العُــمُـر يمضي سريعـاً
والعُــمُـر ما مضى منه لا يعـود
قيل لمحمد بن واسع : كيف أصبحت ؟
قال : ما ظنك برجل يرتحل كل يوم مرحلة إلى الآخرة ؟
وقال الحسن : إنما أنت أيام مجموعة ، كلما مضي يوم مضي بعضك .
وقال : ابن آدم إنما أنت بين مطيتين يوضعانك ؛ يوضعك الليل إلى النهار والنهار إلى الليل حتى يسلمانك إلى الآخرة ، فمن أعظم منك يا ابن آدم خطراً ؟
وقال : الموت معقود بنواصيكم ، والدنيا تطوي من ورائكم .
وقال داود الطائي : إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تـُـقدِّم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل ، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو ، والأمر أعجل من ذلك ، فتزوّد لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك ، فكأنك بالأمر قد بَغَـتـَـك .
وكتب بعض السلف إلى أخ له : يا أخي يَخيّـل لك أنك مقيم ، بل أنت دائب السير ، تُساق مع ذلك سوقا حثيثا ، الموت متوجِّه إليك ، والدنيا تطوى من ورائك ، وما مضى من عمرك فليس بِكَـارٍّ عليك حتى يَكُـرَّ عليك يوم التغابن .
وأنشد بعض السلف :
إنا لنفــرح بالأيام نقطعهــــــــــــا == وكل يوم مضي يدني من الأجلِ
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا == فإنما الربح والخسران في العملِ
والعُــمُـر فيه سـؤالان :
سؤال عن مرحلة القوة والكسب والإنتاج
وسؤال عن العُــمُـر جملة
ولذا لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس ؛ منها :
عن عمره فيم أفناه ؟
وعن شبابه فيم أبلاه ؟
فـأعِـدّ للسؤال جواباً على أن يكون الجواب صواباً
تأمل في عُـمُـرِك !!!! كم مضى منه ؟
وهل انتفعت بما مضى من عُـمُـرِك ؟؟ أو مضى سبهللاً وضـاع سُـدى ؟؟
سأل رجل الإمام الشافعي عن سنه قال : ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه
وسأل رجل الإمام مالك عن سنه فقال : أقبل على شأنك . ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه ؛ لأنه إن كان صغيرا استحقروه ، وإن كان كبيرا استهرموه .
تأمل في عُمُرِك !!!!
فإن كنت صغيراً فقبيح أن يزول عمرك سريعا في لهو طيش
وإن كنت كبيراً فتدارك ما فات ، فما أقبح التصابي من شيخ كبير
أيا نفس ويحك جاء المشيب == فما ذا التصابي ؟ وما ذا الغزل ؟
تأمل قول القائل :
الناس صنفان موتى في حياتهمُ == وآخرون ببطن الأرض أحياءُ
فمن أي الصنفين تريد أن تكون ؟
لقد وقفت وطال وقوفي وتأمّلتُ فما انقضى التأمّل
فلم يعُـد لك عـذر في إضاعـة عمـرك
وينبغي أن تنظر في عمرك مقارنة بأعمار الآخرين .
قال بكر بن عبد الله : إذا رأيت من هو أكبر منك فقل : هذا سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير مني ، وإذا رأيت من هو أصغر منك فقل : سبقته إلى الذنوب والمعاصي فهو خير مني .
فإن كنت صغيرا فلا تقل : إذا كبرت عملت وعملت وإن كنت كبيراً فماذا تنتظـر ؟ فليس بعد الكِبَرِ إلا الموت !
فهنيئاً لمن بادر فترك له أثراً يُنتفع به
فاعمل لنفسك قبل موتك ذكرها == فالذِّكر للإنسان عمر ثاني