كَيْفَ نَزِيدُ إِيمَانَنَا
خالد بن سعود البليهد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فلا شكَّ أن قضية ضعف الإيمان من القضايا المهمة التي تُقلق المؤمنين ، و يشعر المؤمن أحياناً حينما يتأمل في هذا الموضوع بنوع من الألم و نوع من الأسى.
و هناك دواعي للحديث عن هذا الموضوع الخطير الذي له آثار عظيمة على الفرد و المجتمع فمن ذلك:
1- كثير من الناس يشكو من قسوة قلبه.
2- كثرة المعاصي و المنكرات المتفشية في المجتمع.
3- قلة الخشوع و التذوق في العبادات.
4- غلبة الحرص و الشح في النفوس على الأموال.
5- كثرة أمراض القلوب التي يبتلى بها المؤمن.
6- اليأس و القنوط و الحزن من الظروف المعيشية و المصائب.
7- الأنانية و الغرور و الأثرة و الانتصار للنفس لدى بعض المسلمين.
8- انتشار التعصب القبَلي و الجنسي و كذلك البلدي و المذهبي في كثير من طوائف المسلمين.
هذه الأمور تجعل الحديث عن زيادة الإيمان و عن ضعف الإيمان في غاية من الأهمية.
هناك حقيقة إيمانية في هذا الموضوع:
قبل الشروع في بيان أسباب زيادة الإيمان و أحوال المؤمن في ذلك نتكلم عن حقيقة إيمانية في هذا الموضوع ألا وهي : اتفق أهل السنة و الجماعة على أن الإيمان يزيد بالطاعات و ينقص بالمعاصي، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (فإنه بإجماع السلف يزيد (يعني الإيمان) بالطاعة و ينقص بالمعصية). و قد دل على ذلك الكتاب في قوله تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة:124] و قد دلت السنة أيضا في جملة من الأحاديث الصحيحة، قال النبي صلى الله عليه و سلم كما ثبت في الصحيحين: (الإيمان بضع و سبعون أو بضع و ستون شعبة فأفضلها قول لا اله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ). وقد وصف النبي صلى الله عليه و سلم المرأة بنقصان الدين كما ثبت ذلك في الصحيح و الأدلة من الكتاب والسنة على هذه الحقيقة كثيرة. ومع ذلك فإن ما دل عليه الشرع مطابق للواقع و مما يستأنس به حساً أن المؤمن إذا عمل طاعة و اشتغل بذكر و أنفق صدقة أو غير ذلك من الصالحات شعر ذلك اليوم بلذة نفسية و انشراح في الصدر يعني أن هذا الأمر لا ينكره إلا مكابر.
الحديث عن حقيقة نفسية قلبية في هذا الموضوع:
فقد دلت النصوص الشرعية على أن الإيمان له لذة وحلاوة يجدها المؤمن في قلبه و روحه يأنس بها و يستروح بها ، و يتلذذ بها ، و يسكن إليها قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه من ما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) رواه البخاري، و في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه و سلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا). و قد أشار القرآن إلى هذا المعنى في بعض من الآيات كما في قوله تعالى: {قل بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }[يونس:58]، قال بعض السلف من أصحاب ابن عباس: (فضل الله الإيمان و رحمته القرآن). وهذه اللذة العجيبة لا تعدلها لذة في الدنيا و لا يجدها أرباب الأموال و القصور و النساء و غيرها من متاع الدنيا الزائل لأنها لذة ربانية ناشئة عن نور الإيمان متصلة بأشرف محبوب هو الله وأشرف نعيم وهو رؤية الله و دار كرامته.
إخواني في الله و هذه اللذة أصلها في القلب و تظهر جلياً في الوجه و الجوارح فتزيده بهاءً وهيبةً و نوراً و حُليةً ، كما أن المعصية و الغفلة تظهر على المُحيا والوجه بالظلمة و الذلة و التعاسة ، كما قال الحسن البصري رحمه الله في قولته الشهيرة : (وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين، فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه).
المؤمن يعرض له ضعف الإيمان:
فقد دلت النصوص الشرعية على أن المؤمن مهما كمل إيمانه فقد يعرض له ضعف إيمان ونزول في مستوى الإيمان بسبب ذنب يلم به ، أو غفلة تحصل له أو دنيا يفتتن بها أو مخالطة الأهل والعيال أو مصاحبته لأهل الدنيا فيما لا بد منه. قال الله تعالى في وصف المؤمنين الكُمل: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ }[النجم:32]، و قد اختلف المفسرون في هذا الاستثناء على وجهين:
الوجه الأول: المعنى أن يلم بالكبيرة مرة أو مرتين ولا يداوم على فعلها.
الوجه الثاني: المقصود باللَّمَمَ في الآية، أن يقعوا في صغائر الذنوب.
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( كل بني آدم خطاء و خير الخطائين التوابون ) رواه الترمذي، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( لو لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبون، ثم يستغفرون،ثم يذنبون، ثم يستغفرون ثم يقول الله لهم افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم ). يعني ما دمتم على الاستغفار و التوبة. فهذا يدل على أن المؤمن قد يعرض له ضعف الإيمان. ولا ضير في هذا مادام أنه لم يغلب على أحوال المؤمن، بل كان الغالب عليه زيادة الإيمان و الاستكثار من الصالحات بل تنقلب المعصية في حقه إلى حسنة و رفعة في الدرجات و تكفير السيئات ، إنما المذموم شرعاً أن تغلب عليه السيئات و التهاون في القيام بحق الله و حقوق الخلق حتى يكون مقصراً فاسقا هاتكا لستر الله مستخفا بعذاب الله آمنا من عذاب الله والعياذ بالله.
و الحاصل أن المؤمن له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون كثير الأَوْبة والتوبة والندم و أن يغلب عليه العمل الصالح مع وقوعه في شيء من الذنوب وهذه الحال أكمل.
الحالة الثانية: أن يكون المؤمن مسرفاً على نفسه بالذنوب و السيئات مغتراً مغروراً بالأماني والعياذ بالله متكلا على رحمة الله و رجائه و هذه هي أسوءُ الحالتين.