أقسام الموقع

وَقفآتَ ،

السَلامُ عَليكُم ورَحمةُ الله وبركَاتُه

الحَمدُ لله الذِي كَانَ بِعبَادِه خَبيرًا بَصِيرًا ,وتبَارَكَ الذِي جَعلَ فِي السَمَّاءِ برُوجًا, وجَعلَ فِيها سِرَاجًا وقمرًا مُنيرًا.
والصَلاةُ والسَلامُ عَلى نبِينَا مُحمَّد المُعلِّمِ الجَلِيل المَذكُورِ فِي التورَاةِ والإنجِيل .

يُقدِّرُ الله على بعْض الأُسَر وفَاةُ الأبِ العَائِل لَهم , فَيُخَلّفّ ورَاءَهُ أَطفَالاً صِغاراً ضُعفَاء
يَرزَحُونَ تَحتَ وطَأةِ الفَقرِ وفِي حَالةِ حَاجَةٍ لمُعِين بَعد فَقدِ وَالدُهم ، لِذَا اعتَنى بِهُم الله عَز و جّل عِنَايةً َعَظِيمَةً
وشَرّعَ لَهُم أَحكَاماً تَضمَنُ لَهُم حَياةً آمِنة كَغيرَهم وبِكَافِلٍ يستَعِيضُونَ بِه عن حرمَانِهم مِنْ سنَد الأبوَّة وحناَنهِ .
ومن هَذه العِناية الكَبِيرة أَنَّ الله أَنزَل فِي اليَتِيمَ سُورَةً كَامِلَة سَمَّاهَا بَعضُ العُلمَاء "سُورَةُ اليتِيم"

وهَي سُورَةُ المَاعُون : ": ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ [الماعون: 1 - 2].
وكَذَلِك ما رُتِّب عَلى كَفالَةِ اليتيِم من الأجِر العظِيم ,حَيثُ قَالَ رَسُولُ الله صَلَى الله عَليِه وسَلمْ:
((أنا وكافِل اليتيم في الجنة هكذا))، وأشار بالسبَّابة والوسطى، وفرج بينهما شيئًا

فَكفَالةُ اليَتِيم تُعتَبر من أعظَمِ القُرب فَهيَّ ترفَعُ مَرتبَة الكَافِل إِلَى أَن يَكونُ مع النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -
فِي الجنَّة وبِرفقَتِه ومَا أرفَعه مِنْ شَأن ومَا أعظَمه , لَكنَهُ لا يبلُغ دَرجة الأنبِياء ؛
ولهذَا بَاعد النَّبيّ عَليه الصَلاةُ و السَلام بين السبَّابة والوسْطى لِيُبَينَ أَنَّ هُنَاكَ فَرقٌ بين الأنبياءِ وبَينَ عَامَةِ النَّاس.

الكفَالة لُغةً :
في "مختار الصحاح" الكَفَافُ من الرزق: القوت، وهو ما كَفَّ عن الناس؛ أي: أغنى"، والكَفِيلُ: الضامن، وقد كَفَلَ به يَكفُل بالضم كَفَالَةً... وأكْفَلَهُ المالَ: ضمنه إياه...
وتَكَفَّلَ بدَيْنه، والكافِلُ: الذي يكفل إنسانًا يَعولُه،
ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ [آل عمران: 37]

وأمَّا الكفالة اصطِلاحًا :
هِي "القيام بِكُل مَايتَعلقُ بِاليتِيم ، والسَعيُ ورَاءَ مصلحتِه ، وكسوته، وإطعَامُه ,
وتَربِيتُه ومُعَاملَتُه بِالحُسنَى ,وتنميةُ مَاله إِن كانَ له مال, والحِرصُ عَلى عَدمِ أكلِ أموَاله،
وإن كَان لَيسَ لَهُ ماَل أَنفق عليه , حَتى يَبلُغ .

الكَفَالةُ فِي القُرآن ..

ذُكِرَ فِعل "كفل" ومُشتَّقَاتُه في القرآن الكريم عِدَة مرَّات،مِنهَا :
1 – ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ [آل عمران: 37] ,
ذُكرت الكَفَالة هُنا حيثُ كفَل النَبِي زَكريا عَليه السَلام مَريم , وأنَّ شأنُهَا عَظِيم فَهي شَأنُ الأنبياء قبل الرسول مُحمَّدُ - صلَّى الله عليه وسلَّم .
2- وفِي هذِه الآية تَصوير لأهل الخَير الذِينَ تسَابقُوا لكفَالة مَريم حيثُ قَال الله تعالى -: ﴿
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [آل عمران: 44]،.
3 - قوله - تعالى -: ﴿ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ ﴾ [طه: 40] وهُنَا عِندَ رُجوع مُوسَى لأمَّه لِتكفله ,لتُكمِل رِضَاعته .

فِي السَنَّة النَبويَة:

((أنا وكافِل اليتيم في الجنة هكذا))، وأشار بالسبَّابة والوسطى، وفرج بينهما شيئًا-
- وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَدْنِ اليتيم، وامسَح برأسه، وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك، ويدرك حاجتك))
يقول النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من حديث أبي هريرة - رضِي الله عنه -: ((كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة))، وأشار مالك بالسبابة والوُسْطى.

قال النووي: "وأمَّا قوله: ((له أو لغيره))، فالذي له: أن يكون قريبًا له؛ كجده، وأمه، وجدته، وأخيه، وأخته، وعمه، وخاله، وعمته، وخالته، وغيرهم من أقاربه، والذي لغيره: أن يكون أجنبيًّا.
وهكذَا فإنَّ القرآن الكريم والسنَّة النبوية اتفاقا على بيان فَضلِ مَن يكفل يتيماً،
والأجرِ العظيم الذي ينَالُهُ في الدنيا والآخرة.

أَقسَام الكَفالة :

تنَقَسمُ كَفالةُ اليتِيم إِلَى قِسمين :
القِسمُ الأول:
تكُون كَفالةُ اليتيم بِضمَّهِ إِلَى كَافِله ,حَيثُ يَعِيشُ مَعهُ فِي كَنفِهِ وتَحتَ رِعَايتِه مَع أُسرتِه ,
ويَقُومُ عَلى تَأدِيبه وتَهذِيبه ومُعامَلتِه كَأحد أبنَائِه فِي المأكل والمَشرب والمَلبَسِ والتَعلِيم والإنفَاق وغَير ذَلك حَتَى يَبلُغ .
القِسم الثَانِي :
تَكمنُ كَفالةُ اليَتِيم فِي الإنفَاقِ علَيهِ دُونَ الحَاجَةِ إِلى ضَمهِ لأُسرَةِ الكَافِل , و
تَكُونُ بِدفعِ مَبلغٍ مَادِي مِن قِبَلِ الكَافِل لِكي يَكفلَ يتِيماً يَعِيشَ فِي الجمعِياتِ الخَيرِية ,أو يَعِيشُ مَع أُمه .

حالات يستمرُّ معها اليُتم ولو بعد البلوغ:

هُنَاك عِدَةُ حَالاتٍ اتَفقَ عَليهَا العُلمَاء أَنَّ أَحكَام اليَتمِ مِن نفَقةٍ، ورعاية، وتربية تَظلُ حَتَى بَعدَ تَجاوزِ فَترَةِ البُلُوغ
ومن هَذِه الحَالات:
1- البنتُ التِي لَم تتَزوَج حَتَى وإِن بَلغَت تَبقَى في الكفَالَةِ حَتى تتزوَّج؛ لقوله تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6].
2- الأيتَامُ الذِينَ لَديهُم احتياجَات خاصَّة، فَهُم لا يستطيعون توفِيرِ مَصدَرِ رِزقهم , وذَلِكَ لمانع الإعَاقة البدنيَّة أو الذهنيَّة.
3- مجهُولُو النَّسَب لهم أحكام اليتَامى، لأنَّهُمّ مُنقطِعُونَ عَنِ الأمِ والأب والأهل ,بَل قَدْ يَكُونُوا أَولَى بِالرِعَايَةِ مِنْ اليَتِيم ,فَاليتِيمُ قدْ يَجِدُ مَنْ يُؤوِيه ومَن يَزُورُه مِن أهلِه.
4- طَالِبُ العِلم الذي لا مَالَ لَه فَلا يَستَطيعُ إنهاءِ درِاسَته ، إذا كان يُرجَى مِنه نفعُ الأمَّة.
5- اليتيِم ُالذي لَيسَ لَهُ عملْ فَيكُون بِذلِكَ فَقِيرًا مُحتَاجًا.

فَوائِدُ كَفَالة اليَتِيم :

1-كَفالةُ اليتيِم فِيها شَرفُ مُرَافقَةِ النَبِي صَلى اللهُ عَليه وسَلم فِي الجَنَّةِ وأَنَّ الكَافِلَ يَحظَى بِتلك المَنزِلَةِ الرَفِيعة فِي مُصَاحبَةِ خَيرِ البَشر.
2- القِيامُ بِاليتِيم وإِكرَامه ِفيها مَحبَة ًلرسُولنَا صَلى الله عَليه وسَلم لأنَّهُ كَانَ يَتِيماً .
3- المسْحِ علَى رأسِ اليَتِيم تُؤدِي إِلى ترقِيقِ القلُوب وتَنزَع عَنها القَسوَة فِيها إِدرَاكٌ للحَاجَات.
4-أَنَّ الإنفَاقَ عَلى اليَتِيم وتَربيته وإِصلاحِه فِيها دَلالَةٌ عَلى رَحمَةٍ يَحملُها الكَافلُ فِي قَلبه وفِطرَةٍ سَلِيمة.
5-فَضلُها عَظِيم فِي الدُنيا والآخِرَة فَتعُودُ عَلى صَاحبها بِالخَير والنَفع الكَثِير وتزِيد فِي رِزقه قال تعالى : ﴿هَلْ جزَاءُ الإِحسَانُ إِلا الإحْسَان ﴾
6-تَشُدُ مِنْ رَوابط المُجتَمع حَيثُ يَخلُو مِن الكرَاهِيةِ والحِقد وتَعمُ ِفِيهِ المَحبَة وتحفَظ اليَتَامَى بَعدَ الله مِن الانحِراَف.
7 - حِفظ لِذرُيةُ الكَافل مِن بعَدِه وتَسخِير الآخَرِين للقِيام بِهم .قال تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾
8- أَنَّ الله يُخلفُ علَى الكَافِل فِي الدُنيا والآخِرة ، و تزُكِي مَالهُ وتُطهِرَه
قَال النَّبي صلى الله عليه وسلم:"ما من يومٍ إلا ينادي فيه ملكين يقول الأول :اللهم أعطى منفقا خلفا ويقول الأخر :اللهم أعطى ممسكا تلفا .
9-تَعتَبر من أَفضَل الأخْلاق الحَمِيدة التِي أقرَّها الإسلامُ وامْتدحَ فَاعلُوهَا.
10-تُذهِب السَيئَاتِ وتَجلب الحَسنَات.

هذِه بَعضُ الأمُور عَنْ كَفالةِ اليَتِيم التِي خَصَّ نَبيُنا الكَرِيم – عليهِ الصَلاةُ والسَلام-
فَاعلُها بِمصاحبتِه فِي الجَنَّة .
رَاجِيةً مِنْ الله سُبحَانَه وتعَالَى أَن يَنفعَ بِما قَدمتْ , وآخِر دعوَانَا أنْ الحَمدُ لله رَبُ العَالمِين ,
والصَلاةُ والسَلامُ على نَبينا مُحمَّد وآله وصَحبه أَجمَعِين

.