولي وفِعْلي ونيَّتِي، ﴿ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾؛ أيْ: لم تكن سجَاياكم تقْبَل الحق، ولا تريده؛ فلهذا صِرْتُم إلى ما أنتم فيه من العذاب الأليم، المستمِرِّ بكم، المتصل إلى الأبد، وليس لي فيكم حيلة، ولا لي بالدَّفْع عنكم يدَان، والذي وجب عليَّ من أداء الرسالة، والنصح لكم، قد فعلته وبذَلْتُه لكم، ولكنَّ الله يفعل ما يريد. عن ابن عمر قال: لما نزَل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالناس على تبوك، نزَل بهم الحِجْرَ عند بيوت ثمود، فاسْتَقى الناسُ من الآبار التي كانت تَشرب منها ثمود، فعَجَنوا منها، ونَصبوا القُدور، فأمَرَهم رسول الله فأَهْرَاقوا القدور، وعَلَفوا العَجِين الإبل، ثم ارْتَحل بهم حتَّى نزَل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونَهاهم أن يَدخلوا على القوم الذين عُذِّبوا، فقال: ((إني أخشى أن يصيبكم مثْلُ ما أصابَهم، فلا تَدخلوا عليهم)). عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو بالحِجْر: ((لا تدخلوا على هؤلاء المعذَّبِين، إلاَّ أن تكونوا باكِين، فإنْ لم تَكُونوا باكين فلا تَدخلوا عليهم؛ أنْ يُصِيبكم مثلُ ما أصابهم))؛ أخرجاه في "الصحيحين". وفي بعض الرِّوايات: أنَّه - عليه السلام - لما مَرَّ بمنازلهم، قَنَّع رأسَه، وأسرع راحلته، ونَهى عن دخول منازلهم، إلاَّ أنْ تكونوا باكين، وفي رواية: ((فإن لم تَبْكُوا فتبَاكَوْا؛ خشيةَ أنْ يصيبكم مثلُ ما أصابهم)) صلوات الله وسلامه عليه. وقال في حديث آخَر: ما تَدْخلون على قوْم غَضِب الله عليهم، وقد ذُكِر أنَّ قوم صالح كانت أعمارُهم طويلة، فكانوا يَبنون البيوت من المَدَر، فتَخْرُب قبْل موت الواحد منهم، فنَحَتوا لهم بيوتًا في الجبال. وذَكَروا أنَّ صالحًا - عليه السلام - لَمَّا سألوه آية، فأخرج الله لهم الناقة من الصخرة، أمَرَهم بها وبالولد الذي كان في جوفها، وحذَّرهم بأْس الله إنْ هم نالُوها بسُوء، وأخبَرهم أنهم سيَعْقرونها، ويكون سببَ هلاكهم ذلك. التحايل على شرع الله كان سبب في هلاك ثمود بعد الهداية: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [فصلت: 17]، وهكذا كلُّ مَن يتحايل على شرْع الله - عزَّ وجلَّ - سيؤْخَذ أخْذَ عزيز مقتَدِر إلاَّ ما رَحِم ربِّي! ما أكثرَ الذين حازوا النياشين لأنَّهم تحايلوا على الشَّرْع وعارضوا الدِّين! وما أكثرَ الذين أُعْطُوا هدايا لأنَّهم قالوا بغير ما أنزل الله ربُّ العالمين! أين هم من هذه الآيات؟! قال - تعالى -: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]؛ أيْ: لا يَجوز للمسلمين أن يخرجوا عن شريعة الله، بل يَجب عليهم أن يُحَكِّموا شرع الله في كل شيء؛ فيما يتعلَّق بالعبادات، وفيما يتعلق بالمعاملات، وفيما يتعلَّق بالقوانين والدساتير والقرارات؛ في جَميع الشؤون الدِّينية والدنيوية؛ لكونِها تعمُّ الجميع، ولأنَّ الله - سبحانه - يقول: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50] ويقول: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44] ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45]، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47]. فهذه الآيات عامَّة لِجَميع الشُّؤون التي يتنازع فيها الناس ويختلفون فيها؛ ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10]، ولهذا قال - سبحانه -: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [النساء: 65]يعني الناس من المسلمين وغيرهم ﴿ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ﴾؛ يعني محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - وذلك بتحكيمه - صلَّى الله عليه وسلَّم - حال حياته، وتحْكِيم سنَّتِه بعد وفاته، فالتحكيم لسنته هو التحكيم لِمَا أُنْزِل من القرآن والسنة ﴿ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ [النساء: 65] أيْ: فيما تنازعوا فيه، هذا هو الواجب عليهم، أنْ يحكِّموا القرآن الكريم، والرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حياته، وبعد وفاته باتِّباع سنَّته التي هي بيانٌ للقرآن الكريم، وتفسير له، ودلالة على معانيه. أما قوله - سبحانه -: ﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65] أيْ: يَجِب أن تنشَرِح صدُورُهم لِحُكمه، وألاَّ يَبقى في صدروهم حرَجٌ ممَّا قضَى بِحُكمه - عليه الصلاة والسلام - لأنَّ حُكْمه هو الحق الذي لا رَيْب فيه، وهو حكم الله - عزَّ وجلَّ - فالواجب التَّسْليم له وانشراح الصَّدْر بذلك، وعدَمُ الحرج، بل عليهم أن يسلِّموا لِذَلك تسليمًا كاملاً؛ رضًا بِحُكم الله، واطمئنانًا إليه. هذا هو الواجب على جَميع المسلمين فيما شجَر بينهم من دعَاوى وخصومات، سواءٌ كانت متعلِّقةً بالعبادات أمْ بالأموال، أم بالأَنْكحة أم الطلاق، أمْ بغيرها من شؤونهم. وهنا يَنتفي الإيمان بالله ورسوله إذا ساد حكمٌ آخَر غير حكْم الله، فمَن زعَم أنَّه يجوز الحكم بغيره، أو قال: إنَّه يجوز أن يتَحاكم الناس إلى الآباء أو إلى الأجداد أو إلى القوانين الوَضْيعة التي وضَعَها الرجال - قال العلماء برِدَّته. فمَن رأى أنَّ شرْع الله لا يَجِب تحْكيمه، ولكنْ لو حُكِّم كان أفضل، أو رأى أنَّ القانون أفْضل، أو رأى أنَّ القانون يُساوِي حكْمَ الله - فهو كذلك. وهي ثلاثة أنواع: النَّوْع الأول: أنْ يقول: إنَّ الشرع أفضل، ولكنْ لا مانع من تحكيم غير الشرع. النَّوْع الثاني: أن يقول: إنَّ الشرع والقانون سواءٌ، ولا فرق. النوع الثالث: أنْ يقول: إنَّ القانون أفضل وأَوْلَى من الشَّرْع، وهذا أقبح الثلاثة، وكلُّها كفْرٌ ورِدَّة عن الإسلام. أمَّا الذي يرَى أنَّ الواجب تحكيم شرع الله، وأنَّه لا يَجوز تحكيم القوانين ولا غيرِها مِمَّا يخالِفُ شرع الله، ولكنَّه قد يَحكم بغير ما أنزل الله؛ لِهَوًى في نفْسه ضدَّ المحكوم عليه، أو لِرِشوة، أو لأمور سياسيَّة، أو ما أشبه ذلك من الأسباب، وهو يَعْلم أنه ظالِم ومخطِئ، ومخالِف للشرع - فهذا يكون ناقصَ الإيمان، وقد انتفى في حقِّه كمال الإيمان الواجب. وبعدُ، فإنَّ الله هو الذي خلق؛ ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29]، وهو الذي ملك؛ ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 189]، وهو الذي رزق؛ ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]. إذًا؛ لا بدَّ أن يُعَاد الحكم لله، ولا بدَّ أن يُّعاد الأمر لله، بل لا بدَّ أن ترجع كل الأمور لله حتى تستقيم الحياة، وتطيب الدنيا، ونصل في الآخرة إلى سفينة النجاة، حتى وإن كذبوا؛ ﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [فاطر: 4]، وصدق الله ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ [آل عمران: 154]، وصدق الله ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [آل عمران: 109]، سبحانه ﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 47]. اللَّهم اهْدنا أمْرَ رشْد يُعَزُّ فيه أهْلُ طاعتك، ويذلُّ فيه أهل معصيتك، اللَّهمَّ ارْزُقنا الإخلاص في القول والعمل، ولا تَجْعل الدُّنيا أكبر هَمِّنا ولا مبْلَغ عِلْمِنا. وصلِّ اللهم على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمْد لله ربِّ العالمين.
التعديل الأخير تم بواسطة يمامة الوادي ; 2010-07-31 الساعة 8:39 AM.
|
|
الله يسلمك,,,
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الحلق | ام ديالا | ⚪️ منتدى الرؤى المفسرة لغيرالداعـمين،أو المفسرة في المنتدى ∞ | 8 | 2010-02-23 5:44 AM |
الحلق | sultanah. | 🔒⊰ منتدى الرؤى المفسرة لأصحاب الدعـم الذهـبي ⊱ | 1 | 2009-11-13 1:06 PM |
الحلق | هبوب النسيم | 🔒⊰ منتدى الرؤى المفسرة لأصحاب الدعـم الذهـبي ⊱ | 1 | 2007-10-13 5:41 PM |
تكبير العيد بصوت أحمد علي مُلا ،، | الابتسام | رياض القرآن | 2 | 2007-01-01 3:49 PM |
الحلق | نهر الخلود | ⚪️ منتدى الرؤى المفسرة لغيرالداعـمين،أو المفسرة في المنتدى ∞ | 4 | 2004-10-27 12:00 AM |