عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2009-12-15, 5:55 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي
الوقفة الخامسة:
أنَّ هذه المتغيرات والكوارث لا تقع إلا بحكمةٍ من الله وعدل منه؛ {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصِّلت: 46].

قد دلّنا كتابُ الله أنَّ للعذاب أسبابًا ، وأن ذلك غير منفكٍّ عن الإيمان، فينبغي التفرقة فيمن حلت به تلك المواجع.

فإنْ نزلت بأرض المعرضين عن دين الله، المكذبين رسالةَ نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهي عذابٌ وعقوبةٌ؛ قال سبحانه: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: 49].

وبسبب الكفر والعناد والإعراض حل البطشُ الإلهي على الأمم السابقة؛ {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].

وإن حلَّت الكوارث بديار إسلامية، فإنَّ الواجبَ النظر إلى هذه المواجع بمنظارين:
أولاً: بمنظار الابتلاء، وأنَّها تمحيص لأهل الإسلام، وتكفير لسيئاتِهم، ورفعةٌ لدرجاتهم، وامتحان لإيمانهم، وتسليمهم لمكاره الأقدار.

قد صحَّت الأخبار عن المصطفى المختار أنَّه قال: ((لا يبرح البلاء بالمؤمن والمؤمنة، حتى يَمشي على الأرض وليس عليه خطيئة)).
((وما يصيب المؤمن من همٍّ ولا غَمٍّ ولا حُزْن، حتى الشوكة يُشاكها؛ إلا كَفَّر الله بها من خطاياه)).
((إذا أراد الله بعبده خيرًا، عَجَّلَ له العُقُوبة، وإذا أراد بعبده شرًّا، أمسك عنه بذنبه، حتَّى يُوافِيَ به يوم القيامة)).

فليس كل كارثةٍ إذًا هي عُقُوبة، بل قد تكون رحمة لأهلها، وقد وقعت بلايا وكوارث في عصور السَّلف؛ فحصل عام المجاعة، وحدث طاعون عَمَوَاس في عهد عمر، وفي أهله من الخير والصَّلاح ما ليس في غيرهم.

ثانيًا: أنَّ ينظر إلى هذه المواجع بمنظار الإنذار، وأنَّها قد تكون عقوبةً لتقصيرات حدثت، ومنكرات حلَّت، فيخاف العبد المسلم أن تكون هذه البلايا بما كسبت أيدي الناس؛ قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورى: 30].

نعم، لا يُجزم في كارثة وقعت على مسلمين بأنَّ ذلك بسبب خطاياهم خاصة؛ وإنَّما الواجب أنْ يُحاسب أفراد المجتمع أنفسَهم، ويصلحون ما أفسدوا؛ خشيةَ أن تكون تلك عقوبة وقعت بديارهم، وهم لا يشعرون.

الوقفة السادسة والأخيرة:
أنَّ التحذير من المعاصي وقت المحن لا يعني اتِّهام الغير بالتقصير، ورميهم بالفسق؛ فهل كان الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين خاف عذاب ربِّه، وحذر الناس من المعاصي - متَّهمًا لأصحابه بالسوء أو حاكمًا عليهم بالانحراف؟!

هل مجتمعنا اليومَ خيرٌ من مجتمع محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصحابته الكرام؟!

فيا أيها الذين آمنوا:
ها هي المحن من حولكم تستعتبكم، فتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.

استدفعوا البلاءَ بكثرة الاستغفار؛ {... وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].

واتقوا كوارث الدَّهر بالتغيير والإصلاح؛ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117].

كونوا من أولي البقية الذين ينهوَن عن الفساد في الأرض، أكثروا من صدقة السر، فهي تطفئ غضبَ الرب، تبرعوا للمستضعفين المحتاجين والآنِّين.

ارجعوا إلى ربكم حقًّا وصدقًا، كما رجع خيار أمتكم، الذين جمعوا العملَ الصالح مع الخوف من الله في أزماتهم.

ونعوذ بالله أن نكونَ مِمَّن جمع الخطايا مع الأمن من مكر الله.
نعوذ بالله أن نكون ممن عَمِيَت بصائرهم، فغرَّتْهم الدنيا عن الدين.
نعوذ بالله أن نكون ممن قال الله فيهم: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة: 126].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.




فيا إخوة الإيمان:
إنَّ المتأمل في حياة البشرية في عصورهم المتأخرة لَيَرى بعين البصر والبصيرة كثرةَ الكوارث على أهل الأرض: "زلازلُ مدمرة، براكينُ مفجعة، حروبٌ طاحنة، فيضانات مشرِّدة، أعاصير مروِّعة، أزمات اقتصادية مفقرة، أوبئة مميتة"، وألوانًا أخرى من الغِيَر، ما عرفتها البشرية بهذا الحجم المتتابع المتسلسل.

وإنَّ مما يُؤسف له أن يكون التفسير المادي لهذه الكوارث هو الأعلى صوتًا في إعْلاَم المسلمين.

فالأعاصير: بسبب تيار هوائي.
والغبار: بسبب منخفض جوي.
والطوفان: سببه زيادة منسوب الماء.

وهكذا كل ظاهرةٍ تفسَّر تفسيرًا ماديًّا صِرْفًا.

فأين مدبِّرها؟! أين مصرِّفها؟! أين خالقها؟! أين القهار موجدها؟!

إينَّ قولَ العظيم الجبَّار: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].

هذه التفسيرات الحسية القاصرة لا تُحرِّك القلوبَ إلى ربِّها، وإنَّما هي سبب من أسباب الغفلة، وقسوة القلب، وقلة الاتعاظ.

معاشر المؤمنين:
ومع كلِّ كارثة وخَطْبٍ نسمع الكلمة الصادقة والنُّصح المشفق من العُلماء وطلاب العلم، يُصبِّرون الناس على المصائب، ويذكِّرون بالله، ويحذرون من المعاصي بأدلة واضحة صريحة مفهومة، فما حلَّ بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة.

ومع ذلك نرى في الجهة أقليةً من الموتورين المشككين يسفِّهون قولَ الناصحين، ويُقزِّمون رأيهم، ويتهمون نواياهم.

فأحدهم: يرى أنَّ هذا استغلالٌ للأوجاع؛ لتمرير الفكر المتطرف.
وآخر: يرى أن هذا استغلالٌ (أيديولوجي) للكوارث.
وآخر يقول: أنا – شخصيًّا - أعتبر ذلك إرهابًا فكريًّا، واستغلالاً لنصوص الدين.
ورابع: يَعُدُّ أن ربط الكوارث بالذنوب هو بسبب سيطرة الأفكار القديمة، وليته سَمَّى لنا هذه الأفكار القديمة، وأول من قال بها.

لا ندري والله، لماذا يأْنَف هؤلاء أن يحذر الناس من المعاصي والمنكرات؟!

لماذا يشرقون حين يطالب بإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومُحاربة الفساد والمفسدين؟!

لماذا يكرهون أن يسمعوا عبارة: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}، وقد قالها الله لأصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165].

عباد الله:
لقد شوش هؤلاء، ولَبَّسوا في قضية رَبْط الكوارث بالمعاصي بشبه يضيق المقام عن مناقشتها، ولعلَّ أبرز ما ردَّده هؤلاء شبهتان :
الشبهة الأولى: أنَّ هناك بلادًا أفجر وأفسق، فلماذا لم تنزل بها هذه الكوارث المؤلمة؟

وإننا لنعجب من جُرأة هؤلاء على الله، فهل هذا الطرح هو محاسبةٌ لأفعال الله؟! {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، هل نَسِيَ هؤلاء أنَّ العذاب قد يؤجل على الكافرين؟! {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم: 45]، {فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطًّارق: 17]، وفي الحديث: ((إنَّ الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)).

هل تغافل هؤلاء أن العقوبة قد تكون معنوية، أنْ يطمسَ الله على قلوبهم، فلا يهتدون إلى سواء السبيل؛ كما طبع الله على قلوبِ اليهود، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، [بل طبع الله على قلوبهم فهم لا يهتدون] .

وأمَّا الشبهة الأخرى التي ردَّدَها هؤلاء المشككون، فتقول:
ما ذَنبُ الأبرياء من النساء والأطفال حين تقع عليهم هذه الكوارث، كيف يؤخذ هؤلاء بجريرة غيرهم؟!

وأما هذا التلبيس يقال له:
أولاً: ليس كل من وقع عليهم العذاب هو مُستحق للعقوبة، فقد يصاب المؤمن بعذاب لحكم أرادها الله من تكفير السيئات، ورفعة الدَّرجات، ولا يعني ذلك أنه مستحق للعقوبة، وقد قال الله - تعالى - على لسان نبيه أيوب: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41].
ثانيًا: إن الله - سبحانه - أوقع العقوبات على الأمم السابقة، فأغرق قومَ نوح، وأهلك عادًا بالريح، وثَمود بالصيحة، وغيرَهم، وفيهم الأطفال والبهائم.
ثالثًا: إنَّ العقوبات الإلهية إذا وقعت تنزل عامَّة، فيهلِك فيها الأبرياءُ؛ ( أنهلِك وفينا الصالحون: قال: ((نعم، إذا كثر الخَبَث)).

فالصالحون هم من الأبرياء، ومع ذلك حل عليهم الهلاك، وقد أخبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن خسف في آخر الزَّمان، وأنْ يذهبَ ضحيته المجبور، وابن السبيل، والمستبصر، فيهلكون جميعًا، ويبعثهم الله على نياتهم؛ خَرَّجه مسلم.

نسأل الله - تعالى - أنْ يُريَنا الحق حقًّا ويرزقنا اتِّباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يجعلنا ممن يتعظ بالْمَثُلات، ويعظِّم الله حقَّ التعظيم، وأنْ يهديَنا سواء السبيل، وأن يحفظنا من طوارق الدهر وفواجع الزمان، إنَّه سميع قريب مجيب.

صلوا بعد ذلك على نبيكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسلموا.


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟