ينجمُ عن الاستعاذة ثلاثةٌ مقاصد :
الأول منها:اعترافُ العبد بضعفهِ لأنهُ لا يلجأ ولا يستجير إلا الضعيف اعترافُ العبد بضعفهِ واعترافُ العبد بضعفهِ مقصودٌ شرعي.
الأمر الثاني:في قضية الاستعاذة فيها اعترافٌ من العبد بعظمةً ربهِ وجلالهِ وأنهُ لا يُجيرُ إلا هو وهذا من أعظم مقاصد الشرع .
والأمرُ الثالث:اعترافُ العبدِ بأن الشيطان عدوٌ له وهذا أمرٌ قصده الله في كتابهِ{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً}.
فهذهِ الثلاث تتحرر من قناعة المرء و تلفُظهِ بالاستعاذة .
أما قول ربنا جل وعلا{مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}فالشيطان هُنا إبليس وأعوانه من الجن والإنس لكن من أين مأخوذة مادة شيطان ـ المادة أقصد اللفظية الحرفية لا أقصد المادة الخلقية ، المادة الخلقية مخلوقون من نار ـ الصوابُ أن نقول إنها مأخوذةٌ من الفعل شطن بمعنى بعُد وتنبه يا أُخي إذا كان هُناك بئراً بعيدٌ قعرهُ وتُرمى فيه الدلاء بالحبال أين يكونُ طرفا الحبل ؟ أحدُهما في الأعلى والآخر في الأسفل وإذا قُلنا أنهُ بعيدٌ قعرُه فهُناك بُعدٌ تام بين طرفي الحبل عنترةٌ يقول :
أشطانُ بئرٍ في لبان الأدهمِ
"أشطان بئر" حبال بئر ـ واضح ـ مُتباعد الطرفين هذا التباعُد هو اللفظ المُشتق منهُ اسم الشيطان ، فكما يتباعدُ طرفا الحبل إذا طال فالبُعدُ بين الخير وبين الشيطان كالبعدُ بين طرفي الحبل إذا طال فهو بَعُد عن الخير بكُل وجه ولهذا شطن فسُميَ شيطانا،أما "الرجيم" فإننا نقولُ إن الله ذكر إبليس في كتابهِ بأوصافٍ مشئومة وأسماء مذمومة لكن لفظ الرجيم هو أجمعُ تلك القبائح فيهِ لكن لفظ الرجيم هو أجمع تلك القبائح في الشيطان يعني الوصف أو الاسم الذي تجتمعُ فيهِ القبائحُ كُلها في الشيطان فهو هنا رجيم فعيلٌ بمعنى مفعول أي رجيمٌ بمعنى مرجوم أي مطرودٌ بعيدٌ كُل البُعد عن الخيرِ وعن رحمة الله{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ*وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} ـ نعوذُ بالله من ذلك ـ.
هذا المعنىالعام لأعوذُ بالله من الشيطان الرجيم .
ومن الناحية الفقهية:فإن جمهور العُلماء على أن قراءتها مُستحبة وليست بمُتحتمه،وقال بعضهم بالوجوب هذهِ الاستعاذة .
أما البسملةفهي قول{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.
وجرت عادة العُلماء أنهم يذكرون هُنا خلافهم في هل هي آية من القرآن أو لا ؟
أما هنا في سورة الفاتحة فالذي يتحرّرُ عندي أن بسم الله الرحمن الرحيم آيةٌ من الفاتحة وهي الآيةُ الأولى وبهذا يتحقق القول بأنها السبع المثاني.واتفقوا على أن بسم الله الرحمن الرحيم آيةٌ من سورة النمل{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }.
واختلفوا ـ أي أهل العلم ـ فيما عدا ذالك هل بسم الله الرحمن الرحيم آيةٌ في المصحف أو قُصد بها الفصل والتبرك وليس هذا موطن التفصيل لأن هذا يُخرجنا عن المقصود الأسمى من تفسير سورة الفاتحة .
ثُم قال ربُنا :{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}إذاً على وجه الحقيقة{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}هي أولُ ما افتتح الله بهِ كلامهُلأن الاستعاذة والبسملة الاستعاذة اتُفق على أنها ليست من المُصحف الخلاف في بسم الله الرحمن الرحيم على أن الحمدُ لله رب العالمين يعني بسم الله الرحمن الرحيم كالتغطية لهافـ{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}هي أولُ آيةٍ في القرآن مُتفقٌ عليها خطاً وقد قُلنا مراراً إن العاقل يشتق من القرآن ما ينفعهُ في خطابه فيتحرر من هذا أن يُقال الحمدُ للهِ الذي جعل حمــدهُ أول آية في كتاب رحمتهِ وجعل حمدهُ آخر دُعاءٍ لأهل جنتهِ{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}الحمد المقصود بهِ هنا الثناءُ على الله جل وعلا واللام في"لله" لام الاستحقاق واللام تأتي للاستحقاق وللمُلك وللخواص والمقصودُ بها هُنا الاستحقاق .
{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} العالمين جمعُ ماذا ؟
جمع عالم لكن إلى الآن أنا لم أقُل شيئاً مُفيداً العالمين جمعُ عالم هذهِ سهلة لكن الذي قصدتهُ ماذا ؟ العرب تجمع على قسمين جمعُ قلّة وجمعُ كثرة يقولون في نجم نجوم إذا أردت الكثرة ، وأنجُم إذا أردت القلّة يقولون في شهر أشهُر إذا أردت القلّة وشهور إذا أردت الكثرة .عالمين جمعُ قلّة وجمعُ الكثرة عوالم ومعلومٌ أن العالم بمجموعة المُتفرق عوالم كُثرجداً.
فلماذا ذكر الله هنا جمع القلّة ولم يذكُر جمع الكثرة ؟حتى يُفهم أن العوالم وإن كثُرت قليلةُ في حق ِ مجدهِ وعظمتهِ جل وعلا أن العوالم وإن كثرُت جمعها هنا جمعُ قلّة حتى يُبين أنها مهما كثُرت قليلةٌ في جانب عظمتهِ ومجدهِ تبارك وتعالى .