عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2009-12-22, 5:14 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
ولكن ليس معنى أنَّ الإسلام أباح الطَّلاق أنَّه جعله حلاًّ سريعًا لكلّ المشاكل؛ لأنَّ النُّصوص اجتمعت على الوعيد الشَّديد لمن ضيَّع الرعيَّة، ومنها هذا الحديث في البُخاري: حدَّثَنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثَنا أبو الأشْهَب، عَن الحَسَنِ: أنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيادٍ عادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسارٍ في مَرَضِه الَّذِي ماتَ فِيه، فقالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إنِّي مُحَدِّثُكَ حَديثًا سَمِعْتُه مِن رَسولِ اللَّه - صلَّى اللَّهُ علَيْه وسلَّم - سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلَّى اللَّهُ علَيْه وسلَّم - يَقولُ: ((ما مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فلَمْ يَحُطْها بِنَصِيحَةٍ إلاَّ لَمْ يَجِدْ رائِحةَ الجَنَّة))؛ كتاب الأحكام، باب مَن استرعى رعيَّة فلم ينصح.

إنَّ الطَّلاق في هذا الزَّمان بالذَّات ضياع للأسرة، لاسيَّما لو كان هناك أطفال، فاستقرار الأسرة وثباتها يَحتاج لجهد واجتهاد وصبر ومثابرة، حتَّى إذا كان الطَّلاق هو المصْلحة الرَّاجحة بَحثْنا عنْه، أمَّا أن يكون الطَّلاق هو الأقْرب والأسْهل في الحلّ، فهذا خُلُق أناني من أحَد الطَّرفين، وأحيانًا من كليهِما.
فكيف يفكِّر زوجٌ أو تفكِّر زوجة في أوَّل شهر من الزَّواج عند أوَّل بادرة لمشْكِلة في الطَّلاق؟! إنَّ هذا من الحمْق ولا شكَّ؛ لأنَّ المشاكل ستحدُث وتتكرَّر، فحتَّى بين الإخوة من أبناء البيْت الواحد يحدث الشَّحناء والاختلاف، لكن سكّين الأهل - والزَّوجان صارا أسرة واحدة - باردة لا تذبح، والزَّمن يُداوي كثيرًا من الجراح، لكن الحذَر الحذَر ممَّن أصرَّ على سنِّ السكِّين حتَّى صارتْ حادَّة تقطع الرّقاب!

فإن كان الزَّوج والزَّوجة كلاهما كانت تقَع المشاكل بينه وبين إخوانه في بيْت أهله، بل بيْنه وبين أبيه وأمِّه وهو قطعة من جسدهما، فكيْف بِهِما مع رفيق غريب لم يتعارفا ولَم يتآلفَا؟! ولكن جعل الله بيْنهما المودَّة والرَّحمة؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 30]، فإذا التزماها التزمتهما.

فالمودَّة هي الحبّ الَّذي به ينصهر الصّعاب والمشاكل في بوْتقة من الأُلْفة والاحتِمال، والرَّحمة هي الشَّفقة واللّين للآخر.

فما أحسن أن يكون الزَّوج: "إنْ دَخَلَ فَهِدَ، وإنْ خَرَجَ أسِدَ، ولا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِد[2]!

وجاء في شرح النووي: "هذا أيضًا مدح بليغ، فقولها: فهِد - بفتْح الفاء وكسر الهاء - تصِفُه إذا دخل البيت بكثْرة النَّوم والغفلة في منزله عن تعهُّد ما ذهب من متاعه وما بقي، وشبَّهته بالفهْد لكثرة نومه، يقال: أنوم من فهد، وهو معنى قولها: (ولا يسأل عمَّا عهِد)؛ أي: لا يسأل عمَّا كان عهده في البيت من ماله ومتاعه، وإذا خرج أسِد - بفتح الهمزة وكسر السين - وهو وصفٌ له بالشَّجاعة، ومعناه: إذا صار بين النَّاس أو خالط الحرْب كان كالأسد". اهـ من شرح النَّووي.

فلوْ تغافل كلٌّ من الزَّوجين عن عيوب رفيقِه، والتمس له الأعذار، وقلَّل من نقْدِه واعتراضه على رفيقه، فإنَّ كثرة النَّقد تثير الضَّغائن، وبالتَّغاضي عن الزَّلل تصير الحياة الزوجيَّة جنَّة الدنيا، وكما قال الشَّاعر:

أَقْلِلْ عِتَابَكَ فَالبَقَاءُ قَلِيلُ وَالمَرْءُ يَعْدِلُ تَارَةً وَيَمِيلُ

فها هنا طِيب الكلام وحُسْن العِشْرة والوئام قد اجتمعا مع التَّغاضي والإحسان، وبهذا يمرّ العام الأوَّل وقد صار الحجران أملسَين كأحسنِ ما يكون، بل انصهَرَا في بوتقة واحدة من الودّ والرَّحمة، وانظر إلى هذا المقطع من حادث الإفك المشْهور، وهذا لفظ البخاري:
"فدعا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بَريرةَ، فقال: ((أي بريرةُ، هل رأيتِ من شيء يَريبُك؟)) قالت له بريرة: والَّذي بعثَكَ بالحقِّ ما رأيت عليْها أمرًا قطّ أغمصُه، غير أنَّها جاريةٌ حديثةُ السّنِّ تنام عن عجين أهلِها، فتأتي الدَّاجن فتأكله".

ورغْم هذا العيبِ الَّذي ذكرته بريرةُ في السيدة عائشة غير أنَّها كانت أحبَّ نسائِه إليه، ولم يخجل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو الحييّ كالعذراء في خدرها بل أشد - أن يَجهر بحبِّه لها أمام رجُل آخر، وها قد انتشر الحديثُ فينا، فكم رجُلٍ قرأَه! وكم رجُل سمعه!

ففي البخاري – المناقب -: عَن أبي عُثْمانَ قال: حدَّثَني عَمْرُو بْنُ العاصِ - رضِيَ اللَّهُ عَنْه -: أنَّ النَّبِيَّ - صلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسلَّم - بَعَثَهُ على جَيْشِ ذاتِ السّلاسِل، فأتَيْتُه فقُلْتُ: أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إلَيْك؟ قالَ: ((عائِشةُ))، فقُلْتُ: مِن الرِّجالِ؟ فقالَ: ((أبُوها)) قُلْتُ: ثُمَّ مَن؟ قَالَ: ((ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب))، فَعَدَّ رِجالاً.

ولوِ استقصيْنا أحوال النَّبيّ - صلَّى لله عليه وسلَّم - مع أزْواجه، لطال الحديث، فانظر مأجورًا غير مأمور كتابَ "المسند الصَّحيح في الشَّمائل المحمديَّة" لأمّ عبد الله الوادعيَّة.

إذًا؛ نُجْمِل النُّصح لِمَن تزوَّج حديثًا في الآتي:
فهْم الحياة الزَّوجيَّة ومسؤوليَّاتها، وتقْدير ذلك بعقلانيَّة؛ فهي ليستْ نزهةً ولا صداقة نقْضي فيها أيَّامًا للَّعب والمرَح، حتَّى إذا جدَّ الجِدُّ صدمنا الواقع المرير وهربنا من المسؤوليَّات الجسيمة.
ومن الأوَّل يتولَّد الثَّاني، وهو الشَّفقة على الرَّفيق ممَّا ألمَّ بِكلٍّ منهما من مشقَّة الانتِقال من حالٍ إلى حال، ومن ثمَّ التماس الأعْذار والتَّغاضي عن العيوب والإحسان إلى الرَّفيق.
الودّ والرَّحمة بين الزَّوجين، وتلطُّف كلٍّ منهُما لصاحبه، واختِيار الألفاظ الحسنة والأفعال الطيِّبة لإهدائها لرفيق العمر، ومن أهمّ هذه الأفْعال التودُّد لأهل كلٍّ منهما.
توْطين النفس على أنَّ هذه هي حياتنا ليس لنا مخرج منها إلاَّ بالموت، فالطَّلاق ليس الحلَّ الأقْرب، بل هو غير واردٍ في تلك الحياة الجديدة، إلاَّ إذا لم يكُن ثمَّ غيره يصلح كحلٍّ.
مُحاولة تخفيف الجفاف والإحباط الذي يحلّ كثيرًا في الحياة الزَّوجيَّة بشيءٍ من التَّغْيير - ولو يسيرًا - فالحياة قصيرةٌ، فلا ينبغي أن نحوِّلها جحيمًا أوَّل مَن يعذّب به هو مَن أشعله.
فها هي السَّعادة قريبة وليست بعيدة، ولا يقل أحدُنا: ليس العيب منّي بل من رفيقي، فابدأْ بنفسك مع رفيقك، ولا تقُل: يجب أن يبدأ هو، فالأمر ليس حربًا نُريد أن نكون نحن الفائِزِين فيها، بل هي معاشرة بالحُسْنى وحياة جميلة نَعيشها مرَّة واحدة، والفائز فيها ليْس مَن غلَب رفيقَه، بل مَن فاز برفيقه وحبِّه واحترامه.
وقد يكون أحَدُ الزَّوجين أكثر محاولةً من الآخَر، وقد يَجد أحدُهُما صدًّا من صاحبِه، فهذا يَحتاج إلى نصائحَ أزْيَدَ ممَّا سبق، لكن لا يختلف اثْنان عن أهمّيَّة ما سبق.

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 30].


ــــــــــــــــــــــ
[1] ليست دعوةً لعدم التَّنازل من جانب المرأة، بل هي نوع من تلْيين جانب الرَّجُل على امرأته، ولتعلمْ كلُّ امرأة أنَّ تنازلها في كثير من الأحيان يكون أبلغَ من تنازُل الرجل، ويمثِّل قمَّة القوَّة ورفيع الخلق.
[2] حديث أم زرْع المشهور، وهو صحيح، واللَّفظ المنقول لمسلم.


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟