[يمامة الوادي]

أهــــل الحديــــث
http://www.fatafer.net/articles.php?ID=9335
نجوم سماء العلم، كواكب قبة الفهم، تيجان المدارس، بدور المجالس .
هم الذين قطعوا من أجل الحديث القفار، وركبوا البحار، لبسوا الليل واستفاؤا بالنهار.
كم من حكمة كتبوها، كم من دمعة سكبوها، كم من عرق في الطلب أذروه، كم من مداد في الدفاتر أجروه ، أما ساهروا النجوم في الرواية، كم كدوا الأذهان في الدراية، أما أتعبوا القلوب في الرعاية، أما حثوا النفوس على العناية .
نام الناس على الرياش وناموا على الثرى، وغط الأوباش في النوم وهم ركبوا السرى، واشترى المفلسون الرقاد وهم عافوا الكرى.
ثيابهم من الأسفار ممزقة، جلودهم من حرارة الهواجر محرَّقة، عمائمهم من خصاصة الفقر ملفقة، خفافهم من المشي مخرقة .
أكلوا أوراق الشجر من الجوع، وأدمنوا السهر، وطلقوا الهجوع، وبللوا القراطيس بالمداد والدموع، ركبوا من البحر الثبج، والتحفوا من الليل اللجج، وقنعوا من كل نديم بالسرج.
آه ما أحسن ((حدثنا)) في المسامع، وما أجمل ((أخبرنا)) في المجامع .

سقوني وقالوا لا تغن ولو سقوا جبال سليمي ما سقيت لغنت

اشتغل الناس بجمع الدرهم والدينار، وبناء الدور وحفر الآبار، وعمارة البساتين وغرس الأشجار، واشتغلوا هم بجمع الآثار، ونقل الأخبار، ومصاحبة أنفاس المختار.
سهر الناس مع أصوات العيدان، ونغمة القيان، وأشعار فلان وعلان، وسهروا هم مع سفيان وحماد، ومجاهد وابن الهاد، ساعة مع المتن وساعة مع الإسناد.

إيهٍ أحاديث نعمان وساكنه إن الحديثَ عن الأحباب أسمار

إيوان أحدهم ظهر البعير، ومجلس أنسهم وجه الهجير، وطعامهم خبز الشعير، هجروا الخمير والحرير والسرير .
صبروا على أحر من الجمر، وصبَّغوا ثيابهم بالحبر، وصاحبوا الجوع و الظمأ والفَقْر.
جزاهم الله عن الأمة خير الجزاء، وعن السُّنةِ أكرم العطاء، وعن الملة دار البقاء.
رحم الله تلك العظام، وأسكنها دار السلام، وأحلها أحسن المقام، بجوار ذي الجلال والإكرام .
وهنيئا لتلك الوجوه النضرة، وجعلها بالنعيم مسفرة، ضاحكة مستبشرة.
وحشرنا الله معهم في زمرة الأبرار، وصحبة الأخيار، أولئك لهم عقبى الدار.



حدائق ذات بهجة / الشيخ عائض القرني