عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2009-08-05, 11:15 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
40ـ قال ابن حجر رحمه الله (الفتح 2/315): " قوله: كل عبد لله صالح، استدل به على أن الجمع المضاف، والجمع المحلى بالألف واللام يعم " أي يفيد العموم، وهذه من مسائل أصول الفقه.

41ـ قوله:" في السماء والأرض " تعددت الرواية في هذه اللفظة:
ففي رواية:" في السماء والأرض "،وفي رواية:" بين السماء والأرض " وفي رواية:" أهل السماء والأرض " والأظهر والله أعلم الرواية الأولى فقد رواها الأكثر.

42ـ في الحديث تسمية الشيء بجزئه الأهم، فالتحيات تسمى التشهد؛ لأن أهم ألفاظها لفظ الشهادتين في آخرها، وهذا عائد لمنزلة الشهادتين في الدين.

43ـ جاء لفظ الشهادتين في آخرها إشارة إلى أن الأعمال ينبغي أن تختم بالشهادتين، ولهذا من كان آخر كلامه من الدنيا الشهادة دخل الجنة كما ثبت في الأحاديث، فيناسب لفظ الشهادة التأخير.

44ـ يدل اقتران الشهادتين على الإخلاص والمتابعة، فلا يقبل العمل إلا إذا كان خالصاً لله، وموافقاً سنة نبيه صلى الله عليه وسلم،وهذا هو شهادة ألا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله.

45ـ دعاء التشهد من أجمع الأدعية حيث جمع عدة أمور عظيمة:
الثناء على الله بما هو أهله، ثم السلام على رسوله، ثم الدعاء لنفسه، ثم الدعاء لإخوانه، ثم الشهادتين، وهذا من أعجب ما فيه مع اختصار ألفاظه.

46ـ تعدد صيغ التشهد تدل على الإنسان عليه أن يعمل بما عَلِم، من غير تخطئة لغيره إن كان معه دليل، فابن مسعود وابن عباس وأبو موسى رضي الله عنهم أجمعين كلٌ له تشهده الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم، وكلٌ عمل وعلّم ما تعلمه من غير تخطئه لغيره، والاختلاف بين الألفاظ يسير.

47ـ تشهد ابن عباس رضي الله عنه بلفظ:" التحيات المباركات الصلوات الطيبات " وكلها بحذف الواو، وهو أسلوب عربي فصيح، لكن إثباتها أكمل كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه وهذا أحد المرجحات للفظ ابن مسعود رضي الله عنه.

48ـ في تشهد ابن عباس رضي الله عنهما قوله:" التحيات المباركات " يحتمل:
أ ـ أن الواو محذوفة، والتقدير: التحيات لله، والمباركات لله.

ب ـ ويحتمل أن المباركات وصف للتحيات، والتقدير: التحيات المباركات لله، وهو يدل على أن الله يستحق كل تحية مباركة. والأمران محتملان.

49ـ في تشهد ابن عباس رضي الله عنهما في رواية له بلفظ: " سلامٌ عليك أيها النبي، سلامٌ علينا وعلى عباد الله " بتنكير لفظ " السلام " وهو يفيد التعظيم، إلا أن إثبات الألف واللام أكمل في المعنى، ولهذا قال ابن حجر رحمه الله (2/151) " لم يقع في طرق حديث ابن مسعود حذف اللام، وإنما اختلف في ذلك في حديث ابن عباس ".

50ـ انفرد تشهد ابن عباس رضي الله عنه بلفظ " وأشهد أن محمدا رسول الله " والجمع للنبي صلى الله عليه وسلم بين الرسالة والنبوة أكمل من الاقتصار على أحدهما، وهذا أحد المرجحات لحديث ابن مسعود رضي الله عنه.

51ـ في تشهد ابن عمر رضي الله عنهما:" وزدت فيها: وبركاته"، أي بعد قوله: السلام عليك أيها النبي " وزدت: " وحده لا شريك له "، أي بعد شهادة ألا إله إلا الله.
وهذا دليل على أن الصحابة بعضهم يأخذ العلم من بعض؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما لم يزدها من تلقاء نفسه لكن مما سمعه من الصحابة غيره.

52ـ في قول ابن عمر رضي الله عنهما: " وزدت فيها " دليل على أمانة الصحابة في نقل الأحاديث، والتفريق بين ما أَخذه من النبي صلى الله عليه وسلم، وما أخذه من غيره، فشاهت أُعين من يعامل الصحابة كغيرهم في مشروع النقل والتوثيق.

53ـ وهنا مسألة وهي:
لما كان التشهد هو تحية الصلاة، ولهذا يسمى التحيات، فلمِ كان في آخر الصلاة، مع أن التحية موضعها في بداية الأمر؟

والذي يظهر لي - والله أعلم وأحكم - أن المصلي في بداية صلاته استفتح على ربه، فقال دعاء الاستفتاح، ثم خاطب ربه بالفاتحة وقراءة القرآن والذكر والتسبيح والتمجيد له، ثم جلس بين يديه يثني عليه ويحييه بأعظم التحايا ليسأل ربه، فإن المصلي الآن سيطلب من ربه السلامة له ولإخوانه، فناسب التحيات في هذا الموضع؛ لأنها تحية لأجل ما يطلبه من ربه، فهي تحية بين يدي طلب.

54ـ تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لهم كما يعلمهم السورة من القرآن، وتعليم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر دليل على أن التشهد يقال سرا، فلو كان يجهر به لتعلمه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته، قال ابن عبد البر:" وإخفاء التشهد سنة عند جميعهم، والإعلان به جهل وبدعة " أ.هـ

55ـ تعليم عمر رضي الله عنه على المنبر دليل على أن سنته متبعة، وأن ذلك معروف بينهم، وإلا فهو لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم،ومع ذلك لم يعترضوا عليه في ذلك.

56ـ قوله في تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" الزاكيات لله " وهي الأعمال الزاكية، يدل على أن الأعمال منها: الزكي، وغير الزكي الذي لا يقبله الله، وفي ذلك من التمحيص للأعمال والإنسان يقول التحيات الشيء الكثير.

57ـ في تعليم عمر بن الخطاب رضي الله عنه للصحابة على المنبر دليل على الهدف الحقيقي من المنبر الإسلامي يوم الجمعة، وأنه أحد مصادر تعليم الناس.

58ـ صيغ التشهد التي وردت:
أ ـ تشهد ابن مسعود رضي الله عنه، وهو حديث المذكور أعلاه.

ب ـ تشهد ابن عباس رضي الله عنهما، وهو: " التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أنها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله " وفي رواية:" عبده ورسوله " وفي رواية: بتنكير السلام "سلام "، وفي رواية: " واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله " بذكر الشهادة مرة واحدة.

ج ـ تشهد أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: " التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله " وفي رواية:" وحده لا شريك له ".

د ـ تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "التحيات لله، الزاكيات لله، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا... " بقيته مثل تشهد ابن مسعود رضي الله عنه.

58ـ وتكميلا للفوائد سأذكر حكم التشهد: فقد اختلف أهل العلم في التشهد على قولين:

1ـ الجمهور إلى أنه سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نسيه لم يرجع إليه كما في حديث ابن بحينة رضي الله عنه في الصحيح.

2ـ وأحمد إلى أنه واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جبره بسجود سهو كما في حديث ابن بحينة رضي الله عنه أيضا.

والصحيح أنه واجب لأمور:
1ـ لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة كما يعلمهم السورة من القرآن.
2ـ لقوله في حديث أبي موسى " فليقل " وهي صيغة أمر وتفيد الوجوب.
3ـ لجبر النبي صلى الله عليه وسلم له بسجود سهو لما نسيه.

59ـ ما الأفضل من صيغ التشهد؟ في ذلك تفصيل:
أ ـ اتفق العلماء على أن أي صيغة أتى بها المصلي فإنها مجزئة.
ب ـ لم يُخرّج في الصحيحين إلا حديث ابن مسعود رضي الله عنه فهو متفق عليه.

ج ـ واختلف أهل العلم بعد ذلك في الأفضل على أقوال:

1ـ فالحنفية وأحمد رحمهم الله رجحوا تشهد ابن مسعود رضي الله عنه: لأنه متفق عليه، وأصح سندا، وفيه زيادات.
2ـ والشافعية رجحوا تشهد ابن عباس رضي الله عنه لأنه من أصغر الصحابة، وأحدثهم فيكون تشهده من آخر الصيغ التي كان يعلمها الصحابة.

3ـ والمالكية رجحوا تشهد عمر رضي الله عنه لأنه كان يعلمه الصحابة على المنبر.
والأمر بحمد الله واسع، والاختلاف يسير.

60 ـ الجماهير على أن المصلي يختار نوعاً واحداً من الأدعية يقوله في صلاته، ولا يجمع بينها في صلاة واحدة، إلا وجها ضعيفا عند الشافعية أنه يجمع بينها في صلاته.

61 ـ الجماهير على أنه لا يقل البسملة في أوله، ولم يصح في ذلك حديث.

هذا ما استطعت جمعه، حامدا لربي ما منّ به عليّ، مستغفرا له عن ذنوب حجبتني عن درر الفوائد، وألطاف المسائل، سائله السداد والقبول، وصلى الله وسلم على نبينا.