2- رسالة الأسرة:
إنَّ الله تعالى أذِن لهذه البيوت أن تُؤَسَّسَ على تقوى منه ورضوان، وأَمَرَنا أن نعمرها بذِكْره وشُكْره وحُسن عبادته، وجعل لها رسالة، هي إقامة الدِّين، وتربية الأهل والأبناء عليه، ولم تكن سائر الأعمال التي تقوم بها الأسرة إلا مكملة ومساعدة على تحقيق هذه الرسالة، مثل الكسب الحلال، والتداوِي، والترْفيه، وغير ذلك، كلُّ ذلك يكون نابعًا من صُلْب الرسالة، لا مقدمًا عليها في أي حال من الأحوال.
فإذا فَقَد جوهر الرِّسالة وجهل مضمونها، تحولتِ البيوتُ إلى متاحف لعَرْض المنتجات، ومطاعم لصناعة أشهى المأكولات والمشروبات، ومنتديات لعرض الأغاني والمسلسلات والتمثيليات، ولم يَعُد الاهتمام بمضمون الرسالة هو المظْهر الأول السائد في البيوت، وهكذا تنْقَضي الأعمار، ويصعد إلى الساحة جيل غريب عن دينه وأمته، جيلٌ لا هَمَّ له إلا الأكل والشرب والترْفيه، وتغيب حينئذٍ مظاهر الغيرة والرجولة، وتستبدل بها معاني الانفتاح والميوعة، وربما الجهل البسيط والمركب، وقل غير ذلك.
وبناء على ذلك، توجه موارد المنزل إلى أشياء فرعية وثانوية كثيرة جدًّا، وربما يستدان من أجلها المال، وتدخل الأسرة من أجلها في إشكالات مع الآخرين، بينما الرسالة الأساسية للأسرة لا يعار لها أدنى اهتمام، وتصبح مثل اليَتِيم على مائِدة اللِّئام.
3- القوامة:
وهي المقصودة بقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، فالوضع الطبيعي أن يكونَ الرجُل بمقتضى هذا الأمر الرباني هو القائد الأعلى لكافة شؤون المنزل، وهو الذي يتَّخذ القرارات المصيريَّة دون سواه؛ لأنه هو المسؤول الأول أمام الله تعالى، حتى وإن شاركَه سواه في هذه القرارات، فلا يخلو أبدًا منَ المسؤولية، فهو المحاسَب أمام الله تعالى، ولا تبْرَأ ذمَّتُه بذلك.
ولَمَّا خلق الله الرِّجال أكثر حكمة وعقلاً وحصافةَ رأيٍ منَ النِّساء، أسْنَدَ إليه هذه المهمة الخطيرة في شأن الأسرة، فإذا انعكس الأمر وتسلطت النساء على قيادة البيوت، أسند الأمر حينئذ إلى مَن لم يُخْلَق ليمارس فنون قيادة البيوت بحكمة وعقل وحصافة رأيٍ، وسادت العواطف والأهواء، وسائر الأخلاق التي تبرز حينما يتعلم الحمَل الوديع زئِير الأسود، فتفتح أبواب من الشر المستطير، وينشأ الأولاد مستضعفين، والنساء مسترجلات، حينما تخلَّى القائد الأعلى عن مقر القيادة، وتولَّى قيادة السفينة مَن لا يجيدها، ولا قِبَل له بفنونها، فلا يعلم إلا الله في أيِّ اتجاه تبحر، وعلى أي أرض تستقِر، وعلى أي مسافةٍ من الحق تقِف.
وسبب ذلك أنه ما أفْلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأة؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وبمقتضى القوامة يكون دور المرأة ثانويًّا في البيت وليس أساسيًّا، إنَّ الذين يُواجهون المجتمع ويتخاطَبون مع العالم خارج الأسرة هم الرجال، فلا ينبغي ن أ أن يتخلوا عن مَوْقِفهم لتخلفهم النساء، وإلا فسدت الأسرة وفسدت رسالتها، ولا خير في بُيُوت تسوسها النساء، وقد يوجد شواذ ونوادر، خاصة عندما يتخلى الرجل عن مسؤوليته، وله امرأة صالحة، فإنها تحاول أن تسد ولو جزءًا يسيرًا من الدور الذي يفترض أن يقوم به الرجل، ولكن على ضعف واستحياء، والله المستعان.
3- طبيعة دور الرجل وطبيعة دور المرأة:
إنَّ الله خلق الرجُل قوامًا في البيت، هو الذي يُنشئ البيت، وهو الذي يـأتي بالمرأة، وهو الذي يرعى البيت وينفق عليه، وهو الذي يحميه ويتعب من أجل إسعاده وتوفير سُبُل الراحة فيه، وهو الذي يملك قرار استمرار الحياة الزوجية، أو إنهاء مدة صلاحيتها، ولم يعط هذا الحق للمرأة إلاَّ على سبيل الخلع والتظلُّم من المعاملة الجائرة من الرجل، أو عدم كفاءته في قيادة الحياة.
إنه المسؤول الأول عن تحقيق رسالة الأسرة، والتصحيح الدائم لمسارها، ومراقبة انحِراف الأفراد عنها، وتوجيههم باستمرار نحو الهدف العام، والغاية العظمى من إنشاء هذا البيت.
ودور المرأة لا يقل أهمية عن هذا الدور الكبير للرجل، لكنه يعمل في الخلف، فيهتم بتوفير كافة سبل الراحة لأفراد الأسرة، والعناية بالأولاد، وتربيتهم على رسالة المنزل، والعمل باستمرار وبحرص على غرس وتأكيد التفاصيل الكثيرة لرسالة المنزل، من خلال تعويد الأطفال وتعليمهم هذه الجزئيات الكثيرة الصغيرة؛ مثل: الصلاة، والأذكار، والتوحيد، وغرس عقيدة الولاء والبراء، وتزيين الخير، والحث عليه، وتشويه الشر، والتنفير عنه، حتى يتربَّى جيل يحمل رسالة بتفاصيلها، وهو مستعد لنقْلها إلى أسرة أخرى يكون هو الذي ينشئها.
يا بني:
لهذا وجدت الأسرة، وهكذا ينبغي أن تسير، لا كما هو سائد ومعلوم ومعروف في كثير من أُسَر اليوم، حتى ظهر فينا من ينادي بتحرير المرأة من مهمتها هذه، واستبدالها مهمة أخرى، هي الكد والكدح مما لم تُخْلَقْ له، فإن استجابت لهم ضاع العيال، وضاع حق الزوج، ولم يعد أثرها ودورها في غرس مفاهيم رسالة الأسرة واضحًا، إنه الضَّيَاع الحقيقي للبيوت، وتشريد الأولاد، وانتهاك حق الزوج، وبالتالي فَساد المجتَمَعات.
4- الحب جنَّة البيوت، وسِر سعادتها:
اجعلْ بيتك جنَّة، وأدْخِل السرور على الأهْل والعيال، ولا تجعله جحيمًا بكَثْرة الغضب، ورفع الصوت بدون مبرر، بحجة أنك (رجل البيت)، إنَّ الرجولة - يا ولدي - تعْنِي ممارسة القوامة بالحكمة واللين، مع الحزْم في مواطن الخلل، وعدم التهاوُن، إذا انتهكت الحرمات والخطوط الحمراء.
ومن سُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - مُلاعَبة الأهل والعيال، وإكرامهم وتعليمهم بالحسنى، وغرس مكارم الأخلاق، والنَّهْي عن سفاسفها.
إيَّاك والتركيزَ على توافِه الأُمُور، وإشغال وقتك بها، أو إعطائها أكبر من حجمها، عليك أن تكون حليمًا، حكيمًا في تقدير المواقف، فما كان كبيرًا فلا تتركه يمْضِي دون توقُّف منك، وما كان صغيرًا فتعمد أن تتجاهله، مع التنبيه بذكاء إلى تصحيح الأخطاء.
لا بد أن تمارس الحب بمعناه الحقيقي، وليس الحب الأعمى، الذي يعميك عن حقائق الأمور، إنَّ حُبَّ الأهل منَ الدِّين، وهي سنة سيد المرسلين، ولكن لا يمنع من التربية والتوجيه، والغضب بل والضرب المنضبط والهادف وبحب ورحمة أحيانًا، إذا انتهكت الحقوقُ والحُرُمات، وتبَدَّلت رسالة البيت.
إنَّ حب الأولاد أمر في غاية الأهمية، فإذا أحببتهم وبادلوك المحبة، فإنهم حينئذ يسلمون أمورهم وقيادتهم إليك، فتصير بذلك الحبيب والصاحب والصديق، ثم المستشار الناصح، فتجدهم لا يقطعون أمرًا إلا باستشارتك الحنون النابعة عن قلب المحب الصادق.
فإذا لم تمارس هذا الحب، وهذه الصداقة معهم، وحلَّت الفظاظة والخشونة وسوء المعاملة بحجة الرجولة والقوامة، حينها ونتيجة لفظاظتك وخشونتك، وسوء معاملتك، يتركونك ويملّون عشرتك وصحبتك معهم، ويبحثون عن أصدقاء ومستشارين يوجهونهم ويدلونهم، ربما إلى الطريق الذي قد لا يرضيك، ويبعدهم عن رسالة الأسرة، وربما دلوهم على الضَّياع ومواطن الهلاك.
وهذا وضْعٌ طبيعيٌّ يحدُث عندما يتخلَّى الأسد عن عرينِه، حينها تتسلط عليه الذئاب والكلابُ والثعالب؛ ليسدُّوا هذه الثغرة الخطيرة، ثم لا تسل بعدها عن حال فريسة الذئاب وسؤر الثعالب والكلاب.
يا بني:
هذه بعضُ همهمات من عارف بشؤون النساء وأحوال البيوت، أحسب أنها ستنفعك إذا أخذتَ بها، وتفهَّمتَ مسؤوليتك، واستطعتَ أن تجيب عن السؤال الكبير: لماذا تأسَّس هذا البيت؟
ودمتَ محروسًا بعناية الله وتوفيقه، والدك المحب.