فـوز الفريـق هو الفـلاح!!
ســامي بــركة
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فلا شكّ أنّ الرّياضة -من حيث هي- أمر مطلوب، وعمل مرغوب، لما فيها من فوائد لم ولا تخْفَى على أحدٍ: كتقوية الجسم، وتهذيب الرّوح، وإراحة الأعصاب، وغير ذلك من المنافع، لا سيّما إن كانت الرّياضة بنيّة التقوِّي على عبادة الله والقيام بما فرضه الله واستحبّه، فقد روى مسلم في " صحيحه " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ.
والمراد بالقوّة هنا: عزيمة النّفس والقريحة في الأمور كلّها، وقوّة الجسم وصحّته، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما، وأسرع عملا، وأكثر صبرا لتحمّل المشاقّ في ذات الله تعالى، وأرغب في الصّلاة والصّوم والأذكار والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وسائر العبادات.
ولكن إذا كان الأمر النّافع لا يُحسَن استغلالُه، ولا يراقبَ انتظامُه، ولا تحكم ضوابطُه، فإنّه يعود بالضّرر أكثر ممّا يعود بالنّفع، والسّيف في يد الشّجاع مهنّد قاضب، وفي يد الجبان مخراق لاعب، وليس العيب في السّيف، ولكن في حامله.
فإذا تحوّلت الرّياضة إلى مجرّد لهوٍ، ومظهر من مظاهر اللّغو .. إذا تحوّلت الرّياضة إلى ساحة للصّخب والفساد والشّغب .. إذا تحوّلت الرّياضة إلى مجرّد تجارة تدرّ على أصحابها بالأرباح، وتظهر فيها مظاهر القمار في كلّ نادٍ وساح .. إذا كان المسلم بسببها ينتهك الحرمات، ويكشف العورات، ويترك الصّلوات، ويُضِيع الأوقات، فهنا نقول: مسكينة أيّتها الرّياضة .. كم من جريمة ارتُكِبت باسمِك !..
نلاحظ في السنوات الأخيرة كثرة المنافسات الرياضية ما بين البلدان مع إندفاع الحس القومي تدريجيا تجاه هذه المنافسات فعلى المسلم أن ينتبه إلى أنه يجب الحذر من أي دعوة إلى العصبية المذمومة، سواء كانت دعوة إلى قومية أو قبلية أو غيرها من دعاوى الجاهلية، فالتعصب للعرق أو للجنس أو للوطن أو لأي شيء من العصبية المذمومة هو من دعوى الجاهلية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم،فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب. وصححه الألباني.
وفي الصحيحين أن غلاما من المهاجرين وغلاما من الأنصار اقتتلا، فنادى المهاجر: يا للمهاجرين. ونادى الأنصاري: يا للأنصار. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا ؟!! دعوى أهل الجاهلية !! وفي رواية: دعوها فإنها منتنة. فرغم أن كلا من مسمى المهاجرين ومسمى الأنصار مسمى شرعي فإن النبي صلى الله عليه وسلم عد ذلك دعوى الجاهلية؛ لأنه دعوى إلى التعاضد والتناصر باعتبار هذا الانتماء لا باعتبار الحق والباطل.
و لا ينبغي للمسلم أن يحمل في قلبه البغض و الكراهية لإخوانه المسلمين لمجرد أنهم يحملون جنسية معينة، أو ينسبون إلى جهة أو قبيلة أو عنصر. فإن هذه نظرة جاهلية أبطلها الإسلام، وعنصرية جديدة أبرزتها الجاهلية الحديثة، عندما قسمت العالم الإسلامي إلى جنسيات عدة وأوطان مختلفة.
ومبدأ التعميم مبدأ غير سليم يرفضه العقل الصحيح والشرع الصريح. قال الله تعالى: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (الأنعام:164)
والناس بجبلتهم مختلفون ولو كانوا إخوة أشقاء، فهم مختلفون في الطباع والأذواق وفي الاستقامة والانحراف، كاختلافهم في الألسنة والألوان، وكل ذلك من آيات الله تعالى في هذا الكون وعظيم قدرته في هذه الحياة. فلا ينبغي للمسلم أن يكون ناقمًا على جنسية معينة وتعميمها بوصف - سواء كان صوابًا أو خطأً - قد اتصف به بعض أفرادها، فهذا ليس من الحكمة ولا من الإنصاف أو العدل.
والتعصب لمبدأ الجنس أو القوم أمر ممقوت طبعًا ومرفوض شرعًا، حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ...إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب، لينتهينّ أقوام عن فخرهم برجال، أو ليكوننّ أهون عند الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن. رواه أحمد وأبو داود.
وقال صلى الله عليه وسلم: ...دعوها فإنها منتنة. وفي رواية: فإنها خبيثة. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وقال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(الحجرات:13)
فالمسلم مطالب بحب المسلمين وحب البلاد الإسلامية كلها والدفاع عنها، سواء كان ذلك البلد موطنه الذي ولد فيه أو لم يكن، وانتماء المسلم يجب أن يكون إلى الإسلام أينما كان، فلا نسب ولا وطن ولا جنسية ولا قومية ولا فضل للمسلم إلا في الإسلام، قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( الحجرات:13)
وقد أحسن الشاعر في قوله:
أبي الإسلام لا أب لي سواه**** إذا افتخروا بقيس أو تميم
يكون الإنتماء الى الاسلام بمنهجه الكامل الذي يملأ على المسلم حياته ظاهرا وباطنا، عقيدة وشريعة، ولاء وبراء ... فدين الله تعالى ينبغي أن يكون عندنا بكل مقوماته ومقتضياته هو الأساس الذي نقدم به ونؤخر، نحب به ونبغض، نقبل به ونرفض، وعندئذ تتحقق الألفة بين المسلمين كما تحققت بينهم في صدر الإسلام، قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (الأنفال: 62-63) وقال سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (آل عمران: 103)
جاء في البروتوكول الثالث عشر من برتوكولات حكماء صهيون ما نصّه: " ولكي تبقى الجماهير في ضلال لا تدري ما وراءها وما أمامها ولا ما يراد بها، فإنّنا سنعمل على زيادة صرف أذهانها بإنشاء وسائل المباهج والمسلِّيات والألعاب الفكاهيّة وضروب أشكال الرّيـاضـة واللّهو … ثمّ نجعل الصّحف تدعو إلى مبـاريـات فـنــيـة وريـاضيـّة " بروتوكولات حكماء صهيون (1/258) ترجمة عجاج نويض.
وللأسف الشّديد فقد استطاع أعداء الإسلام أن يُغرِقوا المسلمين في هذه المنافسات، وأن يُنسُوهم قضايا الأمّة الكبرى ومهمّتها العُظمَى في تبليغ هذا الدّين، وأن يُمِيتوا فيهم الحِسَّ الإسلاميّ، فتجد كثيرا من المتابعين لهذه المنافسات لا يكترثُ ولا يأْبَه بما يحدُث لإخوانه المسلمين المستضعَفين في شتّى بقاع العالم: تشريد .. وتقتيل .. وتعذيب.. وتنكيل .. وانتهاك للحرمات .. وتدنيس للمقدّسات .. بل شغلُهم الشّاغل تَقَصِّي أخبار المنافسات وتتبّع نتائج المباريات والشّغف بمعرفة وضعيّة اللاّعبين المادّية والاجتماعيّة .. إلى غير ذلك من السّفاسف والمهازل.