وهذا للشيخ المغامسي
سورة الفاتحة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه كما يُحبُ ربُنا ويرضى ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ شعار ودثار ولواء أهل التقوى ، وأشهدُ أن سيدنا ونبينا مُحمداً عبدهُ ورسولهُ عبدٌ مُجتبى وحبيبٌ مُصطفى ورسولٌ مُرتضى صلى الله علية وعلى آله و أصحابة ومن على نهجهم اقتفى . أما بعــــد .
هذا اللقاء قد يكونُ مُختلفاً بعض الشيء عن سابقيه وذلك أننا شرعنا في هذه الدروس المُباركة نبدأُ بترتيب السور حسب نزولها مُجتهدين في ذلك ما حرّرهُ أهل العلم من قبل في أوائل ما أُنزل .فبدأنا بالعلق والمُدثر و أضرابها من سور القرآن بحسبِ نُزولها ثُم عرّجنا على سورة النور وهي سورةٌ مدنية لأننا وجدنا أن من المُناسب أن نُعرّج على سورٍ مدنيةً حتى نُعرّج على بعض آيات الأحكام .
وقد منّ الله علينا في هذه القناة المُباركة وفي هذا الدرس المُباركبأن حرّرنا الكثير من السور منها"الكهف ، وطه، والنور، ومن قبل ذلك كُلهِ العلق، والمُدثر،والمسد،والشمس وضُحاها،وغيرُها".
والآن نعودُ للأصل فنبدأبفــاتحة الكتاب ونستمرُ إن شاء الله حتى ننتهي بحول الله وقوتهِ راجين من الله القبول والسداد عند سورة الناس ، فالسور التي سبق الحديثُ عنها لن نقف عندها قطعا وسنستمرُ من الآن بالفاتحة ثم البقرة ، آل عمران ، النساء وهكذا حتى نختم المُصحف بحول الله جل وعلا وفضلهِ وقوتهِ،ونسألُ الله الذي أحسن بنا البدء أن يُحسن لنا المُختتم وأن يغفر لنا ما بين ذلك فهذا تأصيلُ مُهم أو تذكيرٌ مُهم في هذا اللقاء المُبارك.
فعلى هذا يتحرّر أن لقـاء اليوم يتكلم عن((سورة الفاتحة)).
وثمّة أمور دلّ عليها النقل والعقل .
فأما العقلُ:فإن سورةً أمر الله جل وعلا عبادهُ تعبدهُم بأن يتلوها في كُل صلاة فرضاً ونفلا حتى صلاة الجنازة على قلّةِ أركانها جعل الله جل وعلا قراءة الفاتحة مُقررةً فيها يدلُ على عظيم شأن هذهِ السورة .وبدأنا بالأمور العقلية.
ثُمّ ننتقل للأمور النقلية:
النبي علية الصلاة والسلام ثبت"أن ملكاً جاءهُ من السماء وقال لهُ أبشر بنورين أُتيتهُما لم يؤتهُما نبيٌ قبلك فاتحةُ الكتاب وخواتيمُ سورة البقرة"،وأخذ صلى الله علية وسلم بيد أُبيّ ابن كعبوقال :"ألا أُعلمك أعظم سورةً في القرآن"الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"هي السبع المثاني وهي القرآن الذي أُتيتُهُ".
فهذان الحديثان يُغنيان عن ذكر غيرهما لكُل من يعقل في بيان عظيمِ وفضلِ هذهِ السورة المُباركة.
افتتح الله جل وعلا بها كتابهُ خطا ولا نقولُ افتتح بها كتابهُ تنزيلا لأن التنزيل بدأ بالعلق لكن افتتح بها الكتاب خطا فوضعُ سور القرآن الأصلُ أنهُ توقيفي عن الصحابة عن رسول الله صلى الله علية وسلم وهذابإرشاد اللهلنبيهِ فالله جل وعلا جعل الفاتحة فاتحة الكتاب وفاتحةُ الكتاب اسمٌ نبويٌ لها قال علية الصلاةُ والسلام{لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب}.وهي أُم القرآن ،وهي السبعُ المثاني،ولها أسماء توقيفية، وأسماء اجتهادية ، لكن قيل :
في طلعة البدر ما يُغنيك عن زُحل
فما ورد في أسمائها التوقيفية يُغني عن الأسماء الاجتهاديةلأن الأسماء التوقيفية لها تتلألأُ تلألأُ القمركفاتحـة الكتاب ، وأُم القرآن ، والسبعُ المثاني ، والحمدُ لله رب العالمين .
هذا إجمال عن هذهِ السورة المُباركة قبل الشروعِ فيها ولا يكادُ ولله الحمد يجهلُها مُسلم لأن الله تعبدنا بتلاوتها مراراً في اليوم الواحد.
نبدأُ أولاً بمعانيها العظــام قبل الشروع في المُفردات :
فأول معانيها العظامأن الله جل وعلا فيها علّم عباده كيفيةً مُناجاتهِ ولا توجدُ لحظات ولا أوقات هي أجلُّ ولا أعظم من مُناجاة الله تبارك وتعالى،فالربُ جل وعلا هُنا يُعلمُ عبادهُ الطريقة المُثلى والسبيل الأقوم في مُناجاتهِ ، فاهدنا الصراط المُستقيم هذا هو الطلب لكّن ذلك كان مسبوقاً بتمجيد الرب ولهذا عرفتُ العربُ ذلك فجعلت الخُطب ذات الشأن إن لم تكُن مبدوءة بالحمد لله والثناء على ربها جعلت ذلك أبترا كما قالت في خُطبة زياد ابن أبيهِ لما بدأها بغير حمد الله أنها خُطبةٌ بتراء .
والمعنى أن الله أراد بهذهِ السورة الكريمة التي افتتح بها كتابهُ أن يُعلّم عبادهُ كيف يُناجون،ومُناجاة الله جل وعلا مطلبٌ عظيمٌ جليل يُتوصلُ بهِ إلى جليل الغايات وعظيم الأماني وأعذب الآمال.فنقول ذكر الله فيها الحمد على ذاتهُ العلية وإخبار ما لهُ جل وعلا من صفات الكمال ونعوت الجلال.
ثُمّ ذكر قضية التوحيد ثُم جعل بعد ذلك الطلب وهو قولهُ{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}.والعربُ تعرفُ هذا من قبل والله جل وعلا أثبتهُ في مُخاطبة ذاتهُ العلية قال أُمية ابن أبي الصلت يمدحُ عبد الله ابن جدعان :
أأذكرُ حاجتي أم قد كفاني *** حياؤك إن شيمتك الحياءُ
إذا المرءُ أثنى عليك يوماً *** كفاهُ من تعرضهِ الثناء
يعني يُغنيهِ من سؤالك أن يُثني عليك فإذا قال هذا مخلوقٌ في حق مخلوق فكيف بما قالهُ العلي الكبير في حقِ ذاتهِ العلية جل جلاله،فلا أحـد أعلمُ بالله من الله ولا أحد يستحق الحمدُ المُطلق إلا الربُ تبارك وتعالى هذا المعنى الأول وهو المقصود الأسمى .
الأمر الثاني في المعاني الجليلة للآية :بيان قضية التوحيد وهي المُجملة في قولهِ تعالى{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}فلا إله إلا الله كلمة التوحيد قائمةٌ على نفيٍ وإثبات فقولُ لا إله خلعٌ لكُل المعبودات غير الله هذا النفي، والإثباتُ فيها إلا الله وإيّاك نعبُد تقديم الضمير إيّاك هذا حصر أحدُ أساليب الحصر فتقديمُ أسلوب الحصر هنا نفيٌ لكُل معبودٍ غير الله ، والطريقةُ لنفي المعبوداتِ هُنا جاءت بتقديم المعمول وهو إيّاك.وأما الإثبات فهو في قولهِ تبارك وتعالى{نَعْبُدُ}.هذانمطلبان جليلان في التمهيد لسورة.
نأتي لسورة:جرت سنن العُلماء أنهم يبدءون بشرح الاستعاذة وسأحاولُ أن أبتعد كثيراً عن طرائقِ المُفسرين في تفسير هذهِ السورة عندما يُعرّجون على إعراب البسملة والاستعاذة وغير ذلك وإنما نحاول أن نُقدم شيئاً يتعلقُ بهِ العلم الذي ينجمُ عنهُ العمل.الإنسانُ ضعيف شاء ذلك أم أبى قال ربُنا{وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً}والضعيف يحتاجُ إلى من ينصُرهُ خاصةً إذا كان لهُ عدو فالاستعاذة المعنى الحرفي لها : أستجيرُ بالله وألوذ من الشيطان الرجيم في أمر ديني ودنياي هذا المعنى الحرفي .