عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2009-07-25, 2:56 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
ثم يقول بعد ذلك مؤكداً على هذه المسألة:
(أول سمة في منهج طالب العلم على أصول قواعد أهل السنة حفظ كتاب الله - عز وجل -؛ لأن طالب العلم يُرجى منه في المستقبل أن يكون مفتياً ومعلماً وموجهاً وناصحاً وخطيباً ومذكّراً، فكيف يحسن ذلك وهو لا يحسن إيراد الآيات من كتاب الله؟ بل ربما لا يحسن تلاوتها على الوجه الصحيح!
هذا خلل كبير يجب أن يُتدارك، ولو أوقف طالب العلم من أجله كل برامجه العلمية! يجب أن يتدارك ولو على كِبَر[26][27].
ومما يدل على أن العلماء كانوا لا يسمحون لطالب العلم أن يبدأ بشيء وهو لم يحفظ كتاب الله تعالى:
ما ذكره الذهبي في السير عن شيخ الحرم الإمام عبدالملك بن جريج - رحمه الله - قال: (أتيت عطاء - يعني ابن أبي رباح - وأنا أريد هذا الشأن، وعنده عبدالله بن عبيد بن عمير، فقال لي ابن عمير: قرأتَ القرآن؟ قلت: لا. قال: اذهب فاقرأه, ثم اطلب العلم. فغبّرت زماناً حتى قرأت القرآن)[28].
وعن أبي العيناء - رحمه الله - قال: (أتيت عبدالله بن داود - الخريبي - فقال: ما جاء بك؟ قلت: الحديث. قال: اذهب فتحفَّظ القرآن. قلت: قد حفظتُ القرآن. قال: اقرأ {وَاتْلُ عَلَيهِمْ نَبَأَ نُوحٍ}[يونس: 71], فقرأت العُشر حتى أنفذته)[29].

وقال الإمام عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي - رحمه الله -: (لم يدعني أبي أشتغل في الحديث، حتى قرأت القرآن على الفضل بن شاذان الرازي، ثم كتبت الحديث)[30].
وفي ترجمة الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة - رحمه الله -, يقول حفيده محمد بن الفضل بن محمد - رحمه الله -: (سمعت جدي يقول: استأذنت أبي في الخروج إلى قتيبة، فقال اقرأ القرآن أولاً حتى آذن لك. فاستظهرتُ القرآن. فقال لي: امكث حتى تصلي بالختمة, ففعلت. فلما عيّدنا، أَذِن لي. فخرجت إلى مرو، وسمعت بمرو والروذ من محمد بن هشام صاحب هشيم، فنُعي إلينا قتيبة)[31].
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (ولقد أخبرني بعض أصحابنا عن بعض أتباع تلاميذ هؤلاء، أنه رآه يشتغل في بعض كتبهم ولم يحفظ القرآن، فقال: لو حفظت القرآن أولاً كان أَوْلى, فقال: وهل في القرآن علم؟!)[32]. الشاهد من هذا نصيحته لهذا الطالب بقوله: لو حفظت القرآن أولاً كان أوْلى.
وذَكَرَ الشيخ محمد بن قاسم - رحمه الله - أنه عندما أراد في أول عمره مساعدة والده - الشيخ عبدالرحمن بن قاسم - رحمه الله في جمع وترتيب فتاوى ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية اشترط عليه أن يُتمّ حفظ القرآن أوّلاً. قال: فأتممت حفظ القرآن كاملاً في ستة أشهر، وبدأت في مساعدته في إنجاز هذا المجموع العظيم[33].
ولقد أحسن صالح بن عبد القدوس حيث يقول:
يا أيها الدارس علماً لن تبلغ الفرع الذي رمته.
ألا تلتمس العون على درسه إلا ببحث منك على أسّه[34]
ومن قرأ في تراجم علماء الأمة المتقدمين منهم والمتأخرين، فسيجد أن حرصهم على حفظ القرآن وضبطه، سمةٌ رئيسةٌ, ومعْلمٌ بارزٌ,
في أول مراحل الطلب:
قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله -: (حفظتُ القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظتُ الموطأ وأنا ابن عشر سنين) ويقول: (كنت يتيماً في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام، فلمّا ختمت القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء)[35].
وذُكِر في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أنه (ختم القرآن صغيراً، ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه والعربية حتى برع في ذلك)[36].
وذَكر السخاوي في (الضوء اللامع 2/36) عند ترجمة الإمام ابن حجر - رحمه الله - أنه حفظ القرآن وهو ابن تسع سنين عند الصدر السقطي شارح مختصر التبريزي[37].
والإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - (استظهر القرآن قبل بلوغه العشر)[38].
والشيخ محمد الأمين الجكني الشنقيطي أتمّ حفظ القرآن في سن العاشرة، ثم بعد ذلك واصل طلب العلم؛ فتعلم رسم المصحف العثماني والتجويد وأخذ بذلك سنداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ودرس بعض المختصرات في الفقه...[39]
والشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - (حفظ القرآن في الحادية عشرة، وقيل: في السادسة عشرة... ثم واصل بعد ذلك طلبه للعلم في مختلف الفنون)[40].
والشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - حفظ القرآن قبل البلوغ، ثم بدأ في تلقي العلوم الشرعية والعربية على أيدي كثير من علماء الرياض[41].
والشيخ حمود العقلا - رحمه الله - حفظ القرآن وعمره ثلاثة عشر عاماً, وذلك في عام 1359هـ، ثم بعد ذلك بسنتين ضبط الحفظ والتجويد، ثم في عام 1367هـ رحل للرياض لطلب العلم[42].
والشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - (قرأ القرآن الكريم على جده من جهة أمه عبدالرحمن بن سليمان بن آل دامغ - رحمه الله - فحفظه، ثم اتجه إلى طلب العلم)[43].
ومثل هذه الصور ما ورد عن كثير من السلف أنهم يختمون القرآن في صلاة الليل كل ثلاث ليالٍ، أو أقلّ أو أكثر، ولم تكن عندهم المصاحف الصغيرة التي انتشرت في زماننا وتفننت المطابع في طباعتها، حتى آل الأمر بكثير من الأئمة في صلاة التراويح أنهم يقرؤون نظراً من هذه المصاحف لا حفظاً من صدورهم, وإلى الله المشتكى.
ومن صور الضبط والإتقان عند السلف:
قال مجاهد (صليت خلف مسلمة بن مخلد فقرأ سورة البقرة فما ترك واواً ولا ألفاً)[44].
وقال أبو بكر بن عياش - رحمه الله -: (كان الأعمش يعرض القرآن، فيمسكون عليه المصاحف فلا يخطىء في حرف) [45].
فعلينا أن نقتفي آثار من سلف، وهذه هي بداية طريقهم في طلب العلم, وكل من سار على الدرب وصل.
شمّرْ وَجِدَّ لأمرٍ أنتَ طَالبُهُ إذ لا تُنال المعَالي قطُّ بِالكَسلِ
أسأل اللهَ الكريم المنان أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين

ــــــــــــــــــــ
[1] مدارج السالكين لابن القيم/ تحقيق رضوان جامع رضوان 2/180-181.
[2] انظر طبقات الحنابلة لأبي يعلى الحنبلي/ مكتبة شبكة المشكاة الإسلامية ص75 .
[3] أنواع العلوم ص30/ وهي رسالة صغيرة مطبوعة, وقال من أشرف على طباعتها: اعتمدنا في طبعنا لهذه الرسالة على "رسائل ابن حزم" تحقيق الأستاذ: إحسان عباس 3/161.اهـ.
[4] تفسير ابن كثير 1/47.
[5] صفة الصفوة لابن الجوزي 2/151.
[6] أخرجه الخطيب في تاريخه عن أبي هريرة رضي الله عنه، انظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم (342) وصحيح الجامع برقم (2328).
[7] أي: يطلبوا شرحه وتعلمه.
[8] مجموعة الفتاوى لابن تيمية/ اعتنى بها أنور الجزار وعامر الباز 7/177.
[9] مجموعة الفتاوى 7/217.
[10] خصائص جزيرة العرب لبكر أبو زيد ص93-94.
[11] مجموعة الفتاوى 7/206.
[12] جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر/ تحقيق أبي الأشبال الزهيري 1/709.
[13] معالم في طريق طلب العلم لعبدالعزيز السدحان ص196.
[14] مجموعة الفتاوى 7/177.
[15] مجموعة الفتاوى 11/540.
[16] جامع بيان العلم وفضله 1/431.
[17] جامع بيان العلم وفضله 2/1129.
[18] مدارج السالكين 1/131.
[19] جامع بيان العلم وفضله 2/1130.
[20] جامع بيان العلم وفضله 2/1129.
[21] الجامع لآداب الراوي والسامع؛ نقلاً من كتاب: من هدي السلف في طلب العلم للشيخ محمد بن مطر الزهراني ص62.
[22] مجموعة الفتاوى12/35.
[23] تذكرة السامع والمتكلم؛ نقلاً من كتاب: من هدي السلف في طلب العلم ص62.
[24] حلية طالب العلم لبكر أبو زيد ص27.
[25] ليت بعضهم إذ أهملوها سكتوا، وكفوا ألسنتهم عن إخوانهم الذين بذلوا جهدهم، وفرّغوا جلّ وقتهم، من أجل حفظ كتاب الله وضبطه، بل شغّبوا عليهم مظهرين في ذلك النصح، ولكن؛ كم من مريد للخير لا يصيبه؟!
[26] ذُكِرَ في [طبقات الشافعية 8/16] عند ترجمة أحمد بن الخليل بن سعادة البرمكي: أنه (كان فقيهاً أصولياً متكلماً مناظراً ديّناً ورعاً ذا همة عالية، حفظ القرآن على كبر، وكان وهو قاضي القضاة يجيء إلى الجامع بدمشق وربما كان بالطيلسان، يتلقن على من يقرئه القرآن كما يتلقن الأطفال).
قلت: إن أمثال هذه الهمم أصبحت مفقودة في زماننا إلا من رحم ربك وقليل ما هم.
بل إنك تعجب من طلبة العلم الذين تتراوح أعمارهم من العشرين إلى الثلاثين ويقولون: قد مضى وقت الحفظ!! سبحان الله؛ طالب علم لا يحفظ! العلم ما حوته الصدور لا ما خُطّ في السطور، ثم هل هناك علم أعظم من كتاب الله؟ أنسينا حديث "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"؟!! أم أنها طغت علينا لوثة العجلة والفوضوية واللامنهجية في الطلب؟! لطفك اللهم...
[27] مادة صوتية مسجلة بعنوان: المنهجية في تلقي العلم لعبدالعزيز الحميدي.
[28] سير أعلام النبلاء للذهبي 6/327.
[29] سير أعلام النبلاء 9/351.
[30] سير أعلام النبلاء 13/265.
[31] سير أعلام النبلاء 14/371-372.
[32] الفوائد لابن القيم ص110.
[33] ورثة الأنبياء لعبدالملك القاسم ص14.
[34] جامع بيان العلم وفضله 2/1140.
[35] صفة الصفوة 2/148 , وجامع بيان العلم وفضله 2/1134.
[36] الكواكب الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية لمرعي الكرمي.
[37] نقلاً عن صلاح الأمة في علو الهمة 1/549 للعفاني.
[38] الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية لأحمد بن حجر آل بو طامي ص15.
[39] ترجمة الشيخ العلامة المفسر الأصولي محمد الأمين الشنقيطيٍ/ مطبوعة ضمن آثار الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي 1/20.
[40] الهمة العالية لمحمد الحمد ص302.
[41] جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز لمحمد الحمد.
[42] ترجمة الشيخ حمود العقلا, لعبدالرحمن بن محمد الهرفي.
[43] ترجمة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، كتبها فهد بن ناصر السليمان في كتاب شرح الأصول الثلاثة لابن عثيمين ص13.
[44] سير أعلام النبلاء 3/425.
[45] سير أعلام النبلاء 6/235.