لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
كانت الساعة تشير للثانية منتصف الليل،والمطر يهطل في الخارج بغزارة.. لكن غزارته لم تكن شيئا أمام دموع تلك الفتاة الحجازية جميلة العينين، ..دموع صامتة لم يعلم بها أحد ، إلا رب السموات والأرض.. كادت الأرض تضيق عليها بما رحبت..فجمعت عليها ثيابها ، وتوجهت لباب البيت مستغرقة في صبرها وحزنها .. كان منزلها متربعا على قمة شاهقة تتوسط القرية ..ويطل بعليائه على كل سحر تزينت به الطبيعة من بساتين ووديان وجبال ومنازل بنيت من الحجر تتناثر هنا وهنا.. خرجت من قلبها تنهيدة حرى..وهي تتأمل قريتها الوادعة تحت ظل القمر الساطع.. إنها الليلة الثالثة على رحيل (حميد) زوجها.. الليلة الثالثة على الحمل الثقيل الذي تركه لها..ابن وابنة صغيرين..(عبدالمحسن وخديجة).. وأملاك بمد النظر..قد غاب راعيها.. وأسرة زوج لايُدرى مايخبئونه للأرملة الشابة.. هموم وهواجس وأشواق للزوج الحبيب الذي واراه أهل القرية الثرى ..تلقفت قلب الفتاة الصغيرة..ذات اليمين وذات الشمال .. ثم مالبثت أن أسلمت كل ذلك لله عز وجل.. وهي تردد بقلب مؤمن بالله .. ( حسبي الله ونعم الوكيل). (1) . . |
|
اسمها جميلة..وهي فارعة الجمال..
وفارعة الحظ ايضا.. فقد كانت الوحيدة من بنات جيلها من حظيت بدخول الكتًاب..وتعلمت القراءة والكتابة.. مهلا.. جميلة ليست فتاة من عصرنا.. بل هي فتاة عاشت في إحدى القرى الحجازية المشرفة على مكة.. وكانت ولادتها سنة 1318 هجرية.. في بيت رجل يؤمن بأن تميز المرأة هو تميز لأهلها وقبيلتها.. وأن العلم نور لها..ولحياتها.. كانت جميلة ..تفوق الفتيات ذكاء وقوة شخصية.. وقد كانت الطبيعة الجبلية تضع عليها طابعها..من صمود واباء واعتداد بالنفس.. تعلمت بعض سور القران..لكن بقي في داخلها شوق متقد للمزيد من العلم.. ولكن هيهات.. أنى لها ذلك.. والانسان حولها مشغول بلقمة عيشه..والكتًاب محدود الامكانات والرؤية..ولامدارس حولها ولاحلقات علم.. بقيت تلك الجذوة داخلها..إلى حين.. وفي أثناء ذلك انخرطت مع بقية فتيات القرية في الزراعة والحصاد والرعي والقيام بشؤون البيت من طحن وخبز واشعال للنار وجلب للماء مع رعاية الماشية وحلبها والقيام بشؤونها.. وإذا وجدت وقتا اخرجت بعض الخيوط والأقمشة..وراحت تخيط كباقي نساء زمانها ملابسا بنقوش بديعة ومتقنة.. وفي الليل تسهر على ضوء فانوس قديم..مع صويحبات لها قدمن تباعا من منازلهن بقصد تبديد صمت الجبال حولهن..فيتجاذبن اطراف الحديث إلى هدأة الليل ثم تولي كل واحدة إلى منزلها..وبأيديهن فوانيس صغيرة تقاوم الظلام..تحملهن حتى يحططن رحالهن بتلك البيوت ..ثم تخبو رويدا رويدا..ويعم الظلام كل شيء.. إلا قلب جميلة.. فقد كانت ترعى والدها العجوز..الذي أخبرها اليوم برغبة شيخ القرية في أن يخطبها لابنه حميد.. (لن اترك والدي) .. كان ذلك عزمها.. فقد كانت تحمل قلبا رقيقا تجاه والدها..الشيخ الذي دهمته السنون فما أظهر لها إلا تجلدا وصبرا.. فهل تتركه الان..وقد بلغ من الكبر مبلغا؟ بلغ حميد ووالده مقالتها..ورأيها..فأبيا إلا مجازاة الخلق الحسن بمثله وفوقه.. فعرضا على الأب ان يبنيا له بيتا صغيرا بجوارهم..لترعاه ابنته ومتى ماأراد زيارة منزله القديم فله ذلك.. تم الزواج.. وانتقلت جميلة..لمنزل حميد..الذي بناه بيديه بمساعدة رجال القرية.. وانتقل والدها معها.. ومرت السنوات .. سنة واثنين وأربع..وست.. ويتزين البيت باصوات الصغار..عبدالمحسن..خديجة.. لكن تلك الفتاة كانت على موعد مع الصبر.. الصبر الذي سيصنع منها قمة انسانية تضاهي قمم جبال الحجاز..شموخا وقوة. كان اول موعد لها مع الصبر ..حين توفي سندها بعد الله..الاب الرفيق المشفق.. ثم تلاه موت زلزل البيوت والقلوب.. قرة عينها..يداهمه سيل أثناء عودته للبيت ..فلا يلتفت له..ويظنه بقلب الحجازي الشجاع مجرد سيل عابر لطالما تجاوز مثله.. لكنه القدر..أخذه في ساعة انقشعت عنها كل أسباب القوة.. وهكذا أمر الله.. (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ*) (2)
التعديل الأخير تم بواسطة نورمـــان ; 2018-02-19 الساعة 1:20 AM.
|
|
ومالنا في أقدار الله ومشيئته إلاّ الصبر,بقلب مؤمن بكل ما إراده الله.
"نورمان",, طبتِ بود ولك جل التقدير.
|
|
|
|
واستجمعت جميلة نفسها..
الموت لايذهب بأحبائنا فقط..بل يترك لهم ديننا في أعناقنا.. أن نكون كما يحبون..وكما تمنوا لنا.. وذكرى (حميد) ..مازالت تطالبها بأن تكون قوية .. حميد الشاب الذي كان زين الشباب وشيخهم المقدم..كالشمس بهاء وكالقمر سطوعا.. ترجل عن الحياة.. ولكنه مازال يزورها في المنام..مبتسما راضيا..يطل عليها من غرفة علوية .. ويأخذ بيدها قائلا: اصبري ياجميلة..إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.. توقظها الرؤى.. وتستيقظ كل حواسها.. فتقرر .. سأكون على العهد.. .. انقضت العدة..وتوافد الخطاب..يطرقون قلب الجميلة..لكنها لم تكن تبصرهم.. فحميد معها..كما تشعر هي...فكيف تتزوج غيره.. رفضتهم واحدا تلو الآخر.. وانشغلت بتلك الأملاك التي طال الغياب عنها..وقد آن أوان الرجوع إليها بعزم وأصرار.. نزلت للبساتين..تتفقدها واحدا تلو الآخر.. وأقبل إليها العمال الذين كانوا يعملون لدى حميد..والقلق يملؤهم..مامصيرهم..مامصير هذه البساتين.. فأقبلت تطمئنهم.. وتحثهم على العمل كما كان سيدهم موجودا.. (سنتقاسم خير هذه البساتين باذن الله) كانت هذه الكلمات كافية لتطمئن أولئك العمال المساكين..وتجعلهم ينطلقون في الأرض ..مابين استخراج للمياه، وسقي للأشجار واعتناء بالمحاصيل وحراثة للتربة وزرع وحصد.. كانت يدها بيدهم..بينما أبنائها قريبا منها.. ترقبهم بسرورو وهم يلهون تارة..وتارة يتسابقون بين يديها يريدون العمل .. لم تكن تمنعهم..بل تدفعهم بحب ليتعلموا.. كم كانت تحلم أن يتعلموا الكتابة مثلما تعلمت..لكن كيف والشيخ الذي علمها انتقل لمكة..واندرست اثار الكتًاب بعده.. مضى اليوم الأول والثاني.. والأرض تكتسي حلة جديدة..فالعمل يجري على قدم وساق.. وجميلة تخرج قبل شروق الشمس..تباشر عملها وتعود قبل الظهر لترتاح قليلا وتصنع خبزا لأبنائها..ثم تعود بعد العصر لوطنها الثاني ..تلك الأرض التي تسر الناظر إليها...وكأنها قطعة من الجنة أُهبطت للأرض.. حتى جميلة ذاتها تغيرت..تلك الفتاة الصغيرة.. صارت تشابه أشجار السدر العملاقة المنتشرة بأطراف بالبساتين.. فبظلها بعد الله تتفيأ العديد من الأرواح.. تتأمل يديها الصغيرتين..لقد أصبحتا جافتين جدا..وقد أثر بهما العمل اليومي الشاق..فضلا عن أعمال البيت.. لكن ماذا تفعل .. هل تهزم؟هل تنكص على عقبيها؟ تأبى عليها نفسها ذلك.. وتظن جميلة أنها ستعتاد ذلك..ويصبح أخف وطأة من الآن.. وسيكبر عبدالمحسن..وخديجة ويساعدانها ان شاء الله.. لكن صوت الماء الذي سكبته جارتها للتو في الزير ..يخرجها من تأملاتها.. فتلتفت إليها ضاحكة.. فتوبخها الجارة بلطف ..بأنها ألقت السلام ودخلت الفناء وجميلة سارحة بعيدا.. تعتذر إليها جميلة وتشكرها أن حملت بعض العبء عنها اليوم..وأحضرت الماء من الغدير بدلا عنها.. لكن سهما..انطلق..وألجم تلك اللحظات بلجام من هم وحزن.. (شقيقات زوجك ووالدته يعتزمن إخراجك من البيت والأملاك..) وقف الكلام حائرا..ونطقت الدهشة.. تحدث النسوة في القرية بما عزم عليه أهل حميد.. فجاءت الجارة تخبر جميلة..لتحزم أمرها قبل أن يتفاقم الكيد.. ردت عليها دموع جميلة المكلومة..اين أذهب..وأبنائي من أين أطعمهم.. كان الجواب مارأت لا ماسمعت.. فقد جاءت الشقيقات..يتأبطن شرا.. ويأمرنها بالخروج من البيت..ويسمعنها كلاما قاسيا.. (اذهبي وتزوجي ، وابحثي عمن يرعاك، وأبناء أخينا نحن من سيرعاهم ليس لك الحق أن تسرحي وتمرحي أمامنا كل نهار في أملاكنا..ونحن موجودات) كان خطابا شديد اللهجة.. قلب الموازيين..وأجرى الدموع أنهارا..وأصاب الأرملة في مقتل.. أين تذهب..؟ وكيف تحيا بدون أبنائها؟ هل هناك ظلم أشد من هذا الظلم.. يفرقون بيني وبين أبنائي ..لأجل حطام ظنيا زائل.. ويمنعوني من خيرهم..وأنا أم لأبنائهم؟ ولايرعون عهد شقيقهم الذي مارأيت منه إلا خيرا.. .. انسدل الستار على ظلام توشح به قلب جميلة..التي لم تجد ملجأ من كل هذا إلا الخروج من بيتها..وتقليب نظرها في السماء.. (يا الله دلني ماذا أفعل.. دلني يارب.. فأنا بدونك لاحول لي ولاقوة.) (3) |
|
تتابعت أصوات الأغنام يخرج بها الفتيات الصغيرات..ويقصدن بها رؤوس الجبال..تأكل من رزق الله، بينما كانت الشمس للتو قد بزغت على تلك الروابي، وروائح الريحان وأشجار السفرجل والمشمش والرمان تعبق في الأرجاء..
لم تنزل جميلة للبساتين اليوم..فقد دهمها هذا الهم الذي لم تحسب له حساباً.. وبقيت ترقب حركة الناس الدؤوبة رجالا ونساء وأطفالا في هذا العالم المترامي الأطراف أمامها.. النساء أشرعن النوافذ والأبواب، وقد أشعلن الحطب في وقت سابق مع أذان الفجر ..لتجهيز طعام الفطور.. أصوات خرير المياه ، تنبعث من السواقي، مع أصوات العصافير تسبح لخالقها.. بينما تتابع الرجال ينتشرون وسط تلك البساتين..منهم من أقبل على أشجار العنب..ومنهم من أقبل على أشجار الورد..ومنهم من التصق بالأرض..يخط خطوطا لزرع جديد .. كانت الحياة أمامها تموج..بينما قلبها متوقف عن كل شيء..إلا التفكير في مخرج.. هل تذهب لوالد زوجها..لقد كبر سنه ، ورق عظمه، وأصبح مغلوبا على أمره أمام سطوة زوجته وبناتها.. أم تذهب لأبناء عمها الذين يسكنون قرية أخرى..إن هذا لأصعب عليها من الموت أن تمد يدها بعد حياة كريمة مع زوج كريم.. ماذا تفعل؟ إن هذا أمر لايقوم له إلا الرجال الأقوياء..هم من ينتصرون للضعفاء والذين لايجدون حيلة.. جميلة امرأة عاقلة..وهي تجلس مع نفسها ترجو الله أن يهبها الحكمة في التصرف أمام هذا الموقف.. وماهي إلا سويعات وييتفتق ذهنها عن رأي ترجو أن يكون صوابا ورشدا.. باتت ليلتها تلك وقلبها يغلي كغلي المرجل.. لن أكون إلا نعم الزوجة لذلك الرجل الذي استأمنني على هذا البيت من بعده..ولن أكون لأبنائه إلا نعم الأم.. لم تنتظر حتى تطلع الشمس، بل ماكادت تسمع صياح الديكة حتى أغلقت بابها و طلبت من جارتها المخلصة الاهتمام بأطفالها.. كانت أنفاسها تلاحق سبحات الفجر ، وهي تصعد وتهبط في تلك التلال واحدا تلو الآخر..وقد أدمت الصخور واالأشواك قدميها من طول المسير.. وأخيرا تبدت لها دار الشيخ علي..الشيخ الذي يقصده الناس للفصل بين المنازعات.. كانت داراً كبيرة..الكل يعرفها..ويعرف صاحبها المشهود له بالكرم والوقوف مع الضعفاء والمظلومين.. ماكادت تحط رحالها ببابه..حتى وجدت العيون تتفحصها.. فقد كانت الدار مملوءة بالرجال من كبارووجهاء الناس.. ولم يعهد أحد أن تحضر امرأة لهذا المجلس.. لكنها جمعت عليها ملابسها وقد أثر بها طول السير.. وألقت السلام على الحاضرين..ثم جلست بطرف المجلس بجانب الباب.. أيقن الشيخ أنه ماأخرج هذه الفتاة من بيتها إلا أمر عظيم..فبادرها قائلا: ماأمرك يابنت؟ فقصت عليه القصة..بصوت شجاع متألم ثم أعقبت : لاأريد حسنة..اريد شيئا لهؤلاء الأطفال من خير جدهم، وخير أبيهم الذي أفنى عمره رعاية لأملاك الجد.. ابشري بالخير..هكذا طمأنها الشيخ علي.. ثم طلب من غلمانه أن يقدموا لها القهوة..فهبت واقفة: لاأريد شيئا. ثم عادت أدراجها تنتظر الفرج من الله. يومان..ويتسامع الناس..الشيخ علي يجتمع بالجد، وشقيقته الوحيدة التي تسكن قرية أخرى.. ثم يعرض عليهم امرا..فيوافقون على الفور.. ولاتغرب شمس اليوم التالي..إلا وكاتب المحكمة يجلس متوسطا الشيخ علي والجد.. وعلى مقربة منهم جميلة..وعمة زوجها.. لقد تم وقف الأملاك ..فلا تباع ولاتشترى.. يتمتع بخيرها جميع العائلة..ثم بعد وفاة الجد تعود لبناته و لعبدالمحسن وذريته من بعده.. كان قرارا أثلج صدور الجميع.. وانتصر فيه البر والاحسان على الطمع والجشع.. وباتت قرى تلك الجبال تتسامع بالفتاة الشجاعة التي أبت إلا رفع الظلم عنها..ووقفت موقفا لايقفه إلا الأحرار من الناس.. وكأنها تصدق تلك المقولة: (المرأة الحجازية مع زوجها امرأة عروب، ومع غيره كأشد الرجال) 4 |
|
وأخيرا تنفست جميلة الصعداء..
وعاشت أياما هانئة.. حتى ذلك الصراع بينها وبين شقيقات زوجها..استحال بردا وسلاما.. وماذاك إلا من وراء خبر..لايعكس سوى حال قلوب أهل ذلك الزمان.. فبين يوم وليلة.. انقلب حال (سلمى) إحدى شقيقات حميد.. وداهمها ألم في صدرها..لم تترك طبا ولاعشبا إلا وجربته.. سمعت بذلك جميلة.. فطلبت من جارتها أن تحضر لها الخبر: أي داء هو..؟ فعادت الجارة بالوصف اليقين.. فسألتها جميلة هل هو داء الجنب؟ فقالت أظنه هو..وقد جرت فيه مانعرف من طب فلم يجدي معه. ثار في نفس جميلة ذلك الخلق الحسن الذي تربت عليه.. فصنعت قليلا من السويق الساخن وذهبت لزيارة سلمى.. التي فوجئت بها.. بادرتها جميلة بالسؤال والاطمئنان كأن شيئا لم يكن.. ثم قامت بجس علتها..فعرفت انه داء الجنب.. ساد الصمت قليلا..بينما دموع سلمى لم تتوقف.. لعل الله عاقبني..لعله ذنبك.. رفضت جميلة ماسمعته منها...وقالت: قد عفوت عنكم من حينها.. ولكن دعينا الان فيك.. هل تأذنين لي أن اجرب شيئا تعلمته عند خالتي أثناء زيارتي لها في مكة؟ فردت سلمى بفرحة..ياليت..ولك الأجر.. فاوضحت لها جميلة ان هذا شيء يتطلب ان تذهب بنفسها لمكة..وتحضر عشبة من هناك....وتحضر قليلا من ماء زمزم.. هشت وبشت سلمى لهذه الرقة..وهذا الكرم.. وقالت سأرسل زوجي ليحضر لك ماأردت.. فقالت جميلة.:لابد ان أذهب بنفسي..وأريد ان أستزيد من خالتي حول هذه الطريقة.. سأطلب من عثمان (الأجير لديها) وزوجته أن نذهب لمكة غدا.. وإن شاء الله خير. خرجت جميلة من دار سلمى.. بينمت بقيت الأخيرة تشيعها بنظرات عرفان وحزن على ماسبق منها تجاهها.. _ لقد كان حميد محقا حينما يقول لنا أنه تزوج جوهرة غالية.. هكذا هم اهل القرى.. هكذا هم اهل القرى.. لابستطيعون حمل الحقد..قلوبهم لاتخالف حركة الكون والطبيعة التي تتفتح وتبدأ حياة جديدة كل يوم.. يرون ذلك في الندى المتجمع على أوراق الأشجار ..وهو يقول لهم لهم أنا ابن الصباح ..و إبن هذا اليوم..فكونوا مثلي.. يرونه في ازهار اشجار الرمان والمشمش..تبدأ صغيرة ثم تنتقل أطوارا حتى تصبح ثمرة ناضجة..وكأنها تقول لهم تجددوا تغيروا ..ولكن للأحسن للأجمل .. انتهى ذلك اليوم..الذي ملأ قلب جميلة بالبهجة.. ووضعت رأسها على وسادتها وهي تتأمل صغيريها الغارقين في النوم.. (ماأجمل الحياة مع العفو.. وماأجمل قلوبنا لو كانت كقلوب هؤلاء الأطفال.. وهنيئا لمن كان فؤاده كفؤاد الطير..قريبا رقيقا..حتى وإن فزع لايذهب بعيدا.. منذ كنت صغيرة.. كنت أظن أنني قادرة على حمل جبال السروات فوق كتفي..ولكني اضعف من أن أحمل ضغينة أو حقدا على أحد.. علمني والدي أن الغاضب والحاقد مسكين..بينما القلب المكلل بالعفو في معية الله يرعاه وينصره ولو بعد حين.. والحياة قصيرة.. فلا نقصرها أكثر بالخصام والنزاع بين الإخوة) غادرت جميلة قريتها في اليوم التالي برفقة عثمان اجيرهم ومعه زوجته ..وسارت بهم الجمال بين وهاد ووديان في رحلة استغرقت ثلاثة أيان بلياليها ..حتى بلغوا شعب عامر..قريبا من الحرم حيث تسكن خالة جميلة... استقبلت الخالة ابنة اختها ومن معهابالبشر والسرور .. وقضت جميلة ثلاثة أيام في مكة..كانت تسابق فيها الزمن ..وجدت العشبة بكميات مناسبة في بطحاء مكة.. وخصصت يوما لتعتمر برفقة من معها...وليحضروا قربة مملوءة بماء زمزم.. كما تعلمت من خالتها كيف تقوم بتطبيب ذلك الداء الصعب .. هكذا كان نهارها.. أما ليلها فقد كانت تقضيه بجانب شباك خشبي يطل على الحرم.. تملأ عينيها من ذلك البيت المهيب مكانة وقدرا .. وعلى البعد تلوح أضواء السرج حول المسجد الحرام..تظل مشتعلة طوال الليل...حتى إذا طلع الفجر تتابعت أصوات المؤذنين بنداء الله أكبر ..يصدح عاليا من جنبات المآذن..واحدا تلو الآخر.. ثم انتهت الرحلة.. وعاد الركب مسرعا..ولسان جميلة يلهج داعيا لله أن يعجل بشفاء سلمى.. وهذا ماكان.. فقد برئت سلمى من دائها بعد أسبوعين.. وقد ذهب كيد الشيطان ونزغه عن قلوب أهل البيت الواحد.. وكأن هذه العقبات والابتلاءات..ليست كفارات ورفعة للدرجات فقط.. بل لتلتفت القلوب لبعضها...ووترحم بعضها بعضا. ولتظهر معادن الناس ويُعرف قدرهم.. فهناك من تصرعه الحياة..بظروفها..بمفاتنها..بشهواتها.. وهناك من يصرع الحياة ويضعها تحت قدميه..ابتغاء ماعند الله.. وماعند الله خير وأبقى. 5 |
|
سلمت أناملك يانورمان قصة محبوكة وممتعة ، وفيها عبرة .. اُحب الحجاز وأهل الحجاز ، ويدفعني فضولي لسؤالك هل من سبب دفع بك لإختيار المرأة الحجازية بطلة للقصة ؟ 💐 .. |
|
|
|
جوابا على سؤالك لم أختر ..فالانسان ابن بيئته.. والقصة جزء منها حقيقي.. أي أن البطلة حقيقية ..ومرت من هذه الحياة كشهاب سريع..وأنا فقط أدركت بعض أثار ضوئها.. والكتابة عنها..كانت بطلب من والدي. |
|
|