عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 3  ]
قديم 2009-12-13, 11:17 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
أمَّا القلب فقد وصف بالخوف والخشية والوجَل والوجف والرعب.

4- وصف الفؤاد بالهوى والصغْو، وكلاهما بمعنى الميل نحو أمرٍ ما؛ قال تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]؛ أي: تنزع إليهم، يقال: هوى نحوه إذا مال[33].

وفي الصغْو: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} [الأنعام: 113]، وهنا اشترك مع القلب في هذا، {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، فالصغْو: الميل، يقال: صغى إليه يصغي: إذا مال[34].

أمَّا القلب فاختصَّ بالحمية والإنابة والزيغ.

5- وصف الفؤاد بالتثبُّت: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120].
قال ابن عباس: نثبِّت: نسكن، وقال الضحَّاك[35]: نشدّ، وقال ابن جريج[36]: نقوّي[37].

أمَّا القلب فوصف بالاطمئنان والسكينة والإخبات والخشوع.

6- وصف الفؤاد والقلب معًا بالتقلُّب: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110]؛ أي: نصرفها من رأي لآخر من شدَّة حيرتها، وذاك عقاب لهم بالحيلولة دونهم ودون الإيمان وبلوغ اليقين[38]، فالحيرة هنا نتيجة الشك.

أمَّا التقلب للقلوب: {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور: 37]، من شدة الهول والخوف المزعج للقلوب[39].

فرغم أنَّ كليهما وصف بالتقْلب غير أنَّ تقلّب الفؤاد كان تقلّبًا لقوى الإدراك، أما القلب فكان لقوى الإرادة؛ أي: إن الفؤاد تقلبه معرفي، أمَّا القلب فوجداني ومشاعري.

يظهر من كل ما طرحنا من خصائص للفؤاد جليًّا أنَّه الجزء الذي تتعلَّق به القوى الإدراكية من القلب، حيثما ذكرت القوى الإدراكية في مقام المِنَّة والتذكير بنعم الله كان الفؤاد والسمع والبصر.

وإذا ختم فالختْم على القلب، وهذا يشمل الفؤاد؛ أي: قوَّة الإدراك فيه، ويشمل القُوى الأخرى بالقلب المتعلِّقة بتحصيل الخير، كما أنَّ الكلَّ وهو القلب ذكر حال العقاب دون ذكر الجزء منْه وهو الفؤاد؛ لأنَّ الفؤاد ليس وحْده المكتسِب لتلك الخطايا الموجبة للختم والطبع، بل حتى لما عوقب الفؤاد بالتقلب كان لكفر القلب بما اتَّضح للفؤاد، وعقد القلب الإرادة على العصيان والنفاق والضلال، فالقلب هو الموصوف بالكسب والتعمد والقصد والإرادة، والعقاب يكون على الفعل وهو الإرادة، واليقين وهو معيار معرفي كان من خصائص الفؤاد، فالوحي ذكر الله تعالى أنه ينزل على القلب، أما ثباته والتيقن منه فكان من خصال الفؤاد.

وآكد حجّية من ذلك كلّه اقتران قوى الإدراك مع بعضها، وآلاتها مع بعضها، فاقترن القلب مع العين والأذن؛ {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].

حتَّى إذا ذكر السَّمع والبصر بدلاً من الأذُن والعين، فكل المفسرين على أنَّ المراد الجارحة لا القوَّة.

أمَّا إذا ذكر الفؤاد فاقترانه مع قوَّة الأذن السمعية وقوَّة العين البصرية، وإن فسرها الكثير على أنَّ المراد الجارحة من السَّمع والبصر، غير أنَّ ذكر القوَّة المدركة بدلاً من آلتها في القرآن ليس عبثًا، وإنَّما المراد منها بيان الغاية من خلق الآلة وإبراز وظيفتها، وأنَّه دونها لا قيمة لها، بل هي في حكم العدم؛ لذا كلَّما ذمَّ الله المعطلين لقواهم الإدراكية عن بلوغ الهدى ذكر الجوارح، وكلَّما امتن على المؤمنين بما منحهم من الهداية وأسباب تحصيلها ذكَر القوى المدركة في الجوارح.

فالفؤاد هو الجانب المدرك في القلب، وهو محلّ الفهم والتفكّر والرَّأي؛ لأنه وصف بالتقلب؛ أي: الحيرة والشك وعدم اليقين، والانتقال من فكرة لأخرى، ومن رأي لمثله.

وهذا رأي بعض أهل التفسير: "ويسأل الفؤاد هل كان ما فكره وقضى به يقينًا لا شك فيه، فالفؤاد هو الذي به الإنسان يشعُر ويدرك"[40].

كما أنَّ المسؤولية لا تلقى على المكلف إلا وشرط قيام التكليف عليه قائم، مع تهيؤه لما كلف به؛ كيما تنتفي المشقَّة عنه؛ لئلا تكون له حجَّة على المُكَلِّف، وهو الله تعالى هنا، وأهمّ الشروط القدرة على إدْراك التكليف، وعلى فعله، أمَّا الفعل فهو من اختِصاص أعضاء الجسم المجنَّدة للقلب كافَّة، وأمَّا الإدراك فكان للسَّمع والبصر والفؤاد هنا، فإن علمنا قطعًا أنَّ السَّمع قوَّة محسَّة للأصوات، والبصر قوَّة محسَّة للمرئي، وهذه لها علاقة بما هو خارج النَّفس المدْركة؛ أي: عالم خارج ذهن الإنسان[41]، فالفؤاد لزومًا هو الجانب المقابل للجهة الخارجية، والسمع والبصر وسائله للاتصال بما هو خارج عنه.

ينتج من ذلك أن الفؤاد هو المدرك لما خرج عنه، وهو المفكر والمتفهم والمسيطر على الجانب المعرفي، وهو أحد طرفي القدرة التي سيسأل عنها، فشرط قيام حجة الخطاب فهمه، والعقاب على من لم يستجب بعدها لمن كانت له القدرة على الفعل، وبين الإدراك والفعل هنالك الإرادة ومحلها القلب، وهو مخير فيها محاسب عليها.

فالإدراك قواه ثلاثة: السمع والبصر والفؤاد، وكلّها من شأن النفس المدركة بالقلب، وهذا ما لم نجِد حوله خلافًا يقوم معه؛ لذا قال الغزالي: اعلم أنَّ محلَّ العلم هو القلب[42].

وقال ابن القيم: "رأى" لما يُعلم بالقلب ولا يُرى بالعين، ولكنَّهم خصُّوه بما يراه القلب بعد فكر وتأمّل، وطلب لمعرفة وجه الصواب، مما تتعارض فيه الأدلة[43].

قال صاحب "دليل الميزان": "التعقل والسَّمع في الحقيقة من شأن القلْب؛ أي: النَّفس المدركة[44].

بل فسَّر الزمخشري فراغ فؤاد أم موسى بأنه فراغ من العقل؛ أي: إن العقل محلّه في الفؤاد من القلب.

والرازي نقل أنَّ أحد الأقوال: أنَّه فارغ ممَّا أوحي إليه، والفراغ هنا يقابله الثبات؛ لذا قال تعالى بعدها: {لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [القصص: 10]؛ كيما تصبر وتسكن.

كما فسَّر ابن كثير[45] أنَّ الفراغ كان من كل شيء من أمور الدنيا إلاَّ من موسى، ونسب هذا القول لابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والضحَّاك والحسن البصري وقتادة.

فخلوّ الفؤاد هنا كان من كلّ المعلومات، والرَّبط على القلب كان لئلاَّ تبدي بموسى أنَّه ولدها لا لِمَلأ الفراغ؛ لأنَّ صبرها لا ينفي حزنها واستمرار قلقها، ما دامت لم تتحصل عليه، ويرجع لها معاينة.

نفهم من هذا أنَّ القوى المدركة بالفؤاد، وقوة السمع المدركة، وقوة البصر المدركة بالقلب، فالأذن (السمع) ناقلة للأصوات، والعين (البصر) للصور، والفؤاد هو المدرك لها والفاهم والمفكر.

وهنا نوضّح أنَّ السمع قوَّتان: قوة استقبال للأصوات؛ أي: القوة الحسية وهي من خصائص الأذن، وقوَّة إدراك المسموع، والإدراك هنا عبارة عن كمال يحصل به مزيد كشف على ما يحصل في النفس من الشيء المعلوم؛ أي: إنَّه كمال زائد على كل ما حصل من الحواس واحدة واحدة.

فأوَّل مراتب العلم هو الشعور، وهو إدراك من غير إثبات، فكأنه إدراك متزلزل، قبله يكون الإحساس وهو إدراك الشيء مكتنفًا بالعوارض الغريبة واللواحق المادّيَّة، مع حضور المادَّة ونسبة خاصَّة بينهما وبين المدرك.

والإحساس للحواسّ الظَّاهرة، أمَّا الإدراك فللقلْب أو العقل أو اللَّطيفة الروحانية النفسيَّة، وقد صرَّح المحقِّقون بأنَّ القوى الجسمانيَّة آلات للإحساس، والمدرك هو النَّفس، ففعل القلب المعرفي الإدراكي يبتدئ من حيث ينتهي الحسّ؛ لذا قيل: "بداية العقول نهاية المحسوسات".

بهذا اتَّضح أنَّ نقل الصوت والصورة من الخارج إلى النفس المدركة لا يستلزم الإدراك، فليس كل مرئي أو مسموع مدرَكًا، وذلك لعوارض كثيرة، غير أنَّ كلَّ مدرك من الخارج لا بدَّ أن يكون محسوسًا، وسنبين ذلك أكثر في علاقة الحس بالعقل معرفيًّا.

نخلص إلى أن فهم المسموع أو المرئي بالقلب، والخطاب الإلهي موجه لفهمه، ومعجزاته المخلوقة جعلت مبصرة؛ ليفهم وجه الاستدلال منها؛ لذا كان كل إثبات أو مدح للسمع أو البصر إنَّما هو لإدراك الغاية من المسموع والمبصر، وإلا صارت هذه القوى لا تتجاوز درجة الإحساس والشعور وهذا نصيب البهائم، فهي ذات سمع وبصر وقلب، لكن لم تمنح الفؤاد، وهو من القلب.

فتأمل تشبيه الله تعالى للكفَّار بالأنعام بأنَّ لكل واحد منهم قلبًا وأذنًا وعينًا، غير أنَّها معطَّلة عن الفقه والسَّمع والبصر، ولن يقول أحد إنَّ البهائم كلَّها لا تسمع ولا تبصر ولا تشعُر بما حولها من غذائها، ومسار حركتها، وبمن حولها من جنسِها، بل وبمن هو خطر عليها ومَن لا يهدِّدها، بمعرفة أعدائها وما هو من جنسها، وأنَّها لا تشعر بالفزع والخوف، بل هي تملك حتَّى الذكاء والذاكرة، وأقل من ذاك تشعر بوجود ذاتها وجسمِها.

لكن المراد نفْي الإدراك الزَّائد عن درجة الإحساس والشعور، وهذا منتفٍ؛ لأنه لا فؤاد لها؛ أي: لا تملك قوى الإدراك والتفكير والتأمل والتحليل، وليست مهيَّأة للعلوم؛ لعدم وجود المحل الذي يستوعب ذلك كله وهو الفؤاد.

فالله أثبت للبهائم قلوبًا لكن لم يثبت لها فؤادًا في القرآن الكريم؛ لأنَّ الفؤاد مناط تكليف ومسؤوليَّة؛ {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36]، والتكليف مرفوع عن البهائم؛ فلا مسؤولية عليها، فلا حاجة لها بالفؤاد مناط التكليف.

ومعلوم بإجماع العلماء والعقلاء أنَّ مناط التكليف والمحاسبة هو العقل؛ أي: كمال الإدراك والفهم بعد البلوغ بإدراك الخير والشرّ والتمييز بينهما، فكان لزامًا أنَّ العقل مستقرُّه بالفؤاد في القلب، وإن كان التعقّل والتفقّه نسب للقلب دون الفؤاد في القرآن الكريم؛ حيث لم ينسب التعقل للفؤاد بصريح العبارة، لكن يفهم من آية تقليب الأفئدة، والمسؤولية الملقاة على الفؤاد، وتثبيت اليقين به، وفراغه وامتلائه بالمعلومات من وحي ومعارف.

وقد يكون تخصيص العقل بالقلب، والإدراك وآليات التفكير بالفؤاد دليلَ اشتمال العقل -كفعل قلبي - لقوى الإدراك من سمع وبصر وفؤاد - والله أعلم.

فالعقل هو الحاكم والقاضي والمتحكم وشاهد على القوى الإدراكية، فهو الفاصل بالفعل أو الترك، وهذا له علاقة بالإرادة وهي ليستْ بالفؤاد.

ننبِّه إلى مسألة العلاقة بين الفؤاد والقلب: قيل في العلاقة: إنَّ الفؤاد غشاء القلب؛ أي: حاوٍ له، وقيل: هو باطن القلْب؛ أي: محتواه، وقيل: هو حبَّة به؛ أي: من محتوياته[46].


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟