عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2009-12-13, 11:17 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
الفرع الثاني: المصطلحات المرادفة للقلب في القرآن الكريم:
إذا تتبعت الآيات بالقرآن باحثًا عن المفاهيم المعرفية وجدت قسمين: أدوات لها وظائف، كالحواسّ تذكر الأداة الجارحة ويتلوها وظيفتها، وقد تذكر الوظيفة دون أداتها؛ لأن الغاية والمراد الجانب العلمي والعملي لا الجانب المادّي الجسمي،كما قد تذكر الوظيفة بذكر الأداة فقط، دون التصريح بعملها، كناية عن الوظيفة، وهذا يجليه السياق؛ وذلك لتضمنه لها، وبيان الغاية من الأداة، وهذا من أساليب اللغة المعروفة ومما تداوله المفسّرون، مثال ذلك آية: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37]، فمعلوم قطعًا أنَّ الذكرى لا تكون إلا للإنسان الحي، والميت لا يخاطب أصلاً، ولا يخلو إنسان - حيًّا أو ميتًا - من قلب، فالمفهوم الثابت عند أهل العربية أنَّه لمن كان له (قلب يتذكَّر)؛ ويستجيب للخطاب، فإن لم يستفد من الخطاب فعدمه ووجوده سواء، فكينونة القلب الوجودية بكينونة غايته المعرفية، وهذا الأسلوب كثير في القرآن ولغة العرب بل وفي أعراف الناس عامة، ورأيناه مع نفْي السَّمع والبصر في القرآن، ومثله نسبت أفعال العبد إلى يديه مع أنَّها قد تكون بجوارح أخرى، فكانت النسب للأغلب، وكقولنا للذي لا يرحم: إنَّ قلبه ميت، ولا يفهم الغبي فضلاً عن الذكي أنَّ قلبه لا ينبض.

فالقلب في (ق: 37) قال أهل التفسير: إنَّ المراد منه العقل؛ أي: أحد وظائفه، وهذا في اللغة يسمَّى إطلاق الكل وإرادة الجزء منه، ويفهم بالسياق واللحاق، فالمراد "العقل" من القلب بالسياق، وهو الذكرى وفهم الوحي، فهذه لا تكون إلاَّ بالقوة العلمية بالقلب؛ أي: قوة العقل وهي التعقل.

نحاول جمع الأدوات التي نسب لها بعض وظائف القلب الإدراكية، مما يفهم من ذلك أنها مرادفة له لا شيء خارج عنه؛ وذاك لأن القرآن حصر أدوات تحصيل المعرفة في ثلاثة لا رابع لها، وهي القلب والأذن والعين.

أ- الفؤاد عند أهل اللغة:
هو الحُمّى وشدة الحرارة[18]، والفؤاد القلب، سمِّي بذلك لحرارته[19] وتوقُّده، وقيل: هو غشاء القلب، وقيل: الفؤاد هو باطن القلب، والقلب حبَّته وسويداه، والفؤاد الرَّقيق تسرع إمالته، والفؤاد الغليظ كالقلب القاسي لا ينفعل لشيء[20]،[21].

وإطلاقه كان على المعنوي لا على الجارحة، وبهذه الدلالة الخاصة ورد في القرآن مفردًا وجمعًا في "16" آية، ليس فيها ما يمكن أن يفهم أو يُحمل على معنى العضو المعروف، بل على اللطيفة الربَّانية؛ قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36].

وقال: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

قال ابن كثير - بعد أن ذكر مِنَّة الله تعالى على عباده بإيجادهم -: ثمَّ بعد هذا يرزقهم تعالى السمع الذي به يدركون الأصوات، والأبصار التي بها يحسّون المرئيات، والأفئِدة وهي العقول التي مركزها القلب على الصَّحيح[22].

وقال ابن عاشور: الأفئدة: جمع الفؤاد، وأصله القلب، ويطلق كثيرًا على العقل وهو المراد هنا[23].

غير أنَّ "الفؤاد" ورد كمفهوم طاقة، أو ملكة، وبالأحرى وظيفة معرفية إدراكية، حيث نجده يقرن مع وظيفة السمع والبصر؛ أي: مع قوى الإدراك لا مع وسائلها.

فالقلب - مثلاً - حمل على أنَّه أداة للمعرفة؛ {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا} [الأعراف: 179]؛ أي: آلة الفقه القلب وآلة البصر العين.

والفؤاد كلما ورد في سياق الامتنان بمنح الإنسان العلم وأدوات تحصيله وطرقه، كان على أنه ملكة أو وظيفة أو قوَّة إدراكية؛ كقوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36].

فقوى تحصيل المعرفة هي السمع والبصر والفؤاد، غير أنَّه لم ترد آية واحدة في سياق الامتنان جمعت فيها الحواس مع القلب، بل كان الجمع معه في مقام الذَّمّ دائمًا، إما بالإنكار أو التَّحقير أو إقْفال طرق العلم بالطبع أو الختم أو الغشاوة، فما علاقة الفؤاد بالقلب؟

عند أهل التفسير، حول آية (الإسراء: 36):
الفؤاد هو القلب، والسمع والبصر والفؤاد حواس لإدراك المعرفة[24].
يسأل الله السمع: هل كان ما سمعه معلومًا مقطوعًا به؟ والبصر هل كان ما رآه ظاهرًا بينًا؟
والفؤاد هل كان ما فكره وقضى به يقينًا لا شكَّ فيه، فالفؤاد هو الَّذي به الإنسان يشعر ويدرك[25].
المراد بالسمع آلته، وبالبصر آلته، وهذا معلوم في اللغة بل في استعمالات القرآن.

قال الراغب: السمع قوَّة في الأذن، ويعبر تارة بالسمع عن الأذن؛ {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} [البقرة: 7][26]، والبصر يقال للجارحة الناظرة، وللقوة التي فيها[27].

نستنتج أنَّ المراد في آية (الإسراء: 36) آلات الإدراك؛ أي: الجوارح، لكن عبَّر بالقوى الموجودة في تلك الحواس؛ أي: بالإدراك الحسي بدلاً من الحاسَّة، وذاك نحسبه - والله أعلم - لقطع إشْكال أن تُخلق الأذُن والعين لكن دون قوَّة للإحساس، بأن يكون صاحبها أعمى أو أصمَّ؛ لذا ذكرت قوة الأذن وقوة العين الإدراكية، وهذا قطعًا يثبت الجارحة؛ لأن من سمع ضمنًا له أذن، لكن ليس كل صاحب أذن يسمع، ومثله في الأصم.

فالمراد في آية الإسراء: الحواس، غير أنه عُبِّر بقواها لنفي تعطُّلها خِلْقة عن أداء وظيفتها، فلزم من ذلك أن الفؤاد هو قوة القلب الإدراكية.
باستقراء آيات الفؤاد في القرآن ومقارنتها مع آيات القلب نلاحظ ما يأتي:
1- اختصاص الفؤاد بالرؤية؛ {مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11]، وفي تفسيرها على قولين[28]:
أ- من شدَّد "كذَّب" قال: ما أنكر الفؤاد ما رأته العين.
ب- من خفَّف قال: أراد: ما أوهمه الفؤاد أنه رأى ولم ير، بل صدَقه الفؤاد الرؤية، فالفؤاد محلّ لرؤية الحق، أمَّا القلب فخصَّ بالبصيرة؛ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ} [آل عمران: 13]، {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، ولا يقال: أعمى إلا لمن كان ذا بصر وفقده، فدلَّ على أنَّ القلوب المخالفة لتلك - الموصوفة في الآية - مبصرة وذات بصيرة.

2- اختصاص الفؤاد بالكذب، بينما وصف القلْب بالزيغ والإنكار والظَّنّ والعمى والنفاق.

3- وصف الفؤاد بالفراغ والهواء: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} [القصص: 10]؛ وفي معنى الفراغ أقوال، غير أنَّ كلَّها تدل على أنَّ سبب الفراغ الخوف، قال الرازي: القلب الفارغ من كلّ همّ إلاَّ من موسى[29]؛ أي: فرغ من أمور الدنيا كلها لانشغالها بولدها، وقال الزَّمخشري: فارغًا من العقل؛ أي: طار من فرط الجزع والخوف[30].

وقال تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم: 43].

يقال: هوى صدره يهوي إذا خلا، والهواء: الجبان لأنه لا قلب له[31]، فأفئدتهم فارغة من شدة الخوف.

قال السعدي: فارغة من قلوبهم، قد صعدت على حناجرهم، لكنَّها مملوءة من كلّ همّ وغمّ وحزن وقلق[32].


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟