ومن الرؤيا الظاهرة ما ذكره ابن القيم في كتاب "الروح" أن عمير بن وهب رضي الله عنه أتي في منامه فقيل له: قم إلى موضع كذا وكذا من البيت فاحفره تجد مال أبيك، وكان أبوه قد دفن مالاً ومات ولم يوص به فقام عمير من نومه فاحتفر حيث أمره فأصاب عشرة آلاف درهم وتبرًا كثيرًا فقضى دينه وحسن حاله وحال أهل بيته وكان ذلك عقب إسلامه فقالت له الصغرى من بناته: يا أبت ربنا هذا الذي حبانا بدينه خير من هُبَل والعزى ولولا أنه كذلك ما ورثك هذا المال وإنما عبدته أيامًا قلائل.
قال ابن القيم: قال علي بن أبي طالب القيرواني العابر: وما حديث عمير هذا واستخراجه المال بالمنام بأعجب مما كان عندنا وشاهدناه في عصرنا بمدينتنا من أبي محمد عبد الله البغانشي وكان رجلاً صالحًا مشهورًا برؤية الأموات وسؤالهم عن الغائبات ونقله ذلك إلى أهلهم وقراباتهم حتى اشتهر بذلك وكثر منه فكان المرء يأتيه فيشكو إليه أن حميمه قد مات من غير وصية وله مال لا يهتدى إلى مكانه فيعده خيرًا ويدعو الله في ليلته فيتراءى له الميت الموصوف فيسأله عن الأمر فيخبره به.
فمن نوادره أن امرأة عجوزًا من الصالحات توفيت ولامرأة عندها سبعة دنانير وديعة فجاءت إليه صاحبة الوديعة وشكت إليه ما نزل بها وأخبرته باسمها واسم الميتة صاحبتها ثم عادت إليه من الغد فقال لها: تقول لك فلانة عدّي من سقف بيتي سبع خشبات تجدي الدنانير في السابعة في خرقة صوف ففعلت ذلك فوجدتها كما وصف لها.
قال: وأخبرني رجل لا أظن به كذبًا قال: استأجرتني امرأة من أهل الدنيا على هدم دار لها وبنائها بمال معلوم فلما أخذت في الهدم لزمت الفعلة هي ومن معها فقلت: ما لك؟ قالت: والله ما لي إلى هدم هذه الدار من حاجة لكن أبي مات وكان ذا يسار كثير فلم نجد له كثير شيء فخلت أن ماله مدفون فعمدت إلى هدم الدار لعلي أجد شيئًا، فقال لها بعض من حضر: لقد فاتك ما هو أهون عليك من هذا، قالت: وما هو؟ قال: فلان تمضين إليه وتسألينه أن يبيت قصتك الليلة فلعله يرى أباك فيدلك على مكان ماله بلا
تعب ولا كلفة فذهبت إليه ثم عادت إلينا فزعمت أنه كتب اسمها واسم أبيها عنده فلما كان من الغد بكرت إلى العمل وجاءت المرأة من عند الرجل فقالت: إن الرجل قال لي رأيت أباك وهو يقول المال في الحنية، قال: فجعلنا نحفر تحت الحنية وفي جوانبها حتى لاح لي شق وإذا المال فيه، قال: فأخذنا في التعجب والمرأة تستخف بما وجدت وتقول: مال أبي كان أكثر من هذا ولكني أعود أليه، فمضت فأعلمته ثم سألته المعاودة فلما كان من الغد أتت وقالت: إنه قال لها إن أباك يقول لك احفري تحت الجابية المربعة التي في مخزن الزيت، قال: ففتحت المخزن فإذا بجابية مربعة في الركن فأزلناها وحفرنا تحتها فوجدنا كوزًا كبيرًا فأخذته ثم دام بها الطمع في المعاودة ففعلت فرجعت من عنده وعليها الكآبة فقالت: زعم أنه رآه وهو يقول له قد أخذت ما قُدّر لها وأما ما بقي فقد جلس عليه عفريت من الجن يحرسه إلى من قدّر له.
وذكر ابن القيم أيضًا عن القيرواني أنه ذكر في "كتاب البستان" عن بعض السلف قال: كان لي جار يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان ذات يوم أكثر من شتمهما فتناولته وتناولني فانصرفت إلى منزلي وأنا مغموم حزين فنمت وتركت العشاء فرأيت رسول الله في المنام فقلت: يا رسول الله فلان يسب أصحابك قال: «من أصحابي؟» قلت: أبو بكر وعمر فقال: «خذه هذه المدية فاذبحه بها»، فأخذتها فأضجعته وذبحته ورأيت كأن يدي أصابها من دمه فألقيت المدية وأهويت بيدي إلى الأرض لأمسحها فانتبهت وأنا أسمع الصراخ من نحو داره فقلت: ما هذا الصراخ؟ قالوا: فلان مات فجأة فلما أصبحنا جئت فنظرت إليه فإذا خط موضع الذبح.
قال: وقال محمد بن عبد الله المهلبي: رأيت في المنام كأني في رحبة بني فلان وإذا النبي جالس على أكمة ومعه أبو بكر وعمر واقف قدامه فقال له عمر: يا رسول الله إن هذا يشتمني ويشتم أبا بكر، فقال: «جيء به يا أبا حفص»، فأتى برجل فإذا هو العماني وكان مشهورًا بسبهما فقال له النبي : «أضجعه»، فأضجعه ثم قال: «اذبحه» فذبحه، قال: فما نبهني إلا صياحه فقلت: ما لي لا أخبره عسى أن يتوب فلما تقربت من منزله
سمعت بكاءً شديدًا، فقلت: ما هذا البكاء؟ فقالوا: العماني ذبح البارحة على سريره، قال: فدنوت من عنقه فإذا من أذنه إلى أذنه طريقة حمراء كالدم المحصور.
قال: وقال القيرواني: أخبرني شيخ لنا من أهل الفضل قال: أخبرني أبو الحسن المطلبي إمام مسجد النبي قال: رأيت بالمدينة عجبًا، كان رجل يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فبينا نحن يومًا من الأيام بعد صلاة الصبح إذ أقبل رجل وقد خرجت عيناه وسالتا على خديه فسألناه ما قصتك؟ فقال: رأيت البارحة رسول الله وعلي بين يديه ومعه أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله هذا الذي يؤذينا ويسبنا، فقال لي رسول الله : «من أمرك بهذا يا أبا قيس؟» فقلت له: علي، وأِشرت إليه فأقبل عليَّ عليُّ بوجهه ويده وقد ضم أصابعه وبسط السبابة والوسطى وقصد بها إلى عيني فقال: إن كنت كذبت ففقأ الله عينيك وأدخل أصبعيه في عيني فانتبهت من نومي وأنا على هذه الحال فكان يبكي يخبر الناس وأعلن بالتوبة.
قال: وفي "كتاب المنامات" لابن أبي الدنيا عن شيخ من قريش قال: رأيت رجلاً بالشام قد أسود نصف وجهه وهو يغطيه فسألته عن ذلك فقال: قد جعلت لله علي أن لا يسألني أحد عن ذلك إلا أخبرته به، كنت شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آت من منامي فقال لي: أنت صاحب الوقيعة في، فضرب شق وجهي فأصبحت وشق وجهي أسود كما ترى.
قال: وذكر ابن أبي الدنيا عن أبي حاتم الرازي عن محمد بن علي قال: كنا بمكة في المسجد الحرام قعودًا فقام رجل نصف وجهه أسود ونصفه أبيض فقال: يا أيها الناس اعتبروا بي فإني كنت أتناول الشيخين وأشتمهما فبينما أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آت فرفع يده فلطم وجهي وقال لي: يا عدو الله يا فاسق ألست تسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فأصبحت وأنا على هذه الحالة.
قال: وقال القيرواني: أخبرني شيخ من أهل الفضل قال: أخبرني فقيه
قال: كان عندنا رجل يكثر الصوم ويسرده ولكنه كان يؤخر الفطر فرأى في المنام كأن أسودين آخذين بضبعيه وثيابه إلى تنور محمى ليلقياه فيه قال: فقلت لهما: على ماذا؟ فقالا: على خلافك لسنة رسول الله فإنه أمر بتعجيل الفطر وأنت تؤخره، قال: فأصبح وجهه قد اسودّ من وهج النار فكان يمشي متبرقعًا في الناس.
قال: وذكر مسعدة عن هشام بن حسان عن واصل مولى أبي عيينة عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة قالت: كنت عند عائشة رضي الله عنها فأتتها امرأة مشتملة على يدها فجعل النساء يولعن بها فقالت: ما أتيتك إلا من أجل يدي إن أبي كان رجلاً سمحًا وإني رأيت في المنام حياضًا عليها رجال معهم آنية يسقون من أتاهم فرأيت أبي قلت: أين أمي؟ فقال: انظري، فنظرت فإذا أمي ليس عليها إلا قطعة خرقة، فقال: إنها لم تتصدق قط إلا بتلك الخرقة وشحمة من بقرة ذبحوها فتلك الشحمة تذاب وتطرى بها وهي تقول واعطشاه قالت: فأخذت إناء من الآنية فسقيتها فنوديت من فوقي: مَنْ سقاها أيبس الله يده فأصبحت يدي كما ترين.
قال: وذكر الحارث بن أسد المحاسبي وأصبغ وخلف بن القاسم وجماعة عن سعيد بن مسلمة قال: بينما امرأة عند عائشة إذ قالت: بايعت رسول الله على أن لا أشرك بالله شيئًا ولا أسرق ولا أزني ولا أقتل ولدي ولا آتي ببهتان أفتريه من بين يدي ورجلي ولا أعصي في معروف فوفيت لربي ووفا لي ربي فوالله لا يعذبني الله، فأتاها في المنام ملك فقال لها: كلا، إنك تتبرجين، وزينتك تبدين، وخيرك تكندين، وجارك تؤذين، وزوجك تعصين، ثم وضع أصابعه الخمس على وجهها وقال: خمس بخمس ولو زدت زدناك، فأصبحت وأثر الأصابع في وجهها، قلت: وقد روى هذه القصة الحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "دلائل النبوة" بسياق غير هذا السياق وتقدم ذكرها فلتراجع.
قال ابن القيم: وذكر مسعدة في كتابه في الرؤيا عن ربيع بن الرقاشي قال: أتاني رجلان فقعدا إلي فاغتابا رجلاً فنهيتهما فأتاني أحدهما بعدُ فقال:
إني رأيت في المنام كأن زنجيًا أتاني بطبق عليه جنب خنزير لم أر لحمًا قط أسمن منه فقال لي: كُلْ، فقلت: آكل لحم خنزير، فتهددني فأكلت فأصبحت وقد تغير فمي فلم يزل يجد الريح في فمه شهرين.
قال: وكان العلاء بن زياد له وقت يقوم فيه فقال لأهله تلك الليلة: إني أجد فترة فإذا كان وقت كذا فأيقظوني فلم يفعلوا، قال: فأتاني آت في منامي فقال: قم يا علاء بن زياد اذكر الله يذكرك وأخذ بشعرات في مقدم رأسي فقامت تلك الشعرات في مقدم رأسي فلم تزل قائمة حتى مات، قال يحيى بن بسطام: فلقد غسلناه يوم مات وإنهن لقيام في رأسه.
قال: وكان نافع القاري إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك فقيل له: كلما قعدت تطيبت، فقال: ما أمس طيبًا ولا أقربه ولكن رأيت رسول الله في المنام وهو يقرأ في فمي فمن ذلك الوقت يشم من في هذه الرائحة.
قال: وكان سماك بن حرب قد ذهب بصره فرأى إبراهيم الخليل في المنام فمسح على عينيه وقال: اذهب إلى الفرات فانغمس فيه ثلاثًا ففعل فأبصر.
قال: وكان إسماعيل بن بلال الحضرمي قد عمي فأتي في المنام فقيل له: قل يا قريب يا مجيب يا سميع الدعاء يا لطيف بمن يشاء رد علي بصري، قال الليث بن سعد: أنا رأيته قد عمي ثم أبصر.
وروى الخطيب في "تاريخه" عن عبد الله بن محمد بن إسحاق السمسار قال: سمعت شيخي يقول: ذهبت عينا محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال لها: يا هذه قد ردّ الله على ابنك بصره لكثرة بكائك أو لكثرة دعائك، قال: فأصبح وقد رد الله عليه بصره، وقد ذكر هذه القصة الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" من رواية غنجار في تاريخ بخارى واللالكائي في "شرح السنة" في "باب كرامات الأولياء".