[يمامة الوادي]

سرقة من نوع أخر


منذ لحظات الزواج الأولي وكلا الزوجين يفكر في موضوع واحد هو ( الاولاد )
متي يرزقان بالذرية ؟ وكيف سيربون أولادهم ؟ وغيرها وغيرها من الأمور المتعلقة بالأولاد والذرية ،
بل كثير من الأزواج يرون أنه لا سعادة من دون ذرية ،
ولهم حق إن ذهبوا إلي هذه الدرجة من التفكير لأن الذرية زينة الحياة الدنيا
وليس هناك مشكلة أو خطأ في أن يفكر الزوجان في الذرية ،
ولكن المشكلة في أن تبدأ المشكلة عندما يتحقق الأمل وتأتي الذرية .

يصل المولود الأول فتملأ الفرحة وجوه كل الأقرباء ،
ويتلألأ وجه الزوجة وتشرق الابتسامة علي وجه الأب ،
اكتملت السعادة ، وتم المراد ، ولكن في أحيان كثيرة لا تستمر هذه الابتسامة لفترة طويلة
، فبعد أشهر قليلة تتحول الابتسامة إلي سيل من الانتقادات ،
والفرحة إلي حسرة علي الأيام التي سبقت وصول الضيف الجديد ،
والعجب كل العجب في كيفية تحول ما هو من المفترض أن يكون سبباً في السعادة إلي سبب للخلاف
، الحقيقة أن الطفل أو المولود ليس له علاقة بهذا التحول ، ولا دخل له في اختفاء الابتسامة ،
وإنما السبب ناجم عن الاستعداد النفسي لكل من الأب والأم لاستقبال الضيف الجديد .

نعم فالأطفال زينة ، وبهجة ، وفرحة ، ولكنهم أيضاً يحتاجون إلي العناية والاهتمام ، والتضحية ،
ولكي نتفادي التصادم ما بين الرغبة بالفرحة وواقع التضحية فإنه يتوجب عليهما أن يجلسا معاً ،
الزوج والزوجة ، وخلال فترة الحمل ويناقشا معاً كل الامور المتعلقة بوصول الضيف الجديد ،
وهذا النقاش يتناول كافة الامور حتي توزيع أدوار الرعاية والاهتمام بالطفل ،
وأوقات توزيع هذه الأدوار فعندما سيعلم الزوجان بالتحديد أوقات الراحة ،
بحيث يكون علي الطرف الآخر الاهتمام بالطفل بشكل كامل لمدة ساعة أو ساعتين
دون أن يشغل الطرف الثاني بالطفل ويكون هناك بعد ذلك تبادل للأدوار في وقت آخر
، وهكذا يكون كلا الزوجين قائمين بشؤون الطفل دون أن يكون هناك إرهاق .

والتفاهم يمنع حدوث التصادم النفسي بين التوقع والواقع ،
والشفاء من هذا التصادم يعني إلغاء الشعور بالحسرة علي الأيام ما قبل الأطفال
، صارحني أحد الآباء بقوله : لم نرزق بذرية لمدة ثلاثة أعوام ،
ولا أخفي عليك أنني كنت احلم كل دقيقة من دقائق السنوات الثلاث بالذرية ،
وبالبهجة والسعادة التي سيدخلها هؤلاء الأطفال علينا ،
ويقدر الله وبعد سنوات الانتظار الطويلة ، أن نرزق بطفل .

كنت أظن بأن سعادتنا التي لم تتأثر بعدم الحصول علي الذرية لمدة ثلاث سنوات سوف تتضاعف ،
ويكون هذا المولود مصدراً للسعادة والبهجة والفرح ، وكان كذلك لفترة ..
ثم أصبحت أصرح بشعوري هذا ، وكم كان يغضب زوجتي ، بل ويبكيها وكان يخالطني شعور غريب
، فقد كنت أحب ابني الوحيد حباً شديداً ، ولكني لا أستطيع أن أراه غير سارق لأواصر الترابط والمحبة
والصداقة التي كانت بيني وبين زوجتي ،
كنت لا أحب ترك المنزل وأرفض كثيراً من الدعوات والزيارات لأنني أحب أن أجلس مع زوجتي
نتناقش ونتحدث ونضحك ، ونخطط للمستقبل ، ولكني اليوم أتمني لو أدعي لزيارة أو مناسبة كل يوم
حتي يكون لي عذر كي لا أبقي في المنزل...
وهكذا استمر يذكر لي هذا التناقض العجيب في مشاعره بالرغبة في الفرح بابنه الذي طال انتظاره له ،
وبين مشاعره بفقدان الراحة والهدوء الذي كان مصدراً لانزعاجه داخل المنزل
واستمر الحديث حتي وصل إلي النقطة التي كنت أنتظر سماعها ،
وهي أن والدته تظن بأن ذلك نتيجة ( عمل ) أو عين أصابتهما حسداً
لما أنعم الله عليهما به من ذرية بعد طول انتظار ، نظرت إليه غير متعجب ،
وقلت : العين حق والسحر موجود ، ولكن قبل بلوغ ذلك المبلغ ماذا حاولت لإصلاح هذا الخلل اليوم
، وبعد أن بلغ ابنك شهره الرابع عشر ماذا فعلت ؟ ماذا قدمت لتغير هذا الواقع ؟
نظر هو إلي مستغرباً ومتسائلاً : ماذا تقصد ؟!
قلت له : من يراعي الطفل ؟!
- أمه
- طوال الوقت .
- نعم، فهذه مسؤوليتها .
- لا بأس فمتي تظن إذن أن بإمكانها أن تعطيك وقتاً .
- هذا ما قصدت فهو سارق وقت أمه ، وسرقها مني .
- لا .. المتهم بريء حت تثبت إدانته ، وابنك بريء وأنت المتهم .
- فلسفة طبيب نفسي .
- سمها ما شئت ، ولكن لنقم بهذه العملية الحسابية البسيطة .
ذهبت الأم للنوم مع ابنها نحو العاشرة مساء وما بين العاشرة مساءً والسابعة صباحاً .
. موعد الاستيقاظ أيقظها طفلها مرتين .. كل مرة أخذت ساعة ليعودا للنوم كلاهما ، ثم أنت ..
أفاقت لتجد نفسها مضطرة لتجهيز مائدة الافطار وترتيب حاجياتك ،
وعلي فرض أن زوجتك لا تعمل ، فإنها بقيت في المنزل مع الطفل الذي أفاق بعد فترة وجيزة
من مغادرتك للمنزل ، أخذ أمر العناية به ثلاث ساعات من وقتها فوجدت أن الساعة
قد قاربت الساعة الحادية عشرة ظهراً فأسرعت فأعدت الغداء ،
وبين هذا وذاك كانت تحتاج أن تقدر رعاية لطفلها .

عدت عصراً ، فوجدت طعامك معداً، تناولته وذهبت لفراشك لتأخذ قيلولتك ، وكان عليك أن ترعي الطفل .. صحوت من نومك وقت صلاة العصر ، أو حتي بعد ذلك بقليل ، مرتاحاً ، في الوقت الذي بدأ التعب يلقي بستائره علي ذهنها ، أردت أن تفتح موضوعاً للحديث فلم تجد منها استعداداً للحديث ، فمن المسؤول .

_ نظر إلي وقال بصوت معبر : هل كان علي أن أطلب منها الذهاب لترتاح ،
وأن آخذ الطفل أنا ، ولعلنا نجد كلانا طاقة للحديث والتسامر والحديث مساء .
- قطعاً ستجدان الطاقة ، إذا وزعتما الأدوار .
- فنظر إلي قائلاً : هكذا لم يعد هو السارق وعدت أنا المهمل .
- قلت مسرعاً: لنترك هذه الاتهامات بعيداً ولنفكر في كيفية عودة المياه إلي مجاريها .

واليوم وبعد سنة من ذلك الحوار أمسك بيدي وأنا أكتب هذا المقال ،
النسخة الأولية من كتاب مؤلفة صاحبنا وزوجته بعنوان ( جداول البهجة الزوجية ) ،
يتحدث عن توزيع الأدوار في الحياة الزوجية .

الفرحة