بدائل التدليل:
الدلالُ فعلٌ يغرسُ الأنانيةَ في نفس الطفل؛ لذا ينبغي للأمِّ أن تخفيَ عن ابنِها حبَّها الشديدَ له؛ كي لا يتخذَه وسيلةً لارتكاب أفعالٍ غيرِ مُرضيَّة، فيصبحُ عنيدًا قاسيَ الطِّباع.
السببُ الرئيسُ وراءَ إفساد الأطفال بكثرة تدليلِهم: هو تساهلُ الوالدين، وعدمُ تحكمهما في الأطفال، واستسلامهما لبكائهم وغضبِهم، وعدمُ تمييزِهما بين احتياجات الطفل الفعليَّة (كطلبه للطعام) وبينَ أهوائِه (مثل طلبه للعب)، فهما يخافان جَرْحَ مشاعرِ الطفلِ ويخشَيان بكاءَه، ومن ثم يَلجَأان إلى أسرعِ الحلول وأقربها، ويفعلان أيَّ شيءٍ لمنعِ الطفلِ من البكاء؛ ولا يدركان أنَّ ذلك قد يتسببُ في بكاء الطِّفل بصورةٍ أكثرَ على المدى البعيد.
كثيرًا ما يؤدِّي حرصُ الأمِّ إلى شدَّة التضييق على الطفل، حتى إذا ذَهَبتْ به في نزهة، جعلتْه إلى جانبها ولم تسمحْ له بالابتعادِ عنها، وبدأ يُعكرُ مزاجَ الآخرين، فلا هو يلهو اللهو البريء، ولا هو يكفُّ أنينَه وضجيجه.
سمات الطفل المدلَّل:
ويتميَّز سلوكُ الطفل المدلَّل بالفوضى والتلاعُب، مما يجعله مزعجًا للآخرين، وببلوغه السَّنة الثانية أو الثالثة من العمر يكون لديه الكثير من الصِّفات التالية:
- لا يتبعُ قواعدَ التهذيب، ولا يستجيبُ لأيٍّ من التوجيهات.
- يحتجُّ على كلِّ شيء، ويصرُّ على تنفيذ رأيه.
- لا يعرفُ التفريقَ بين احتياجاتِه ورغباتِه.
- يطلبُ من الآخرين أشياءَ كثيرةً، أو غيرَ معقولة.
- لا يحترمُ حقوقَ الآخرين، ويحاولُ فرْضَ رأيِه عليهم.
- قليلُ الصبرِ والتحمُّل عندَ التعرُّض للضغوط.
- يُصابُ بنوبات البكاءِ أو الغضبِ بصورة متكررة.
- يشكو دائمًا المللَ.
مخاطر التدليل:
يخلطُ الكثيرون بين الاهتمامِ بالطِّفل والإفراطِ في تدليلِه، وبوجهٍ عام فإنَّ الاعتناءَ بالطفل شيءٌ جيِّد، وضروريٌ لعملية نموِّ الطِّفل الطبيعيَّة، غيرَ أنَّه إذا زادَ هذا الاهتمامُ عن الحدِّ أو جاء في وقتٍ غيرِ مناسب، كانتْ له أضرارٌ بالغةٌ، كأن يتعارضَ اهتمامُك به مع تعلُّمه كيفَ يفعلُ الأشياءَ لنفسِه، وكيفَ يتعاملُ مع ضغوط الحياة، وكذلك إذا استسلمتِ لطلب الطِّفلِ أثناءَ انشغالك، أو في أعقابِ تصرُّفِه تصرُّفًا خاطئًا يستحقُّ عليه العقاب بالإهمال.
يواجهُ الطفلُ المدلَّلُ مشاكلَ كثيرةً وصعوباتٍ جمَّة إذا بلغَ السِّن الدراسي دون أن يتغيَّرَ أسلوبُ تربيتِه، ذلك أنَّ مثل هؤلاء الأطفال غالبًا ما يكونون غيرَ محبوبين بالمدرسة؛ لفرطِ أنانيتهم وتسلُّطِهم، كما أنَّهم قد يكونون غيرَ محبوبين من الكبارِ أيضًا، أو من والديهم نتيجةً لسلوكِهم وتصرُّفاتِهم، ومن ثَمَّ يصبح هؤلاء الأطفال غيرَ سعداء، الأمر الذي يجعلهم أقلَّ تحمُّسًا واهتمامًا بالواجبات المدرسية؛ ونظرًا لافتقارهم إلى السيطرة على أنفسهم قد يتورَّطون في سلوك بعض تصرُّفات المراهقين الخَطِرة؛ كتعاطي المخدرات، ناهيك عن أنَّ الإفراط في تدليل الطِّفل يجعله غير قادر على مواجهة الحياة في عالَم الواقع.
وتروي لنا إحدى الفتيات قصّتها مع التدليل فتقول:
" نشأتُ كطفلةٍ وحيدةٍ لأمها، كنتُ مصدرَ اهتمامِ الجميع، يخافونَ عليّ لدرجةٍ مبالغٍ فيها، وكان ذلك يضايقُني كثيرًا، ويزيدُ من إحساسي بالحِرمانِ والنقص من شيء ما تحاول أسرتي دائمًا تعويضَه باهتمامها الكبير بي، ودفعي للإحساس بأنني نجمة البيت تربيت على ألا أخدم الغير؛ بل الجميع يخدمونني، لدرجة أنَّ أقاربي كانوا يستهزئون منِّي في كل مناسبة بأنَّني لا أفهم في شؤون البيت، ولا أستطيع أن أعتني بأموري الخاصة، ولن يقبل دلعي في المستقبل أيُّ رجلٍ كيفما كان، ولم أدرك حقيقة تلك الملاحظات إلا بعدَ أن تزوجت، حينها أحسست أنه عليَّ البدء من الصفر كما أنني لم أتخلص من الإحساس من النقص كبنت وحيدة إلاَّ بعد أن أنجبت طفلي البكر، أمَّا قبل ذلك فقد كنت ضائعة بين إحساسي بالوحْدة، وإشفاقي على أمِّي التي تحاول دائمًا تعويضي عن هذا النقص".
من صور التدليل المفرط:
عندما يقول أو يفعل الطِّفل خطأ يؤثِّر سلبًا على شخصيته - خاصَّة عندما يكون هذا الخطأ يُكرَّر وأصبح عادة للطفل - فتكون ردةُ فعْل الوالدين سلبيَّة، ولا يحاولان تعديلَ سلوك الطِّفل لكي لا ينزعجَ، ويعتقدان أنَّه "سوف يصلح حاله عندما يَكبَر"، صحيح أنه قد يبدو أنَّ الطفلَ سعيدٌ بهذا الوضع في الوهلة الأولى لأنَّه حرٌّ، يفعلُ ما يريد ولا يرى من يحاسبه أو يردعه؛ ولكن واقع الأمر ليس كذلك، فالطِّفلُ قد يفقد شعورَه بالأمان؛ لأنَّه تُرك وحدَه يقرِّر من دون أن يشعر بأنَّه يوجد من يساعدُه في اتِّخاذ القرارِ الصحيح إذا ما أخطأ أو احتاجَ إلى مساندة، فشعورُ الطفل بعدم الأمان والتوتُّر قد يكون له تأثير سلبيٌّ على شخصيته، خاصَّة إذا كان المجتمعُ والأفرادُ المحيطون به لا يَقبلون أو يرفضون تصرفاته غير اللائقة.
كيف نتعامل مع الطفل، حتى لا ينشأَ مدلَّلاً؟
أوَّلاً: يجب تحديدُ قواعدِ التهذيب المناسِبة لسنِّ الطفل: وهذه مسؤولية الوالدين، وتهذيب الطفل يبدأ عند بلوغه السِّن التي يحبو فيها، ففي بعض الأحيان قد يكون مفيدًا للطفل إذا رفضْنا طلبه بكلمة "لا"، فالطِّفل بحاجة إلى مؤثِّر خارجي يسيطرُ عليه، حتى يتعلمَ كيفَ يسيطرُ على نفسه، ويكونُ مهذَّبًا في سُلوكه، وسيظلُّ الطفل يُحبُّك حتى بعد أن ترفض طلبه، فحبُّ الطفل لك ليس معناه أنَّك أب جيِّد، أو أمٌّ جيِّدة التربية.
ثانيًا: إلزامُ الطفل بالاستجابة لقواعدِ تهذيب السُّلوك التي تمَّ وضعُها: فمن المهمِّ أن يعتادَ الطفلُ الاستجابةَ بصورةٍ لائقةٍ إلى توجيهات والديهِ قبلَ دخولِه المدرسةَ بفترةٍ طويلة، ومِن هذه التوجيهات: جلوسه في مقْعد السيَّارة، وعدم ضرْب الأطفال الآخرين، وأن يكون مستعدًّا لمغادرة المنزل في الوقت المحدَّد صباحًا، أو عند الذَّهاب إلى الفِراش، وهكذا، وهذه النظم التي يضعها الكِبارُ ليست محلَّ نقاش للطفل، إذا كان الأمر لا يحتمل ذلك .
غير أنَّ هناك بعض الأمور التي يمكن أن يؤخذ فيها رأيُ الطفل؛ منها: أيُّ الأطعمة يأكل؟ وأيُّ الكتب يقرأ؟ وماذا يريد أن يلعب؟ وماذا يرتدي من الملابس؟... إلخ.
ثالثًا: التمييز بين احتياجات الطِّفل ورغباته: فقد يبكي الطفل إحساسًا بالألم أو الجوع أو الخوف، وفي هذه الحالات يجبُ الاستجابة له في الحال، أمَّا بكاؤه لأسبابٍ أخرى، فلن يُسبب أيَّة أضرار له، وفي العادة يرتبط بكاء الطفل برغباته وأهوائه، والبكاء حالة طبيعيَّة نتيجةَ حدوث تغيُّر أو إحباط للطفل، وقد يكون البكاء جزءًا من نوبات الغضب الحادَّة، فتجاهليه ولا تعاقبيه؛ وإنَّما أخبريه أنه طفل كثيرُ البكاء، وعليه أن يكفَّ عن ذلك.
وعلى الرَّغم من أنَّه لا يجوز تجاهُل مشاعر الطفل، فإنه يجب ألاَّ تتأثَّري ببكائه، ولكي تعوضي الطفل تجاهلَك له عندَ بكائه، ضمِّيه وعانقيه ووفِّري له الأنشطة الممتعة في الوقت الذي لا يبكي فيه، أو لا يكون غاضبًا، وهناك بعض الأحيان التي يجب أن تتجنبي فيها الاهتمامَ بالطفل أو ملاعبته مؤقَّتًا؛ كي تساعديه على تعلُّم شيءٍ مهم.
رابعًا: لا تسمحي لنوبات الغضب عندَ الطفل بالتأثير عليك:
فالطفل أحيانًا تنتابه نوباتُ غضب حادَّة كي يجذبَ انتباهك، أو لكي يَثنيَك عن عزيمتك وتُغيِّري رأيك، ومن ثَمَّ يحصل على ما يريد، وقد تكون نوبات الغضب على شكل نُواح أو تذمُّر أو شكوى، أو بكاء أو كتْم النفس، أو أن يرتطم الطفل بالأرض، وما دام الطفل يبقى في مكان واحد، وليس متوتِّرًا بدرجة كبيرة، وليس في وضْع يعرِّضه للأذى، فأهمليه أثناءَ هذه النوبات، ومهما كان الأمر يجب ألاَّ تستسلمي لنوبات غضبه.
خامسًا: لا تغفلي عن التهذيب، حتى في وقت المتعة والمرح:
إذا كان كِلاَّ الوالدين يعملان فربَّما يرغبان في قضاء جزء من المساء بصُحبة الطفل، وهذا الوقت الخاص يجب أن يكون ممتعًا؛ ولكن ليس معنى هذا أن يتهاونَا في تطبيق قواعد التهذيب، فإذا أساء الطِّفل السُّلوك يجب تذكيرُه بالحدود التي عليه التزامها.
سادسًا: استشيري طفلك بعد الرابعة من عمره:
لا تتحدَّثي كثيرًا عن قواعدِ السُّلوك مع الطفل إذا كان عمرُه عامين؛ فالأطفالُ في هذه السنِّ لا يتقيَّدون بهذه القواعد، أمَّا عندما يبلغ أربعَ أو خمسَ سنواتٍ من العمر، فيمكنك أن تبدئي بشرْحِ الموضوعاتِ التي تتعلَّقُ بتهذيب السُّلوك، وإن كان ما زال يفتقرُ إلى فَهْم هذه القواعد، فعليك إفهامَه ومحاولة إقناعه، لا سيما قبلَ دخوله المدرسة الابتدائية، أمَّا عندما يبلغ الطفل سنَّ المراهقة - من أربعة عشر عامًا إلى ستَّة عشر عامًا - فيمكن مناقشته كشخص بالغ، وفي تلك المرحلة يمكنك أن تسأليه عن رأيه في أيٍّ من هذه القواعد والعقوبات.