حنين
فاطمة جمل الليل
في ذلك المساء الهادئ جلست تفكِّر، تحاول عبثًا لملمة أفكارها المشتتة، جالت في أركان ذاكرتها، واستوقفتها ذكرياتٌ جميلة، أمور افتقدتها، نعم، يفتقد المرء أمورًا ليست بالضَّرورة أن تكون ملموسة، لحظات حلوة تتبخر في ظل مشاغلِ الحياة وتقلُّباتها التي لا تهدأ، كالطقس تتلون أَرْدِيتُه ضمن الفصول الأربعة.
تحرَّكت عيناها كأنَّها تتجول جسدًا لا فكرًا، ذكريات الطُّفولة ما أجملها! وقع نظرُها على قلمها، أحسَّت "بحنين" غريب نحوه.
أنكرت ذلك الشُّعور؛ فهي تمسكه بين أصابعها غالب الوقت، وإن لم يكُن فهو أمام نَظَرِها دومًا، فلِمَ الحنين؟!
قلبت صفحات دفترها الأثير، تقرأ كلمات خطتها بمدادها، وشرعت تكتب ولكن أفكارها متوقِّفة، علمت سرَّ ذلك الشُّعور بالحنين نحو قَلَمِها فهي تفتقده، أو بالأحرى هو يفتقد أن تسكب به حرفًا عذبًا يروي الفكر ويُريحُ النفس؟
ما زالت تمسك به تخط حرفًا ثم تشطبه، الأفكار كثيرة ولكنَّها مُبعْثَرة، ولم يتقدَّم من يدير تلك الكلمات في حوار بديع يستحق القراءة.
لم تيأس من المحاولة، فكُلَّما راودتْها فكرة، هَرَعَت لدفترها تُدونها، فلرُبَّما تزاحمت الكلمات لحظةَ صفاءٍ على مستودع الحبر، كلُّ واحدة تنتظر أن تتحرر؛ لأنَّها توقن أن سجنها يجعلها عديمة الفائدة.