عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2009-08-26, 12:05 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
هل ستتوكل على الله؟ هل ستثق في وعد الله ؟ فلتسأل نفسك: هل أقوم بأخذ خطوات في حياتي كي أرضي الله وأصلح في حياتي؟ فلا تخف وتوكل على الله وثق في الله، فقد وقفت هذه السيدة أمام هذا النيل الواسع العظيم الكبير بعدما صنعت صندوقًا من الخوص بسرعة شديدة فليس أمامها الكثير من الوقت وعندما همت بأن ترميه لم تستطع، فالأفكار النظرية غير التطبيقية، فالعديد من الناس يقتنعون بفكرة نظرية ما ولكن عند التطبيق لا يستطيعون ذلك وهم هنا يحتاجون إلى تثبيت من الله .

وقد جاء الوحي لأم موسى مرتين وليس مرة واحدة، مرة ذُكرت في سورة القصص ومرة في سورة طه، الآية الأولى كما ذكرنا من قبل: [وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ] {القصص:7} والثانية بعدما كبر سيدنا موسى يقول له الله كيف نجاه: [إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى(38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي اليَمِّ فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)] {طه 38-39}. وقد ذكرت الآيتان هنا لنرى الفرق بينهما، يقول المستشرقون أن هذا تكرار قد جاءها بالفعل مرتين، فالوحي الأول قد جاءها بهدوء ورويّة (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ ... وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي) ثم يقول فأرضعيه وكلمة أرضعيه بها مزيدًا من الوقت وهي كلمة جميلة لها العديد من المعاني الأخرى فأرضعيه حتى يعرف مذاق لبن أمه فيرفض كل السيدات الأخريات ويعود لها فترضعه ولكي يشمها ويشعر بها، فتخيل إن لم تطع الله في هذا الجزء ولم ترضعه وأعطته لجارتها كي ترضعه وقذفته في النيل ففي هذه الحالة لن يعود لها موسى، وفي كلمة أرضعيه أيضًا حنان من الله ففي ملامسة الرضيع لأمه حنان، فيا أمهات أولادكم يحتاجون إلى الحنان، فالله ينقل مشهد الرضاعة في كتابه الكريم، فالوحي الأول يُلقي الفكرة حتى تستقبلها، وفي الوحي الثاني كان الجنود قد جاءوا بالفعل وبدأوا في قرع الأبواب على البيوت المقابلة وسوف يدخلون البيت ويرون موسى فقال لها اقذفيه في التابوت فليس هناك المزيد من الوقت.

يقول الله تعالى لأم موسى (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ) ، فلم يكتف بأن يقول لها أرضعيه وارميه لأن الأم غالية جدًا عند الله، فكان حقًا عليه أن يطمئنها، والنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول الأم يُغفَر لها عند أول طلقة لها وهي حبلى، ويقول يكتب لها وهي تربي ابنها أجر الصائم القائم، فلو لديك ثلاثة أطفال وقد ربيت كلًا منهم مدة 10 سنين أي أنك تأخذين أجر الصائم القائم على مدار 30 عامًا، إنه ثواب وأجر عظيم.



أم موسى ترمي ابنها في النيل:

أين سترمي أم موسى ابنها؟ في نهر النيل، ولكن لماذا نهر النيل؟ لأن جنود فرعون يرمون الأطفال في النيل، فإن كان هناك جندي يراقبها فسوف يتركها لأنها رمت في النيل، وسوف يكتب في دفتره تم الرمي ولن يؤذيها لأن المصري طيب بطبعه ولا يحب الإيذاء، ولكن هناك معنى آخر وراء الرمي في النيل، فإن رمته في هذا النيل الواسع العريض أين سيذهب؟ هناك أكثر من احتمال فإما يأخذه النيل إلى أي مكان بعيد وهنا بالتأكيد لن يرجع إليها، وإما يزداد الموج فينقلب الصندوق، وإما يرميه التيار في البحر فتأكله سمكة، وهنا نرى مدى صعوبة ما كانت أم موسى مقبلة عليه والمغامرة في أنه إما يُذبح وإما تأخذ خطوة للأمام وتتوكل على الله وترميه.

ولكي تشعر بمدى التوكل على الله قم بصنع صندوق من الخوص لتشعر وتحس بم أحست به أم موسى، من مشاعر أم ظُلمت وليس لها إلا الله وليس لها سوى هذا الطريق، فها هي تضعه في الصندوق وترميه في النيل فيجري الصندوق مع التيار، فيا ترى ماذا فعلت قبل أن ترميه؟ هل ضمته؟ هل احتضنته؟ هل قبلته؟ فلتتخيل ماذا فعلت هذه الأم المظلومة، فها هي تبكي وترفع رأسها إلى السماء وتدعو الله، لعلها قامت بالدعاء على فرعون في هذه اللحظة، فالويل لمن يَحرِمُ أمًا من أولادها، فلربما كانت استجابة الله لدعائها في هذه اللحظة هي التي أغرقت فرعون مثلما أجبرها أن لا يكون لابنها طريق سوى البحر، فلا تستهن بدعوة مظلوم خاصة لو كانت من أم حرمت من أطفالها، لعلها قالت حسبي الله ونعم الوكيل وهي ترميه وتراه يفارق أعينها، فأي درجة من التوكل تلك يا أم موسى؟ وبدأ الصندوق في التحرك، ومن ينظر إلى الصندوق يقل [...وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ...] {المدَّثر:31} فهنا بدأت رعاية الله، فقد أصدر الله أمره لجنوده، يا نيل احمل موسى، يا تيار ويا ريح رفقًا بموسى، فعندما تتوكل عليه يسخر لك كل جنوده.

وتقف أم موسى قلقة، على الرغم من توكلها على الله إلا أنها أم، [وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ] {القصص:11} "قُصِّيه" أي ابحثي عن أخيك، "فبصرت به عن جُنُب وهم لا يشعرون" أي كانت تراقبه من بعيد فلم تستطع أن تقترب منه حتى لا يراها أحد، وبقيت تمشي وسط الأحراش تراقب الصندوق وهي مندهشة ومتعجبة لأن الصندوق يمشي وكأن به دفتين يحركانه، فالله قد حدد إلى أين سيتجه، وهنا يظهر لدينا معنى اسم الله الوكيل.



موسى وبيت فرعون:

وتستمر أخته في متابعة الصندوق على الرغم من طول المسافة بين بيوت بني إسرائيل وقصر فرعون حوالي 14-20 كيلومتراً)، ويقترب الصندوق من قصر فرعون وتفزع أخته لأنهم فعلوا ذلك ليبعدوه عن فرعون ولكنه يقترب أكثر وأكثر منه حتى يصل إلى قصر فرعون، فتعود الأخت مرتبكة إلى أمها وتحكي لها ما حدث، يقول تعالى: [وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ] {القصص:10} فقد كادت أم موسى أن تذهب إلى القصر لتخبرهم أنها أمه لولا أن الله ربط على قلبها.

ويقفز الآن إلى أذهاننا سؤال: لماذا جعل الوكيل الصندوق يصل إلى هناك؟ لأن أفضل وسيلة لحماية موسى هي أن يصل إلى القصر ولكن لماذا؟ لأن سيدنا موسى سوف تكون مهمته هي إنقاذ بني إسرائيل الأذلاء من الذل، فهل يعقل أن من يحرر الأذلاء يكون ذليلًا مهانًا، أم يجب عليه أن يكون حرًا؟ بالطبع يجب عليه أن يكون شخصية حرة ولكن لم يكن في مصر حرية في ذلك الوقت ولم يكن هناك مصريون أحرار، لذا فالمكان الوحيد الذي يوجد به حرية هو بيت فرعون، وهناك أيضًا سَببٌ آخر، وهو أن بني إسرائيل محرومون من التعليم وموسى يجب أن يكون متعلمًا تعليمًا جيدًا لأن لا نهضة بدون تعليم، وأمه لا تقدر على تحمل تكلفة تعليمه، لذا فأفضل مكان يتم تعليمه فيه تعليمًا راقيًا هو بيت فرعون وهو من سينفق على تعليمه حتى يزيله موسى في النهاية، فها أنت يا فرعون تقتل كل هؤلاء الأولاد من أجل هذا الولد وها نحن قد أحضرناه لبيتك رضيع لا يملك أي قوة حتى تربيه، أرأيت قدرة الوكيل جلّ وعلا.



موسى وامرأة فرعون:

فيا أيها الناس يا من ظُلِمتم في الدنيا، يا سيدات يا من ظُلِمتن من أزواجكن أرجعوا إلى الوكيل وتوكلوا عليه حق التوكل، يقول تعالى: [فَالتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ] {القصص9:8} فلم يلتقطه فرعون بنفسه ولكن زوجته هي من التقطته، وتتجلى عظمة الوكيل سبحانه وتعالى أن يكون توقيت خروج آسيا امرأة فرعون إلى النيل هو وقت وصول الصندوق فتراه وتُخرجه، فلو كان من أخرجه هو أحد الجنود أو فرعون نفسه لتم قتله، وما أن رأته امرأة فرعون حتى أحبته فيقول تعالى: [.. وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ...] {طه:39} وقد أراد فرعون قتله ولكنها تصدت له ولكل من أراد قتله، فها هو الوكيل سبحانه وتعالى عندما أراد أن يحمي هذا الطفل الرضيع الذي لا حول له ولا قوة من سكاكين فرعون زوده بسلاح الحب، فسلاح الحب أقوى من سلاح القوة، فيا من تسبُّون الناس وتُهاجمونهم تعلموا من القرآن ومن قصص القرآن أن سلاح الحب أقوى وأنفع.

ورضخ فرعون لرغبة زوجته آسيا وهذا يُدلل على قوة المرأة المصرية على ما يبدو، ففي قصة سيدنا يوسف قالت امرأة العزيز اسجنوه فسجنوه، وها هي هنا تقول لا تقتلوه فتنفذ رغبتها ويصدر فرعون قرارًا بعدم القتل وبأنه سيكون ابنه بالتبني وسوف يُطلق عليه ابتداءً من اليوم الأمير موسى فسبحانه الوكيل.



موسى والمرضعات:

وكان الرضيع حتى هذه اللحظة صامتًا لا يبكي ولعل هذا حتى تستطيع آسيا إقناعهم بالاحتفاظ به ولكن بمجرد أن وافقوا وقبلوه بدأ في البكاء، فكم يتحمل الرضيع دون رضاعة؟ تقريبًا 24 ساعة، فها هو هنا يترك أمه عند الفجر ليعود إليها قبل العصر معززًا مكرمًا أي قبل مرور 24 ساعة.

يقول تعالى: [وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ] {القصص:12}، فها هو طابور من المرضعات المصريات حيث أنه ممنوع على أي امرأة من بني إسرائيل دخول القصر وهو يرفضهن جميعًا ولا يقبل الرضاعة منهن كأن الله أمر شفتي موسى أن لا تقبلا الرضاعة، فكأن موسى عاقلٌ وهو رضيع ينظر في وجه السيدات ويقول هذه لا ترضعني وتلك لا ترضعني فهو يبحث عن أمه.

وفي هذه اللحظة دخلت أخته وقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون؟ فمن أين يا مريم أتتك القوة لتدخلي قصر فرعون وتعبري بين الحراس وتقولين هذا الكلام؟ فنظر لها فرعون وقال: "أتعرفينه؟" قالت: "لا"، قال: "من أنت؟" قالت: "فتاة من بني إسرائيل"، فاحمر وجه فرعون غضبًا وفي نفس اللحظة زاد موسى من بكائه كأنه يساعد أخته ويسهل موقفها، وآسيا تصرخ بأن الولد سوف يموت من البكاء وأنهم يحتاجون مراضع بسرعة، فسألها فرعون: "هل لديك مرضعة؟" قالت: "نعم"، قال: "من؟" قالت: "أمي من بني إسرائيل"، فقال: "ولم تريدون أن ترضعوه؟" قالت: "نبتغي الأجر والمال ونحب فرعون"، فقال: "أحضريها" فجاءت أمه، ولنتخيل معًا لحظة دخول أمه القصر يا لها من لحظة يتجلى فيها الوكيل سبحانه وتعالى، وبمجرد أن أمسكته أمه وضمّته ولمس ثديها سكت الرضيع، فدهش كل من في القصر وقال فرعون: "من أنت؟" فقالت أم موسى: "أنا امرأة طيبة اللبن، لا يأتي صبي إلىَّ إلا قبلني ورضع مني"، فإذا بقرار من فرعون أن عينّاكِ مرضعة لابننا ولك الأجر على رضاعته، فسبحان الرزاق فقد كنت سترضعيه يا أم موسى دون أجر إن بقي معك وها أنت ترضعينه وتأخذين المال من عدوّه حتى يكبر ويقضي عليه مثلما ظلمكم، يقول تعالى: [فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ] {القصص:13}.

فلتتوكلوا على الله ولا تخافوا وكونوا مع الله ولا تبالوا فإن الله معكم.








Amrkhaled.net© جميع حقوق النشر محفوظة

يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كانت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخري فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع
التعديل الأخير تم بواسطة يمامة الوادي ; 2009-08-26 الساعة 4:26 AM. سبب آخر: اتمنى نقل الموضوع الى قسم القران


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟