[يمامة الوادي]

الدور الفاعل للمرأة المسلمة في الهجرة النبوية

بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا

ـ بعد مضي ثلث الليل الأول يتسلل المعاهدون تسلل القطا مستخفين لإبرام المعاهدة الثانية الكبرى في اجتماع تاريخي أخفاه المجتمعون عن المشركين حتى اجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاث وسبعون رجلاً وامرأتان نسيبة بنت كعب (أم عمارة) من بني مازن بن النجار، وأسماء بنت عمرو (أم منيع) من بني سلمة اجتمعوا في الشعب ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جائهم صلى الله عليه وسلم.
.

ـ يا لها من مواقف إسلامية رائعة تبين مدى احترام الإسلام للمرأة، ومدى تقديره لأهميتها في المواقف الصعبة، الاجتماع سري وخطير، والوقف بعد مضي ثلث الليل والمجتمعون يخرجون سراً ومعهم أم عمارة وأم منيع رضي الله عنهما، وهذا الموقف يضع الجذع في عيون المتهمبن للإسلام بتهميش دور المرأة وأهميتها في المواقف الكبيرة امرأتان تخبران بموعد الاجتماع، وتخرجان سراُ وليلاً لتشهدان هذا الاجتماع الذي خرج المجتمعون فيه بأخطر القرارات في تاريخ المعاهدات الإسلامية.

وبعد المشاورات والمناقشات والمحاورات يلقى الرسول صلى الله عليه وسلم بيان المعاهدة وتتم البيعة:

1 ـ السمع والطاعة في النشاط والكسل.

2 ـ النفقة في العسر واليسر.

3 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

4 ـ القيام في الله وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم.

5 ـ نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يقوم إليهم.

6 ـ يمنعون رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم وأبناءهم.

7 ـ لمن وفي بعهده وصدق في بيعته الجنة.

ومن قبل يهاجر المسلمون الهجرة الأولى للحبشة وكان الفوج الأول مكون من اثني عشر رجلاً وأربع نسوة وقد رحل هؤلاء تسللاً في ظلمة الليل ـ حتى لا تفطن لهم قريش ـ خرجوا إلى البحر ويمموا ميناء شعيبه وركبوا في سفينتين تجاريتين أبحرنا بهم إلى الحبشة وفطنت قريش، فخرجت في آثارهم، لكن لما بلغت الشاطىء كان المسمون قد انطلقوا بفضل الله آمنين وأقام المسلمون في الحبشة في أحسن جوار.

ـ وهنا أيضاً يتضح الدور الفاعل للمرأة المسلمة في المشاركة في الأحداث العظيمة مشاركة فاعلة.

ـ وفي الهجرة الثانية إلى الحبشة هاجر من الرجال ثلاث وثمانون رجلاً وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة.

ـ وعندما أرسلت قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة للكيد بالمسلمين عند النجاشي وبعد أن فشلا في هذه المهمة فشلاً ذريعاً قالت أم سلمة رضي الله عنها ـ وكانت من المهاجرين ـ: فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهم ما جاؤوا به، وأقمنا عنده (أي: عند النجاشي) بخير دار مع خير جار.

ـ وبذلك يتضح دور المرأة المسلمة في التخطيط والتنفيذ والتوثيق للأحداث.

ـ وعندما أرادت أم سلمة رضي الله عنه الهجرة إلى المدينة المنورة منعها قومها وأخذ قوم زوجها ابنها منها بعد أن خلعوا يده عندما جذبوه ليأخذوه.

ـ وتظل أم سلمة تبكي في نفس المكان عاماً كاملاً حتى رقت قلوب الناس لها وسمحوا لها بالهجرة واللحاق بزوجها.

ـ وقامت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بدور رئيس في تموين الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار.

ـ وقامت السيدة عائشة رضي الله عنها بتسجيل موقف عبد الله بن أبي بكر في الهجرة قالت عائشة: وهو غلام شاب ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام.

ـ ووثقت السيدة عائشة رضي الله عنها موقف عامر ابن فهيرة مولى أبي بكر فقالت: وكان يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل ـ وهو لبن منحتهما ورضي فهما ـ حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بفلس، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث.

ـ وأخفت زوجة أبي بكر وبناتها عن جدهما والد أبي بكر خبر أخذ أبو بكر لماله معه ووضعوا مكان المال قطعاً من الصخر تلمسها الجد الكفيف واطمأن على مال ابنه وأحفاده.

ـ وفي الطريق يمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بخيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة جلة تحتبي بفناء الخيمة، ثم تطعم وتسقي من مر بها فسألها الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر: هل عندها من شيء؟. قالت : والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم القَرى، والشاة عازب، وكانت سنة شهباء، وعند أم معبد تظهر معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلب الشاة ولما عجب زوجها بعد عودته من الرعي لوجود اللبن قالت أم معبد: (مرَّ بنا رجلٌ مبارك كان من حديثه كيت وكيت، ومن حاله كيت وكيت قال: إني والله أراه صاحب قريش الذي تطلبه، صفيه لي يا أم معبد، فوصفته بصفاته الرائعة بكلام رائع كأن السامع ينظر إليه وهو أمامه.

ـ وجاء أبو جهل إلى بيت أبي بكر في زهوة الباطل وكبره السخيف فسأل السيدة أسماء عن أبيها: فأبت أن تذيع السر، فهددها عدو الله، فلم تخف، فرفع يده الآثمة فضربها وهي حامل وكذلك يفعل الجبناء، ولكنها صمدت صمود الأبطال وعجز عدو الله عن انطاقها بالسر.

ـ وعند دخول المصطفى صلى الله عليه وسلم تغنت بنات الأنصار بهذا الأبيات كما ورد في الرحيق المختوم للمباركفوري:

أشرق البدر علينا من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع

وبذلك وبغي ذلك من المواقف النسائية المشرفة قامت المرأة المسلمة بدور فاعل في الهجرة النبوية المطهرة لتثبت للناس أن للمرأة في الإسلام مكانة لا تقل عن مكانه شقيقها الرجل فالنساء شقائق الرجال في الإسلام ولو كره المبطلون والجاهلون والمرجفون.