عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 4  ]
قديم 2009-10-07, 4:49 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي
الفائدة الخامسة: لمن هذا النصر؟
بند 1:
ونصر الله - تعالى - لا يأتي إلا لمن آمن به وعمل صالحًا، فهو من قبيل الاستخلاف في الأرض، وهو سنة كونية، إذ لا بدَّ من الابتلاء والاصطفاء حتى يأتي النصر والتمكين بإذن الله - تعالى - يقول سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

بند 2:
كما يشترط لهذا النصر الإيمان بالله - تعالى - والعبادة بإخلاص، فلا بدَّ إذن من تطهير القلب من الآثام والذنوب المهلكات، وأخصها الشرك بالله - تعالى - يقول صاحب "الظلال": إن حقيقة الإيمان التي يتحقق بها وعد الله حقيقة ضخمة تستغرق النشاط الإنساني كله، وتوجه النشاط الإنساني كله، فما تكاد تستقر في القلب حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط وبناء وإنشاء موجَّه كله إلى الله، لا يبتغي به صاحبه إلا وجه الله، وهي طاعة لله واستسلام لأمره في الصغيرة والكبيرة، لا يبقى معها هوى في النفس، ولا شهوة في القلب، ولا ميل في الفطرة إلا وهو تبع لما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عند الله.

بند 3:
فهؤلاء الذين ينتصرون بإذن الله - تعالى - لا يفسدون، ولا يفعلون كما يفعل الملوك، كما أخبرت بذلك ملكة سبأ: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34]، لا.. إنما النصر يأتي لمن يستحق الخلافة، والاستخلاف له مفهوم؛ إذ يعني أن يحقق المستخلَفون المنهج الذي أنزله الله فيقرُّوا العدل بين الناس، ويحققوا لهم الأمن والأمان، فالإسلام دين رحمة للبشرية، ودين خير للناس - سواء آمنوا به أم لم يؤمنوا - طالما عاشوا في كنفه يومًا من الأيام؛ يقول سبحانه: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6]، يقول من عاش في ظلال القرآن: أما الذين يملكون فيفسدون في الأرض، وينشرون فيها البغي والجور، وينحدرون بها إلى مدارج الحيوان، فهؤلاء ليسوا مستخلفين في الأرض، إنما هم مبتلون بما هم فيه، أو مبتلى بهم غيرهم، ممن يسلطون عليهم لحكمة يقدرها الله.

الفائدة السادسة: متى يأتي؟
بند 1:
النصر لا يأتي إلا بعد اجتياز المؤمنين مرحلة الابتلاء والتمحيص بنجاح؛ يقول المولى - سبحانه -: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، يقول "خباب بن الأرت": شَكَوْنَا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظلِّ الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: ((كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، وما يصدُّه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليُتمنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون))[11].

بند 2:
فكلَّما ضاق الخناق على المسلمين، واشتدَّ البلاء عليهم، وبات الأمر ظلمة حالكة؛ يقول المولى - سبحانه -: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110]، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو لم يبقَ من الدهر إلا يومٌ، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جورًا))[12].

إذن؛ لا بدَّ من الثقة في النصر ووعد الله - تعالى - مهما طال الزمان وملأ الظلم الأرض، فلا بدَّ من أن ينقشع بإذن الله - تعالى.

الفائدة السابعة: كيف يأتي النصر؟
بند 1:
نصر الله - تعالى - لعباده المؤمنين في الدنيا له صور وأشكال، إذ يبدأ بنجاح المؤمن في تبليغ دعوته لغيره مهما لاقى من أذًى أو اضطهاد؛ يقول المولى - سبحانه -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110].

بند 2:
والصورة الثانية للنصر أن يظلَّ المؤمنون ثابتين على الحقِّ مهما حاول الكفار إيذاءهم والإضرار بهم، والسبب في ذلك صبر المؤمنين على أذى الكفار والمشركين، وعدم صبرهم هم على عذاب المؤمنين لهم؛ يقول سبحانه: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء: 104]، فسبب صبر المؤمنين أنهم يرجون من الله الثواب والأجر فلا يضرُّهم هذا الألم، أما سبب عدم صبر الكفار على الألم الذي يصيبهم من المؤمنين - حتى لو كان يسيرًا بالمقارنة بأذاهم للمؤمنين - أنهم يرجون الدنيا ولا يرجون الآخرة، فأي ألم يصيبهم ينغِّص عليهم العيش، فلماذا يصبرون على ما يصيبهم من الألم بسبب قتالهم للمسلمين، وفي مكنتهم أن يتمتعوا بالدنيا بخسارة معركتهم مع المؤمنين؟ وذلك في الوقت الذي يوقنون فيه هم حسن خلق المسلمين معهم لو مكنهم الله في الأرض؛ لذا يقول المولى - سبحانه -: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران: 111]؛ أي: ما يصيب المسلمين من ضرر بسبب قتال الكفار لهم ليس إلا أذى يسير، يستطيع المسلم المجاهد تحمّله ابتغاء الأجر من الله، لكن النصر دائمًا يميل للفئة المؤمنة؛ يقول سبحانه: {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [آل عمران: 111].

فكلَّما حاول أعداء الإسلام إيقاد نار الحرب على المسلمين، فإن المولى - سبحانه - يطفئها، ولو قُدِّر أن نجح هؤلاء الكفار في قتال المسلمين، فإن مصير هذه المعركة حتمًا يترجَّح لكفة الفئة المؤمنة، ولا يكون للكفار إلا الفرار والهزيمة، ولا شكَّ أن التاريخ خير شاهد على ذلك في الماضي والحاضر وفي المستقبل، بإذن الله - تعالى - يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود))[13].

بند 3:
والصورة الثالثة: أن يدخل الناس في دين الله أفواجًا، فلا يحول بينهم وبين الدخول في دين الله - تعالى - ظالم أو مفسد، وإنما يكون الطريق للإسلام ممهدًا، وهنا لا شكَّ أن دين الله - تعالى - سوف يظهر على الدين كلِّه؛ يقول سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]، وظهور هذا الدين لن يقتصر على اقتناع الناس بالرضوخ لحكم الإسلام فحسب دون أن يرتضوا بعقيدة الإسلام، وإنما يبدو هذا النصر ظاهرًا عندما يصل هذا الدين لقلوب الناس اقتناعًا منهم بالإسلام كعقيدة ومنهج، وليس كشريعة فحسب[14]؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك بيت مدر ولا وبر[15] إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلاًّ يذل به الكفر[16]))، فالإسلام لن يذل أحدًا، إلا إذا أبى العدل والقسط، فكان الذل أمرًا محتمًا عليه، حتى ينتشر العدل بين الناس بحسب الميزان الذي وضعه الله لهم؛ يقول سبحانه: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 7 - 9].

الفائدة الثامنة: وهل هناك فرق بين النصر والفتح؟
بند 1:
سبق أن ضربنا أمثلة لصور النصر في الدنيا، وذكرنا أن منها أن يتمكن المؤمن من تبليغ دعوته لغيره، فهذا نصر حتى لو فقد ماله ونفسه لأجل ذلك، أما الفتح فهو أعلى مراتب النصر، وذلك حين يدخل الناس في دين الله أفواجًا، وهذا قد ذكرناه كذلك، والفتح - بهذا المعنى المذكور آنفًا - هو المقصود في الدنيا، وذلك حين يراه فريق من المؤمنين، أما في الآخرة فالفتح له معنى آخر، وهو أن ينكشف غطاء الإنسان، فيبصر من أمور الآخرة ما قد كذَّب به في الدنيا إن كان مكذِّبًا، ويتأكَّد يقين المؤمن بالغيب الذي آمن به؛ يقول سبحانه: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}[السجدة: 29].

بند 2:
والنصر بالمفهوم السابق قد وعد الله - تعالى - المؤمنين برؤيته في الدنيا؛ يقول سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر: 51]، أما الفتح فليس بشرط أن يروه؛ إذ في قصة الغلام والراهب والساحر التي ذكرت نهايتها في سورة البروج إشارة إلى هذا المعنى، إذ بعد أن قُتل الغلام المؤمن بالله - تعالى - آمن شعب بأكمله، فهل رأى الغلام هذا الفتح في الدنيا[17]؟ بالطبع رأى النصر عندما تمكَّن من أن يجبر الملك الظالم على أن ينطق بكلمة الحقِّ، لكنه لم ير هذا الفتح في الدنيا، وإنما سوف يراه بإذن الله - تعالى - في الآخرة.

بند 3:
والفتح بالمعنى السابق ليس لزامًا أن يتحقق في كل الأمم، وإنما خصَّ الله به أمة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو القائل: ((عُرضت عليّ الأمم فجعل النبي والنبيَّان يمرُّون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد، حتى رفع لي سواد عظيم قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق، ثم قيل لي: انظر ها هنا وها هنا في آفاق السماء، فإذا سواد قد ملأ الأفق، قيل: هذه أمتك))[18].


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟