وكذلك دعوى الخوف من أن يكون ممن يرغبون في الزواج للمرة الثانية من ليس على قدر المسئولية المطلوب، فمردود عليه بأن ذلك قد يوجد أيضاً فيمن يتزوجون لأول مرة، بأن يكون شخصاً هوائياً وعلى غير مستوى المسئولية.
والعلاج ليس باتخاذ موقف ضد الزواج الأول والثاني، وإنما يكون العلاج بتحسين أسلوب تربية أبنائنا ليكون منهم في المستقبل رجال يعتمد عليهم، ويكون العلاج في تحمل الأسرة مسئوليتها في الاختيار لبناتها سواء كان الذي تقدم لهن قد سبق له الزواج من قبل أو لا.
ولقد رأينا رجالاً تزوجوا الثانية والثالثة والرابعة وهم يعيشون في هدوء قد لا يتوفر في بيوت كثيرة ليس فيها إلا زوجة واحدة، ورأينا من كرم هؤلاء الرجال وهم ينفقون على عشرة أبناء وخمسة عشر ولداً بسخاء يعجز عنه كثير من الآباء الذين ينفقون على ولدين ثم هم يمنون عليهم كل حين بسبب كثرة النفقات.
وليس ذلك لأن هؤلاء المنفقين بسخاء أغنياء بالأصل، وإنما هم قوم وصلوا الليل بالنهار عملاً وعبادة رغبة في الأجر من عند الله عز وجل.
وهم وإن كان الشرع لم يلزمهم عند التعدد بالزواج من النساء ذوات الظروف الخاصة ممن يحتجن مع ضغط الحياة وظروفها إلى الزواج، إلا أنهم يفعلون ذلك طلباً للأجر، وإن سئلوا ستروا، وقالوا: حباً.
وما ذلك إلا بعض من فضائل اتباع سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وشرع ربنا الحنيف.
فإذا بنا بدلاً من أن نعينهم ولو بكف الأذى عنهم، نتهمهم في نواياهم، مع إننا -بحمد الله- لم نؤمر بالشق عن قلوب الناس، ولا بتفتيش الصدور، فهلا احتسبت الزوجة الأولى الأجر هي أيضا عند الله عز وجل؟
الحقيقة إنني لا أعجب من مطالبة النساء في الغرب - قبل الرجال - بإباحة التعدد للرجال، بعدما لاقوه من شرور منع التعدد والطلاق، وما جره عليهم ذلك من جرائم اجتماعية وأخلاقية يندى -لمجرد التلميح بها- الجبين، ولكن العجيب أننا وقد ذقنا بعض من ملامح هذه الويلات لا زلنا نجحد شرع ربنا ونشهر به، ونتملص منه.
وعلاج ذلك لا يتطلب - كما ينادي الكثير من العقلاء- أكثر من أن نُربَّى منذ الصغر على فضل التعدد وكونه أمراً طبيعياً ي الحياة كما رُبِّينا منذ الصغر على عكس ذلك.
أما غيرة المرأة فأمر طبيعي، وهي موجودة حتى بين الإخوة، فهل يقول عاقل بأنه من الظلم للطفل الأول أن نأتي له بأخ ثان وثالث يشاركه حياته وسعادته ومكانه في قلب أبويه؟!
بل والغيرة موجودة حتى بين الجيران والصديقات والقريبات والزميلات في العمل.
وليس ينفع مع الغيرة كالدعاء لله عز وجل بأن يذهبها، ولنا في أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أسوة حسنة، ففي الحديث أنها قالت: "..لما حللت جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني، فقلت له: ما مثلي نكح، أما أنا فلا ولد في وأنا غيور ذات عيال، قال: أنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله، وأما العيال فإلى الله ورسوله، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم". حديث ثابت[2].
وأخيرا أقول للزوجة الأولى:
لما تحصرين حياتك وقدرك وكرامتك على مكانتك في قلب زوجك وحسب؟
ولماذا تقصرين سعادتك ودورك في الحياة على وجود زوجك في حياتك وحسب؟
فإنما زوجك بشر مثلك – وليس إلهاً تطوفين في محرابه- وكلاكما عبد لله عز وجل. ومع تسليمنا بعظم قدر الزوج وشأنه في حياة المرأة، فلا يجب أن ننسى أنها إنما تطيعه وتوفيه حقه طاعة لله عز وجل.
وحري بها من باب أولى أن ترضى بشرع الله، وأن لا تنسى أن في حياتها شئوناً أخرى وأدواراً يجب أن تهتم بأدائها على النحو الأمثل، كالقيام بدورها الأول في رعاية أسرتها وتربية أبنائها، وكالاهتمام بعملها إذا كان يحمل رسالة سامية كمعالجة المسلمات وتنشئة الأجيال، وكذلك تفعيل دورها كامرأة مسلمة في خدمة قضايا أمتها، فضلاً عن الكثير من الطاعات والعبادات التي تحب أن تشغل بها وقتها تقرباً لله عز وجل.
بل وهناك حقها أيضاً في الاستمتاع ببعض وقتها فارغاً من مشاغل الحياة وأعباء الزوج بحيث تستطيع أن تهتم بشأنها وتستعيد لياقتها ورومانسيتها كل حين.
ثم لا تنس امرأة أن زوجها – مادام ليس إلهاً- ككل البشر له عيوبه، وأنه في تواجده بعيداً عنها -بعض الشيء- سترتاح من هذه العيوب ولو قليلاً، وستتضاءل في نظرها حتى لربما تنساها، كما أن له مزايا ستتعاظم في نفسها -مع قليل من البعد- بحيث لن تسمح لشيء أن يعكر عليها صفو الاستمتاع بها في أوقات تواجده معها ومع أبنائها.
وفي الغرب وضعت العديد من الأبحاث والدراسات التي تحث الزوجين على الابتعاد سواء بالسفر كل فترة أو بجعل حجرة نوم منفصلة لكل منهما..
وإنني إذ لا أضع تمام ثقتي في أبحاث ودراسات تتغير كل يوم، أعجب أن لا تثق المرأة المسلمة في أن من خلقها –سبحانه- أعلم بها وبما يسعدها ويحفظ لها كرامتها وأسرتها، فكل ما شرعه الله – عز وجل- لا يأتي إلا بالخير في الدنيا والآخرة.
فإن كنت حقاً تشعرين بأن زواجك وأسرتك وأبنائك نعمة، فلا تردينها بلا حمد ولا شكر جميل.
ولا تسارعي بهدم كل شيء وكأنك تعترضين على الله عز وجل، قائلة إما كل شيء وإما أنني لا أريد شيئاً، واعلمي أن الحياة إلى انقضاء لا محالة، وإننا فيها عابري سبيل، فاغتنمي من السعادة والبر والطاعات ما شئت، واجتنبي من الحزن والظلم والمعاصي ما استطعت.
فالتعدد مباح بفضل الله في شرعنا، وهو قادم لا محالة، يطالب به الغرب الآن، ونطالب به نحن، بعد أن ذقنا وبال البعد عن شرع الله عز وجل ألواناً، وها نحن نعود إليه بعد غياب صاغرين.
وقد باتت المرأة في كثير من المجتمعات الإسلامية اليوم، أكثر معرفة بحكيم شرع ربها، وأكثر قراءة لسنة نبيها صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، وماذا علينا أن تستمتع مجتمعاتنا بجو الطهر والحب والتكافل، في ظل الشرع الحنيف؟!