عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2009-07-07, 5:45 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي متى نتعلم الشجاعة؟!
متى نتعلم الشجاعة؟!
فاطمة عبدالمقصود



لكل إنسان بيئة خاصَّة وبيئة عامة، وبيئة الإنسان الخاصَّة هي الأكثر تأثيرًا عليه؛ إذ ينطبع في ذهنه ما لقَّنته إيَّاه المدرسة الأولى من أفكار وآراء، ويَمتلئ وعاء قلبه بالمبادئ والتصوُّرات التي غرستها تلك البيئة في طريقه.

وحين تحتضنه مدرسة الحياة، ويدخل مختبراتِها، فإنه يقرأ نتائج تجاربه، كما علمته البيئة الأولى؛ بل يبحث عن القراءات التي تشاكل مضمون عقله وفكره، يتعلم ويتعلم، يقرأ ويلتهم المزيد؛ لكنَّه لا يقرأ إلا نفسَ الصفحة، ولا يطالع إلا ذات الصورة.

وذلك الارتباط بالمتراكم في الدَّاخل دون فهم أو تفنيد هو ما يسبب أزمة الوعي والفهم في قضايانا المختلفة، وليس معنى هذا أنْ يبيع الإنسان بيئته، ويرفض قناعاته، وأن يبدأ من جديد في كل مرحلة، كلاَّ؛ فهذا نوع من فُقدان الذات لا نرضاه، وإنَّما نبحث عن صنف من البشر لديه الشجاعة التي تُمكنه أن يبحث عن الحق والصواب في أي وقت جاءه، وفي أي مرحلة وصل إليها، وأن يكون مؤهلاً لتغيير قناعة أو رأي، متى وضح له فساده وعدم صوابه، وقد لا يصل الأمر إلى المبادئ والأفكار الأساسيَّة، إنَّما مجرد إدراك لتغير الواقع، وتتابع الأحداث، وضرورة إعمال العقل والفهم المستنير لحياة سريعة متغيرة.

إننا عندما نعرض الإسلامَ على الآخرين، فإننا نُطالبهم بإعمال العقل، ونسيان ما قرؤوه وسمعوه من مُغالطات عن الدين الحق، فإذا كنَّا نرجو من الآخرين هذا التغيير الهائل - وهو ما نرجوه للعالم أجمع من هداية وتوفيق - فلماذا نرى الأمر شاقًّا علينا وصعبًا، مع الفارق أننا لن نغير دينًا، بل بعض آراء ندافع عنها بشراسة؛ لمجرد أننا ورثناها، وتغلغلت في أعماقنا منذ بواكير حياتنا.

إنَّ التاريخ يعلمنا أنَّه لا يصمد للأمواج الهادرة والعواصف، التي لا تكفُّ عن الهبوب في عالم اليوم إلا من راجع نفسه يومًا بعد يوم، وعرف أين يقف، وما أولئك الذين يقرؤون نفس الكتاب، وإن اختلف العنوان بقادرين على الإبحار بأمان في مُحيطات بالغة العمق والاتِّساع.

علينا إذًا أن نكفَّ عن صبغ بعضِ أفكارنا بافكار لا أصلَ لها سوى في خيالاتنا، وما عدا الأساس الحق واليقين الثابت، فلنراجع فيه العقل والقلب معًا بعد أن يكون لنا تَجوال مع لآلئ الغوَّاصين المهرة، وليس أولئك الذين تبهرهم فقاعات فارغة على السطح لا تلبث أن تزول.

إنَّ أمتنا بحاجة إلى تلك الشجاعة التي تُمكننا أنْ نقول لأنفسنا بلا خجلٍ: كان تفكيري خطأ في هذا الأمر، أو كنت حقًّا أجهل تلك الحقيقة.