الموضوع: أثر السحر
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2009-12-27, 2:53 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي
وكلِمة ودود أو دعْوة تودع الزَّوجةُ بها زوجَها صباحًا وهو متَّجه إلى عمله، كـ"وفَّقك الله أيْنما ذهبت"، أو "أستوْدِعك الَّذي لا تضيع ودائعه"، "انتبِه لنفسك" - كفيلة بتهيِئَته لبدْء العمل بنشاط ورغْبة وقوَّة؛ لتحمُّل واجتياز ما قد يقابله من متاعب ومصاعب، وعقبات ومضايقات في عمله.

وأيضًا الزَّوج الَّذي يُبادر زوجتَه بكلِمات الودِّ، فإنَّه يهيِّئها لتقبُّل ما سيعقبها من طلبات، وكذا الَّذي يثني على زوجتِه بكلمات الإطراء الجميلة بعد وجْبة غداء أو بعد وليمةٍ متْعِبة، يَمحو بثنائِه كلَّ تعبها.

وكذا ثناء الآباء على أبنائِهم يشجِّعهم ليؤَدُّوا أداءً أفضل، ويبلوا بلاءً أحسن، فالكلِمات الجميلة المحفِّزة المشجِّعة تعطيهم طاقةً فاعلة، ونشاطًا كبيرًا، ينعكِس إيجابًا على حياتِهم، فتجعلهم واثقين بأنفُسِهم، قادرين على التَّعامُل والتَّفاعل مع الآخرين.

والكلمات المهينة والَّتي تقلِّل من قدْر الابن وفكرِه وفعله، وتذمّ أخطاءَه وعيوبَه - تثبِّطه وتثقله، وقد تجْعله كارهًا لنفسِه وللآخرين، غيرَ قادر على التَّفاعُل أو التَّعاون معهم.

قولٌ معروف:
إنَّ الأمر يحتاج إلى القليل من تعْويد النَّفْس على النَّظر إلى الجانب الجميل في الآخَر، والتَّغاضي عن مواطن القُبْح ومواضع الضَّعف، فتعْويد اللسان على المبادرة إلى الثَّناء على الحسَن من الصفات ليس بالأمْر الصَّعب، ولكنَّه يَحتاج إلى المُمارسة لتعتادَ النَّفس عليه، فعند الرَّغبة في توجيهِ المرء إلى عيْب فيه، من المناسب البدْء بذكْر المحاسن أوَّلاً، حتَّى لو كانت قليلة؛ حتَّى لا تحدث الحزن في نفسِه والوحشة، ثمَّ التورية والإيحاء بعيوبِه وليس مواجهته بها مباشرة.

قال بعض الحُكماء: إذا رأيتَ من أخيك عيبًا فإن كتمتَه عنْه فقد خنته، وإذا قُلتَه لغيره فقد اغتبته، وإن واجهتَه به أوْحشْته، فقيل: كيف نصنع؟ قال: تُكني عنه وتعرِّض به، وتجعله في جملة الحديث.

وليس من المناسب الانتِقاد بشكل دائم، ولا ذكْر المعايب عندما يتطلَّب الموقف المدْح، ومن السيِّئ التطرُّق للسلبيَّات والمساوئ في لحظات الثَّناء على الصِّفات والأفعال الحسنة الحميدة، فذلك ممَّا يفْسِد الحديث وينحو به منحًى بعيدًا عن هدفه.

كما أنَّ النُّصح في الخفاء يؤتِي نتائجَه، بيْنما التَّوجيه والنقد في وجود الآخرين من الأمور المزعجة.
تَعَمَّدْنِي بِنُصْحِكَ فِي انْفِرَادِي وَجَنِّبْنِي النَّصيحَة فِي الجَمَاعَهْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ مِنَ التَّوْبِيخِ لا أَرْضَى اسْتِمَاعَهْ
وَإِنْ خَالَفْتَنِي وَعَصَيْتَ قَوْلِي فَلا تَجْزَعْ إِذَا لَمْ تَلْقَ طَاعَهْ[1]

الكلِمة الطيبة صدقة:
ومِن الناس من وفِّق إلى هذه الصدقة فألْجَم فمَه إلاَّ عن القول الطيِّب الحسن، والبعض عجزَ لسانُه إلاَّ عن لفظ السُّوء من القول.

والإسلام يؤكِّد على انتِقاء الكلِمات والعناية بها، واختيار ما يناسب منها في كلِّ المواضع، فإنَّ الرَّجُل ليتكلَّمُ بالكلِمة لا يلقي لها بالاً يَدْخُل بها الجنَّة، وإن الرَّجُل ليتكلَّم بالكلمة لا يُلقي لها بالاً تهوي به في جهنَّم سبعين خريفًا.

والله تعالى يقول: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة: 263]، ويقول: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 83].

ويحثُّ – سبحانه - على انتِقاء الكلِمات الحسنة في الوعْظ والدَّعوة؛ لتترك أثرًا طيِّبًا وتؤثِّر إيجابًا في النَّاس، فتُقبِل أنفسُهم بحب إلى الإسلام؛ {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].

فاختِيار الكلِمات الحسنة التي لا تؤْذي الآخرين ولا تؤثِّر سلبًا عليْهِم أكثر تأثيرًا وفاعليةً، وخير من إطلاق الكلِمات السيِّئة الفظَّة دون اكتراثٍ؛ لما قد تحْدِثه من إساءة أو جرح في نفوس المتلقِّين، بل الكلِمة الطيِّبة هي التي تجتذِب النُّفوس وتستدرِجُها، أمَّا الخبيثة السيِّئة فتنفرها وتبعدها.

وفي هذا السياق، قامت مديرة إحدى المدارس[2] في مُحاولة لتغْيير نهج المعلِّمات في استِخْدام العبارات المؤلِمة، عند إبداء ملاحظاتِهنَّ لأولياء الأمور حوْل بناتهم، قامتْ بتوْزيع جدول على المعلِّمات بالعبارات البديلة لعبارات الملاحظات غير المحبَّبة.

فبدلاً من استخدام عبارة "مشاغبة" مثلاً، تستخدم عبارة "نشيطة في الحركة".

وبدلاً عن "كسولة"، تستخدم "قليلة التفاعُل" أو "تَخجل من المشاركة"، وهكذا.

وفَّقها الله، فقد أدركتْ أثرَ الكلِمة السيِّئة على التلميذات وأوليائهنَّ، فارتقتْ بأسلوب معلِّماتها، وقد حقَّقتْ نجاحًا مشهودًا لها به.

كما سلكتْ هي نفس هذا المسْلك الجميل في توْجيه المعلِّمات في مدرستها وتقويم أخطائهنَّ، فكان النَّجاح حليفًا لها، وتِلْك حقيقة فالكِلمة الطيبة ترْقى بك وتحبِّب بك مَن حولَك، وتهيئ لك الفرص، وتفتح لك أبواب القبول وأبواب القلوب.

ولكنَّ كثيرًا من النَّاس يجهلون هذا التَّأثير السَّاحِر للكلمة الطيبة على المتلقِّي، والذي يبقى ولا يزول، ويطبع صورة طيِّبة لك في ذاكرة الآخرين؛ لذا احرص على أن تترُك هذا الأثر الطيِّب فيمَن حولك ومَن تتعامل معه.

سلاح ذو حدين:
إنَّ استخدام نفس العبارة يُمكن أن يحمل دلالات مختلِفة باختلاف الأسلوب المصاحِب للكلمة، ونبرات الصوت ودرجته، فتتحوَّل من الدلالة الإيجابيَّة إلى الدلالة السلبيَّة والعكس.

فعبارة "أفْلَحْتَ يا ذكيّ" تَحمل في ظاهرها معنى المديح، لكنَّها قد تدلُّ في سياق آخَر على التهكم "أفْلَحْتَ يا ذكي!"، باختلاف الدلالات التي تُصاحِبها، من نبرة الصَّوت وطريقة النُّطق وتعابير الوجْه.

لذا؛ فالتنبُّه إلى تدعيم الكلمات الطيِّبة بالعناصر الدلالية الطيِّبة يزيد من فاعليَّتها وأثرها الطيِّب، والأجمل من ذلك أن تنبع الكلِمات الجميلة من قلبِك لتصل إلى قلوبِهم.

هذا هو أثر السِّحْر، أليس في أثر السِّحر صرف وعطف؟!
وهذا هو أيضًا أثَر الكلمات، فالطيِّبة تعطِف القلوب إليْك، والسيِّئة تصرِفُها عنك، فاخترْ أي أنواع السحر تُحبُّ أن تُمارس.

ـــــــــــــــــــــ
[1] الأبيات للإمام الشافعي - رحمه الله.
[2] تلك المديرة هي "مها المهنا" مديرة مدارس الإشراق الأهلية بالدمام سابقًا


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟