[يمامة الوادي]

قصتي مع الهيئة

ذات ليلة من الليالي جهزت نفسي وسيارتي.. لبست أحسن ملابسي الشبابية.. سرّحت شعري واخترت عطري بعناية تعطّرت به ثمّ اتجهت إلى أحد الأسواق حيث كثر رواده وازدحامه.

كنت طوال الطريق أحلم بأن أجد ضالتي وكانت تدور بمخيلتي مواصفاتها : بيضاء.. جميلة.. رشيقة..

وصلت السوق والساعة تشير إلى منتصف الليل .

أوقفت سيارتي بعد عناء من كثرة الزحام ، ترجّلت وجهَّزت ورقةً صغيرة كتبت عليها رقم هاتفي واسماً مستعاراً.

بدأت أمشي الهوينا التفت ذات اليمين وذات الشمال وإذا بي يصادفني رجل وقور سألني : ما عندك ؟.

قلت : أنزلت أهلي هنا وأنا أبحث عنهم.. ابتسم في وجهي وقال: يا أخي السوق فتنة لعلك تتصل بهم وهذا أفضل.

أشرت أن نعم ، ثم تركني وذهب.

تابعت مسيري وبعد برهة وجدت ضالّتي اقتربت وحاولت أن أتكلم وإذا بالشخص الذي كلمني قبل قليل ومعه آخر يأخذ بيدي قائلاً: تفضّل معنا.

قلت: إلى أين ؟ قال: نحن أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا بد من حضورك إلى المركز.

قلت: أهلي؟ فقال : ترجع إليهم بعد قليل إن شاء الله .

مشيت معهما وأنا أرتجف ماذا عساهما أن يفعلا بي في المركز؟ أسمع أنهم يضربون من يحضر إليهم ويوبخونه.

وصلنا المركز ثم طلبوا مني الجلوس على كرسي أنيق.

أعطاني من كان هناك كتاباً وقال: لعلك تقرأ حتى يفرغ الشيخ ، جاملت وأخذت الكتاب وبدأت أقلّب صفحاته عبثاً وأنا أفكر فيما سيحل بي..

تفضل - قالها أحدهم - قمت وتبعته.. دخل إلى مكتب رئيس المركز وأنا برفقته وإذا بشاب بالمكتب في الثلاثينات من العمر يدعونه الشيخ ، بهي الطلعة بشوش الوجه وسيم إلى حد كبير لا أعرف هل هذه صفاته الخَلقية صحيحةً أم لشدة إعجابي بخلقه الرفيع وأدبه الجم.

طلب مني الجلوس على كرسي ولم يكن يفصل بيني وبينه إلا مكتب من النوع الجيد.

بادرني : أهلاً بك تفضل ما عندك؟.

حقيقةً كذبت عليه في بادئ الأمر اختلقت قصة خيالية ابتسم ابتسامة غير المقتنع ثم قال: أسأل الله لك الهداية والتوفيق ، لو لم تخطئ لم يحضروك لكن أياً كان الخطأ فهذا أمر طبيعي الكل معرض للخطأ إنما المشكلة في الاستمرار في ذلك الخطأ.

واستمر يعاتبني وينصحني ثم قال كلاماً لا يزال يرنّ في أذني : " لنفترض أن تلك المرأة التي تعاكسها أمك أو أختك ، يا أخي لا تنس أنه كما تدين تدان والجزاء من جنس العمل " .

ثم سكت وقال مبتسماً : هذا ما عندي تستطيع أن تذهب. قلت : إلى أين؟ قال وهو مبتسم: إلى أهلك ربما ما زالوا ينتظرونك.

عرفت معنى تلك الابتسامة ولكن استغربت كيف أذهب أين الضرب والتوبيخ ووو...

ركبت سيارتي وبدأت أفكر في ذلك الموقف.

ما أكذب الشائعات التي تدور حولهم! هؤلاء الذين لا نستطيع إيفائهم حقهم هم الذين يسهرون لكي يحموا أختي وأختك ومع ذلك نسمع ونقرأ كل همز ولمز.

تغيرت نظرتي تماماً منذ ذلك الموقف الحيّ الذي عشته بنفسي وأنا لست كاتباً حتى أكتب كل ما يجيش بخاطري نحوهم لكن ربما القصة فقط تعبِّر عما يكنه خاطري .

إعداد: عبد الله عيسى العرد.

المصدر: مجلة الأسرة ( 174 ) .