عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2010-01-02, 12:02 AM
&بسمه&
عضو متميز بالمنتدى
رقم العضوية : 95831
تاريخ التسجيل : 10 - 12 - 2009
عدد المشاركات : 858

غير متواجد
 
افتراضي
قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتابه البيان والتبيين :

وسئل عن قوله‏:‏ ‏"‏ وَلِيَ فيها مَآرِبُ أُخْرَى ‏"‏ طه‏:‏ 18 قال‏:‏

لستُ أحيط بجميع مآربِ موسى صلى الله عليه وسلم ولكني سأُنَبِّئكم جُمَلاً تدخل في باب الحاجة إلى العصا من ذلك :

-أنها تُحمَل للحيّة والعقرب وللذّئب وللفحل الهائج ولعَير العانَةِ في زمن هَيْج الفُحول وكذا فحول الحُجُور في المُروج .
- ويتوكَّأ عليها الكبير الدالف .
- والسَّقيم المدنَف .
- والأقطعُ الرِّجلِ والأعرج فإنها تقوم مقامَ رِجلٍ أخرى .

- والعَصَا تَنوب للأعمى عن قائده .
- وهي للقصّار .
- والفَاشِكار .
- والدبَّاغ .
- ومنها المِفأَد للمَلَّة والمحراك .
- وهي لدق الجِصّ والجِبْسين والسّمسم .
- ولِخَبط الشَّجَر .
- وللفَيْج وللمُكارِي فإنهما يتخذان المخاصر فإذا طال الشّوْط وبَعُدَت الغاية استعانا في حُضْرهما وهَرْوَلِتهما في أضعاف ذلك بالاعتماد على وجه الأرض .
- وهي تعدِّل من مَيل المفلوج .
- وتُقيم من ارتعاش المُبرسَم .
- ويتّخذها الرّاعي لغَنمِه .
- وكلُّ راكب لمركَبِه .
- ويُدْخل عَصاهُ في عُروة المِزْوَد ويمسك بيده الطرفَ الآخَر وربَّما كان أحدُ طرفيها بيد رَجُل والطّرَف الآخَر بيد صاحبه وعليها حِمْلٌ ثقيل .
- وتكون إنْ شئتَ وتِداً في حائط .
- وإن شئت ركَزْتها في الفضاء وجعلتَها قِبلةً .
- وإنْ شئتَ جعلتها مِظلَّة .
- وإنْ جعلت فيها زُجّاً كانت عَنَزة .
- وإن زِدتَ فيها شيئاً كانت عُكَّازاً .
- وإن زدت فيها شيئاً كانت مِطْرداً .
- وإن زدت فيها شيئاً كانت رُمْحاً .
- والعصا تكون سَوْطاً وسلاحاً



نقل الإمام القرطبي -رحمه الله- في تفسيره عن بعض الأوائل قولهم:

حملتُ العصا لا الضعف أوجبَ حملها *** عليَّ و لا أنّي تَحنيت من كِبَر
ولكـنـنـي ألزمـتُ نفـسيَ حَمْـلَـهَـا *** لأُعلمها أنَّ المُقيم على سَفَر

ذكر الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين).من قصة الشرقي وصاحبه في رحلتهما إلى الرقة
قال الشّرْقيّ : ولكن دعْنا من هذا ؛ خرجتُ من الموصل وأنا أريد الرَّقّةَ مستخفياً، وأنا شابٌّ خفيف الحاذِ، فصحبني من أهل الجزيرة فتى ما رأيتُ بعده مثلَه، فذكر أنه تغلبي، من ولد عمرو بن كلثوم، ومعه مِزْود وركوة وعصاً، فرأيتُه لا يفارقها، وطالت ملازمتُه لها، فكدت من الغيظ أرمي بها في بعض الأودية، فكنَّا نمشي فإذا أصبنا دوابَّ ركبناها، وإن لم نُصب الدوابَّ مشَينا ، فقلت له في شأن عصاه .

فقال لي : إنّ موسى بن عمران صلى الله عليه وسلم حين آنس من جانب الطُّور ناراً، وأراد الاقتباس لأهله منها، لم يأتِ النارَ في مقدار تلك المسافة القليلة إلاّ ومعه عصاه، فلما صار بالوادي المقدَّس من البقعة المباركة قيل له: ألق عصاك، واخلَعْ نعليك، فرمى بنعليه راغباً عنهما، حين نزّه اللَّه ذلك الموضِع عن الجِلد غير الذَّكيّ، وجعل اللَّه جِمَاعَ أمره من أعاجيبه وبرهاناته في عصاه، ثم كلمه من جوف شجرةٍ ولم يكلّمه من جوف إنسان ولا جانّ .

قال الشّرْقيّ: إنه ليُكثر من ذلك وإني لأضحك متهاوناً بما يقول، فلما برزْنا على حمارَينا تخلَّف المُكَاري فكان حمارُه يمشي، فإذا تلكّأَ أكرهَه بالعصا، وكان حماري لا ينساق، وعلم أنه ليس في يدي شيءٌ يُكرهه، فسبقني الفتى إلى المنزل فاستراح وأراح، ولم أقدر على البَراح، حتَّى وافاني المُكاري، فقلت: هذه واحدة .

فلمّا أردْنا الخروجَ من الغدِ لم نقدْر على شيءٍ نركبُه، فكنا نمشي، فإذا أعيا توكأ على العصا، وربما أحضَرَ ووضع طرف العصا على وجه الأرض فاعتمد عليها ومَرَّ كأنه سهم زالج، حتى انتهينا إلى المنزل وقد تفسَّخْتُ من الكلال، وإذا فيه فضل كثير، فقلت: هذه ثانية.

فلمَّا كان في اليوم الثالث، ونحن نمشي في أرض ذات أخاقيقَ وصُدوع، إذْ هجمنا على حيَّةٍ منكَرة فساورتْنا، فلم تكن عندي حيلةٌ إلا خِذلانَه وإسلامَه إليها، والهربَ منها، فضربها بالعصا فثقلت، فلمَّا بَهَشَت له ورفعت صدرَها ضَربَها حتَّى وقذَها، ثمّ ضربها حتَّى قتلها، فقلت: هذه ثالثةٌ، وهي أعظمهنّ

فلمّا خرجنا في اليوم الرابع، وقد واللّه قَرِمْت إلى اللَّحم وأنا هاربٌ مُعْدِم، إذا أرنبٌ قد اعترضَتْ، فحذفها بالعصا، فما شَعرتُ إلاّ وهي معلَّقة وأدركنا ذكاتَها، فقلت: هذه رابعة .

وأقبلتُ عليه فقلت: لو أنّ عندنا ناراً لما أخّرتُ أكلَها إلى المنزل، قال: فإنّ عندك ناراً فأخرج عُوَيداً من مِزْودِه، ثمّ حكّه بالعصا فأورَتْ إيراءً المَرْخُ والعَفَارُ عنده لا شيء، ثم جَمَع ما قدَر عليه من الغُثاء والحشيش فأوقد نارَه وألقى الأرنبَ في جوفها، فأخرجناها قد لزِق بها من الرَّماد والتُّراب ما بغّضَها إليّ، فعلَّقَها بيده اليُسرى ثم ضرب بالعصا على جُنوبها وأعْراضها ضرباً رقيقاً، حتَّى انتثر كلُّ شيءٍ عليها، فأكلناها وسكن القَرَم ، وطابت النَّفس، فقلت: هذه خامسة.

ثمّْ إنّا نزلْنا بعضَ الخانات، وإذ البيوتُ مِلاءٌ روثاً وتُراباً، ونزلنا بعَقِب جُنْدٍ وخَرابٍ متقدّم، فلم نجدْ موضعاً نَظلُّ فيه، فنظر إلى حديدةِ مِسحاةٍ مطروحةٍ في الدّار، فأخذَها فجعل العصا نِصَاباً لها، ثمّ قام فجرفَ جميعَ ذلك التُّرابِ والرَّوث، وجرَدَ الأرضَ بها جَرْداً، حتَّى ظهر بياضُها، وطابت ريحُها فقلت: هذه سادسة .

وعلى أيِّ حالٍ لم تَطِبْ نفسي أن أضعَ طعامي وثيابي على الأرض، فنَزَع واللَّه العصا من حديدة المِسحاة فوتَدها في الحائط، وعلَّقَ ثيابي عليها، فقلت: هذه سابعة .

فلما صرتُ إلى مَفْرِق الطُّرق، وأردتُ مفارقته، قال لي: لو عَدَلت فبتَّ عندي كنتَ قد قضيتَ حقَّ الصُّحبة، والمنزلُ قريب، فعدلتُ معه فأدخلَني في مَنزلٍ يتَّصل ببيعة، قال: فما زال يحدِّثني ويُطْرِفني ويُلْطِفني اللّيلَ كلَّه، فلما كان السّحرُ أخذ خُشَيْبة ثم أخرجَ تلك العصا بعينها فقرعَها بها، فإذا ناقوسٌ ليس في الدنيا مثلهُ، وإذا هو أحذَقُ الناس بضرْبه .

فقلت له: ويلَك، أمَا أنت مسلم، وأنت رجلٌ من العرب من ولد عَمرو بن كلثوم؟ قال: بلى، قلت: فلِمَ تضربُ بالناقوس؟ .

قال: جُعلتُ فِداك إنَّ أبي نصرانيّ، وهو صاحب البِيعة، وهو شيخٌ ضعيف، فإذا شَهِدتُه بَرَرته بالكفاية، فإذا هو شيطانٌ مارد، وإذا أظرفُ النّاس كلِّهم وأكثرُهم أدباً وطلباً، فخبَّرته بالذي أحصيتُ من خِصالِ العصا، بعد أن كنتُ هممتُ أن أرمَي بها، فقال: واللَّه لو حدّثتُك عن مناقب نفع العصا إلى الصبح لما استنفَدْتُها.

منقول..
التعديل الأخير تم بواسطة &بسمه& ; 2010-01-02 الساعة 12:04 AM.