عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2009-07-22, 11:52 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي عندما تكون الطاقات بلا إمكان
عندما تكون الطاقات بلا إمكان
مصطفى محمود سليخ


عندما تكون ذا مؤهَّلات جيِّدة، وإمكانات قويَّة، وقدرات واعِدة، تظنُّ أنَّك يُمكن أن تفعلَ شيئًا مؤثِّرًا في هذه الحياة لنفسِك أو لأسرتِك أو لمجتمعِك، وتتوقَّع أنَّه ربَّما يمتدُّ تأثيرُه إلى ما بعد حياتك فيكتب لك الخلود، وقد يمتدُّ بك التَّفكير، وتجول بك الأحلام إلى أبعد من ذلك كله.

ولكنَّ الإنسان منَّا إن كان يَملك تلك المقوّمات فقد يفاجأ بالواقع، ويُصْدَم بالحقيقة، فتنهدِم صروح الأحلام، وتتهاوى ناطِحات السحاب، وتتداعى القصور في ذهنِه المتوقِّد، إن لَم يكُن عنصر المادَّة موجودًا.

يقولون: المال ليس كلَّ شيء، فإذا حاولتَ النِّقاش جاءك الجواب: وهل يحقِّق المال لك السعادة؟ هل يُمكنُك أن تشتري الحبَّ بالمال؟! هل تستطيع أن تملك القدرات العقليَّة والنَّشاط الذِّهْني بالدَّراهم والدَّنانير؟!

قد تظُنُّ لأوَّل وهلة أنَّ هذا الكلام صحيحٌ ومقنع، ولكن سيبْدو لك بعد شيءٍ من التَّفكير أنَّه خارجٌ عن نطاق المناقشة، وبعيدٌ عن ساحة الحوار، ومُجانب لموضوع البحث، وفي غير محلِّ النِّزاع، فالكلام ليس في المال وإنَّما في هذه الإمكانات والقدُرات والمواهب، هل يُمكِن أن تخرج إلى حيز الوجود إن لم يكن ثمَّة ما يُخرجها؟ هل يمكن أن تظهر تلقائيًّا وتتحوَّل إلى واقع معيش صروحًا واختراعات واكتشافات؟

كيف نتصوَّر أن تنبت فِكْرة غضَّة من أرض تصلَّبت بصخور التَّفكير في العيش، وجفَّت بِمسؤوليات الحياة؟! كيف تخرج في مواجهة ركام يابس من الهموم والآلام؟! كيف تبصر النُّور في ظلمات الحاجة والعوَز؟!

إنَّ الفقر يقتُل المواهب، ويسحق الإمكانات، ويَمحق الأحلام، قد تقول: إنَّ من النَّاس مَن يَحملون من الآلام والهموم والمواجع ما ذكرتَ؛ ولكن تكون لهم قدُرات خارقة يَحتالون بها على الواقع، وتَخرج أعمالهم إلى النُّور رغْمَ كلِّ الصِّعاب، أقول لك: نعم، لقد بيعت لوحات (بيكاسو) بعد موتِه بمئات الآلاف من الدُّولارات، مع أنَّه عاش في فقر مدقع وحاجة لئيمة.

ولكن هؤلاء كم نسبتهم؟ بل كم عددهم؟ لأنَّهم لا يشكِّلون نسبة بالمائة؛ فإنَّك ستحتاج إلى أصفار كثيرة قبل الفاصلة.

وفي نهاية المطاف، قد تحمل مؤهَّلات عالية، وشهادات رفيعة المستوى، وخبرات واسعة، ولكنَّك قد تضطرُّ إلى العمل عند مَن لا يملك عُشْرَ ما تملِك من المؤهَّلات والخبرات، ويضطرُّك لأن تلتوي تحتَ ذراعه، وتفعل ما يأمرك به.

وبعد ذلك إمَّا أن تدوس خبراتِك وكرامتَك وتعمل.

وإمَّا أن تكون حرًّا فتموت جوعًا.