-=¤§ وداع الشهيد §¤=-
وبعد انتهاء المعركة المريرة، وجد جثمان الشهيد راقدا ، وقد أخفى وجهه في
تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية، لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصيبه السوء ، فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره
ويخشاه .
أو لكأنه خجلان اذ سقط شهيدا قبل أن يطمئن على نجاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وقبل أن يؤدي الى النهاية واجب حمايته والدفاع عنه.
وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها ،
وعند جثمان مصعب، سالت دموع وفية غزيرة .
يقول خباب بن الأرت رضي الله عنه :
هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله، نبتغي وجه الله، فوجب
أجرنا على الله ، فمنا من مضى، ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا، منهم مصعب
بن عمير رضي الله عنه ، قتل يوم أحد ، فلم يوجد له شيء يكفن فيه الا نمرة ،
فكنا اذا وضعناها على رأسه تعرت رجلاه، واذا وضعناها على رجليه برزت رأسه،
فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" اجعلوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من نبات الاذخر "
وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه مصاب الرسول صلى الله عليه وسلم
في عمه حمزة، وتمثيل المشركين يجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول صلى الله
عليه وسلم وأوجع فؤاده ، وعلى الرغم من امتلاء أرض المعركة بجثث أصحابه وأصدقائه
الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما من الصدق والطهر والنور ،على الرغم من
كل هذا، فقد وقف على جثمان أول سفرائه، يودعه وينعاه ، وقال وعيناه تلفانه
بضيائهما وحنانهما ووفائهما :
(( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ))
ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي دفن بها وقال :
" لقد رأيتك بمكة، وما بها أرق حلة، ولا أحسن لمة منك ، ثم هأنتذا شعث الرأس
في بردة " .
وهتف الرسول صلى الله عليه وسلم وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل
من عليها من رفاق مصعب وقال :
" ان رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة ".
ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال :
" أيها الناس زوروهم ، وأتوهم ، وسلموا عليهم ، فوالذي نفسي بيده ، لا يسلم
عليهم مسلم الى يوم القيامة ، الا ردوا عليه السلام "