عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 7  ]
قديم 2009-12-13, 11:22 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي

10- وصف الصَّدر بالابتلاء: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 154]، فجعل الابتِلاء وهو الامتِحان والاختبار بالسرَّاء والضَّرَّاء للصُّدور، أمَّا التَّمحيص فهو التَّطهير والتَّصفية، "يقال في إبراز شيء عمَّا هو متَّصل به"[77].

وقال بعض أهل التفسير في معناه في الآية: إبانة ما في القلوب من الاعتقاد لله ولرسوله وللمؤمنين[78]، وما في القلوب معرفي؛ فكان لا بدَّ أن يظهر علنًا بالأعمال الظاهرة، فلا يكتمل التَّمحيص إلا بالابتلاء؛ أي: باختبار الأعمال الصَّادرة عن علم سابق.

فالابتِلاء يكون سببًا في تمحيص ما في القلوب؛ وذاك أنَّ الابتلاء لا يكون إلاَّ للظَّاهر، أمَّا التَّمحيص فلِلباطن، فهو كالتَّزكية والتَّطْهير، "تقول: محَّصتُه إذا أزلتَ عنْه ما يشوبه من خبث"[79].

وهذا مناسب لما أوردْنا سلفًا؛ فالصَّدْر محلّ الإسلام، والفرْق بيْنه وبين الإيمان أنَّه يمثل الأعمال الظَّاهرة باستِسلام الجوارح للطَّاعة، فهو علانية، والإيمان يمثل المعتقدات ومحلّه القلب - كما سبق - والعقيدة من البواطن، فكان الابتِلاء للصَّدْر محلّ الإسلام وهو علانية، والتَّمحيص للقلْب محلّ الإيمان وهو خفيّ باطن.

ووصف بمثل ذلك الصدْر بالتَّحصيل: {أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات: 10]؛ أي: أُظْهِر ما فيها كإظهار اللّبّ من القشْر وجمعه[80]، واللّبّ هنا هو القلْب، والقشر الصدْر، فالتَّحصيل إخراج المحتوى من بين الحاوي، فالحساب كان على ما حوَتِ الصُّدور.

11- وصف الصَّدر بالرهبة: {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ} [الحشر: 13]؛ والرهبة أشدُّ من الخوف، فهي طول واستِمْرار الخوف، ومن ثَمَّ قيل للرَّاهب: راهب؛ لأنَّه يُديم خوفه[81].

أمَّا القلب فوصف بالخوف والخشية والرُّعب، فدل على أنَّ الخوف انتشر من الجزء وهو القلب؛ ليشمل ما يحيط به، وهو الصدر، فينفذ لجميع الجسْم ويستمرُّ معه.

12- وصف الصدْر بالشِّفاء: {قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس: 57]، وهو القرآن يشْفي من أمراض الشهوات الصادّة عن الانقياد للشرع، ومن أمراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني[82].

فالقلب وصف بالمرَض وأعراضه، أمَّا الصدر فوُصِف بالشفاء، لكن السياق كان "لما في الصدور" وما في الصدور هي القلوب، أو العلوم وخفايا الاعتِقادات والنوايا.

لعلَّ ذلك أنَّ المرض من بواطن المشاعر، وكنِّي به عن النفاق وهو خفي، أمَّا الشفاء فيظهر في صلاح الأعمال والاستِسلام بالطاعة، وهذه من الظَّاهر وهو الإسلام، فالأحْوال المعاينة إن كانت صالحة بانَ عليها الخير فعلاً وإرادته، أمَّا الأمراض فمبدأ الشعور بها داخلي ثمَّ يتجلَّى على الجوارح والأفعال - والله أعلم.

وفي آيةٍ أُخْرى: {وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]، فقلوب المؤمنين لا علَّة بها من نفاق أو أمراض، بل بها غيْظ وحنَق على الأعداء، أصابها بالهَمّ والغمّ، فقتْل الأعداء وانتصار المؤمنين المجاهدين شفاءٌ لإخوانِهم من الهمّ والغمّ، فالشِّفاء هنا كذلك كان لمقدّمة القلب الصدر، والقلب كانت علَّته الغيظ، وهي من خصائصه دون الصدر.

وخلاصة ذلك: أنَّ الصَّدر يحوط بالقلب، والذي يدخل فيه قلَّما يشعر به في حينه، وهو موضع نور الإسلام، وموضع حفظ العلم المسموع، من أحكام وأخبار، وموضع دخول الغل، والشهوات والمُنى، والحاجات، وهو يضيق حرجًا أحيانًا، وينتشر أحيانًا أُخرى، وهو موضع ولاية النَّفس الأمَّارة بالسوء، ودخول الوساوس وآفات الخواطر، وسمِّي الصدْر صدرًا لأنَّه صدر القلْب وأوَّله ومقدمته، ولأنَّ منه تصْدر الحوائج والوساوس والخواطر نحو القلْب، وهو مستقرُّها والمتدبِّر لها والمتفكر فيها، فلا انفِكاك بين الصدر والقلب، ولكل واحد رابط مع الآخر، وإن كان لكلٍّ خصائص مغايرة لكنَّها متكاملة، مثل انشِراح الصدر يؤدِّي إلى هداية القلب، ويترتَّب على ذلك السكينة والطمأنينة وسلامة القلب، كما أنَّ ضيق الصدر يؤدي إلى مرض القلب وقسوته فيعمَى عن الهداية.

ـــــــــــــــــــــ
[1] تيسير الكريم الرحمن، السعدي: ص 420.
- زبدة التفسير، سليمان الأشقر: ص 356.
[2] القاموس، الفيروزآبادي: ص 127.
[3] الكليات، الكفوي: ص 754.
[4] التعريفات، الجرجاني: ص 203.
[5] الكليات، الكفوي: ص 754.
[6] منهجية التفكير العلمي في القرآن الكريم، خليل الحدري: ص 54.
[7] صحيح البخاري، البخاري: ج1، ص 34.
[8] هو أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين بن حجر، من أئمَّة العلم، أصله من عسقلان بفلسطين، ومولده سنة 773هـ بالقاهرة وتوفِّي عام 852هـ بالقاهرة، أصبح حافظ الإسلام في عصره، انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتْها الملوك.
- الأعلام، الزركلي: ج9، ص 178.
[9] فتح الباري، ابن حجر العسقلاني: ج1، ص 128.
[10] القلب ووظائفه في الكتاب والسنَّة، سلمان زيد سلمان اليماني، دار ابن القيم، الرياض: ط (1)، 1994، ص 146.
[11] غرائب القرآن ورغائب الفرقان، نظام الدين النيسابوري، تح: إبراهيم عوض، دار الحلبي، دمشق، ط( )، دت: ج1، ص 158.
[12] إصلاح الوجوه والنظائر، الدامغاني: ص 388.
[13] إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي: ج3، ص4.
[14] بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ج4: ص 289.
[15] قال القرطبي في معنى "قلب" في الآية: أي: عقل يتدبر به، فكنَّى بالقلب عن العقل لأنَّه موضعه.
جامع الأحكام، القرطبي: ج17، ص23.
وقال صديق خان: وقيل: القلب نفسه؛ لأنه إذا كان سليمًا أدرك الحقائق وتفكَّر كما ينبغي.
فتح البيان، صديق خان: ج9، ص110.
[16] يوضح ذلك في مفهوم العقل.
[17] نلمح إلى التأمل في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [النساء: 63]، فحرف المعنى "في" يوحي بأن القلب جِرْم حاوٍ، وما يعلمه الله هو الاعتقادات والرغبات الكامنة فيه، فالعلم يقتضي معلومًا، فدل على أنَّ القلب حاوٍ لمعلوم، منه ما هو مكنون فيه لا يُخرجه، ومنه ما يخرج باللَّفظ أو الفعل، فدلَّ على أنَّ موضع المعلومات القلب.
[18] جمهرة اللغة، ابن دريد: ج3، ص 243.
[19] مجمل اللغة، ابن فارس: ج3، ص 711.
[20] الكليات، الكفوي: ص 696.
[21] وفيه قول أن أصل الفأد الحركة والتحريك، ومنه اشتق الفؤاد؛ لأنه ينبض ويتحرك دائمًا، ورجحه الزبيدي عن الفيروزآبادي.
- تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تح: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط (1)، 1994: ج2، ص448.
[22] تفسير القرآن الكريم، ابن كثير: ج2، ص 715.
[23] تفسير التحرير والتنوير، ابن عاشور: ج7، ص232.
[24] فتح البيان، صديق خان: ج7، ص97.
[25] دليل الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد بن حسين الطباطبائي، تح: إلياس كلانتري، تر: عباس ترجمان، المؤسسة الإعلامية، بيروت، ط (1) 1983: ج13، ص 93.
[26] المفردات، الراغب: ص 248.
[27] المرجع نفسه: ص59.
[28] زاد المسير، ابن الجوزي: ص 1362.
[29] التفسير الكبير، الرازي: ج24، ص 229.
[30] الكشاف، الزمخشري: ج3، ص 158.
[31] لسان العرب، ابن منظور: ج15، ص 370.
[32] تيسير الكريم الرحمن، السعدي: ص 402.
[33] جامع الأحكام، القرطبي: ج9، ص 373.
[34] بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي: ج2، ص 416.
[35] الضحاك هو ابن مزاحم البلخي الخراساني، من كبار أهل التفسير، توفي 105هـ.
- الأعلام، الزركلي: ج3، ص 215.
[36] ابن جريح هو: عبدالملك بن عبدالعزيز، فقيه الحرم المكي، توفي 150هـ.
المرجع نفسه: ج4، ص 160.
[37] تفسير البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، دار الفكر، القاهرة، ط (2)، 1983: ج5، ص 374.
[38] تيسير الكريم الرحمن، السعدي: ص 246.
[39] المرجع السابق: ص 246.
[40] دليل الميزان، الطباطبائي: ج13، ص 93.
[41] باتفاق العلماء أن السمع والبصر كقوَّة إدراكية هي بالنفس – أي: القلب - أمَّا الجوارح فنواقل مكيّفة لذلك.
[42] إحياء علوم الدين، أبي حامد الغزالي: ج3، ص (16 - 17).
[43] إعلام الموقعين، ابن القيم: ج2، ص 124.
[44] دليل الميزان، الطباطبائي: ج14، ص 390.
[45] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: ج3، ص 381.
[46] قال سليمان اليماني: "الفؤاد وإن كان مغايرًا للقلب؛ إلا أنه جزء منه".
ونقل عن الحكيم الترمذي في كتابه "بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب": "مثل الفؤاد في القلب كمثل الحدقة في سواد العين... وهذا الفؤاد موضع المعرفة وموضع الخواطر وموضع الرؤية، وكلَّما يستفيد الرجل يستفيد فؤاده أوَّلا ثم القلب، والفؤاد في وسط القلب، كما أنَّ القلب وسط الصدر".
- القلب ووظائفه، سلمان اليماني: ص58.
[47] الكليات، الكفوي: ص 898.
[48] جمهرة اللغة، ابن دريد: ج1، ص 38.
[49] القاموس، الفيروزآبادي: ص 133.
[50] مقاييس اللغة، ابن فارس: ج2، ص 454.
[51] مدارج السالكين، ابن القيم: ص 442.
[52] قال الرازي في معنى اللب: "فاعلم أن لباب الشيء ولبَّه هو الخالص منه، ثم اختلفوا بعد ذلك، فقال بعضهم: إنَّه اسم للعقل؛ لأنه أشرف ما في الإنسان، والذي تميز به الإنسان عن البهائم، واستعد به للتمييز بين خير الخيرين، وشر الشرين.
وقال آخرون: إنَّه في الأصل اسم للقلْب الذي هو محلّ العقل، والقلب قد يجعل كناية عن العقل؛ {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37]، فكان اللب هنا كناية عن العقل؛ أي: يا أولي العقول، وإطلاق اسم المحلّ على الحالّ مجاز مشهور، فإنَّه يقال لمن له غيرة وحمية: فلان له نفس"؛ "التفسير الكبير"، الرازي: ج5، ص 184.
[53] المفردات، الراغب: ص 59.
- نلاحظ في تعاملنا مع القلب أننا نستعمل مصطلح "الأداة"، وهو القلب بجانبه الجسمي والروحاني، و"القوى" وهي الوظائف الموجودة بالقلب، وتمثل الجانب الروحاني المدرك للعلوم فيه، وهذه القوى لكل واحدة "وظيفة" خاص بها، فهناك القوى الإدراكية والقوى الإرادية، كما بينما من قبل.
[54] جامع البيان، الطبري: ج18، ص 119.
[55] مدارج السالكين، ابن القيم: ص 129.
[56] حاشية الشهاب؛ المسماة: "عناية القاضي وكفاية الراضي" على تفسير البيضاوي، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي، تخريج: عبدالرزاق المهدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط (1)، 1997م، ج1، ص 526.
[57] دليل الميزان، الطباطبائي: ج14، ص390.
[58] التفسير الكبير، الرازي: ج12، ص 46.
[59] لسان العرب، ابن منظور: ج4، ص 445.
[60] القلب ووظائفه، سلمان اليماني: ص 69.
[61] المفردات، الراغب: ص280.
[62] القلب ووظائفه، سلمان اليماني: ص 76.
- نقلاً عن: بيان الفرق بين القلب والصدر، الحكيم الترمذي: ص 35.
[63] أخرجه البخاري: 100، ومسلم: 2673، قال الذهبي: هذا حديث ثابت متصل الإسناد.
- سير أعلام النبلاء، الذهبي: ج6، ص36.
[64] لسان العرب، ابن منظور: ج2، ص 498.
[65] التفسير الكبير، الرازي: ج16، ص3.
[66] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: ج2، ص 174.
[67] تيسير الكريم الرحمن، السعدي: ص 250.
[68] التفسير الكبير، الرازي: ج13، ص 38.
[69] المرجع السابق: ج7، ص 182.
[70] القاموس، الفيروزآبادي: ص 1165.
[71] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: ج2، ص 175.
[72] جامع الأحكام، القرطبي: ج7، ص160.
[73] زاد المسير، ابن الجوزي: ص 467.
[74] الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري: ص 93.
[75] الكليات، الكفوي: ص 454.
[76] القاموس المحيط، الفيروزآبادي: ص 848.
[77] الكليات، الكفوي: ص 697.
[78] زاد المسير، ابن الجوزي: ص 232.
[79] المفردات، الراغب: ص 466.
[80] المرجع نفسه: ص 129.
[81] الفروق اللغوية، أبي هلال العسكري: ص 200.
[82] تيسير الكريم الرحمن، السعدي: ص 344.


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟