منتديات موقع بشارة خير - عرض مشاركة واحدة - كم نوعاً للتوحيد؟
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 4  ]
قديم 2005-08-04, 6:54 PM
harun
عضو نشط
رقم العضوية : 7581
تاريخ التسجيل : 17 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 255

غير متواجد
 
افتراضي
الثاني: تركيب الماهية من الذات والصفات، وعندما ينفون هذا التركيب لا يبقى إلا الذات المجرد عن كل صفة من الصفات، فلا يكون له البصر، ولا السمع، ولا العلم، ولا القدرة، ولا الإرادة، ولا الحياة، ولا المشيئة، ولا أية صفة أخرى أصلاً، فكل ذات من ذوات المخلوقات يكون أولى([12]) من هذا الذات، ونفي([13]) هذا التركيب لا يفيد إلا الكفر بالله وجحد ذاته وصفاته وأفعاله.

الثالث: تركيب الماهية الجسمية من الهيولى والصورة، كما يقول الفلاسفة.

الرابع: تركيب الماهية من الجواهر الفردة كما يقول كثير من أهل الكلام.

الخامس: تركيب الماهية من الأجزاء المتفرقة التي اجتمعت بالتركيب واتحدت.
فلو أريد لكونه فوق العرش هذه التراكيب المخترعة من الفلاسفة والمتكلمين، لأجيب عنه أن الأجسام المحدثة المخلوقة عند العقلاء ليست مركبة من هذا ولا ذاك، فلو وجد جسم مخلوق فوق العرش لم يلزم([14]) أن يكون مركباً بهذا الاعتبار، فكيف([15]) يلزم ذلك في حق الخالق الذي هو جامع المتفرق، ومفرق المجتمع، ومؤلف بين الأشياء ومركبها، والعقل يدل على كونه إلهاً واحداً ورباً واحداً لا شريك له ولا شبيه، لم يلد ولم يولد، ولا يدل على أن الرب الواحد ليس له اسم ولا صفة، ولا الوجه، ولا اليدان، وليس فوق الخلق، ولا يصعد إليه شيء، ولا ينـزل منه شيء، فدعوى ذلك على العقل كذب صريح [كما هي كذب صريح على الوحي] ([16]).

هكذا قولهم في تنـزيهه سبحانه عن الجهة، فلو أريد بالجهة – عند تنـزيهه سبحانه منها – شيء يحويه ويحاصره ويحيط به سبحانه إحاطة الظرف بالمظروف، لقلنا إنه سبحانه أعظم وأكبر وأعلى من هذا، ومع هذا كونه فوق العرش لا يستلزم هذا.

ولو أريد بالجهة أمر يوجب مباينة الخالق عن المخلوق، وعلوّه على الخلق، واستواءه على العرش، فنفي ذلك بهذا المعنى باطل، وتسمية ((جهة)) اصطلاح منهم توسلوا به إلى نفي شيء يدل عليه العقل والنقل والفطرة، وسموا ما فوق العالم بالجهة، ونـزهوا الله سبحانه عن الجهات، وسموا العرش بالحيّز وقالوا: إنه سبحانه ليس بمتحيّز، وسموا الصفات بالأعراض، وقالوا: الرب منـزه عن قيام الأعراض به، وسموا الحكمة بالغرض، ونـزهوه سبحانه عن الأغراض، وكلامه بمشيئته، ونزوله إلى السماء الدنيا، ومجيئه يوم القيامة لفصل الأقضية، ومشيئته وإرادته التي ترادف المراد، وإدراكه الذي يرادف المدرك، وغضبه عند العصيان، ورضاه عند الطاعة، وفرحته عند توبة العباد، وندائه موسى عليه السلام عند إتيانه الشجرة، وندائه العباد يوم القيامة، وحبه لشخص كان يبغضه حالة الكفر فآمن، وربوبيته التي هي عبارة عن {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ}([17]) سموا الأشياء المذكورة بالحوادث، وقالوا: إنه سبحانه منـزه عن الحوادث.

وحقيقة هذا التنـزيه أنه منـزه عن الوجود والماهية والربوبية والملك، وليس بفعّال لما يريد، بل لا يتصف بالحياة والقيومية.

فانظر([18]) ماذا تحت تنـزيه المعطلة النفاة بقولهم: ليس بجسم، ولا جوهر، ولا مركب، ولا يقوم به الأعراض، ولا يوصف بالأبعاض، ولا يفعل بالأغراض، ولا تحله الحوادث، ولا تحيط به الجهات، ولا يقال في حقه: أين، وليس بمتحيز كيف كسوا حقائق أسمائه وصفاته، وعلوه على خلقه، واستوائه على عرشه، وتكليمه لخلقه، ورؤيتهم له بالأبصار في دار كرامته هذه الألفاظ، ثم توسلوا إلى نفيها بواسطتها، وكفَّروا وضللوا من أثبتها، واستحلوا منه ما لم يستحلوه من أعداء الله من اليهود والنصارى، فالله الموعد، وإليه التحاكم، وبين يديه التخاصم:

نحن وإياهم نموت ولا أفلح يوم الحساب من ندما

{وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}([19]).

قال الإمام العلامة المحقق محمد بن الموصلي الأصبهاني في ((سيف السنة الرفيعة في قطع رقاب الجهمية والشيعة)): قد سلك الناس في إثبات الصانع وحدوث العالم طرقاً متعددة سهلة قريبة موصلة إلى المقصود، ولم يتعرضوا فيها لطريقة هؤلاء بوجه.

منها: الاستدلال بمقدمات النبوة ومعجزات الرسالة التي دلائلها مأخوذة من طريق الحس لمن شاهدها، ومن طريق استفاضة الخبر لمن غاب عنها، فلما ثبتت النبوة صارت أصلاً في وجوب قبول ما دعاه إليه النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الخطابي: وهذا النوع مقنع في الاستدلال لمن لم يتسع فهمه لإدراك وجوه الأدلة، ولم يتبين معاني تعلق الأدلة بمدلولاتها، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها انتهى.

قلت: وهذه الطرق أقوى من ارتباط الأدلة العقلية الصريحة بمدلولاتها، فإنها جمعت بين دلالة الحس والعقل دلالة ضرورية بنفسها، ولهذا يسمّيها الله تعالى: {آيات بينات}، وليس في طرق الأدلة أوثق ولا أقوى منها، وكذلك سائر آيات الأنبياء ومعجزاتهم وأمثال ذلك مما هو من أعظم الأدلة على الصانع، وصفاته، وأفعاله، وصدق رسله، واليوم الآخر، وهذه من طرق القرآن التي أرشد إليها عباده، ودلّهم بها كما دلّهم بما يشاهدونه من أحوال الحيوان، والنبات، والمطر، والسحاب، والحوادث التي في الجو وفي الأرض، وأحوال المعلومات من السماء والشمس والقمر والنجوم، وأحوال النطفة وتقلبها طبقاً بعد طبق حتى صارت إنساناً سميعاً، بصيراً، حياً، متكلماً، عالماً، قادراً، يفعل الأفعال العجيبة، ويعلم العلوم العظيمة، وكل طريق من هذه الطرق أصح وأقرب وأوصل من طريق المتكلمين التي لو صحّت لكان فيها من التطويل، والتعقيد والتعسير ما تمنع الحكمة الإلهية والرحمة الربانية أن يدل بها عباده عليه وعلى صدق رسله، وعلى اليوم الآخر.

فأين هذه الطرق المعسرة الباطلة – المستلزمة لتعطيل الرب عن صفاته وأفعاله وكلامه وعلوه على خلقه، وسائر ما أخبر به عن نفسه وأخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم – إلى طرق القرآن التي هي ضد هذه الطرق من كل وجه، وكل طريق منها كافية شافية هادية، وإن القرآن وحده – لمن جعل الله له نوراً – أعظم آية ودليل على هذه المطالب، وليس في الأدلة أقوى ولا أظهر ولا أصح دلالةً منه من وجوه متعددة، فأدلته مثل ضوء الشمس للبصر لا يلحقها إشكال، ولا يغير في وجه دلالتها إجمال، ولا يعارضها تجويز واحتمال، تلج الأسماع بلا استيذان، وتحل من العقول محل الماء الزلال من الصاوي الظمآن، لا يمكن لأحد أن يقدح فيها قدحاً يوقع في اللبس إلا إن أمكنه أن يقدح بالظهيرة صحواً في طلوع الشمس، ومن عجيب شأنها أنها تستلزم المدلول استلزاماً بيّناً، وينبّه على جواب المعترض تنبيهاً لطيفاً، وهذا الأمر إنما هو لمن نوّر الله بصيرته، وفتح عين قلبه لأدلة القرآن فلا تعجب من منكر أو معترض أو معارض.

وقل للعيون العمي: للشمس أعين سواك تراها في مغيب ومطلع

وسامح نفوساً أطفأ الله نورهـا بأهوائها لا تستفيق ولا تعـي

فأي دليل على الله أصح من الأدلة التي تضمنها كتابه، كقوله تعالى: {أَفِى ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ}([20])، وقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}([21])، وقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ ٱلأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرّيَـٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}([22])، وما لا يحصى من الآيات الكريمات، وهذا واضح ولله الحمد.

وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية.



--------------------------------------------------------------------------------

([1]) البقرة:163.

([2]) المائدة:73.

([3]) في الأصل ساقط أضفته من الدين الخالص (1/98).

([4]) البخاري: الحج (3/408)، ومسلم: الحج (2/841)، وأحمد في مسنده (1/302).

([5]) الإسراء:110.

([6]) هذا التصحيح من الدين الخالص (1/101).

([7]) هذا التصحيح من الدين الخالص (1/102).

([8]) هذا التصحيح من الدين الخالص (1/102).

([9]) أخرجه مسلم في الصلاة (1/352)، وأحمد في مسنده (1/96، 118).

([10]) هذا التصحيح من الدين الخالص (1/105).

([11]) الانفطار:8.

([12]) هذه الكلمة ساقطة في الأصل أثبتها بمراجعة الدين الخالص (1/107).

([13]) مثل الأولى إضافة من الدين الخالص (1/107) وإلا لا يستقيم المفهوم.

([14]) في الأصل: ((لم يزل)) وهو خطأ مطبعي صححته بمراجعة الدين الخالص (1/107).

([15]) بديل هذه الكلمة في العبارة الفارسية ساقط أثبته بمراجعة الدين الخالص (1/107).

([16]) ما بين القوسين ساقط من الأصل أضفته من الدين الخالص (1/108) كما يقتضي السياق.

([17]) الرحمن:29.

([18]) النص من هنا باللغة العربية.

([19]) الشعراء:227.

([20]) إبراهيم:10.

([21]) البقرة:28.

([22]) البقرة: