عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 5  ]
قديم 2009-10-07, 4:50 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي
الفائدة التاسعة: وماذا بعد الفتح والتمكين؟
بند 1:
يقول المولى - سبحانه -: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج: 40، 41]، فإقامة شرع الله - تعالى - هو أول المقاصد التي شُرِع من أجلها الجهاد في سبيل الله - تعالى - فدين الله - تعالى - يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والإسلام خصَّ الطائفة المنصورة بالقيام على حدود الله - تعالى - وخصَّ - على وجه التحديد - من العدل المأمور به حريةَ الاعتقاد بقوله: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ}، إذ طالما كفل الإسلام للناس حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، فإنه بذلك يكفل الحريات الاجتماعية، والاقتصادية، والتعليمية، والثقافية، والصحية، والسياسية...إلخ من باب أولى، ولم يستثن من ذلك إلا حقًّا واحدًا، الحق في الدفاع عن هذا الوطن؛ لذا شرعت الجزية لأجل ذلك؛ يقول المولى - سبحانه -: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: 29].

قال العلماء: الجزية وزنها فِعلة من جزى يجزي، إذا كافأ عمَّا أسدي إليه، فكأنهم أعطَوها جزاء عمَّا مُنحوا من الأمن[19]، والدليل على ذلك ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: ((من يشتري بئر رومة، فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين، بخير له منها في الجنة؟))، فاشتراها عثمان بن عفان من صلب ماله، فجعل دلوه فيها مع دلاء المسلمين، وأوقفها على الغني والفقير وابن السبيل[20]، قال الحافظ في "الفتح": وهذه البئر كانت ليهودي يبيع ماءها للمسلمين، كل قربة بدرهم، فاشتراها عثمان - رضي الله عنه - وأوقفها للمسلمين على أن له أن يشرب منها كما يشربون، فوجه الدلالة في هذه الرواية: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد لبَّى المصلحة العامة في أمر من الأمور الضرورية بأهل المدينة كلهم؛ وهي السقي بالماء من هذه البئر العذبة، وليس في المدينة غيرها، وكانت وسيلته في ذلك هو طرح الموضوع لمزايدة علنية، فلمَّا وجد من المسلمين متبرعًا بها كفى بذلك حاجتهم في السقي والشرب، وإن كان بإمكانه أن يتَّخذ مسلك الضرورة ويسلبها من اليهودي عنوةً، طالما أنه ليس بالمدينة بئر عذبة غيرها، لكنه لم يفعل وآثر سبيل البيع والشراء بالطريق المعتاد؛ لأنه الطريق المتاح أمامه وليس في الأمر ما يضطره إلى غيره من السبل الاستثنائية[21]، وهكذا يؤمِّن الإسلام مصالح غير المسلمين الاقتصادية كذلك، طالما عاشوا في كنفه.

بند 2:
وسورة النصر قد احتوت على جملة شرطية، (إذا جاء... ورأيت..... فسبح...واستغفره)، وجواب الشرط في هذه الجملة (فسبح بحمد ربك واستغفره)، تقول عائشة - رضي الله عنها -: ما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة بعد أن نزلت عليه {إذا جاء نصر الله والفتح}، إلا يقول فيها: ((سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي))[22]، يقول المولى - سبحانه -: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا* وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: 1-3] ، إذ لا شكَّ أن النصر على الأعداء والتمكين في الأرض هو من أشدِّ الفتن التي قد يفتن بها المؤمنون إذا نسوا الذكر؛ يقول المولى - سبحانه -: {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} [الفرقان: 18].

فالمولى يذكِّر الطائفة المنصورة بأهمية الذكر والاستغفار في هذا الموقف بالذات، حتى تستأنف تلك الطائفة ما بدأته من خير ولا تنشغل بأمور الدنيا حين ذاك، ففي الحديث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صالح أهل البحرين، وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافت صلاة الصبح مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما صلى بهم الفجر انصرف، فتعرضوا له فتبسَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم وقال: ((أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء))، قالوا: أجل، يا رسول الله، قال: ((فأبشروا وأملوا ما يسرُّكم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم))[23].

بند 3:
ومن الخطورة بمكان أن يضيِّع المسلمون هذا النصرَ، وهذا الفتحَ الذي منَّ الله عليهم به، حين يتنازعون فيما بينهم - بعد هذا النصر - في أمور الدنيا والخلافة على وجه الخصوص، فتذهب ريحهم ووحدتهم، وتنكسر شوكتهم في عيون أعدائهم، فتعود الكرَّة مرة أخرى لهم؛ يقول المولى - سبحانه -: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19].

بند 4:
وأخيرًا وليس بآخر، فإن المولى - سبحانه - يختم السورة بقوله - سبحانه -: {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}، وفي ذلك إشارة إلى أنه - سبحانه - يفتح باب التوبة في كلِّ الأحوال، وفي موطن النصر والفتح على المسلمين؛ ليستغفر المستغفرون وينتهي العصاة والمذنبون، وتنتهي الشحناء بين المسلمين حتى يظل النصر حليفًا لهم ينعمون به - بفضل الله تعالى - وليس بعد التوبة شيء يستحق العيش لأجله، إذ حينئذ يتحقق النصر الحقيقي، إذ كيف بنا إذ تاب الله علينا، أنؤجل لقاءه؟! بالطبع يكون النصر حين يلقى العبد ربَّه، وقد تقبَّل الرحيم التواب توبته وأدخله في رحمته، وقد فهم ذلك ابن عباس - رضي الله عنه - إذ قال في هذه السورة: هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه الله له {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فتح مكة، فذاك علامة أجلك؛ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[24].


ــــــــــ


[1] رواه البخاري، (1/58)، رقم (123).
[2] رواه البخاري، (1/7)، رقم (7).
[3] رواه البخاري، (1/128)، رقم (328).
[4] رواه البخاري، (1/221)، رقم (585).
[5] رواه البخاري، (4/1657)، رقم (4278).
[6] رواه البخاري، (3/1152)، رقم (2988).
[7] رواه البخاري، (4/1577)، رقم (4084).
[8] يراجع في ذلك أصل القصة في "سيرة ابن إسحاق" من رواية عبدالرحمن بن عوف، يقول: كان يضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة، فتوضع على صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد، فيقول بلال: أحد أحد، قال: فلما رآه قال: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا، ورواه البخاري، (2 /807 )، رقم (2179).
[9] رواه مسلم، (3 /1514)، رقم (1906).
[10] هذا الدين، للأستاذ: سيد قطب، (ص: 1 - 10)، دار الشروق.
[11] رواه البخاري، (3/ 1322)، رقم (3416).
[12] رواه أبو داود، (2/509)، رقم (4283)، وصححه الألباني.
[13] رواه مسلم، (4/ 2239)، رقم (2922).
[14] إذ غني عن البيان أن نشير إلى أن المجتمع الدولي يسعى لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في باب المعاملات الدولية، إقرارًا منه بأنها أفضل التشريعات التي يمكن تطبيقها على مستوى العلاقات الدولية، ويقر بذلك كبير قضاة إنجلترا، حيث أعلن أن مبادئ الشريعة الإسلامية يمكن أن تستخدم لتسوية الخلافات في بريطانيا أيضًا، وقال اللورد "فيليبس" - في كلمة ألقاها بأحد المراكز الإسلامية شرق "لندن" -: إنه لا يرى ما يمنع من استخدام الشريعة أو أي مبادئ دينية أخرى كأساس لتسوية خلافات دون إجراءات قضائية، وأشار اللورد "فيليبس" إلى أن المسلمين الذين يعيشون في بريطانيا معتادون منذ زمن بعيد على استخدام الشريعة لتسوية الخلافات التي تنشأ داخل الأسرة أو على بعض العقود.
[15] المدر: البناء، الوبر: الخيام.
[16] رواه أحمد، (4/301)، والطبراني في الكبير، (1/621)، وابن منده في الإيمان، (1/201)، وعبد الغني المقدسي في ذكر الإسلام (1/661)، وقال: حسن صحيح، ورواه الحاكم وقال: صحيح مع شرط الشيخين، ووافقه الذهبي (4/34)، والسنن الكبرى (9/971)، وقد أخذت هذا التخريج جميعه من كتاب الشيخ الألباني.
[17] رواه مسلم، (4/2299)، رقم (3005).
[18] رواه البخاري في صحيحه، (5/2157)، رقم (5378).
[19] فتح القدير، للشوكاني، تفسير الآية (29) سورة التوبة.
[20] انظر البخاري، (2/827)، (3/1021)، حديث رقم (2626)، والترمذي، حديث رقم (3699)، والنسائي (3182)، وغيرهم.
[21] رسالتنا للدكتوراه بعنوان "دور الدولة إزاء الاستثمار"، (1/89)، دار النهضة العربية.
[22] رواه البخاري في صحيحه، (4/1900)، رقم (4683).
[23] رواه البخاري، (3/1152)، رقم (2988).
[24] رواه البخاري، (4/1563)، رقم (4043).


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟