شباب في لجة الحياة
سحبان فاروق مشوح
يقول - لي ولك - شيخ المعرة:
وَمَا بَعْدَ مَرِّ الخَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ صِبًا وَمَا بَعْدَ مَرِّ الأَرْبَعِينَ صَبَاءُ
في الحياة أسرارٌ موصدةٌ أبوابُها، كثيرةٌ حجَّابُها، وفيها إشاراتٌ عزيزةٌ مداركُها، محميَّةٌ مسالكُها.
والحياة نهجٌ طويل، لاحبٌ تارة، فمضيءٌ ومنير، ومظلمٌ أخرى، كأنما أَقفل على عينيك جفناهما.
والحياة بحرٌ لا يُدرَك طرفاه، ساكنٌ ساجٍ تارة، فآخذٌ باللُّب، وساحرٌ للطرْف، ومضطربٌ متلاطمُ الأمواج أخرى، كأنما أنت منه في جيش لَجب، قد لمعتْ فيه السيوفُ البوارق، وتساقطت فيه الهامات السوامق، فأنت منه منتفضُ الروع، مرتعدُ الجَنان.
والعمرُ في ذلك كلِّه كأنما هو الساري أُفرد وحدَه في ذلك النهج البهيم، مبتهجٌ تارة، فسعيدٌ يغدو إلى الظلالِ هانئًا، ويروح إلى الطبيعةِ منتشيًا، أو مطمئنٌّ قد أمِنَ الفَزَع، فيسكن إلى كلِّ حسنٍ يلقاه، أو نعيمٍ يمرُّ به.
ومكتئبٌ أخرى، فمطرقٌ حزين، يقبح في وجههِ كلُّ جميل يراه، ويمرُّ في فيه كلُّ حلوٍ ذاقَه، أو فَزِعٌ قد أَرهبه كلُّ أليف أو ساكن، حتى إنك لتراه عليلَ الرأس وما به من علةٍ إلا علة نفسه، زائغَ العينين وما به من بأسٍ إلا بأس روعه.
أو كأنَّما هو السفينة خُلِّيَ بينها وبين جلال البحر في سوائه، فمستقرٌّ تارة كأنما هي من البحر شجرةٌ باسقة، يتمايل بها نسيمٌ عليل في أصيلٍ جميل، أو هو منها أرضٌ ثابتة في رسوخٍ متقادم منذ الأزل.
أو مضطربةٌ أخرى، كأنَّما هي كانت على سطحه دخيلةً طارئة، استفزَّت جلاله، واستثارت وقارَه، فهاج بها أيَّما هياج، فلا يدري كائن ما يكون بأهلها.
وإنِّي وأنت لفي هذا أو ذاك، قد درجتْ بنا الخُطى، فانتصف بنا الطريق، وتوسَّط لنا المسلك، وقد عدمنا الخيار إلا فيما نملِك، وما يجدي التفاتٌ إلى وراء، أو تطلعٌ إلى أمام، فلننعمِ النظر فيما نحن فيه، ولنشغلِ الفكر فيما خُلقنا له؛ علَّنا نجد مفاتيح تلك الأسرار، في تتبع هاتيك الإشارات، والله الهادي والموفق.
ثم يقول لي ولك ثانية شيخ المعرَّة:
إِنَّ الشَّبِيبَةَ نَارٌ إِنْ أَرَدْتَ بِهَا أَمْرًا فَبَادِرْهُ إِنَّ الدَّهْرَ مُطْفِئُهَا