لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
لحن القول أم عاديات أم طير أبابيل؟
أحمد مصطفى نصير زَعم الأعرابُ أنَّ الإيمان قد دخل قلوبَهم؛ ظنًّا منهم أنَّهم بعد إسلامهم وإتيانهم الفرائضَ الخمس قد آمنوا، إلاَّ أنَّ القرآن نفى هذا الزَّعمَ موضِّحًا حقيقةَ الإيمان، وأنَّ الإيمان هو ما وَقَر في القلب وصَدَّقه العمل، وليس الأمر قاصرًا على مجرَّد عمل الجوارح دونَ حضور القلب، وإنَّما يتعيَّن التضحية بالمال والنفس؛ لأجلِ هذا الدِّين حتى يصدقَ إطلاقُ قول الإيمان عليهم. قال - تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]، فهو لم يُكفِّرهم، وإنَّما أطلق عليهم لفظ الإسلام دون الإيمان، وهو - سبحانه - لم يَنقصهم من أعمالهم شيئًا، وإنَّما يوضِّح لهم حقيقةَ الإيمان؛ لذا قال المولى - سبحانه: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 14 - 15]. إذًا؛ الإيمانُ لا ينفك عنه أبدًا الجهادُ بالمال والنفس في سبيل الله - تعالى - فإذا ضَحَّى المسلم بماله لأجل هذا الدِّين بَقِي عليه أن يضحِّي بنفسه، حتَّى يدخلَ الإيمان في قلبه، ويَصدُقَ هذا الوصف عليه. والمسلمون في العهْد المكيِّ ظلُّوا يكفُّون أيديَهم عن الردِّ على إيذاء المسلمين، ملتزمين أمرَ الله - تعالى - بذلك، وذلك بما يتناسبُ مع طبيعة تلك المرحلة، حتَّى يتأسَّس فيها الصف المسلم، وتتأسَّس العقيدة الإسلاميَّة في قلوب رِجالٍ هاجروا إلى المدينة، وتركوا أموالَهم ودِيارَهم وأوطانَهم؛ لأجْل الله - تعالى - وهُنا فَرَض الله - سبحانه - الجِهاد عليهم، وعندئذٍ ظَهَر أوَّلُ لحنٍ للقول بين المسلمين؛ يقول الله - تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء: 77]. إنَّهم يُريدون أن يَفصلوا بين الإيمان والجِهاد ظنًّا منهم أنَّ الله - تعالى - يَقبل ذلك؛ إذ طالَمَا أنَّهم منشغلون بمتاع الدُّنيا فلا غروَ أن يصلُّوا ويُزكُّوا؛ لكن إذا فَرَض الله عليهم الجِهاد والتضحيةَ بهذا المتاع القليل هنا يبدو الاعتراض، وعدم الإذعان، لكن لَمَّا كانتْ شوكةُ المسلمين عندئذ قويَّةً أرادوا المماطلة على استحياء، فقالوا: {لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء: 77]؛ لكن الله - تعالى - يكشف زيفَ قلوبهم، ويُبيِّن أنَّ أساسَ هذا اللَّحنِ حبُّ الدنيا وتفضيلها على الآخرة. والقرآن يُظهر التعارُضَ بين النفس البشريَّة، وما جُبلت عليه من حبِّ الراحة، ومتاع الدنيا، وبين ما فرَضَه الله عليها من الجِهاد في سبيل الله - تعالى - مؤكِّدا أنَّه لم يَشْرع هذا الجهاد إلاَّ لحفظ هذا الدِّين، ولولا فرضُه لَمَا كان للدِّين أسٌّ يحميه، فالدِّين أسٌّ والسلطان حارس، ومَن لا أسَّ له فمهدوم، ومَن لا حارسَ له فضائعٌ[1]؛ لذا كان الجهادُ هو سلطانَ المسلمين على أعدائهم؛ يقول الله - تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 216]. هنا تتعدَّد صور الخذلان والتلكُّؤِ والخنوس، ويتوارى ضِعافُ الإيمان، بل والمنافقون وراءَ لَحْنِ القول، حتى يُبرِّروا خذلانهم لإخوانهم: - فمِنهم مَن يحتجُّ بأنَّه قد تولَّى مسؤولية الحفظ على أموال قومه وإدارتها، ورعاية مصالحهم، والحرص على أَمْنِهم؛ كما قال القرآن: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا}، والقرآن يردُّ عليهم فيقول: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [الفتح: 11]. - كما أنَّ القرآن يكشف زَيفَ لحنهم؛ فيقول - سبحانه: {بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12]. - كذلك فإنَّ منهم من يُوالي ويصادِق أعداءَ الله - تعالى - بعد أن أمر الله - سبحانه - بجهادهم؛ ظنًّا منهم أنَّهم بذلك يدرؤون عن أنفسهم دائرةَ الحرب عليهم، فيُسارعون في موادتهم والتزلُّف إليهم؛ يقول الله - تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 51 - 52]. - ومِنهم من يتذرَّع بقلَّة العُدَّة والعتاد، وقوَّة العدو وجبروته، إلاَّ أنَّ المؤمنين الصادقين يُثبِّتونهم، حتى لا يفزعوا، ويؤكِّدون لهم وعدَ الله - تعالى - بالنَّصر شريطةَ التوكُّل عليه، والإيمان به؛ يقول - سبحانه: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} [المائدة: 22 - 23]. بَيْد أنَّهم ظلُّوا على خوفهم واعتراضهم على ما فَرَضه الله عليهم، إلى درجةٍ حَدتْ بهم إلى الاستهزاء بالجِهاد والمجاهدين؛ إذ خَبَّرَنا الله - تعالى - عنهم فقال: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِين} [المائدة: 24 - 26]. - ومنهم من يحتجُّ بضعْف إيمانه وقلَّة صبره على الشَّهوات، وأنَّه إذا ذهب لملاقاةِ العدوِّ في بلاد الكُفر سوف يرى نساءَهم، وقد يُفتنُ بهنَّ، فيعتذر عن الجِهاد لأجل هذه العلَّة[2]؛ يقول سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49]. - فالمولى - سبحانه - يكشف زيفَهم، وأنَّهم قد سقطوا بالفعل في الفتن والشَّهوات، والأفلام والمسلسلات؛ لذا لم يكن اعتذارُهم مقبولاً، فالجهاد لأجل تحريم ما حرَّم الله ورسوله طالَما أنَّ فتن الكفَّار تصل لبلاد المسلمين، إذ قال في كتابه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. - ومنهم مَن يظنُّ أنَّ الجهاد فُسحةٌ، وهذه الفسحة تكون في الشتاء أو الربيع أو الخريف أفضلَ من الصيف لشدَّة الحرِّ حينئذ! يقول - سبحانه وتعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لاَ تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81]، إنَّ الله – تعالى - ليختار المجاهدين الصامدين القادرين على نُصرةِ هذا الدِّين، وليس هؤلاء كذلك؛ يقول - سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]. - ومنهم مَن يعتذر عن الجِهاد بالإقبال على العدوِّ والإقدام عليه، وإنَّما يلحن في القول، ويبني اعتذارَه على أنَّه يريد حمايةَ ظهر المسلمين، وحماية دِيارهم بعد أن خرج المجاهدون منها، وكأنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد نسي أن يولِّيَ من هو أصلحُ منهم لهذه المهمَّة، إلاَّ أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يولِّي عبدالله بن أمِّ مكتوم لذلك[3]؛ يقول - سبحانه: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} [الأحزاب: 13 - 14]. فهؤلاء القومُ لا تكمن مشكلتُهم في تخاذُلِهم عن الجِهاد فحسبُ، أو عرْض وجهةِ نظرهم الانهزاميَّة تلك، وإنَّما يحاولون صرفَ المجاهدين عن جهادهم وتقعيدهم عن الجِهاد؛ لذا فتراهم يُثبِّطونهم ويعوقونهم؛ لينضموا إليهم في خذلانهم؛ يقول المولى - سبحانه: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً} [الأحزاب: 18]. |
|
لذلك فإنَّ الله - تعالى - يَعلم الوهنَ الذي في قلوبهم، ويخبِّرنا بهم لكي لا نتحسَّر عليهم، بل نشكُر الله على أنَّهم لم يكونوا في صفِّ المجاهدين؛ إذ لو كانوا فيهم لأضعفوه، وأصابهم الوهن منهم؛ لذا يقول الحق - سبحانه: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ* لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: 45 - 47]؛ لذا حذَّرنا الله - تعالى - أن نسمع لهم، فلَحنُ القول قد ينطلي على ضِعاف الإيمان، إلاَّ أنَّه لا يَزيد المؤمنين إلاَّ ثباتًا؛ يقول المولى - سبحانه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
وقد ظهر نِفاقُ هؤلاء القوم عندما رأوا القرح قد أصابَ المؤمنين، إذ بدَا فرحُهم بذلك من لَحْنِ قولهم، فهم لا يقولون: نحن فرحنا بهزيمتكم، ولكنَّهم يؤكِّدون وجهة نظرهم بأنَّ الجهاد خسارة لأرواح الجند، وأنَّ السلام يحقن دماءَهم، فيقولون: لو أطعتمونا لَمَا أصابكم ما أصابكم، تأمَّل قوله - سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران: 156 - 157}. فهم رغم أنَّهم يرون حاجةَ المسلمين لهم، ولجهادهم معهم بالمال والنفس، إلاَّ أنَّهم يتجاهلون هذه الحقيقةَ وكأنَّهم لا يرون شيئًا، وكأنَّ مساعدتهم لإخوانهم بالجِهاد لم يأتِ وقتُها، ولم يحن، فيلحنون القولَ قائلين: أين هذا الجِهاد الذي يزعمون؟! لو جاء وقتُه لسوف نكون معكم؛ يقول - سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران: 166 - 167]. لذا يؤكِّد الله - تعالى - سُنَّة التمييز بين أهل الإيمان وأهل النِّفاق، إذ لولا هذه المصيبة لظلَّ المنافقون يتخلَّلون في صفوف المؤمنين، فكان حقًّا على الله - تعالى - أن يمحِّص تلك الصفوفَ؛ ليَميزَ الخبيث من الطيِّب، وهنا يتحقَّق الجهاد لإعلاء كلمة الحقِّ، وفي سبيل الله بإخلاص فحسبُ؛ قال - سبحانه: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 168]. فالقرآن يُشير إلى حقيقة أنَّ الشُّهداء في سبيل الله قد آن الوقت ليفارقوا هذه الدنيا، ليسوا كأموات، وإنَّما أرواحهم في حواصلِ طَيرٍ، تمرح في الجنَّة - بإذن الله - وأنَّ الموت الذي أصابهم في الدنيا لم يُقدِّم أجلَهم، وإنَّما هو أجلٌ مكتوب، سواء أكان بسبب الجهاد أم غيره، إلاَّ أنَّ الله اختارهم ليحيوا عندَه في جنَّات النعيم؛ قال - سبحانه: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]. وكما أنَّ هناك فريقًا يُثبِّط المؤمنين عن الجهاد، فهناك أرواحُ الشهداء تُنادي مِن خلفهم أهلَ الحقِّ؛ ليلحقوا بهم في دار النعيم؛ قال - سبحانه: {فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين} [آل عمران: 170 - 171]. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يفزع أولئك عند ذِكْر الجهاد في سبيل الله؟ ولماذا يحاولون أن يفصلوا الجِهاد عن الإيمان؟ إنَّ المولى - سبحانه وتعالى - ليُصوِّرُ لنا الحالة النفسيَّة السيِّئة لأولئك المنافقين، وقد سمَّاهم مفسدين، وهم لا يشعرون، إذ كلَّما مرَّت عليهم آياتُ الجهاد ظنُّوا أنَّها برق ورعد، فخافوا منها، فهم في رَيبهم يتردَّدون بين الإيمان والكُفر، وهم في حيرةٍ شديدة واضطراب؛ إذ يصوِّر المولَّى - سبحانه - تلك الحيرة بمَن استضاء بنور الإيمان تلك الصَّلاة التي يُصلِّيها، والزَّكاة التي يُؤتيها؛ لكنَّهم - لأنَّهم أرادوا أن يبتروا الجِهادَ عن الإيمان - أطفأ الله هذا النورَ في قلوبهم، فتراهم يتخبَّطون في الظُّلمات لا يُبصرون؛ قال - سبحانه: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [البقرة: 17- 18]. وهم أيضًا الذين عندما يسمعون حيَّ على الجهاد تضطرب قلوبُهم، وتدور أبصارُهم، وكأنَّ تلك الآياتِ ترعد الآذان من شدَّة وقْعها على قلوبهم المريضة التي تعلَّقت بحبِّ الدنيا، وكأنَّ النور الذي جعله الله في الجِهاد كالبرق يخطف أبصارَهم، فكلَّما كان النصر حليفًا للمسلمين فرحوا بالمغنم؛ ليشاركوا المسلمين فيه، أمَّا إذا لم يكن في الجهاد مغنمٌ رأوا في الجهاد ظلمةً وقفوا عندها؛ قال - سبحانه: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 19 - 20]. فهؤلاء هُم هُم الذين قال الله فيهم: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لاَ يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً} [الفتح: 15]، وهُم هُم الذين قال الله فيهم: {وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً} [الأحزاب: 18]. وهؤلاء المتخاذلون المثبِّطون لغيرهم القاعدون عن الجهاد يخافون أن يَكشفَ الله – تعالى - كذبَ قلوبهم، وزيفَ ألْسنتهم، واستهزاءهم بشرْع ربِّهم، واستهزاءهم بالمجاهدين، كما أنَّهم عندما يَكشفهم الله لنا ويُظهر كذبَهم ولحنَ قولِهم، يستمرُّون في اللَّحن لآخر لحظة، فيقولون: إنَّنا لم نكن نعترض على الجهاد، أو وقته وكيفيته والإعداد له، بَيْدَ أنَّنا فحسبُ كنَّا نستعمل ما أوتينا من سياسة حَكيمة فحسبُ؛ لذا يقول المولى - سبحانه - في شأنهم: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 64 - 66]. |
|
وأخيرًا:
يؤكِّد الله - تعالى - أنَّ أصحاب أولئك القوم قدِ ارتدوا عن الإيمان طالَمَا كرهوا الجِهاد؛ قال - سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 8 - 9]، كما أنَّهم أطاعوا الذين كرهوا الجِهادَ، وكرهوا دِينَ الله - تعالى - واتَّبعوا ما أسخط الله، وكرهوا أن يُرضوه بالتضحية بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله - تعالى - يقول المولى - سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 25 - 28]. وهؤلاء يعلمنا الله - تعالى - مَن هم، ويظهر ما في قلوبهم لنا، ففي القولِ المأثور عن الترمذي: ((اتقوا فراسة المؤمن؛ فإنَّه ينظر بنور الله))[4]، وفي ذلك قوله - سبحانه -: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75]. وفي الحديث: ((لا يُلدغ المؤمنُ من جُحر واحدٍ مرَّتين))[5]؛ لذا قال الله - تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 29 - 31]. لذا كانتْ حِكمة الله - تعالى - أن يكون الابتلاءُ بالجهاد هو المخبرَ الذي يتمُّ فيه تمييزُ أهل الحقِّ عن المنافقين، الذين إذا لم يتوبوا عن التردُّد بين الإيمان والكفر، فإنَّ مصيرَهم حتمًا سوف يؤول، أو يكون أقربَ للأخير؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 29- 32]. فإذا ما رأينا المنافقين، وكيف أنَّهم يلحنون في القول، ويتخاذلون عن الجِهاد والتضحية بالمال والنفس لأجْلِ حماية هذا الدِّين، وكيف أنَّ الله ضَرَب الأمثلة للحْنِ قولهم، وكيف ردَّ عليها بالحُجج القاطعة الدامغة، فإنَّه - سبحانه وتعالى - يَضرب لنا المثال الذي يُحتذَى به في هذا الصَّدد، والعجيب الذي يشدُّ الانتباهَ أنَّ هذا المثال لم يضربْه الله - تعالى - لنا ممَّن هم بشرٌ مثلنا، وإنَّما ضرب لنا المثلَ بالخيل المجاهدات. انظر كيف أقسم الله - تعالى - بالخيل التي تَعدُو في أرض الجِهاد في سبيل الله - تعالى - تلك الخيلُ التي تَجهرُ بصوتها دونَ خوف أو تردُّد بكلمة الحقِّ، وحبِّ الاستشهاد، تُوري النارَ من احتكاك حوافرها بالصَّخر عندَ ضربها في الأرض بقوَّة أثناءَ الجرْي في مواجهة العدوِّ، وتظلُّ تسير في اللَّيل حتى تصلَ لأرض العدوِّ فتُغير عليه في الصَّباح، فهي تُجاهد ليلَ نهارَ، تُجاهد النوم، وتُجاهد السَّير، وتُجاهد الراحة والدَّعَة والتثاقُل عن الجِهاد. وليس ذلك فحسب، إنَّما تُفضِّل جوَّ المعركة مع أهل الباطل على الرِّياض التي كانت تعيش فيها، تفضِّل غُبارَ المعركة وترابَها على صفاء جوِّ المرعى الذي جاءتْ منه، وليس ذلك فحسبُ، إنَّها تعلم يقينًا أنَّها قد تموت إذا توسَّطت جموع الأعداء، واخترقت صفوف العدوِّ، أو قد تُجرح على أقلِّ تقدير؛ لكنَّها لا تَخشى الموتَ، ولا تلك السُّيوفَ، ولا الرِّماح ولا السِّهام، إنَّها حقًّا صورةُ فارس قويٍّ، ضرب الله به المثل ليُحتذى به، تأمَّل كيف أنَّه يجاهد حتى الموت. فعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، أيُّ الجهاد أفضل؟ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أن يُعقرَ جوادُك ويُهراق دمُك))[6]، هذا الفارس الشُّجاع يتمثَّل في حيوان مخلص يحبُّ الاستشهاد في سبيل الله - تعالى - وليس ذلك فحسبُ، إنَّما تتسم الخيلُ بهذه الخصائص التي لا تُفارِقها أبدًا إلى يوم القِيامة، فلا تجد خيلاً يَجبُن أبدًا، أو يبخل برُوحه عن الجهاد في سبيل الله - تعالى - قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الخيلُ في نواصيها الخَيرُ إلى يوم القِيامة؛ الأجرُ، والمَغْنم))[7]. إنَّ العين لتذرفُ عندما تجد في الخيل هذه النُّصرةَ لدِين الله - تعالى - في الوقت الذي يتخاذل فيه بعضُ المسلمين عن نُصرةِ إخوانهم من المسلمين الذين أغار عليهم أعداؤُهم؛ قال الله - تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} [العاديات: 1 - 5]. والسؤال الذي يطرح نفسَه هنا: لماذا لا يُشارك الإنسانُ الخيلَ هذا الإقدام على الجِهاد؟ لماذا يَكْنُدُ، ويتراجع للوراء عن أن يُقدِّم رُوحَه ومالَه في سبيل الله - تعالى؟! إنَّه ليشهد على جُبنه هذا، وخذلانه لنصرةِ دين الله – تعالى - لماذا؟ لأنَّه أحبَّ الدنيا بشدَّة، وفضَّلها على الآخرة؛ يقول الله - تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38]. إنَّني أذكّر كلَّ من تقاعستْ نفسه عن نُصرة دين الله - تعالى - وتخاذلتْ عن نُصرة أُخوَّة الإسلام أن ينهضَ ليَعقدَ صفقةَ بيعٍ مع الله - تعالى - يبيع فيها نفسَه وماله مقابلَ الجنَّة - إن شاء الله - قال - سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111]. |
|
وأخيرًا:
وليس بآخر، فإنَّ المولى - سبحانه وتعالى - لا ينتظر لنُصرةِ دينه أن يتوب المنافقون، ولا أن يجتهدَ المجتهدون، إنَّ الله - تعالى - ناصرٌ دِينَه، حتى ولو عُدم الناصرون من البشر، كلُّ ما في الأمر أنَّه - سبحانه وتعالى - يدفع بأهلِ الحقِّ في وجه الباطل؛ ليزهقَ، فإذا هو دامغٌ، لكن عندما عُدم المسلمون في هذه الأرض، وذلك قبل مولده - صلَّى الله عليه وسلَّم - عام الفيل، ولم يكن هناك مَن يدافع عن دِين الله - تعالى - فماذا حَصَل عندما حاول أبرهةُ هدمَ الكعبة؛ ذلك التراث الذي بقي عن نبيِّ الله إبراهيم - عليه السلام؟ قال - سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 1 - 5]. ما هو الفيل؟ الفيل هو رمزٌ لأقوى سلاحٍ عسكريٍّ عند العرب قبلَ زمن نبوَّة النبي محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا السِّلاح كان يمتلكه أشدُّ أعداء الإسلام الذين قَصدُوا هدمَ مقدَّسات المسلمين، وطمسَ معالِم هذا الدِّين، وإذلالَ بقايا العَرَب أتباعِ الخليل إبراهيم – عليه السلام - حتَّى لو لم يكونوا على مِلَّته؛ لذا جاءتْ سورة الفيل لتبيِّنَ للمسلمين أنَّه مهما قوي أعداءُ الإسلام في السِّلاح، فإنَّ الله ناصرٌ عبيدَه، ومقدَّساتِه، ورادٌّ كيدَهم عليهم بأسلحة تَصغُر في نظر الكثير منَّا، إلاَّ أنَّها عند الله - تعالى - أسلحةٌ فتَّاكة لها تأثيرٌ مدمِّر، أشد من تأثير أقوى سلاح عسكريٍّ في يد أعداء الإسلام والمسلمين، فجنودُ الله - تعالى - كلُّ ما خَلَقه من صغير وكبير، معلوم لنا، وغير معلوم، فلا يَقيس المسلمون قوَّتَهم بأسلحتهم الصغيرة التي في أيديهم، وإنَّما بعون الله - تعالى - لهم. فعن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال: "أقبل أصحابُ الفِيل، حتَّى إذا دنوا من مكَّة، استقبلهم عبدُالمطلب، فقال لمَلِكهم: ما جاء بك إلينا يا ربَّنا، ألاَ بعثتَ فنأتيك بكلِّ شيء أردت؟ فقال: أُخبرتُ بهذا البيت الذي لا يَدخله أحدٌ إلاَّ آمِن، فجئتُ أخيفُ أهلَه، فقال: إنَّا نأتيك بكلِّ شيء تريد، فارجع، فأبَى إلاَّ أن يدخلَه، وانطلق يسيرُ نحوَه، وتخلَّف عبدُالمطلب، فقام على جبل، فقال: لا أشهدُ مَهلِك هذا البيت وأهلَه، ثم قال: اللهمَّ إنَّ لكلِّ إله حلالاً فامنعْ حلالَك، لا يغلبنَّ محالهم أبدًا محالك، اللهمَّ فإن فعلتَ فأمرْ ما بدا لك. فأقبلت مثلُ السحابة من نحوِ البحر، حتى أظلَّتْهم طيرٌ أبابيل، التي قال الله - عزَّ وجلَّ: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} [الفيل: 4]، قال: فجعل الفيل يعجُّ عجًّا، فجعلهم كعصفٍ مأكول[8]. لذا؛ يثور التساؤل: متى يُرسل الله - تعالى - الطيرَ الأبابيل؛ لينصرَ عبيدَه، ويُحافظ على مقدَّسات المسلمين؟ يقول الله - سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 7 - 8]. إذًا؛ الثِّقة في نصر الله - تعالى - مطلوبة، وتحصيلُ شرائط هذا النَّصر واجبٌ، وانتظار هذا النَّصر مؤكَّد؛ قال - سبحانه: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 17 - 18]. فلماذا أنزل الله الطيرَ الأبابيل؟ الله حينما يُنزل النَّصر، فإنَّه يجعله على يدِ أخلص عبيده وجُندِه، ولَمَّا كان العرب قبلَ الإسلام في جاهليَّة، فإنَّ الله - تعالى - استبدل الطيرَ الأبابيل بهم لتقومَ بواجب الدِّفاع عن مقدَّسات هذا الدِّين؛ لذا حينما يُقبل المسلمون على الله - تعالى - فإنَّه سوف يستخدمهم لنُصرة هذا الدِّين؛ يقول - سبحانه -: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، أمَّا إذا تولَّى المسلمون عن نُصرة هذا الدِّين، فإنَّ الله - تعالى - سوف يُدافع عن دِينه، وعن مقدَّسات هذا الدِّين بذلك الطير الأبابيل. إذًا؛ فنصرُ الله آتٍ لا محالةَ، سواء بأيدينا، أو بأيدي غيرِنا، نسأل الله العليَّ القدير أن يستعمِلَنا، ولا يستبدلنا بغيرِنا؛ يقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَزالُ طائفةٌ من أمَّتي ظاهرين على الحقِّ إلى يوم القيامة، لا يضرُّهم مَن خَذَلهم، ولا مَن خالَفهم حتَّى يأتيَهم أمرُ الله وهم على ذلك)) [9]، كما أنَّ معاذ بن جبل كان يُحدِّث عن هذه الطائفة أنَّهم ((هُم بالشام))[10]، وفي رواية أكثرَ تفصيلاً: قالوا يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ((ببيت المقدَّس وأكناف بيت المقدَّس))[11]. إذًا؛ فأولئك الجُنود المجاهدون هم الطيرُ الأبابيل - بإذن الله تعالى - سوف يستعملهم الله - تعالى - ولن يستبدلَهم؛ كما ورد بالحديث - بإذن الله تعالى – وعلينا - نحن المسلمين - أن نكونَ سندًا لهم وعونًا لهم؛ بل وخيولاً عادياتٍ في وجه أعدائِهم. ــــــــــــــــــــ [1] السيوطي في الأشباه والنظائر (ص: 410)، وما بعدها. [2] رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه يحيى الحِمَّاني؛ وهو ضعيف كما في "مجمع الزوائد" (7/105)، رقم (11043)، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره، وهذه الرِّواية وإن كانت ضعيفة، حيث ضعَّفها الألباني وغيره، إلاَّ أنَّ العِبرةَ بعموم اللَّفظ لا بخصوص السبب؛ لذا فإنَّ ظاهر الآية يؤكِّد سقوطهم في الفتن بِصَرْف النظر عن تعيين نوع الفتنة وتخصيصها بفتنة النساءِ فحسبُ. [3] روى ذلك أبو داوود في سننه (2/ 146)، رقم (2931)، وصحَّحه الألباني. [4] الترمذي (5/ 298)، رقم (3127)، رواه مرفوعًا بسند ضعيف ضعَّفه الألباني، والباحث وقف عليه وعزاه للترمذي باعتباره قولاً مأثورًا. [5] رواه البخاري (5/2271)، رقم (5782). [6] صحيح ابن حبان (10/496)، رقم (4639)، قال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم،ورواه ابن ماجه، رقم (2794)، وصحَّحه الألباني. [7] رواه البخاري (3/1048)، رقم (2697). [8] رواه الحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، (2/583)، رقم (3974)، وعلَّق عليه الذهبيُّ قي التلخيص، وقال: حديث صحيح. [9] رواه البخاري، رقم (3441، 3442، 6881)، ورواه مسلم (156، 1920، 1923، 1037)، وغيره، ورأيتُ له أكثرَ من 360 طريقًا آخر غير ذلك بروايات مختلفة، تؤكِّد جميعًا على هذه الطائفة التي على الحقِّ إلى يوم القيامة. [10] ذكره النووي في شرحه لأحاديث الإمام مسلم، الحديث رقم (1925)، (3 /1525). [11] رواه أحمد في مسنده (5/269)، (22374)، والرِّواية التي جاءتْ بالتعيين بأنَّهم في بيت المقدس، وإن كانت ضعيفةً، فإن الرِّوايات التي تُصرِّح أنَّهم بالشام أقوى منها والشام تشمل بيت المقدس، وإن كان البخاري قد وضع هذا الحديثَ، وعلَّق عليه بأنَّ المقصود بهم أهل العلم، فذلك تعيين لخصائصهم وتميُّزهم بالعِلم، أمَّا تمييزهم بالجهاد فذلك أيضًا أمر يختصُّون به لِمَا سلف أنْ ذكرنا. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
قال تعالى(وأرسل عليهم طير أبابيل) | 55ريما55 | رياض القرآن | 13 | 2010-12-29 5:41 PM |
القول المعروف والصدقة | يمامة الوادي | رياض القرآن | 7 | 2008-12-25 10:41 AM |
الطيب من القول | عبدالرحمن الحربي | المنتدى الإسلامي | 12 | 2007-09-06 8:23 PM |
نجيني من القوم الكافرين ... | طار شوقي للفردوس | ⚪️ منتدى الرؤى المفسرة لغيرالداعـمين،أو المفسرة في المنتدى ∞ | 3 | 2005-03-06 10:10 PM |