من حيث لا تحتسب ..!!
- - - - - - - - - - - -
قال الراوي :
كان لي صاحب أحبه كثيراً ، وطالما كنتُ أحاول نصحه ليستقيم ،
فتضجر يوماً من كثر نصحي له فقال :
اغسل يديك من إصلاحي ، لست أنا من تبحث عنه ، دعني وهواي ..!!
ودارت الأيام ، وتوالت الليالي ، وانشغلت عنه بأمور خاصة كثيرة ،
ولم أعد أراه إلا بين الفينة والفينة ، في لقاء عابر لا يستغرق سوى دقائق ،
ثم انتقل إلى السكن في منطقة أخرى بعيدة ، ونسيته وطرحت همه من رأسي تماماً ،
ومضت سنوات . وذات مساء وبعد أن فرغنا من صلاة العشاء ،
ما راعني إلا أن رأيت صاحبي بعينه ، قد انتصب أمام الناس ، يدعوهم للبقاء دقائق ،
لسماع كلمة طيبة ، تغذي إيمانهم في قلوبهم ، ثم جلس في مكانه ،
وقام شيخ مسن وتحدث حديثا شجياً ، هز به القلوب ، وحرك مدامع العيون ..
وكنت خلال كلام الشيخ ، مشغول القلب بخبر صاحبي وما آل إليه أمره ،
وكنت أردد النظر إلى حيث يجلس ، فأراه مشدود العين إلى فم الشيخ ،
كأنما هو ممغنط ، ولما فرغ الشيخ من كلمته ، وتفرق الناس ،
بادرت إلى صاحبي أعانقه وأضمه إلى صدري ،
كأني أم تلتقي وحيدها بعد انقطاع طويل !
وذكّرته بما كان يقول لي كلما نصحته ، فضحك وقال :
إن الله يحيي العظام وهي رميم .. وكل يوم هو في شأن ..!
فألححت عليه أن يخبرني بقصة هدايته ، فقال :
كل المسألة أنني تأرقت ليلة ولم يطاوعني النوم ، فبت أدير فكري في حياتي
وكيف أسير فيها ، وكيف أتقلب معها ، فوجدت أنني على شفا حفرة من النار ،
ويوشك أن أقع فيها .. ففزعت فزعاً ارتجفت له عظامي .. !!
فما إن ارتفع النداء لصلاة الفجر حتى هرولت إلى المسجد ، وكان فيه قوم معتكفون ،
فجلست معهم إلى الشروق وسمعت ما حرك كل خلية في كياني ..
فكانت بداية الرحلة الجديدة...!
ابو عبد الرحمن