شريف عبدالمجيد
أَسْلَمَ اليَوْمُ أَمْرَهُ لِلرَّحِيلِ وَسَجَى اللَّيْلُ فِي ضِفَافِ الأَصِيلِ
وَالدُّجَى أَعْقَبَ النَّهَارَ رَفِيقًا نَاسِخَ الحَرِّ، نَافِحًا بِالعَلِيلِ
وَعُيُونٌ عَلَى المَدَى قَدْ تَرَامَتْ تَنْقُطُ الضَّوْءَ فِي وِشَاحٍ كَحِيلِ
وَمَضَى القَوْمُ يَنْشُدُونَ مَرَاحًا يُثْلِجُ الصَّدْرَ مِنْ عَنَاءٍ طَوِيلِ
وَعِذَابُ المُنَى تَمُدُّ جَنَاحًا لِلمَرَاكِيبِ فِي ضِفَافِ الأَصِيلِ
وَالمَسَرَّاتُ بَيْنَهُمْ تَتَهَادَى جَنَّةَ السِّحْرِ وَالرِّضَا وَالقَبُولِ
وَالصَّبَابَاتُ فِي الغُرُوبِ نَشِيدٌ وَأَفَانِينُ مِنْ رُؤًى وَفُصُولِ
يَنْتَشِي بِالعَبِيرِ مِنْهَا شَبَابٌ يَجْتَنِي الوَصْلَ فِي رِحَابِ النَّخِيلِ
وَانْبَرَى يَحْجُبُ المُنِيرَ شَفِيفٌ يَحْفَظُ السِّرَّ عَنْ عُيُونِ الفُضُولِ
فَإِذَا ظِلُّهَا الظَّلِيلُ جَنَاحٌ خَافِتُ النُّورِ بِالشُّعَاعِ الضَّئِيلِ
• • •
وَاكْتَفَى بِاليَسِيرِ مِنْهَا غَرِيبٌ شَاحِطُ الدَّارِ عَابِرٌ لِلسَّبِيلِ
هُوَ فِي مَيْعَةِ الشَّبَابِ وَلَكِنْ مُثْقَلُ الخَطْوِ، كَالعَجُوزِ الهَزِيلِ
هَكَذَا دَأْبُهُ، يَكُدُّ وَيَلْقَى غَايَةَ الشَّوْطِ نَخْلَةً لِلمَقِيلِ
يَسْرَحُ الطَّرْفُ فِي مَدَاهَا طَوِيلاً ثُمَّ يَرْتَدُّ فَاقِدًا لِلدَّلِيلِ
قَارِسُ البَرْدِ عَضَّهُ فِي اللَّيَالِي وَالأَعَاصِيرُ فِي الزَّمَانِ الفَعُولِ
وَسَفِينٌ شِرَاعُهُ قَدْ تَهَاوَى وَالمَجَادِيفُ مِنْ ذِرَاعِ الكَلِيلِ
كُلَّمَا لاحَ فِي البِعَادِ بَصِيصٌ طَمَّهُ المَوْجُ عَالِيًا بِالسُّيُولِ
فَاكْتَفَى، حَسْبُهُ السَّلامَةُ مِنْهَا لائِذًا مِنْ لُجِّيِّهَا بِالقُفُولِ
خَاضِعًا خَانِعًا، يَسِيرُ وَئِيدًا سَاهِمَ الطَّرْفِ فِي فَرَاغِ الأُفُولِ
وَانْزَوَى للنَّخِيلِ يَرْجُو رَفِيقًا يَمْسَحُ النَّزْفَ فِي الدُّجَى المُسْتَطِيلِ
• • •
أَيُّهَا النَّخْلُ، أَنْتَ مِثْلِي غَرِيبٌ فَاقِدُ الدِّفْءِ نَابِتٌ فِي المُحُولِ
أَنْتَ فِي مَوْطِنِ الثَّرَاءِ عَدِيمٌ نَاحِلُ التَّمْرِ آيِلٌ لِلذُّبُولِ
وَغُبَارُ السِّنِينَ أَوْدَى بِحِلْمِي وَهَوَى الصَّرْحُ فِي التُّرَابِ المَهِيلِ
أَيُّ شَيْءٍ أَفَدْتُهُ فِي اغْتِرابٍ غَيْرَ وَهْمٍ مِنَ المُنَى المُسْتَحِيلِ؟
وَالمَقَادِيرُ لَمْ تُفِدْ غَيْرَ آهٍ وَشَظَايَا تَبَعْثَرَتْ فِي الطُّلُولِ
فَانْبَرَتْ تَسْكُبُ التَّصَاوِيرَ طَيْفًا يُوقِدُ الجَمْرَ فِي الرَّمَادِ البَلِيلِ
لِلمُسْتَرَاحِ الَّذِي كُنْتُ أَحْبُو وَتَمَدَّدْتُ فِي أَدِيمِهِ وَالسُّهُولِ
وَالحَوَارِي الَّتِي تَرَعْرَعْتُ فِيهَا وَتَقَلَّبْتُ فِي شِعَابِهَا وَالقَبِيلِ
وَأَحِبَّاءَ مِنْ نَوَاهُمْ فُؤَادِي يَسْأَلُ اللَّيْلَ نَفْحَةً لِلغَلِيلِ
صُحْبَةٌ تَحْفَظُ الوِدَادَ ثِقَاتٌ مِلْءَ أَعْطَافِهِمْ وَفَاءُ الخَلِيلِ
بَاعَدَتْ بَيْنَنَا الحَيَاةُ، فَكُلٌّ دَرْبُهُ الدَّرْبُ وَانْكِسَارُ النُّصُولِ
فَأَعُودُ المَهْزُومَ، مِلْءَ ضُلُوعِي حَسَراتٌ عَلَى الزَّمَانِ الجَمِيلِ
• • •
أَيُّهَا النَّخْلُ، أَنْتَ فِي الغَرْبِ جَاِري وَمُؤْنِسِي عَلَى النَّوَى وَدَلِيلِي
أَتُرَى تَنْمَحِي الدُّجُنَّةُ عَنِّي وَأَرَى الخِصْبَ تَالِيًا لِلمُحُولِ؟