[يمامة الوادي]

كيف نفرق بين النصيحة والتعيير.؟

إيمان بنت سليمان العُبيد

من خلال التجارب التي مررت بها مع الآخرين حاولت بقدر المستطاع أن أحصر بعض الفوائد المستنبطة من هذا الموضوع خاصة وأننا عند المصارحة نجد أن هناك قلة أولئك الذين يطلبون النصيحة ،بل إنهم لا يكادون يقبلون نصيحة من ينصحهم،فإن الكثير يرون في النصيحة إظهار معايبهم،فتأبى عليهم عزة نفوسهم أن يتقبلوها، ويرون فيها إهانة لأنفسهم فيترفعون عنها.



أما السلف الصالح –رحمهم الله-كانوا في درجة أعلى من قبول النصيحة أو إسدائها؛حيث كانوا يطلبونها و يحرصون عليها، ويوصون إخوانهم بمراقبة زلاتهم و التنبيه عليهم؛

فالمؤمن مرآة أخيه وللشيخ:مازن الفريح كلام نفيس في هذا الموضوع وقد اقتبست منه في هذا الموطن الكثير.



عندما نطلع على العصور التاريخية نجد أنها حافلة بالمواقف الرائعة فهذا عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه-يقول لمولاه مزاحم:"إن الولاة جعلوا العيون على العوام،و أنا أجعلك عيني على نفسي،فإن سمعت مني كلمة تربأ بي عنها أو فعالاً لا تحبه،فعظني عنده،وانهني عنه" هل نكاد نجد في هذه الأيام من يفعل مثل ذلك.؟

- بل بالنظر للواقع نجد أن الناس بين قبول النصيحة و ردها شقين:

منهم من يطلبها وذلك دليل على حرص النفس على معالجة عيوبها؛فمن عرف نفسه‘واشتغل بالنظر إليها عن النظر إلى عيوب الناس،أدرك أن من المعايب ما يجعله يصرف همه للبحث عن النصحاء،ليدلوه عليها،ويعينوه على تلافيها.

فالصادق يفرح بها،ويأنس،ويحس كأنه حاز على كنز ثمين..

أما الشق الآخر الذي يبغض النصيحة،فهو كاذب.!!

وقد وصف الله-تعالى-الكاذبين في كتابه ببغضهم للناصحين إذ قال: (وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِين).(سورة الأعراف:79).



وللناصح الحق في أن يسقط من عينه من يرد نصيحته ويسير على منهج الشافعي-رحمه الله- في قوله:"ما نصحت أحداً فقبل مني إلا هبته واعتقدت مودته،و لا ردَّ أحد علي النصح إلا سقط من عيني ورفضته".

وذلك لأن الذي يرد النصيحة ويردها ليس أهلاً له ، فالنصيحة ثمينة ، وهي من الدين ، ويجب أن توضع اللقمة في الفم الذي يستسيغها،ولا يستسيغها إلا الفم الصحيح ، فالعليل يلفظها ولا يقبلها،



يقول أبو حاتم البستي-رحمه الله-: "النصيحة محاطة بالتهمة،وليست النصيحة إلا لمن قبلها،كما أن الدنيا ليست إلا لمن تركها،و لا الآخرة إلا لمن طلبها ، و ليس على كل ذي نصح إلا الجهد ، ولو لم يقبل من نصائحه ما يثقل عليه،لم يحمد غب رأيه...و أكثر ما يوجد ترك قبول النصيحة عند المعجب برأيه".



-فمن الناس من إذا نصحته كان عدواً،واعتبرك عدوه،فإن نفسه تأبى أن ينقصها أحد، ويظن أن في النصيحة إنقاصاً لها و إهانة لكرامتها،فأمثال هؤلاء الذين يلجون في الخصومة إن نصحوا ليسوا أهلاً لها،و لارفض أحد نصيحة إلا لكبر في نفسه فيرد كلمة الحق.



وقد بيَّن رسول الله-في الحديث أن رد الحق وعدم قبوله هو الكبر في قوله:"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".

قال رجل:إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً،قال:"إن الله جميل يحب الجمال؛الكبر بَطَرُ الحق،و غمط الناس"أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان باب تحريم الكبر وبيانه:91.

وبطر الحق،أي:دفعه ورده،فإن المتكبر يترفع عن قبول الحق؛لأنه يرى فيه استصغاراً لنفسه،فكان له حظ في المشابهة لمن قال الله فيه:"و إذا قيل له اتقِ الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد).



فالمؤمن يقبل الحق و يأخذ به ولو صدر من أعدى الناس إليه،وقد قال-صلى الله عليه وسلم-لأبي هريرة حينما نصحه الشيطان أن يقرأ آية الكرسي كل ليلة إذا أوى إلى فراشه:"صدقك وهو كذوب".



ولعلك تتطلعي إلى الفرق بين النصيحة والتعيير؟

إليك أختي الكريمة كلام الإمام ابن رجب-رحمه الله-:"النصيحة والتعيير يشتركان في أن كلاًّ منهما ذِكرُ الإنسان بما يكره ذِكره،فإن كان المقصود منه مجرم الذم و العيب و النقص فهو محرم،و أما إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين،خاصة لبعضهم،وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة؛فليس بمحرم،بل مندوب إليه".

"وذلك مثل بيان الجرح في رواة الأحاديث،وبيان من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة،وتأول شيئاً منها على غير تأمله،وتمسك بما لايتمسك به؛ليحذر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه،وقد أجمع العلماء على جواز ذلك".



- ومن التطبيقات العملية للمناصحة-وهي عامة-:

1.وضع آلية محددة للمناصحة،مثل:اللقاءات الانفرادية بين المربي وتلميذه.

2.إدراج برامج المناصحة في الرحلات و المخيمات لكسر حاجز التردد و المجاملة،ويكون ذلك على صورة نشاط يقسم فيه الحضور إلى مثنى مثنى،و ينفردان في مكان ما للتناصح.

3.عمل لقاء بين المغرب والعشاء بين اثنتين من الفتيات،تحفظان فيه كتاب الله،وشيئاً من الأحاديث النبوية و تتواصيان فيما بينهما وتتعاهدان على الجد و المثابرة.

4.اكتبي لأختك رسالة تنصحيها فيها(برنامج الرسائل المتبادلة).